في غرفة سوداء قاتمة لا يوجد إلا ضوء برتقالي ضعيف قادم من عامود الإنارة في الخارج ، فوق أن هذا الضوء ضعيف قد زاده ضعفًا النافذة المغلقة بإحكام والمغطاة بالستائر ، هذا الضوء لا يكفي لأحد من أجل الرؤية ما بالك بمن لديه ضعف في نظره.
على ذاك المكتب في منتصف الغرفة توجد ساعة أخذ صوت عقاربها في الإرتفاع شيئًا فشيئًا ، إنها الآن الرابعة وسبع وخمسون دقيقة ، أخذ النائم في تلك الغرفة بالتقلب في السرير الذي يبعد خطوتين يمين المكتب ، يبدو أن كابوسًا أصابه.
ظل يتقلب وبدأ يلهث وصوت عقارب الساعة يرتفع وهو مستمر في اللهاث والتَّقلب إلى أن استيقظ صارخًا : «النجدة» ، حينما استيقظ الفتى ذو الستة عشر عامًا كان يلهث بشدة وكأنه غريق تم إنقاذه من الغرق بعد أن فقد الأمل.
جلس الفتى مسندًا ظهره إلى الجدار مخرجًا ساقيه خارج إطار السرير الذي لا يسع إلا فردًا واحدًا ، أسند رأسه إلى الجدار ورفع نظره إلى السقف ثم وضع يده اليمنى على رأسه وأخذ يبعثر شعره الأسود الناعم الذي يغطي أذنيه ويصل إلى رقبته.
وبعد لحظات أنزل يده ووضعها على صدره وأخذ يتنفس ببطء في محاولة لتهدئة نفسه ولم يلحظ ما كان يحدث على وجهه إلا حينما سقطت عدة قطرات على يده اليمنى ، هنا انتبه أنه يبكي ، لم يستطع تمالك نفسه ، ضم ركبتيه إلى صدره وأحاطهما بذراعيه ووضع رأسه بينهما وأخذ يبكي بكاءًا مريرًا تزامن مع صوت رنين المنبه معلنًا أن الساعة الآن الخامسة فجرًا ، لم يتوقف عن البكاء حتى احمرت عيونه وغرق بنطاله بالدموع ثم جفت عيونه معلنة أن ما لديها من سوائل قد انتهى.
نهض الفتى من السرير ، وأخذ يتحسس سطح مكتبه ببطء حتى عثر على نظاراته ، ارتدى النظارة وأغلق المنبه ثم اتجه إلى النافذة ، أزاح الستائر يسارًا ثم فتح النافذة وأخرج رأسه منها فإذ بنسمة ريح باردة تداعب وجهه القمحي وشعره الأسود الطويل ، وكذلك أضاء نور الصباح الهادئ غرفته.
أدخل رأسه وقد ظهر على ملامحه بعض الارتياح ، عاد إلى المكتب وأخذ من كوب الأقلام فرشاة أسنانه ، خرج من غرفته واتجه يمينًا في ممر مظلم نحو دورة المياه ، فرَّش أسنانه وتوضأ وخرج من دورة المياه ، نظر على يمينه فكان بابًا قد غزته شباك العناكب ، تجاهله وعاد إلى غرفته.
صلى الفجر ، وبدَّل ملابسه ، ثم بدأ بحزم أمتعته لبدء يوم دراسي جديد ، انتهى من حزم أغراضه ثم فتح أحد أدراج مكتبه وأخرج أربطة طبية ودهانات ، جلس على الكرسي وكشف ذراعه الأيسر بالكامل ، لم يكن هناك مكان في ذراعه إلا وبه كدمة أو جرح أو أثر قديم لكدمة أو جرح ، دهن عدة أماكن من ذراعه ثم شرع يربط ذراعه كاملاٌ بتلك الأربطة وقد كان من الواضح أنه يجد في ذلك ألمًا ، قد كان يجز على أسنانه ويغلق أحد عينيه بينما يربط ذراعه.
حينما انتهى قام بستر ذراعه وكأن شيئًا لم يكن ، ارتدى سترته ، وانتعل حذاءه ثم حمل حقيبته على كتفه الأيمن واخفى يده اليسرى في جيب سترته واتجه نحو باب غرفته ، فتح الباب وقبل خروجه نظر يسارًا إلى صورة معلقة على الحائط فيها امرأة فاتنة الجمال ثم قال : «أمي أنا ذاهب إلى المدرسة» ثم خرج وأغلق الباب خلفه.
أنت تقرأ
مُطارَد
Misterio / Suspensoأنس يعيش وحيدًا منذ فترة طويلة بعدما رحلت والدته ، منذ رحيلها وهو بدون يومياته على أحد المواقع التي صدرت حديثًا ولاقت إقبالاً ضخمًا في أيام قليلة. بمرور الوقت تم استهدافه مرات عديدة ، وكذلك اقتُحِمَ بيته من قبل مُقتَحِم يطلق على نفسه اسم "آيرش" ، هذ...