مراجعات كتب

أعجوبة

أقدر هذه الرواية، وأمنحها مكانة خاصة، لما تطرحه من فكر جديد، يقودنا إلى إدراك الغير رغم الاختلافات. تلامس هذه الرواية قلب القارئ، فتحرر إنسانيته، وتجعل من اللطف أولويته، وتفسح المجال لنا كي يغمرنا تأثير بطلنا الصغير، هذا هو تأثير أوجست بولمان!

تروي الرواية حكاية أوجست بولمان وتجربته الجديدة.. انتقاله إلى المدرسة، وبالرغم من البساطة التي تبدو عليها هذه التجربة، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لأوجي! فهو ليس فتى عاديًا، فبسبب اضطراب وراثي يولد أوجست بمتلازمة تريتشر كولينز، ويخوض أول معاركه مبكرًا، فيتعرض أوجي ل 27 عملية جراحية حتى يتمكنه الحياة من دون معاونة طبية، وعلى إثر حالته الصحية وقلق والديه، قضى أوجي سنواته العشر في التعليم المنزلي، بعيدًا عن تجربة المدرسة.. وللأسف، مخبًأ عن أعين الناس وألسنتهم التي تلاحقه.

لكن هذا لا يدوم طويلًا، فقريبًا جدًا سيدفع أوجي نحو هذه التجربة، بتشجيع من والدته، وسنشهد على رحلة مليئة بالمشاهد الواقعية، والمواقف الإنسانية، يسعى فيها أوجست لإثبات نفسه كطفل، في وجه موجة من التنمر والمواقف المزعجة، كلا.. بل هي رحلة يخوضها الآخرون من حوله لإدراك حقيقة أوجست، أوجست الطفل الخلوق والمرح، بعيدًا عن أحكامهم الشكلية، رحلة تغمرهم، كما ستغمرنا بتأثير هذا الطفل.

الرواية مقسمة إلى فصول، كل فصل يروى على لسان إحدى الشخصيات، انطلاقًا من بطلنا أوجي وشقيقته الكبرى فيا، وزملائه وأصدقائه في المدرسة: جاستن، ميراندا، سمر، وجاك ويل. ومن خلال ذلك يعرض لنا الكاتب نمو ونضج الشخصيات على مدار الرواية، وتغير مواقفهم خلالها، مواقفهم اتجاه أنفسهم أولًا، واتجاه أوجي، أوجي الابن.. أوجي الأخ.. وأوجي الصديق.

لا تفقد الرواية متعتها ولا تفقد شرارة الطفولة فيها حتى آخر صفحة، وستجد نفسك -عزيزي القارئ- منغمسًا في مجاراة الأحداث، واستشفاف الجوانب الإنسانية، ومحاكمة القضايا المختلفة: مثل الاختلاف، التنمر، والتفرقة بين الأبناء، رواية مؤثرة للمشاعر، للكبار قبل الصغار.

اقتباسات:

«لكنني أعرف أن الأطفال العاديين لا يجعلون غيرهم من الأطفال العاديين يفرون هاربين في ساحات اللعب وهم يصرخون، أعرف أن الأطفال العاديين لا يراهم الناس فتتسع أعينهم لرؤيتهم أينما ذهبوا..»

«همست ماما لبابا الذي يقود السيارة: لا يمكن أن نحميه إلى الأبد، لا يمكن أن نتظاهر أنه سيستيقظ غدًا وقد تغيرت حقيقته، لأن تلك حقيقته يا نيت، وعلينا أن نساعده على أن يتعلم التعامل معها..»

«غمرتْ وجهي بالقُبلات. قبَّلتْ عينيَّ المنخفضتين الساقطتين. قبَّلتْ خديَّ الغائرين الأجوفين. قبَّلتْ فمي الأشبه بفم السلاحف.
قالت كلمات رقيقة أعرف أنها أرادت بها مساعدتي، لكن لا تستطيع الكلمات أن تُبدِّل وجهي.»

«لسنا من مهاويس المذاكرة، ولا من المتميزات في الرياضة، لا ثريات ولا متعاطيات مخدرات، لا خسيسات ولا نموذجًا للفضيلة، لا عظمة فينا ولكننا لا نخلو من مميزات. لا أعرف هل اجتمعنا لأننا كنا متشابهات في وجوه كثيرة، أم أننا أصبحنا متشابهات في وجوه كثيرة لأننا اجتمعنا.»

«لكن العالم يساوي بين الجميع في النهاية، العالم يعتني بكل طيوره.»

«كل إنسان يجب أن يحظى بتحية وقوف على الأقل مرة في حياته، لأننا جميعًا ننتصر على العالم..»

«أنت جميل مهما قالوا، ما من كلمات تستطيع أن تحط من قدرك، أنت جميل بكل ما فيك..»

«هذه الوصية تعني أن الناس يجب أن يتذكرونا من الأشياء التي نفعلها. الأشياء التي نفعلها هي أهم الأشياء على الإطلاق. هي أهم مما نقوله أو ما نبدو عليه. الأشياء التي نفعلها تبقى بعد موتنا. الأشياء التي نفعلها تشبه الآثار التي يقيمها الناس لتكريم الأبطال بعد موتهم. لكنها ليست مبنية من الحجارة، وإنما من ذكريات الناس عنا. لهذا السبب فإن أفعالك تشبه آثارك. وإن كانت مشيدة من الذكريات لا من الأحجار.»

«إنه أمر عجيب أن توجد كلمة مثل «الحماية المفرطة» لوصف سلوك الآباء تجاه أبنائهم، ولا توجد كلمة عكسها. أية كلمة تستخدمها لوصف الآباء الذين لا يحمون أبناءهم بما يكفي؟ الحماية الناقصة؟ الانشغال بالذات؟ الطيش؟ أم كل ما سبق؟»

«لا، لا، ليست الأمور عشوائية، إذا كانت عشوائية بحق، لكان العالم قد تخلى عنا تمامًا، لكن العالم لم يتخل عنا، إنه يعتني بمخلوقاته الأضعف بطرق لا نستطيع أن نراها، مثل: والدان يحبانك لدرجة العبادة بلا مقابل، وشقيقة كبرى تشعر بالذنب تجاهك لمجرد ضعفها الإنساني، وفتى بصوت مبحوح قليلًا هجره أصدقاؤه بسببك، بل وفتاة ذات شعر وردي تحمل صورتك في محفظتها..»

«الآن، حين أرجع بالذاكرة، لا أعرف لماذا كنت مشدودًا هكذا. أمر غريب! كيف تنظر إلى شيء ما بقلق شديد، ثم يتضح لك أنه لا شيء.»