مقتطف

86 8 0
                                    



تيبّست موضعها متفاجئة أمام خزانة ملابسها حين فتحتها؛ بالأحرى لم تتفاجأ كثيرًا، بل ما فعله دون رغبةٍ جعلها ترفض تعسّفه، بل إجبارها على شيءٍ لم تقبله هي. انزعجت غزل بشدة وهي ترى ملابسه مُعلّقة بجوارِ أثوابها؛ رغم أنها لم تجد ما تبغضه فيمن حولها، وفيه بالأخص، إلا أنها لم تتقبّل حتى الآن وجودها معه بغرفةٍ واحدة. عدم عودة ذاكرتها لها ربما السبب في جفائها ذاك، وكان عليه التماس العُذرِ لها؛ أو منحها الفرصة والرغبة في تقبُّلها إياه؛ رغم عدم إجحافها لما يفعله من زيادة تقرُّبه تجاهها.
مدت يديها ناحية ملابسه المُعلّقة وسحبتها جميعًا دفعةٍ واحدة، تحركت بها ناحية الخارج شبة مهرولة وغطا طلعتها الضيق.
في ذات الوقت حين سارت بالملابس قاصدة غرفته، كانت السيدة هدى تسير بالرواق تجاهها، دُهشت مما ترى وبدا عليها علامات الاستفهام ثم وقفت موضعها، مرقت غزل من جوارها وكأنها لم ترها، وذلك ما ضعّف حيرة السيدة. رغم ذلك ذلك استشفت الأمر، وفطنت ما حدث بحسها، ثم تنهدت مدركة أن مراد لن يعجبه ما فعلته، وأن هناك مشادة سوف تحدث اليوم.

في غرفة مراد
ألقت غزل الملابس بإهمالٍ على تخته بطلعةٍ مكشّرة، ثم استدارت لتعود أدراجها وتجلب أي شيء آخر يخصّه؛ لكن وقفت موضعها حين رأته يدخل عليها الغرفة، فهو الآخر قد استشف الأمر حين عاد للتو.
ابتلعت غزل ريقها محاولة منها في بثَ بعض الشجاعة لتُناقشه في الأمر حين يفرض حُجته عليها ويجادلها في علاقتهما، ثم حدقت به في حماسةٍ مزيّفة. تحرك مراد نحوها بخطوات بطيئة بدت هادئة من الخارج؛ لكن ظهرت معالم استيائه حين خاطبها:
-ليه؟!
أدركت غزل من نبرته ذاك الانزعاج المخفي خلف هيئته الجامدة، ردت في توتر داخلي:
-قبل ما تسافر اتفقنا إنك تسيبني اتقبلك لوحدي من غير ضغط ووعدتني بده، ليه إنت بتخالف وعدك ليا؟!
قلص المسافة بينهما حين دنا أكثر منها، وذلك ما سعّر من ربكتها، قال في جد:
-شوفي يا غزل، إنتِ مراتي والكل عارف ده، إنتِ مش فاكرة دا مش ذنبي، المهم عندي أكون عايش مع مراتي زي أي حد، ومهمتك إنك تعرفي كده، فاكرة أو لأ.
نظراته الجادة نحوها وجدت فيها إرغام لابُد منه، وتنفيذ لما يرغب به. من جانبها رفضت ذاك التحكّم، وتبدل توترها بضيق، قالت:
-محدش هيجبرني على حاجة، ومش معنى إني خلاص اتعودت عليكم، إن بقى موضوع علاقتنا يمشي، أنا حرة في حياتي
قست نظراته ولاحت عصبيته هتف بصوتٍ هائج:
-لأ غصب عنك وإنتِ مش حرة، ولو مفكرة إنك هتكوني لحد تاني مستحيل أسمح بده
تحكّم مراد في غضبه من تطاوله عليها وزيادة الأمر سوء؛ لكن أدركت غزل من هيئته أنه لربما يؤذيها بردة فعله، وتلقائيًا تراجعت خطوة. أردفت مراد كابحًا ضيقه:
-واضح إني اتساهلت معاكِ زيادة عن اللزوم، بس العيب على ماما، لكن ملحوقة، من دلوقت هعمل اللي يعجبني
في تلك اللحظة ولجت السيدة الغرفة عليهما، وذلك لفض أي نزاع قد نشب بينهما. اقتربت منهما موجّهة حديثها لـ مراد:
-مينفعش اللي بتعمله ده يا مراد، هتجبرها تقبلك زوج بالعافية.
حدق بوالدته معارضًا ما تفوهت به، فما تقوله مناقضًا للواقع الذي هو فيه، رد محتجًا:
-دي مراتي يا ماما إنت عارفة بتقولي أيه!
علّقت على كلامه في تفهم:
-غزل مش زي الأول يا مراد، كل حاجة اتغيّرت، وهي مش فاكرة، لازم تكون فاهم كده وترضى بالواقع.
وجّه نظراته نحو غزل التي وقفت تتابع في صمت؛ تاركة السيدة تتحدث بدلًا عنها، فهي عاقلة متفهمة بعكسه تمامًا، نظرت له هي الأخرى مدركة سأمه من الأمر، خاطبها في اشمئزازٍ:
-لو مفكرة إنك مش عاوزاني، عادي أنا كمان مبقتش طايقك، ولا طايق العيشة كده معاكِ
تفاجأت غزل من تقلُّب حالته، وتأجج اندهاشها حين استأنف:
-مفكرة هفضل كده كتير مستني تقبليني، تبقي غلطانة، أنا قولت آخد خطوة وأشوف ردة فعلك أيه.
ثم تحرك جـانبًا ليفسح المجال لها آمرًا إياه:
-ودلوقتي اطلعي برة أوضتي
انصدمت غزل مما تفوه به للتو، ثم وجّهت بصرها للسيدة، التي وقفت هي الأخرى في صمتٍ وقلة حيلة من وضعهما، ثم بغتةً انتفضت في خوف حين عاد مراد يأمرها غاضبًا:
-قولت بــرة!
تزعزعت أوصالها وفي لحظةٍ كانت تهرول للخارج. توجه مراد ليُبدل ثيابه حين نزع سترته، خاطب السيدة في هدوءٍ مزيف:
-عاوز أكون لوحدي يا ماما
احترمت السيدة رغبته ووجدت أن كلامها معه وصل لنهايته بعد ما حدث للتو، ثم تحركت مغادرة الغرفة. حين وجد مراد نفسه وحيدًا لاح هياجه حيث ألقى ثيابه من على التخت لتتناثر هنا وهناك، جلس بعدها على طرف الفراش مغتمًا للغاية، فما نطق به كان لحفظ كرامته أمامها؛ لكن بداخله تمنى أن تقبل به ويُكملا حياتهما معًا. أخرج تنهيدة قوية ثم حث نفسه على عدم تركها تفعل ما يحلو لها، وسيقف لها بالمرصاد، فهي أمام الجميع زوجته، ولن يسمح لأحد بأن يرغمه على شيء لم يقبله......!!
*********

إلهام رفعت
غزل القسيمة
ثلاثية أثواب حريرية

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 24 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

(غزلُ القَسِيمةِ)ورقية؛؛للكاتبة إلهام رفعت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن