الفصل الثانيوصل أبا محمد إلى أعتاب منزل شقيقه، قرع جرس الباب مستأذنًا الدخول إليهم، فاستقبلته ابنة أخيه مُرحبة تدعوه إلى الدخول، عندها تقدم نحو الأمام وقلبه يُنذِرُهُ بأن القادم أصعب مما مر عليهم.
_ تفضل هنا يا عمّي، حالما أنادي لك أبي.
قالتها نور وهي تُشير بيدها إلى صالة الإستقبال، فيهُز لها أبا محمد رأسه أن حسنًا، لتختفي هي عن أنظاره للحظات، إلى أن أطلَّ عليه أبا إبراهيم وزوجه معًا، بعد أن تبدل حالهم منذ وفاة ابنهم وأُنكِست هاماتهم كمدًا على فقيدهم، حينها وقف يُسلم على أخيه ويُلقي السّلام على أم إبراهيم حتى جلس جميعهم، بدا وقتها التوتر جليًا عليه مما لفت أنظار من هم حوله، فأخذتهم الحيرة في أمره ولما هو على هذا النحو.
_ ما بالك أبا محمد؟ هل هناك خطب ما؟
نظر أبا محمد وقتها إلى وجه أخيه للحظات، ثم بدء يمسح حبات العرق التي توهم وجودّها على جبينه من شدة التوتر، وأخذ نفسًا مُثقلا بالهموم، ليبدأ حديثه الذي يعلم بأنه سيكون كانهيار برجٍ شاهق في لحظة غفلة من الجمع الذي حوله، نطق لسانه حينها دون مقدمات ودون أن يُعطي من أمامه فرصة أو حتى تمهيد بسيط قائلًا:
_ كوثر حامل من إبراهيم.
لينتفض والدا إبراهيم من أماكن جلوسهم، وكلًا ينطق حالَّ قلبه وما يُكنه لكوثر وإبراهيم معًا.
_ لم ينقطع ذِكرُ إبراهيم، سيأتي ولده ليحتل مكان أبيه في قلبي.
أما والدته، كان لها رأيٌّ آخر من الأمر ووقع الخبر الذي سقط عليها، لتصرخ قائلةً:
_ ماذا تقول يا هذا؟ ألم تجد شخصًا آخر لترمي بلاك عليه سوى ولدي الراحل؟ اذهب وانظر من صاحب هذه الجريمة غير ولدي، الجميع يعلم بأنه مات قبل أن يُزف إلى ابنتك، أم أن موته أحلَّ لابنتك أن تُلصِق فعلتها الشنعاء له!؟ لأنه لن يكون موجودًا حتى يُنكر قولها فاستغلت الأمر.
بُهت أبا محمد مما قالت زوجة أخيه، يعلم أنها لطالما عارضت زواج ولدها من ابنته، لكن إصرار إبراهيم على كوثر لم يدع لأحدهم قولًا أو اعتراض، فقد كان رجلًا يملك أمر نفسه ولا سلطان لأحد عليها مهما كانت مكانته وقربه منه، أما والد إبراهيم صرخ في وجهها معترضًا، كأن إبراهيم سيموت مجددًا بعدم نَسْب ولده له.
_ اخرسي، هذه ابنة أخي وزوجة ابني التي تُشكِكين بها وبشرفها، ومن تحمله في أحشائها هو ابن ولدي لا سواه.
_ وما أدراك؟ إبراهيم مات ولم يتزوج، لن أدع تلك الشمطاء تنجو بفعلها الدَنِس، ذهب ولدّي وارتحت من سوء اختياره، أما هيَّ عليها أن تقول من هو أبُّ الطفل الذي في أحشاءها، وتبتعد هيَّ ودَنِسها عن اسم ولدّي، لطالما أخبرته بأنها فتاةٌ لعوب ولم يصدق قولي، أما الآن فقد صح قولي بما تُحاول نسبه إلى ولدي ولن تُفلح طالما حييت أبدًا عديمة الشرف والحياء تلك.
أنت تقرأ
ما كان له أن يحدّث
Romanceالواقع مُرٌّ كالعلقم، ولو نظرنا حولنا لوجدنا حكايات أليمة تستهلك أرواح ساكنيها من شدة نزف الروح لديهم، فما بالك بفكرٍ عقيم أنتج ضحاياه في كل زُقاق من أروقته، إلى أن وصل إلى عُقر دارك فأنهك منك الروح قبل الجسد، لحظة واحدة تتخلى فيها عن مبادئك لتتوه ف...