انتظر بترقب ليأتيه صوتها المخالف يصدح في سماعة أذنه الخفية كما استمع إليه من قبل بنطق عادي وسليم ترحب بمن هاتفها فيتحرك بخفة وهو يلتف من حول البيت متجهًا لهذه الغرفة الوحيدة التي بها باب خارجي يؤدي للحقل وكأنها صممت لتسهل عملية الهرب إذا أراد مالك البيت أن يهرب من أيًا كان من يطارده ، لتومض عيناه بظفر حينما هتفت بجدية : أيوة مشي ، العربية جات وأخدته ، لو كان قعد دقيقة زيادة كان عرف أنا مين وبعمل ايه ، أنا متأكدة إنه كان بيراقبني بس معرفش وصل لغاية فين ، أنا عمري ما أستهون بحسن بيه بس مش عارفه دلوقتي أتصرف إزاي ولا انت هتعمل معاه ايه لما يعرف ، بصراحة مش مطمنة خالص
لرد فعله وشكلنا هنشوف أيام فلة وخصوصًا ..صمتت وكأنها تستمع إلى من يحدثها لتهتف برعب – يعني ايه مش فاهمه أما هو مش عندك أومال فين ؟!!
ليجيب بهدوء وهو يدلف ببرود إلى الغرفة التي عالج قفلها من قبل فيترك الباب دومًا موارب دون إنغلاق : أنا هنا هكون فين ؟!!
شحب وجهها على الفور وعيناها تجحظ لرؤيته أمامها لتتراجع برهبه كلما اقترب منها لتهمهم أخيرًا باختناق : حسن بيه .
ابتسامة ماكرة رسمت على ثغره وعيناه تتقد بشرار الغضب ليجيبها بخفة وصوت خافت متسلي : أيوة يا روح أمك حسن بيه ، انتي مين بقى ؟!!
رفت بعينيها كثيرًا قبل أن تتحرك حدقتيها إلى الباب خلفه وكأنها تقيس مخاطرتها إذا ما حاولت الهرب فتجفل على صوته الحاد : إياكى تفكري تعملي كدة لأحسن هتشوفي مني اللي ما تتخيليهوش ، أتبع غامزًا بتوعد – خلينا حلوين سوا وقري قبل أول قلم وأنا هحبك ومش هأذيكي .
رفعت نظراتها إليه لتهمس بهدوء شديد : انت متقدرش تأذيني أصلًا يا حسن .
ذُهل لبرهة قبل أن يهتف بتهكم : لا والله ، ليه إن شاء الله ، ماسكة عليا ذلة وإلا مديناني .
مطت شفتيها بلا مبالاة لتجيب ببساطة دون أن تخطو مبتعدة عنه : لا دي ولا دي ، بس صدقني انت متقدرش تحط إيدك عليا ، لتتبع باستفزاز تعمدته – ولا حتى بطرطوفة صباع يا سعاة البية.
ابتسامة ماكرة زينت ثغره ليهمس وهو ينقض عليها فجأة يقبض على عنقها بكف واحد ويضغط خانقًا : اللي فهمك إني مبضربش ستات كان غلطان ، ده أنا أدفنك مطرحك ومحدش هيقدر يقولي تلت التلاتة كام .
اختنقت أنفاسها فحاولت المقاومة ودفعه بعيدًا عنها ولكن كتلة حجمه الكبيرة كانت لها الغلبة وخاصة حينما دفعها للخلف ليلصقها بالحائط وهو يرفعها عن الأرض فتهمهم وقدميها تتحركان في رد فعل غريزي للبقاء : سيبني يا حسن سيبني .
رمقها بنظرات باردة ليهمس دون شعور : لا ، بعد ما أموتك هبلغهم إن العملية خلصت .
هتفت بصوت محشرج وكأنها تبغى الخلاص : أنا أصلًا معاك في العملية .
ابتسم ببرود ليهمهم بتهكم : طيب ما أنا عارف ، جحظت عيناها ليخفف الضغط عن عنقها قليلًا وهو يقترب منها برأسه ليهمس بجانب أذنها – هو حد فهمك إنك هتقدري تضحكي عليا يا بنت إمبارح .
رفع رأسه ليواجهها بعينيه وكفه تكف الضغط عن عنقها فتستعيد أنفاسها أمام تفحصه لملامحها ليهمهم ببرود : الظاهر إن مغربي معرفش يعمل الماكياج كويس المرة دي وأنا عرفتك رغم العيون الملونة والشعر الأصفر اللي هو أصلًا مش أصفر .
رفت بعينيها كثيرًا لتهمس بخفوت وهي تحاول استعادة أنفاسها : ممكن تبعد شوية طيب ، الوقفة دي كدة متصحش .
رمقها باستنكار : لا يا شيخة وكان يصح الأكل اللي في بؤي والتماحيك بتاعت كل ليلة .
عبست لتزفر بحدة : أنا مسمحلكش على فكرة أنا كنت بنفذ الأوامر .
نظر إلى عمق عينيها ليهمس آمرًا بنبرة قوية : وعلى كدة بقى اسمك ايه .
رفعت ذقنها بكبر : مش بتقول إنك عرفتني ، يبقى أكيد عارف أنا مين .
تنفس بعمق : بس أنا حابب أسمع منك .
أشاحت برأسها وهي تكتف ساعديها برفض : وأنا مش هنطق إلا لما علاء بيه يجي .
قهقه خافتة صدرت من حلقه ليهمس متهكمًا : ايه ده انتي مستنية علاء ينقذك ؟! ليتبع بخفة – طيب والله كويس طيب مفكرتيش من هينقذ علاء ؟!
توترت وقفتها لتجفل وتقاومه حينما قبض على مرفقها بقوة لتحاول دفعه بعيدًا ولكنه لم يمهلها الفرصة وهو يدفعها ليجلسها على كرسي قديم قليلًا فكادت أن تقع لولا أنه دفعها هي والكرسي المجاور لطاولة اتخذها هو مجلس وهو يرفع ساقه الخارجية ليضع قدمه بجوار جسدها فيصبح محاورها بجلسته !!
ابتعدت للخلف بجسدها وهي تنظر إليه بخوف استشعره فابتسم بلؤم وهتف آمرًا : انطقي ، اسمك وسنك وعنوانك .
انتفضت بجسدها في عنفوان : ايه ده هو أنا مجرمة بتحقق معاها .
قبض على كتفها ليجلسها ثانيةً مزمجرًا بخشونة : لما أقول اسمك وسنك وعنوانك تنطقي من غير رغي ، هدر بقوة وهو يحنى رأسه لها -انطقي .
أجفلت لتهمس : اسمي ندى محمود القاضي ، عندي أربعة وعشرين سنة ومن سكان الزمالك .
عبس بتعجب ليهمهم بخفوت : قدام أوي ، أتبع متهكمًا – متقوليش إن جدو كان باشا ؟!
رفعت حاجبها لتهتف : أيوة فعلا ، عندك اعتراض
ألقتها بحنق فرمقها من بين رموشه : اتعدلي لأحسن أعدلك فاهمه .
أشاحت برأسها بعيدًا لتهتف بحنق : أنا معدولة ، لتتبع بضيق وهي تدفع ركبته بكفها : ممكن توعى عشان دي مش طريقة أنا مش مجرمة عشان تقعد لي كدة .
انتفضت واقفة بكبرياء : أنا ملازم أول ومش معنى انك الريس بتاعي تعمل كدة ، ده كدة اسمه تحرش.
قبض على كتفها ليدفعها تجلس من جديد هاتفًا : سد يا ماما سد ، اترزعي واخرسي خالص ، تحرش ايه وزفت ايه ، دي أشكال حد يبصلها اصلًا وبعدين أنا مش بتاع تحرش .
نطقت دون تفكير تأكيده بغباء : ليه ملكش فيها ولا ايه .
اتسعت عيناه بجنون صرف ليهدر بغضب : لا يا روح أمك ليا فيها ليقبض على شعرها من الخلف وهو يقربها منه هاتفًا بصوت بارد وعيناه تعتم بسواد أرعبها – تحبي تشوفي .
هزت رأسها نافية بخوف سكن حدقتيها لتهمس بخفوت شديد : أنا آسفة ، دفعها بعيدًا وهو يستقيم جالسًا ثانيةً لتتبع بضيق : بس برضه سعادتك دي مش قاعدة ، أنا زميلة مش حد من الشارع .
رمقها قليلًا قبل أن يتراجع بجسده وهو يخفض ساقه فتتراجع هي بجسدها وكرسيها بعيدًا عنه ليزفر بقوة : طيب أنا توقعت كل اللي قلتيه ده بس اللي عقلي مش عارفه أما انتي مش زينب ولا زفت العيال مين ولا تكونيش مأجراهم ؟!
ألقاها بوميض غاضب سرى بعينيه لتهمس بخفوت شديد وهي تتحاشى النظر إليه تتورد وجنتاها رغمًا عنها : لا مأجراهم ايه دول اخواتي.
اتسعت عيناه بذهول قليلًا ليهتف بعدم فهم : نعم يا اختي ، اخواتك إزاي مش فاهم ، ابتسمت بتوتر لتهمهم باختناق : يعني اخواتي يا باشا ، اخواتي الصغيرين .
رفع حاجبه ليجيب بوقاحة لم يتعمدها : ليه هو الحاج لسه فيه صحة يخلف ؟!
احتقن وجهها لتجيب بضيق : حسن بيه من فضلك عيب كدة ، أطبق فكيه ليسألها بجدية : واخواتك دول شققا ولا من بابا بس.
ردت سريعا : لا طبعًا شققا ،
ارتفاع طفيف في حاجبيه ليسأل بصدمة : ماما كمان لسه بتخلف يا ما شاء الله ، ضيق عينيه ليسألها بحدة – انتي عمرك كام على كدة والست الوالدة بقى عمرها كام .
هتفت بنزق : وانت مالك ، وميض عيناه جعلها تتراجع لتهمس – يعني حضرتك بتسأل عن ماما ليه ، أصلها ملهاش علاقة يعني ؟!
هدر بحدة : أما أسأل تجاوبي.
أجابت بسرعة : انا أربعة وعشرين وماما تلاتة وأربعين .
ران الصمت عليهما قليلًا ليتمتم بعفوية : اتجوزت صغيرة أوي مامتك.
ابتسمت برقة أنثوية أغاظته وهي تهمهم : اه اتجوزت بنت تامنتاشر عشان بابا كان بيحبها أوي ، ما كانت جارته بقى ومعارف فما صدق خلصت ثانوية عامة. جمدت ملامحه أمامها فجأة وعيناه تومض بغضب مزج بحزن تعجبت منه ليهتف بضيق وضح بنبراته : قوليلي بقى تفاصيل مهمتك ووصلتي لإيه ؟!!
تلكأت أمام عينيه ليعبس بعدم فهم لتهتف وهي تنهض بسرعة وتتجه نحو الباب : مش مسموح لي أقول لحضرتك أي حاجة .
اتسعت عيناه بذهول ليندفع نحوها هاتفًا بجنون : مين اللي مديكي الأوامر دي!
حاولت الهرب بسرعة من الباب ولكن ردة فعله كانت أسرع منها ليغلق الباب وهو يحشرها بين جسده وبين الباب المغلق من خلفها ليصرخ بها : انطقي .
هتفت دون تفكير وهي تشعر بأنه سيبطش بها : امير باشا هو اللي مديني الأوامر ، حضرتك مش مسئول عن العملية كلنا عارفين كده .
اتسعت عيناه بذهول ليتراجع برأسه قليلًا قبل أن يسألها يترقب : أومال مين اللي مسئول ؟!!
رفت بعينيها كثيرًا لتهمس بخفوت وهي تخفض عيناها عنه : علاء بيه .
جحظت عيناه فأكملت بهدوء وهي تشعر بالشفقة عليه : أمير باشا أسند المهمة لعلاء بيه بعد ما حضرتك ..
قاطعها وعيناه تومض بتتابع سريع للأحداث من جديد : بعد ما رفضت انضمامك للفريق .
أومأت برأسها إيجابًا ليرفع رأسه بعنفوان : طيب بصي يا شاطرة عشان تبقي فاهمه ، أنا حسن الوكيل وده فريقي ولا انتي ولا علاء ليكم إنكم تعدلوا عليا ولا تتخطوا أوامري وأمري ليكي اللي هتنفذيه ورجلك فوق رقبتك إنك أول ما ترجعي القيادة تطلبي نقلك من الفريق وإلا أقسم بالله هساوي وشك بالأسفلت ، اتبع وهو ينتفض مغادرًا – مش على آخر الزمن فريق الوكيل هيبقى فيه واحدة ست .
اندفعت خلفه لتتمسك به : استنى بس يا حسن اسمعني .
دفعها بعيدًا فتكاد أن تقع ولكنها تماسكت أمام عينيه بثبات أعجبه رغمًا عنه ليهدر بعصبية : انتي بالذات لا عايز أشوفك ولا أسمعك ، ولا تكوني فاهمه عشان حتة عملية عملتيها ونجحت أول ما اتخرجتي إنك مافيش منك بقى والفا وكدة .
أتبع من بين أسنانه غاضبًا : انتي لسه عضمك طري أوي أي ضغطة ممكن تكسره ، فإياك تستفزيني أكسرك عشان أنا لو عايز هدغدغك مش هكسرك بس.
لم ترتجف رهبةً ولا خوفًا بل واجهته بثبات ليكمل : ابعدي عن طريقي أحسن لك يا ندى بيه ، ألقاها متهكمًا وهو يندفع مغادرًا لتتمتم بضيق : قالوا لي عنك كل حاجة إلا إنك غبي .
أتبعت بتبرم : وأنا مالي يفهم ولا إن شاء الله عنه ما فهم ، بإذن الله أمير باشا هيديه جزا عشان غباءه ده.
رنين هاتفها الذي انزلق بأرضية الغرفة حينما فاجأها انبهها لاتصال وارد إليها فالتقطه لتجيب الاتصال هاتفه بنزق : أيوة يا علاء بيه ، عرف طبعًا واسمع نصيحتي مش من مصلحتك تقابله خالص ، ده كان هيموتني لما عرف وطبعًا مستحلف لك فخد بالك بقى .
استمعت إلى علاء بصوته الرزين لتجيبه : لا متخافش عليا ، أنا وهشام وعبدالناصر مرابطين لزفت ده وأما نشوف أخرتها ايه ، أتبعت بجدية – أوامرك يا ريس .
أغلقت الهاتف وزفرت بقوة لتشعر بألم يوخزها في عنقها لتنظر إلى نفسها من خلال مرآة هاتفها لتهمهم بضيق : صدقت لما قلت عليه تور ، أهو شوهني ابن الوكيل ، حسبي الله فيه بس .
صمتت لتعض شفتيها بتأفف – اخص عليكي يا ندى كدة تحسبني على الراجل وهو مسافر لو حصله حاجة هتبقي مبسوطة ، اه هو تور بس برضه .
ابتسمت برقه لتتابع وهي تتورد- بس عسل .
أغمضت عيناها لتضرب فمها مهمهة : اتعدلي يا نودي اتعدلي فوقي كدة وركزي في الشغل ، وافتكري دايمًا إن أول واحد هيقطم رقبتك هو سي حسن اللي تور بس عسل ده ساعتها هيبقى عسل اسود هيغمق حياتك كلها.
تنفست بعمق لتزفر ببطء وهي تشد جسدها بصلابة وتصفي ذهنها للمهمة التي هي مسئوليتها الأولى الآن .
***
دلف إلى المكتب الفخم بعدما استدعاه بنفسه نائب المستشار السيد مهيب بطرس عياد الذراع اليمنى في الجهاز ورجله الأمين وحافظ الأسرار واستدعاءه إليه الذي وصله حينما دلف من باب الجهاز يعني أنهم كانوا ينتظرون عودته وتلك الزينب .. عبس بضيق وعقله يصحح له بل الندى لم تكن تكذب عليه بل أن تمثيلها دورها الرائع عليه كان ضمن الخطة التي وافق عليها رؤساءه.
دق الباب دقتين قبل أن يسمع صوت السيد مهيب يسمح له بالدخول ليبتسم في وجهه بهدوء ويهتف بترحاب جاد : اتفضل يا حسن تعالى .
دلف إلى الغرفة بهدوء ليودي التحية العسكرية فيرمقه مهيب بجدية ويشير إليه برأسه : اقعد يا أبو علي ، عامل ايه ؟!
تمتم بصوت جاد وعبوسه لا يفارق جبينه : بخير الحمد لله .
أجاب مهيب بهدوء : يارب دايمًا ، صمت لوهلة قبل أن يتابع – بلغني إنك زعلان يا حسن بيه ، وأنا ميرضنيش زعلك ، بس الأول قولي ايه مزعلك بقى ؟!!
أطبق فكيه ليجيب بهدوء قدر استطاعته : أكيد حضرتك عارف .
ابتسم مهيب ابتسامة ثعلبية ليهمهم إليه بمكر : بس عايز أسمع منك و هديك فرصة حرية الرأي والتعبير كمان عشان تفضي الشحنة اللي جواك قبل ما نروح لأمير باشا خوفًا على رقبتك عشان انت عارف سيادة المستشار فاضله تكه معاك .
أجاب حسن بغضب أفلته من عقاله : يعني هو حضرته زعلان مني يقوم ملبسني كدة في الحيط بيعاقبني سيادته يعني.
ارتفعا حاجبي مهيب بدهشة وهو يراقب انفعال حسن القوي والذي اتبع بقوة : إزاي تحطوا خطة متبلغونيش بيها .. إزاي تضموا حد لفريقي من غير ما أعرف .. إزاي تدوا أوامر لرجالتي إنهم يخدعوني وتحطوا ريس فوقيهم ميكونش أنا.
زم السيد مهيب شفتيه ليردد باستنكار متهكم : رجالتك؟!
انتفض حسن واقفًا يصيح بغضب : أيوة رجالتي يا مهيب باشا ، الرجالة اللي بيشتغلوا تحت إيدي .
رفع مهيب رأسه تدريجيًا ينظر إليه مليًا قبل أن يهتف بهدوء : انتباه يا حضرة الرائد .
شد حسن جسده على الفور ليؤدي التحية العسكرية ثانيةً هاتفاً بحزم : تمام يا افندم .
نهض مهيب من مقعده يقترب منه ببطء : الظاهر إن المفاهيم عندك مغلوطة شويتين يا حسن ، وأمير باشا كان عنده حق لما رفض في الأول إني أسلمك العملية ، وقالي حسن مش هيفهم يا مهيب بس أنا بقى دافعت عنك وقلت له حسن ظابط كفء بيحب شغله وهيستوعب أي حاجة تخص شغله ويضحي بنفسه ورقبته عشان خاطر مصر .
رد على الفور : أنا عمري ما أتردد عشان خاطر مصر وحضرتك عارف كدة كويس بس ...
نظر مهيب لعمق عينيه : بس ايه يا حسن ؟!
أجاب بجدية : حضرتك مطلبتش عمري ورقبتي ، الموضوع يخص كرامتي وأنا مسمحش لحد يجي على كرامتي !!
اتسعت عينا مهيب بدهشة ليهتف بجدية وغضبه يومض بعينيه : كرامتك ايه يا حضرة الظابط، انت فاهم إنك شغال فين ، انت نسيت نفسك ولا ايه ؟!! أتبع مهيب هادرًا – ايه أول قواعد شغلنا يا حسن .
رف حسن بعينيه : الانضباط .. الالتزام .. تنفيذ الأوامر يا افندم .
ابتعد مهيب للخلف قليلًا : ولما هو تنفيذ الأوامر من أساسيات شغلك ، حضرتك بتعصى الأوامر ليه ، فاهم إنك فوق الكل .. فاهم إنك أفضل مننا .. ولا حضرتك شغال في طابونة مش نظام كبير وكيان كل واحد فيه ليه دور لازم يلتزم فيه .
أتبع مهيب بحدة : لو نسيت نفسك أفكرك يا حسن ، ليصمت لوهلة قبل أن يكمل – أفكرك أنا بدل ما أمير باشا ياخد خبر ويفكرك بمعرفته ، فوق يا حسن بيه واعرف إن الرجالة اللي بيشتغلوا معاك وبياخدوا أوامرهم منك زيك وانت بتشتغل معانا وبتاخد أوامرك منا وإحنا بناخد أوامرنا من فوق وكلنا لازم نشتغل في كيان كبير لخدمة البلد دي.
ران الصمت قليلًا ليعاود مهيب إلى كرسيه خلف مكتبه ليهتف آمرًا : أجازة تمانية وأربعين ساعة يا حسن يا ترجع على موقعك يا ترجع على مجلس التأديب ، فكر وقرر وأنا هستناك .
أشار برأسه متبعًا : انصراف يا حضرة الظابط .
أدى حسن التحية العسكرية ليندفع مغادرًا تحت نظرات مهيب المترقبة قبل أن ينهض واقفًا ويغادر مكتبه من باب آخر ثم يدق الباب على الغرفة الأكبر والأفخم في المبنى كله فيدخل بعدما سمع الإذن بالدخول ليقابله بسمة الآخر الهادئة فيغمغم بضيق : كان معاك حق معاليك .
ضحكة أمير الهادئة أثارت ابتسامته ليشير إليه بود يجمعهما لسنوات عملهما معًا : اقعد يا مهيب واحكي لي حصل ايه ، تفصيليًا كمان ومتخافش أنا عارف حسن وطريقته فمش هزعل لو لبخ في الكلام .
هز مهيب رأسه بيأس ليتمتم بضيق : أنا أنذرته يا باشا .
أومأ أمير برأسه ليجيب بهدوء : عارف وللأسف المرة دي هضطر أقصقص ريشه لو معقلش كدة وحكم عقله واستوعب أنا بعمل فيه كدة ليه .
لوى مهيب شفتيه وهو يقابل أمير في مجلسه : بصراحة يا باشا الحركة تخلي دماغ أي حد يشيط .
ابتسم أمير وهو يسبل أهدابه : كله عشان صالح الشغل يا مهيب ، وحسن بيه كل مرة يعصى الأوامر بيتحجج بالشغل ، منكرش أنه بيفكر بره الصندوق وعملياته كلها نجاح مبهر ، بس لازم يتعلم يتحكم في رغباته وجموحه يا مهيب لازم يعرف امتى يلبس اللجام بنفسه وامتى يجري من غير قيود .
أومأ مهيب برأسه متفهمًا ليتمتم : معاك حق يا باشا ، أتبع بعد لحظة – أخبار الباشا الصغير ايه بدأ يركب خيل ولا لسه ؟!
عبس أمير لوهلة ليضحك بخفة : بخير يا مهيب الحمد لله ، خيل ايه بس هو يسيبنا ننام من جعيره على رأي عادل ، قهقها سويًا ليكمل أمير – عادل مش مصدقني لما بقوله إنه طالع له بس هو بعينه بغباوته .
انطلقت ضحكة مهيب بقوة ليشاركه أمير الضحك قبل أن يكمل بصدق : عقبال ما بناتك يخلوك جدو كدة مش ليليان قربت خلاص ؟!!
تنهد مهيب بقوة : أيوة وكل ليلتين تجريني أنا وجوزها بيها على المستشفى يقولوا لسه .
ضحك أمير بخفة : ربنا يطمنك عليها ويقومها بالسلامة وتجيب لك نونو صغير كدة ياكل عقلك زي اللي عندي .
ابتسم مهيب ليجيبه : بإذن الله .
***
بعد يومين
سحب نفسًا عميقًا وهو يقف أمام الباب الخشبي الفخم كالمكتب الذي يخفيه من خلفه وصاحب المكتب أيضًا فيزفر أنفاسه ببطء قبل أن يرفع قبضته يدق الباب بدقتين متتاليتين ثم يفتح الباب بتمهل حينما صدح صوت أمير يأذن له بالدخول فيخطو للداخل برأس مرفوعة وجسد مشدود يؤدي التحية بثبات ليرفع أمير عيناه إليه يبتسم برزانة هاتفًا بأبوية حانية : استرح يا حضرة الرائد ، وتعالى اقعد .
أومأ حسن بالإيجاب ليطيع على الفور فيسأله أمير وهو يرمقه بتفحص : عامل ايه يا حسن بيه؟ وايه أخبارك ؟
تمتم حسن بصوت هادئ : أنا بخير يا باشا .
رمقه أمير بصبر ليسأله : ها قررت ؟!!
أومأ حسن برأسه : أيوة يا باشا ، أنا هكمل العملية زي ما حضرتك شايف .
اقترب أمير بجسده من مكتبه يتكأ بمرفقه فوقه ليهتف سائلًا : هتسمع الأوامر المرة دي يا حسن ومن غير أي افتكاسات بره الخطة اللي محطوطة ،
أومأ حسن برأسه موافقًا ليكمل أمير ببطء – وهتسمع كلام علاء وتشتغل تحت قيادته ، هو المرة دي اللي بيقود المجموعة اللي هناك .
انتفضت عضلة صدغة فتمهل أمير ليسمع صوته المختنق يأتي من أعماق صدره : تمام يا افندم.
أشار إليه أمير بكفه لينصرف : تمام يا حسن ، اتفضل انت هم مستنينك هناك ولما هتوصل علاء هيفهمك كويس العملية شغالة إزاي .
أدى حسن التحية العسكرية ليهم بالمغادرة فيوقفه أمير قبل أن يغادر بالفعل : بقولك يا حسن .
تصلب جسد حسن ليستدير على عقبيه : أمرك يا فندم.
فيبتسم أمير وهو يرفع نظراته إليه : خلي بالك من الملازم ندى ، هي لسه صغيرة بس كفء علمها ووجهها وأنا متأكد إنها هتبقى أحسن من أحسن ظابط عندك .
قبض حسن كفيه يتحكم في ثورته التي تندفع بهجمات شرسة إلى عقله فتغيمه بغضب لا يحتاجه الآن لينتبه على أمير الذي رفع حاجبه متسائلًا عن رده ليبتسم من بين أسنانه قبل أن يؤدي التحية للمرة الثانية : أمرك يا افندم .
فيبتسم أمير وأسبل أهدابه بغموض : تقدر تتفضل يا حضرة الرائد.
اندفع حسن مغادرًا وهو يطبق فكيه يتحكم في غضبه الذي تملكه ليدلف إلى سيارته يضرب راحتيه في مقود السيارة بعنف مرات متتالية ليشعر بأنه أفرغ كل الغضب الذي بجعبته ليزفر بقوة وهو يهدر لنفسه : اهدى يا حسن وفوق كده سيبك من كل اللي بيحصل وركز في الشغل ، العملية دي لازم تنجح وتخلص وبعدين يبقى فيها كلام تاني ، ليصمت قليلًا قبل أن يعيد على نفسه الحديث الذي أسمعه لروحه اليومان الماضيان – مش مهم كرامتك دلوقتي ولا انت خالص، المهم مصر يا حسن .. مصر تيجي وانت وكل الناس بعدها وبعدين أمير باشا مش هيخلصه زعلك هو بس بيشد ودانك عشان عمايلك السودا اللي بتعملها ، فاهدى كده وركز .
تمتم بخفوت وهو يدير المقود بالفعل : ركز يا أبو علي ومنصور إن شاء الله .
***
بعد ثلاثة أيام
يقف يراقبه يقوم بعمله على أكمل وجه على مدار الأيام الماضية لا يحتك بأي منهم بأي شكل بل ولا يشارك بأي شيء يقومون به إلا حينما يتحدثون عن الاستنتاجات يدلي برأيه ثم يتراجع قاصدًا ويمنحه حرية إتخاذ القرار دون مساعده ، وكأنه يقر بقيادته للعملية وله هو بشخصه ، يزفر بقوة وهو يتذكر قدومه منذ ثلاثة أيام يتذكر صياح ندى المتوتر وهي تعلن إليه : حسن بيه وصل يا علاء بيه .
أومأ برأسه متفهمًا وهو الذي كان يعلم بوجوده لتهمهم هي متبعة دون خشية أن تفضح أفكارها أمامه : تفتكر هيعمل فينا ايه .
فيضحك بخفة حينها يهدئها باتزان : متخافيش يا ندى
مش هيعمل حاجة خالص .
وكأنه كان يدرك أن صديقه وزميل عمله بالفعل لن يفعل شيئا ، فهو دلف باتزان ليؤدي التحية أمامه بجدية ليهتف بصوته الخشن : أنا تحت أمرك يا علاء بيه ، أحب أفهم دوري ايه في العملية .
حينها أخبره عن ذاك الرجل الذي يترصدونه وكونه قناص من الطراز الأول فهو سيتسلم المراقبة في الأوقات الليلية إلى جانب ذاك الدور الذي كان يؤديه في تمثيلة السيدة زينب والتي لازلت مستمرة بتأدية دورها كما هو ، على أن يتسلم مهمة المراقبة والقنص عبد الناصر حينها عبس ليسأل بهدوء حينما اكتشف وجود أن عبد الناصر وهشام مرابطين في البيت : هم كانوا هنا الفترة اللي فاتت.
فيبتسم برزانة ويجيبه بهدوء : كلنا كنا هنا يا حسن محدش فينا مشي .
حينها رمقه مطولًا قبل أن يومئ برأسه بتفهم ويتراجع بعيدًا عنهم ليحمل سلاحه في المساء ويصعد لسطح البيت يتولى المراقبة وتتوالى الأيام وهو لا يتحدث معه .. يتجنبه .. ولا يحتك به بل أنه لا يتشارك معهم الطعام بل يكتفي بأكواز الذرة التي يأتي بها من الحقل ليقوم بشيها العصاري ويتناولها فيسد بها رمقه .
راقبه وهو يتأكد من حشوة سلاحه ويستعد للمراقبة فيقترب منه بجدية هاتفا : هتفضل زعلان كده كتير يا حسن.
لم يلتفت نحوه ليسأله بجدية : مين قال إني زعلان اصلا؟!
تنهد بقوة : الوحمة يا حبيبي اللي مطرزة وشك بمية وحداشر وتكشيرة خطيرة تقطع الخميرة من البيت .
تمتم حسن بجدية وكأنه لم يستمع إلى مزحة علاء : أعتقد إني مش مقصر في شغلي يا علاء بيه .
تنهد علاء بعدم رضا : لا يا حسن ولا عمرك هتكون مقصر .
التفت إليه حسن لينطق بسماجة : تمام مش موضوعك بقى أنا مكشر ولا لا .
أومأ علاء بتفهم : طبعا مش موضوعي لو أنا بس ظابط زميلك ، لكن أنا بسأل على حسن صاحبي .
رفع حسن عيناه إليه ليهتف بسخرية : صاحبي وصاحبك ده على القهوة يا علاء بيه ، لما العملية تخلص نبقى نشوف موضوع الصحوبية ده .
تنفس علاء بعمق : تمام يا حسن بيه بس عايزك تفهم حاجة انت لو كنت مكاني مكنتش هتقول لا ، الأوامر يا حسن بتمشي على رقبتنا كلنا وانت أول واحد عارف ده ، عامة براحتك يا أبو علي ازعل براحتك وأنا هراضيك وأصالحك بعد ما نخلص من اللي إحنا فيه ده .
ابتسم حسن متهكمًا ليهمهم وهو يتخطاه للأعلى : لا كتر خيرك بصراحة .
خطى بسرعة صاعدًا للأعلى ليزفر علاء بقوة وهو يعود ليجلس بجانب الصالة الواسعة بطريقة لا يظهر فيها لمن يمر بالصالة أو يقف بالمطبخ ليستند على القائم الدائري الموضوع كنوع من المعمار مقابل نافذة مربعة يقوم بالمراقبة من خلالها فيضع أشياءه بجواره ويتمسك بسلاحه يضعه بحضنه وهو يسند رأسه للقائم من خلفه ويغمض عيناه يبغى بعض من الراحة ، انتبه بعد كثير من الوقت على حركة خافتة تأتي من خلفه ليميل برأسه وكتفه ينظر إلى ما يحدث فيعبس بعدم فهم وهو ينظر إلى ندى التي تتحرك بخفة في المطبخ دون إضاءة وكأنها تدرك ما تفعله جيدًا قبل أن تحمل شيء بكفها وتضع سلاحها في حزام خصرها كعادتها لتسحب نفسًا عميقًا وهي تصعد بخطوات جادة على السلم المؤدي للسطح فيخيم الذهول عليه قليلًا قبل أن يلمع الإدراك في عينيه فتتسع ابتسامته وهو يهمهم بمرح : الظاهر مش أنا لوحدي اللي براضيك يا أبو علي ، بس مراضية عن تانية تفرق بصراحة .
كتم ضحكته ليتبع ساخرًا : افرحي يا دودي ، أبو علي بقى ليه فانز ستات .
***
خطت للخارج وهي تكتم أنفاسها تحاول أن تنحي توترها من مواجهة تعتقد أنه حان وقتها فهو منذ عودته وهو يتحاشاها تماما وكأنها غير مرئية بالنسبة له ، ورغم اعتقادها أنه سيصب كامل غضبه فوق رأسها وهذا ما أخافها أول عودته ، إلا أن علاء كان صادقًا فهو لم يفعل لهما أي شيء وكان من المفترض أن تسعد بكونه لا يؤذيها أو يضايقها متعمدًا ولكنها غير راضية بل تشعر بالذنب اتجاهه فهذا المتواجد من حولهم الآن ليس ذاك الحسن الذي غادر غاضبًا يملأه عنفوانه ، نعم هو لا يُظهر شيئًا ولكنه غير طبيعي أيضًا!!
زفرت بقوة وهي تقترب منه لتجفل على صوته الهادئ وهو يحدثها رغم أنه لم يترك سلاحه ولا يتحرك من موضعه بل لازال على وضعه يضع عينه بمنظار بندقية القنص المتطورة ويجلس منبطحاً كما يسمح إليه السطح وهو يحدثها بجدية : جاية ليه ؟!! أعتقد إنك ملكيش دور دلوقتي في العملية ولا علاء حطك شيفت ليلي معايا ؟!!
كحت بحرج لتنحني وهي تقترب منه بهدوء : لا جيت أجيب لحضرتك أكل ، عشان انت مش بتاكل خالص .
شعرت به يبتسم ساخرًا ليأتيها صوته المتهكم يخبرها بصدق ظنها : يا حرام وأنا أهمك أوي يعني .
تمتمت وهي تخفض عيناها : تصدق أو لا أيوة تهمني ، ارتفعا حاجباه بدهشة طفيفة لتكمل هي بخفوت – حضرتك بالنسبة لي الأيدول اللي كنت بنام أحلم إني أتعلم منه وأبقى تلميذته ، وعشان كده ميرضنيش زعل حضرتك ولا مضايقتك ولا قلة أكلك ،
ترك سلاحه لوهلة ليستدير نحوها برأسه استدارة طفيفة لم تلتقطها هي ولكنه رآها من مكانه بوضوح بحزنها البادي على وجهها وندمها الذي يكلل هامتها لتتابع بعد قليل بحرج : النهاردة عملت محشي فقلت يمكن حضرتك تحب تاكل منه وجبت لك شوية منه مع حتة من صدر الديك.
جاهد حتى لا يبتسم ليجيبها بصوت خشن : طيب يا ستي متشكرين ، بس أنا مش عاوز حاجة .
هتفت بنزق : ممكن تبطل عند بقى ، أنا مش عارفه انت عنيد كده ليه؟!! وبعدين بتعند مع مين مع نفسك ، هو انت بتعتصم فمانع الأكل ، ولا حضرتك لسه قرفان مني برضه فمش بتاكل معانا؟!
تمتم بمعاندة : هو الحقيقية حضرتي مش .. صمت ليهتف بجدية وصوت خفيض : وطي.
عبست بعدم فهم وقالت له : نعم ؟!
فتمتم آمرًا بهمس وهو يتراجع زاحفا على عقبيه ببطء مقترباً منها : بقولك وطي .
اتسعت عيناها بغضب لتهمهم بحدة : انت فاكر نفسك ايه ها ؟! هو معنى إني جبت لك الأكل تقولي كده ، عيب يا حسن بيه أنا زميلتك ميصحش كده والله .
هدر بحدة : اتنيلي ميصحش ايه ، بقولك وطي وإلا هنشيع جتتك بكرة ، في حد بيقرب من البيت .
عبست بعدم فهم لتشهق بقوة وهو يسحبها من ساقها فيسقطها على ظهرها فتتأوه وتهم بأن تسبه لتتوقف وهي تسمع صوت الطلقات المكتومة والتي أصابت الجدار مكان ما كانت تقف لتتسع عيناها بذعر فيهتف بها في جدية : اجري انزلي وخدي مكانك يا سيادة الملازم وبطلي مرقعة .
اتسعت عيناها باستنكار وهتفت به : أنا بتمرقع ؟!
زمجر بخشونة : امشي انزلي بقولك .
تحركت وهي تزحف على أربع بسرعة ليلامس سماعة بأذنه مهمهمًا لعلاء الذي التقط إشارته : علاء في حد بيقرب من البيت والظاهر معاهم بنادق ليزر ، اجهز واطلب دعم ، واعرف إنهم بيهربوا الراجل بتاعهم النهاردة.
هتف علاء بجدية : تمام يا افندم ، حالًا .
رمش بعينيه وهو يشعر بامتنان بسيط لصديقه قبل أن يرفع بندقيته ويلامسها بحركة فتفتح أمامه شاشة بأبعاد ثلاثية زرقاء تنقل له الصورة البعيدة وكأنها كاميرا رؤية ليلية ، فيمشط المكان بحثًا عن أي حركة بعيدة عنهم تدل عن هروب محتمل للرجل المختفي عنهم فتلمع عيناه بوميض قوي وهو ينظر لهؤلاء الرجال والحركة التي تدور بجوار الباب الخلفي للمسجد ، فيهتف لعلاء بجدية : الجامع يا علاء ، الراجل كان مستخبي في الجامع يا علاء وهما بيهربوه دلوقتي ومش هقدر أصيبه انت عارف إحنا عايزينه حي .
استمع إلى علاء يهدر بأوامره إلى الرجال والدعم يتجه نحو الجامع ليعدل هو سلاحه هاتفًا به حينما انطلقت بعض من الرصاصات بجواره : استعد يا علاء وابدأ الضرب مش ناوين يطلعونا من هنا سُلام .
أتاه صوت علاء سائلًا : هما أد إيه يا حسن ؟!
صوب على أحدهم لينال منه : يجي عشرين بس مش عارف الدرة مخبي أد إيه .
هتف علاء بجدية : طيب هبعت لك ندى تصد معاك من فوق وأنا وهشام وناصر ، والفرقة التانية هتقبض على مجموعة الجامع.
هم بأن يصرح بأنه لا يريدها إلى جواره ولكنه صمت وهي تقتحم السطح زاحفة على بطنها تتولى جانب البيت الآخر هاتفه : متقلقش أنا معاك يا افندم .
أجابها بتهكم وهو يلوي شفتيه : ونبي خدي بالك من نفسك عشان مش هنعرف نشيلك لو نشوكي رصاصة.
عبست بغضب لتجيب بحدة : بس أنا هعرف أشيلك لو اتصابت يا حسن بيه ،
همهم وهو يصيب الرجال واحد تلو الآخر : ربي عيالك بس .
تمتمت بضيق وهي تصيب أحدهم : اخواتي قلنا .
تمتم وهو يتحرك بخفة ليصيب أحدهم ظهر على المدى البعيد : مش فارقه .
تحركت بدورها لتنظر من خلال فوهة سلاحها الثقيل فيتعجب من أنها تحمل نفس نوع سلاحه لتصيب أحدهم أمامه فتهمس : كلهم جايين من الغيط ، الناحية التانية مافيهاش تغطية ليهم .
تمتم بتهكم وهي تجلس بجواره تحتمي بجدار البيت ليلتفت ويقف لثلاث ثواني يصيب أحد المهاجمين ثم يعود : لا بتعرفي تفكري يا زوزو .
تحركت بحركة تماثل حركته : وبصوب أحسن منك كمان .
نظر إلى خزينة سلاحه يحسب ما تبقى منها : وبتعرفي تضربي زيي برضه ؟!
هتفت وهي تستدير لتصيب أحدهم استطاع الوصول لحافة السطح : وأحسن منك برضه .
تنهد بقوة ليهتف بجدية : شوية والذخيرة هتخلص وهنشوف .
التفتت تنظر إليه لتهمس بإصرار : متقلقش هتلاقي حد يغطيك لو ضربوك .
تحرك ليصيب اثنان من المهاجمين ليهتف بها : لو إيدك طويلة زي لسانك يبقى هطمن .
تمتمت وهي تتحرك بسرعة لتصيب أحدهم : اطمن .
تحرك ليمشط المكان ثانيةً فلا يجد أحدهم فيهتف بجدية : علاء ، الأخبار عندك ايه ؟
أتاه صوت علاء لاهثا : تمام يا حسن إحنا هنا تمام .
تحرك على عقبيه بجوار الجدار يمشط المكان من حولهم وينظر إذا كان أحدهم متخفيًا ليهتف لعلاء : إحنا هنا كمان تمام ،
تنفس علاء بأريحية ليزفر هو بقوة لتنهض هي واقفة هاتفة : كده خلصوا يعني ؟!
تمتم بتعجب وهو يدير سلاحه على المدى البعيد يتأكد من عدم وجود من يتخفى وهو يدير مجس الحرارة بسلاحه : خلصوا يعني ايه ؟
تمتمت وهي تتجه نحو باب السطح المواجه للاتجاه الآخر من الجدار : يعني الهجوم خل..
انقطع صوتها وسمع كارتطام شيء فوق الأرضية فالتفت ينظر إليها بريبة ليجدها تجلس على ركبتيها تتحسس كتفها الأيسر الغارق بالدماء فتتسع عيناه وهي تسقط على وجهها أمامه ، رفع سلاحه برد فعل سريع ليجد أحدهم امامه فيصيبه بطلقه في منتصف جبهته قبل أن يسقط الرجل أسفل من جدار السطح فيهرع هو إليها يقلبها على ظهرها وهو يهتف بصراخ صم أذن علاء : ندى يا علاء الحق ندى
أنت تقرأ
نوفيلا .. حسن إلا ربع
Romanceيتسلل بفرقته بين الحقل المزروع متخفين بين قمر غائب عن سماء لونت بالأسود القاتم وزي أخضر يناسب لون محصول البرسيم الذي حان وقت قطافه . يقف ليشير بيده بإشارة ما متعارف عليها بينهم فيتحرك الرجال من خلفه بسرعة وخفة محاوطين البيت المبني بين الأرض الزراعية...