*الفصل الأخير*

760 56 18
                                    

" بسم الله الرحمن الرحيم "
****************الفصل الأخير****************

" نهاية غير منطقية "

مرت عدة أيام كانت الأوضاع بها هادئة جدًا بين " نجمة " و " سيد " الذي أكتشف بها العديد من الصفات الجميلة التي أبهرته، حتى أنهُما تبادلا أرقام الهواتف وبالتدريج بدأ يشعر بالألفة تجاهها ويُحب محادثتها، كما أنه قام بتوصيلها للمنزل عدة مرات وبالطبع لم ينسى أن يحضر لها " الأيس كريم " الذي أصبح حلواهُما المُفضلة معًا، أقترب منها كثيرًا حتى باتت " نجمة " كالإدمان بالنسبة إليه، لقد صدق حديث السيد " صابر " من قبل عندما أخبره أن ابنته ليست كما تحاول أن تُظهر، كان يقف بالمطبخ يقوم بتقطيع اللحوم بعقلٍ شاردٍ، يُفكر في مشاعره التي يشعر بها للمرة الأولى تجاه فتاة، لم يكُن " سيد " شاب متعدد العلاقات ولم يحاول يومٍ أن يقترب من إحداهُن لكن ما يشعر بهِ مع " نجمة " يُربكه كثيرًا ولا يجد تفسيرًا لهُ، أنتبه أنها لم تأتي حتى الأن على غير عاداتها فهي فاجأته أيضًا بأنها مُنضبطة بمواعيدها كالسيف، ترك ما يفعله وتوجه إلى هاتفه يلتقطه ويقوم بطلب رقمها، ثوانٍ وأتاه الرد فهتف قائلًا بلهفة لم يستطيع أن يتحكم بها:- إيه يا " نجمة " إنتِ إتأخرتي أوي كدة ليه!!
أجابت قائلة بعفوية:- معلش كنت في مشوار مع " قمر " وجاية في الطريق أهو.
أبتسم براحة لأنها بخير وهتف قائلًا:- ماشي أنا مستنيکِ متتأخريش.
أغلق معها الأتصال وعلى وجهه أبتسامة واسعة لكنها أختفت سريعًا عندما صدح صوت " كرم " الذي كان يقف جانبه قائلًا بخُبثٍ:- الله الله الله على الأبتسامات والهمسات يا جدعان.
توتر " سيد " قليلًا لكنهُ هتف قائلًا بثبات:- مش فاهم، قصدك إيه يعني!
غمزهُ " كرم " قائلًا بمرح:- قصدي إن شكلك وقعت وحلمي بيتحقق أهو بيتحقق.
أزداد توتره أكثر عندما تذكر حلم " كرم " وتيقن من أن الحلم يتحقق الأن، شحبت ملامحه وتسارعت نبضات قلبه، أنتبه صديقه إلى ملامحه وأدرك ما يُعانيه لذلك أقترب منهُ وربت على كتفه قائلًا بهدوء جاد:- أنا حاسس بيک بس خوفك من إنك تحب وتتحب وتبني حياة وأسرة دة غلط، ربنا زي ما خلق الحياة خلق الموت وأنت راجل مؤمن وعارف كدة، متخليش وفاة والدك ووالدتك يأثر فيک بطريقة غلط، سيب نفسك يا " سيد " وسيب قلبك يحبها دة إذا مكنش حبها أساسًا.
نظر إليه " سيد " بألم وكاد أن يتحدث لكن صدح صوتها قائلة بمرحٍ وهي تقتحم المطبخ بصخبها المُعتاد:- صباح الخير والجمال.
نظر إليها سريعًا لكنهُ تجمد عندما رأى أبتسامتها الجميلة ترتسم على شفتيها، كانت خلابة بفستان أخضر بلون الزرع بأكمام طويلة، ضيق من عند الصدر وينزل بأتساع من الخصر، كان يليق كثيرًا مع تقسيمة جسدها الممتليء، بينما خصلاتها السوداء القصيرة تركتها حُرة كما هي ولم تضع مساحيق تجميل كعاداتها، كانت ناعمة وجذابة، بهذه اللحظة أدرك أنها خطفت قلبه ولم يعُد ملكهُ، أنتبه " كرم " إلى حالة صديقه فخشى أن نتنبه هي الأخرى إليه لذلك صاح قائلًا بأبتسامة:- صباح النور يا " نجمة ".
أبتسمت لهُ برقة ثُم نظرت إلى ذاك الذي ينظر إليها بصمتٍ وملامح بلا تعبير، حركت كفها أمام وجهه قائلة بتعجُب ومازالت تحتفظ بأبتسامتها الرقيقة:- هاي! إيه يا " سيد " أنت نايم وأنت واقف ولا إيه!
أنتبه إلى حالته ولعن نفسه على وقوفه كالأبله أمامها هكذا، تنحنح قائلًا بتوتر:- لا صاحي، حمدالله على السلامة.
لم ينتظر إجابتها بل تحرك من أمامها وأنشغل بالعمل بملامح واجمة صامتة، تعجبت " نجمة " كثيرًا وبداخلها شعرت بالحُزن لتجاهله لها، لوهلة أعتقدت أنها أصبحت قريبة منهُ، كما أنها بعد تقاربهُما الملحوظ بدأت تشعر تجاهه بشيءٍ لا تفهمه لكنهُ يدغدغ مشاعرها، لكن على ما يبدوا أن الأمر بأكمله وهميًا وبخيالها هي فقط، أنتبهت إلى " كرم " يستأذنها بالعودة إلى عمله كمدير المطعم بينما هي تنهدت بحُزن وذهبت لتُبدل ثيابها وتعود تقف بجانبه وتبدأ هي الأخرى بتقطيع الخضروات من أجل قائمة طعام اليوم، كان الصمت حليفهُما ومع وجود أثنان من المُساعدين معهُما لم تستطيع أن تسأله عما بهِ، أستمر الصمت حتى أتى وقت أستراحة العمل لكن " نجمة " كانت قد وصلت إلى أقصى درجات غضبها من صمته وتجاهله لها لذلك رفضت أن تأخذ أستراحتها وأستمرت بعملها بينما هو كان قد لاحظ غضبها فأمر المُساعدين بالذهاب ووقف هو بجانبها يُراقبها وهي تعمل حتى همس قائلًا بعدم فهم مُصطنع:- هو في حاجة مزعلاکِ!
نظرت إليه بطرف عيناها وكادت أن تتجاهله كما تجاهلها طوال اليوم لكنها أجابت بالنهاية قائلة ببرود:- لأ،  وهو في إيه يزعل يعني!
أدرك أن غضبها وصل للقمة وقبل أن يجيب كانت تصدر منها صرخة ألم مكتومة نتيجة جرح أصبعها بالسكين الحاد، أقترب منها سريعًا ألتقط كفها بلهفة قائلًا:- أتعورتي جامد! واريني كدة.
كان إصبعها ينزف دمٍ بغزارة، سحبها نحو صنبور المياه وقام بغسل كفها لكن الدم لم يتوقف، توجه إلى المرحاض الخاص بالعاملين وأحضر علبة الأسعافات الأولية وبدأ في تضميد الجرح جيدًا، وأثناء أنشغاله هتف قائلًا بتوتر:- هيوجعك شوية بس هيخف إن شاء الله، مش تخلي بالك يا " نجمة "!
كانت " نجمة " مشدوهة حقًا من نظرات الرُعب التي ظهرت بعيناه، فالألم بإصبعها طفيف وهي مُعتادة على مثل هذه الأصابات لكن هو من أذهلها، أصابعه التي ترتعش وهو يُضمد جرحها خوفٍ من أن يؤلمها أكثر، نبرته التي ظهر بها قلقه عليها بشدة دون أن ينتبه، كل هذا شيءٍ ولمساته الحانية على بشرتها شيءٍ أخر، للمرة الأولى تختبر معنى " اللمس "  من رجُلًا غير والدها، تواثبت دقات قلبها وأهتز جسدها بأكمله بينما ملامحها كانت مُرتبكة تشوبها البلاهة، في تلك اللحظة أنتبه هو إلى صمتها، رفع نظراته إليها ليتفاجيء بملامحها الشاحبة، تصنم أمام نظراتها التي تلتمع ببراءة خطفت لبُه، كان قريبًا منها كثيرًا حتى أن أنفاسهُما تكاد أن تتمازج سويًا، شعاع المُغيب مُسلطٍ عليهُما من خلال نافذة المطبخ مما أعطاهُما أجواءً دافئة دغدغت مشاعرهُما معًا، همس " سيد " بنبرة خافتة ناعمة دون أن يشعر بما يتفوه:- إنتِ جميلة أوي يا " نجمة ".
عضت على شفتيها بخجلٍ بالغٍ وأخفضت نظراتها عن عيناه الجريئة بحياءً أذابه، تجمد جسدها وكتمت أنفاسها عندما وجدته يرفع كفها أمام شفتيه ويقوم بتقبيل إصبعها المُصاب، كانت قُبلة ناعمة، دافئة أصابت قلبها برعشة لم تختبرها من قبل، سحبت كفها سريعًا ووقفت وهي تنظر بجميع الأتجاهات عداه، وجنتيها باللون الأحمر القاني من شدة خجلها وبدون أية مقدمات كانت تركض نحو الخارج بأقدام هلامية، في البداية صُدِم من هروبها منهُ لكن بعد ثوانٍ أبتسم بأتساع وهو يتذكر خجلها اللذيذ الذي أعجبه وملامحها المُتوترة، شعر برغبة عارمة في أن يحيا وأن يقوم ببناء أسرة بالتحديد معها هي " نجمة "، ضرب كفيه ببعضهُما قائلًا بحماس وسعادة مفرطة:- على خيرة الله.

نوفيلا " القانون لا يحمي المُغفلين "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن