الزانية - باولو كويلو

34 2 0
                                    

كقارئة، لم تجمعني يوما أي علاقة أثيرية مؤثرة بباولو كويلو رغم أنني وكلما أتيحت لي الفرصة قرأت له

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

كقارئة، لم تجمعني يوما أي علاقة أثيرية مؤثرة بباولو كويلو رغم أنني وكلما أتيحت لي الفرصة قرأت له.

تشبه رابطتي به علاقتي ببائع المكسرات في الحي، كلما قابلته اندفعت نحو دكانه، اقتنيت الشوكولا أو الفواكه المملحة، حادثته عن مستجداتي بمزاح خفيف ثم رحلت.

تشبه روايات كويلو في قلبي رحلة ممتعة على زورق ملون في فينيس أو عشاء فاخرا في مطعم من مطاعم برج إيفيل أو المرة الوحيدة التي قد أطلب فيها خبز الطماطم في كتالونيا الإسبانية... زيارات وتجارب أحادية لا تحتاج إلى تكرار.

بعد أن خفتت أصوات الجماهير المسعورة خلال هذه السنوات حول روايته "الزانية" قررت أن أقرأها. قلت لنفسي بعد أن فرغت منها، إنها رواية مناسبة للقراءة خلال رحلة طويلة على قطار، لا تحتاج معها إلى تفكير عميق مفرط وسوف تسليك نسبيا.

 تطرح الرواية مسألة حياتية نفسية واجتماعية شائعة: بعد أن يحقق الإنسان أهدافه الأساسية في الحياة والتي يمكن اختزالها في الثروة والمكانة الاجتماعية المرموقة والعائلة السعيدة، حين يحقق الفرد استقراره الكامل وتبدأ الأيام في تكرار نفسها بوتيرة بطيئة مملة، وحين يطمئن الإنسي إلى شريكه إلى حد الكف عن بذل جهود للخروج عن المألوف وإشعال فتيل الشغف في الرابطة العاطفية، فإنه  قد يجد نفسه قبالة صراع فكري ونفسي مرهق في محاولة للعثور على سبب جديد للبقاء حيا والاستمتاع بالأيام.

تلجأُ بطلة هذه الرواية إلى الخيانة الزوجية عند أول فرصة، ولعله الخيار الأسهل للإنسان والأكثر انتشارا بين الأزواج الذين سمحوا للعادة بأن تقود زمام أمورهم بلا اعتراض.

  تنبني حبكة الرواية على أسباب نفسية غير مقنعة لليندا ربما جعلت بنيان الرواية عموما هشا بعض الشيء، لعلها دوافع ترعرعت وتكونت بشراسة أشد خلال زمن أطول وتأثر أعمق لم تتبناه صفحات الرواية بين سطورها، أو لعل البطلة نفسها قد أرادت  أن تقدم مبررات تعتقد أنها تكفر وتبدد شعور الذنب الذي تراكم داخلها وهي تبث أذية قذرة نحو أشخاص لا يستحقونها فتزين الانجذاب الجسدي البحت واندفاعها الغريزي نحوه بالحب العظيم وتجرُّدِه من حجج الواقع المقيدة.

تنزع النساء عادة إلى إعطاء بعد وجداني عميق للغرائز على عكس الرجل الذي يمارس الشهوة من أجل الشهوة  نفسها فتجد المرأة ميالة لوضع المفاهيم المستحدثة وتصوير الفعل البسيط وسط جو مرتفع الانفعالات والأحاسيس يطيح من حدة الانتقادات ربما وتناقضات المجتمعات التي تكيل بمكيالين مختلفين الفعل نفسه  حسب جنس القائم به.

رغم المخاطرة التي تخوضها ليندا ورغم التهديد الذي يخيل لها أنها تواجهه لا تحتوي الرواية على التشويق الحارق والمثير للشغف وكأن الرتابة التي قتلت روح البطلة قد تسللت إلى نفس القارئ فنجحت في جعله قارئا فاترا، ولعل القارئ كان يتوق للحظة الانفجار التي لم تحدث في الرواية وللعاقبة القاسية التي قد تحرك فيه شعورا بالعدالة والتشفي بدل الإشمئزاز البغيظ والاستسلام لفكرة أن ما حدث يمكن أن يكون مقبولا رغم تصادم هذا المفهوم مع الموروث الأخلاقي الصلب للشعوب وفساده دينا واجتماعا.

تعود ليندا إلى نفسها في نهاية المطاف مثمنة ما تملك وربما مكتشفة أن تجارب أخرى لم تخضها من قبل كان لها أن تخلق تأثيرا أعظم في حياتها لتقديم جرعة كافية من الأدرينالين تستمر معها الحياة بسلاسة ويعود القارئ بعد أول إحدى عشرة دقيقة بعد انتهاء الحكاية إلى نفسه كي يفكر في كيفية مجابهة المشاعر المماثلة، ربما التفكير بعمق في مسار حياته الحالي ومقارنتها بحياته المشتهاة والتنبه إلى ضرورة إضفاء شيء من المغامرة والمفاجأة أحيانا.

يتوقف القطار بالقارئ بهدوء شديد، تنتهي  الرحلة، يمضي في سبيله متناسيا ما حدث، تمضي ليندا البطلة في حياتها بصفة طبيعية أيضا. لا أحد يفكر في العودة إلى الوراء الآن.

صبرين 30/01/2023.

أرض الورقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن