الخاتمة

840 44 2
                                    

بعد يومين ...

يسرع بخطواته في الرواق الطويل يتنفس بنفاذ صبر وعصبية تملكت منه حينما لم يجبه صديقه الذي سبقه إلى هنا بينما علق هو بإنهاء أمور التحقيق لهذا اليوم مع الإرهابي الذي قبضوا عليه والحمد لله ، عبوسه يزداد وعيناه تغيم بعاصفة ذكرى وقوعها ومساندته لها إلى أن أتى المسعفين لينقلوها للمشفى فيندفع ليجاورها في رد فعل غريب أثار تعجب الجميع وهو أولهم ولكن فكرة أن يفقد أحدهم ثانيةً ويعيد نفس الشعور من جديد أجبرته أن يجاورها بل ويجلس بالمشفى إلى أن طمأنه الطبيب على نجاتها فزفر بقوة وهو يغادر عائدًا لعمله الذي أهمله على مدار يوم بليلة ليتأكد من كونها ستنهض من جديد ، واليوم قرر أن يأتي ليزورها ويطمئن على إفاقتها وها هو يصل متأخرًا .
أطبق فكيه بغضب وهو ينظر لعلاء الذي يتحدث ببسمة مرحة كعادته مع إحداهن قصيرة ولا ينكر لأول وهلة أنها جميلة وتشبه الأخرى ، رف بعينيه وهو ينهر نفسه بغلظة : ما تتعدل يا حسن مكنتش رصاصة في الكتف اللي هتخليك تحول كده ، اقترب من صديقه ليهدر بحدة تمسكت به – انت يا بني آدم مش بترد علي زفتك ليه ؟!
اتسعت عينا علاء بصدمة ليهمهم بخفوت وهو يزجره بعينيه : هي دي مساء الخير يا حسن ، ليتبع باستياء فعلي – ثم ايه زفتك دي ؟!!
سحب حسن نفس طويلا : موبايلك يا سيدي مبتردش على تليفونك ليه يا علاء ،
تمتم علاء بسرعة : اكيد ياعني مسمعتوش .
هدر بعصبية : ومتصلتش بيا ليه تطمني يا علاء مش أنا قايلك ومأكد عليك انك لما تيجي تقولي الحالة وصلت فين .
كتم علاء ضحكته ليهتف بسماجة : وصلت فين ايه هي راكبة عربية ،اتسعت عينا حسن وهم بأن يلكمه بالفعل ليتبع علاء سريعًا – مسلمتش على طنط على فكرة وكده تزعل منك .
عبس حسن بعدم فهم لينظر من حوله وهو يهمهم بتساؤل مستنكر : طنط مين ؟!!
كح علاء بخفة ليهمهم إليه قاصدًا ألا تستمع إليه السيدة : أبوس ايدك بلاش قلة ذوق ، ليكمل بصوت مرتفع – طنط يا حسن ، مامة ندى .
ألقاها علاء وهو يشير إلى السيدة التي كان يتحدث معها مازحًا لتنفرج ملامح حسن بذهول سرعان ما سيطر عليه وهو يحدث نفسه أنها صغيرة كما أخبرته ابنتها وجميلة تشبه ابنتها ، ابتسم بلباقة مضطرًا ليشير برأسه في تحية جافة : أهلًا وسهلًا يا افندم .
ضحكت السيدة برقة لتهتف بمرح : يا ألف أهلًا وسهلًا يا سي حسن ، عامل ايه ، ناجي ونوح مبطلوش يسألوا عليك من ساعة ما رجعوا البيت .
عبس حسن بعدم معرفة ليكح علاء بسرعة : اخوات ندى يا حسن .
أغمض حسن عينيه بتفهم وهو يتذكر الصغيرين اللذين لم يجدهما حينما عاد إلى العمل وكأنهما كانا متواجدان فقط لخداعة ليغمغم بسره " المفترية اسمهم ناجي ونوح ومسمياهم لي محروس وحسين ، عشان كده اتصابت في كتفها "
انتبه من أفكاره على صوت السيدة تكمل بلطف – وخصوصًا نوح يا سيدي ، مجنني بيك وكل اللي طالع عليه إنه عايز يشوفك .
ابتسم مرغمًا ليجيب بجدية : ربنا يحفظهم .
تمتمت الأم مؤمنة بصدق ليسأل علاء بمرحة المعهود : بس أكيد في سر ورا حرف النون اللي بتبدأ بيه الأسماء ده يا افندم .
ابتسمت السيدة وتوردت بعفوية : محمود بيسمي الولاد على أول حرف من اسمي ، لتتابع قبل أن يسألها علاء – أنا ناريمان .
تمتم علاء سريعًا : أنعم وأكرم يا هانم وربنا يخلي لك سعادة اللواء ويبارك لكم في بعض .
أطبق حسن فكيه بضجر ليهمهم إليه من بين أسنانه : هو انت بتجامل في حفلة ما خلصنا .
كتم علاء ضحكته ليتبع هو بصوت ظاهر إلى حدٍ ما : أخبار ندى ايه ؟!
هم علاء بالإجابة ولكن صوت والدتها قاطع صديقه وهي تهتف براحة : الحمد لله ، النهاردة أفضل فاقت من شوية وبيعملوا لها شوية فحوصات عشان يطمنوا ، صمتت لبرهة قبل أن تتابع – بالمناسبة أنا حابه أشكرك يا سيادة الرائد ، لولاك كانت ندى ..
صمتت وصوتها الفرح يختنق ليجيب بجدية : أبدًا مفيش شكر على واجب يا افندم ، وأنا واجبي أحافظ على كل فرد معاياة وأرجع بيه سليم وكويس وصحته حديد كمان .
ابتسمت بخفة : ربنا يبارك فيك ويحميك لولادك وبيتك .
رفت عينه رغمًا عنه ليتشدق علاء بخبث : حسن بيه مش متجوز يا مدام ناريمان ،
ارتفعا حاجبي ناريمان لتغمغم بدهشة : غريبة مع إني أعتقد إنه أكبر منك .
أجاب حسن بجدية : أيوة فعلا يا فندم ، أنا تميت التمانية وتلاتين .
انفرجت ملامحها بذهول لتهمهم بعفوية أضحكت من يجاوره : سبحان الله نفس فرق السن بيني وبين محمود .
سيطر علاء على ضحكته بعفوية وهو يشيح برأسه بعيدًا بينما جمدت ملامح حسن بصدمة سرعان ما تحولت للحرج قبل أن يهتف : بعد إذنك يا هانم هاروح أشوف الدكتور .
خطى سريعًا ليبتعد عنهما لتهمهم ناريمان بتعجب : صاحبك ده مش زيك خالص يا علاء ، كشري أوي .
حينها لم يتمالك علاء نفسه وضحكته تجلجل من حولهما ليتمالك أخيرًا مهمهما : هو طبعه كده معلش بكرة يفك ويبقى تمام ،
هزت كتفيها بتعجب ليكمل علاء بجدية – المهم إننا اتطمنا على ندى ، ألف حمد لله على سلامتها يا افندم ، وبلغي سلامي لمحمود باشا وتحياتي .
أومأت ناريمان ببسمة لبقة : الله يسلمك وبجد شكرًا على كل حاجة عملتها مع ندى .
هز رأسه بلباقة : مفيش شكر على واجب زي ما حسن قال لحضرتك وأشوفكم على خير بإذن الله .
ألقاها وهو يشير إليها بالتحية قبل أن يتبع صديقه الذي اختفى تمامًا من أمامه .

***

اقترب من صديقه الذي يقف مواجها للطبيب يستمع إليه بإنصات شديد قبل أن يصافحه بجدية شاكرًا ليستدير إلى علاء الذي وقف مواجهًا إليه يهتف بمرح : ايه يا بني أخدت في وشك ومشيت من غير ما تسلم على الست ، دلوقتي تروح تقول لجوزها إنك قليل الذوق .
رمقه حسن بعبوس غاضب : ما تقول للي تقوله ، أعملها ايه ، بعدين ست رغاية أوي أعرفها منين عشان تقف تكلم معايا كده وتاخد وتدي .
ارتفعا حاجبي علاء بصدمة ليكمم فمه بخوف مرح : بس يا حسن بس ، يخربيتك هتودينا في داهية ، دي مراة اللواء محمود القاضي إزاي متعرفوش .
دفعه حسن بعيدًا عنه ليهتف بغضب : والله لو مراة مين ، أتبع بعصبية – انت عارف إني مبخافش يا علاء .
تنهد علاء بصبر : يا سيدي هو أنا قلت لك خاف ، بس برضه الراجل ياخد على خاطره يشتكي لسعادة المستشار مينفعش يا أبو علي ، انت نسيت نصايح أمير باشا انت واجهة للجهاز يا حسن ، يرضيك الناس من الفروع التانية يقولوا على بتوع الجهاز قلالات الذوق .
أشاح بيده في غيظ : أعلى ما في خيلهم يركبوه ، أنا ناقصك انت والناس .
كتم علاء ضحكته ليتبعه سريعًا هاتفًا به :
استنى رايح فين ؟!
توقف حسن عن الحركة ليهتف مجيبًا ببساطة : ماشي .
نظر له علاء بتعجب : مش هتستنى تسلم على ندى وتقولها حمد لله على سلامتك .
رمقه حسن مليًا ليجيب بجدية : لا ، أنا اتطمنت عليها من الدكتور ولما هرجع الشغل دلوقتي هأمر الرجالة يعملوا الإجازة ويخلصوا لها الإجراءات ، وتبقى ترجع الشغل لما تخف بإذن الله .
نظر إليه علاء بدهشة : الله أومال انت كنت جاي ليه مش عشان تشوف ندى وتطمن عليها ؟!
أجابه حسن بلا مبالاة : عشان أطمن عليها من الدكتور مش أشوفها يا علاء ، أنا يهمني صحتها والدكتور قال كويسة ، يبقى خلاص خلصنا ، وانت كمان حصلني عشان ورانا تحقيق وشغل عايز يخلص مش فاضيين للمرقعة وشغل مستشفيات وورد وقرف ،
ألقاها بحدة وهو يخطو مبتعدًا ليتمتم علاء باستنكار  : بقى الورد بيتقال عليه قرف  حسبي الله ونعم الوكيل فيك بس يا ابن الوكيل .
رن هاتفه فابتسم بعفوية وهو ينظر لوجه زوجته البشوش فيجيبها متفكها دون أي تحيات : فكريني يا دودي ، أبو علي طول عمره كان كشري كده ولا الوحمة دي جديدة في خلقة أهله.
صوت ضحكات زوجته التي تعالت أبهجت قبل أن تهتف به باستياء مفتعل : عيب يا علاء ملكش دعوة بأهله ،
أجابها ضاحكًا : ماشي يا ستي معاكي حق عارفه ليه ؟!!
أجابته بخفة : ليه ؟! ليهمس إليها بشقاوة : عشان أهله قمر وعسل ووحشني ، ضحكت من جديد ليكمل هو باستياء فعلي -  بس هو لا .
ضحكات زوجته غردت من جديد ليضحك بدوره وهو يتبادل معها أحاديثهما العادية بروتين يومي بينهما .

***

طرق الباب بطرقات هادئة ليطل بعدما سمع أمير يـأذن له بالدخول فيطل برأسه هاتفًا بجدية بعدما أدى التحية العسكرية : معلش يا باشا أخرت حضرتك ، بس حبيت تبقى مطلع أول بأول على التحقيقات .
ابتسم أمير ونظر لساعة معصمه الفخمة قبل أن يرمقه بفخر : لا مأخرتنيش ولا حاجه يا حسن بيه ، أنا كده كده قاعد عشان في عملية عسكرية مستني نتيجتها ولما طلبت تقابلني عرفت انك عايز تكلم في الشغل .
أومأ حسن رأسه بجدية ليشير إليه أمير : طيب اقعد وقولي .
زم حسن شفتيه ليهتف بجدية : ينفع استخدم شاشة العرض .
رفع أمير حاجبيه بدهشة : شاشة العرض ، لحقتوا يا حسن .
أومأ حسن رأسه بفخر : رجالتك يا باشا ، أنا معنديش شغل يبات لتاني يوم ، الرجالة بتخلص شغلها أول بأول.
رمقه أمير بصبر ليحدثه بنبرة أبوية حانية طالما استخدمها مع الجميع حين اللزوم : استنى يا حسن قبل الشغل والخطة والبروجكتور والكلام ده ، قولي انت فاهم أنا عملت فيك كده ليه ولا لأ.
قبض حسن كفيه ليسحب نفسًا عميقًا قبل أن يهتف بصدق : في الأول مكنتش فاهم ، كنت غضبان وزعلان حتى بعد كلامي مع مهيب باشا ، مكنتش متخيل إن حضرتك تعمل فيا كده ، حضرتك دايمًا تقولي إني ابنك ، مش مثلًا زي ابنك لا دايمًا تقولي انت ابني يا حسن ، فزعلت أوي إنك ..
صمت ليكمل أمير يحثه بهدوء : كمل ..
زفر ليلقي حديثه بسرعة وكأنه يحرق جوفه : يعني تبقى قاصد إنك تضحك عليا وتخلي رجالتي يتمردوا عليا ،
ران الصمت عليهما قبل أن يكمل حسن بعد قليل : بس لما قعدت وفكرت عرفت حضرتك بتعمل كده ليه ، واللي خلاني أفهم كلمتك ليا برضه ، افتكرت أمي الله يرحمها وهي بتقولي يا حسن يا ابني مفيش أب ولا أم بيقسوا على ابنهم إلا عشان مصلحته ، فعرفت إنه عشان مصلحتي ، قعدت وحاسبت نفسي وعرفت أد ايه أنا اتعديت حدودي لدرجة وصلت إني اضر نفسي واللي حواليا ، وأضر البلد اللي المفروض أحميها وأحافظ عليها ، وعشان كده حضرتك عملت اللي عملته فيا ده .
ابتسم أمير ليهمس إليه بصدق : أنا فخور بيك يا حسن .
ابتسم بعفوية صادقة فأتبع أمير ضاحكًا – ياااه يا حسن أخيرًا ضحكت ، أنا كنت فاهم إنك مولود من غير الأوبشن ده على رأي علاء .
ابتسم وهو يخفض نظره بحرج ليهمهم بتوعد : طيب لما أشوفه علاء اللي فاضحني في كل حتة .
قهقه أمير بخفة ليهتف إليه بجدية : إياك تقرب منه لا هو ولا ندى ، هم كانوا بينفذوا الأوامر .
أومأ حسن بفهم : طبعًا يا باشا أنا عارف .
نظر إليه أمير بثقة : طيب يالا اتفضل وريني اللي معاك ، بس استنى أقول لمهيب يجي .
داعب أمير شاشة صغيرة بجانبه يراسل ذراعه الأيمن ليدق الباب بعد دقائق معدودة فيهتف أمير : أهو مهيب جه .
طل السيد مهيب ويتبعه علاء ليهتف حسن بجدية : وعلاء كمان يا باشا .
أدى علاء التحية ليجلس بجوار حسن قبل أن يشير إليه أمير ببدء الحديث فيبتسم حسن هاتفًا : علاء بيه المسئول وعلاء بيه هو اللي هيتكلم بعد إذنك يا باشا .
رمقه علاء برفض وانزعاج فوري مهمهمًا من بين أسنانه : متهزرش يا حسن .
ابتسم حسن بمكر : عيب عليك يا لولو ، أتبع بجدية – الشغل مفهوش هزار ، يالا توكل على الله وانطلق .
كح علاء بخفة لينهض واقفًا ويبدأ بالحديث عن عمليتهم الأخيرة قبل أن يهتف : طبعًا تأخيرنا في القبض على الإرهابي ، كان لأننا مفتشناش المسجد أبدًا ، مكنش في دماغنا أبدًا إنه ياخده ستار ليه ، أتبع متعجبًا – ده كان مستخبي حتى من ورا إمام الجامع في أوضة صغيرة في المئذنة بيستخدموها عشان يظبطوا الصوت وأجهزة الأذان القديمة شوية ، وواحد من الولاد الصغيرين اللي مغسول دماغهم بيشارك في تنضيف المسجد وخدمته هو اللي كان بيودي له أكله وشربه وبيساعدوه لغاية ما جم بربطة المعلم يهربوه برضه من المسجد من غير أي احترام لهيبة المسجد وقدسيته .
أجاب أمير بهدوء : متشغلش دماغك أوي يا علاء بالموضوع ده وتبقى متعجب أوي كده ، الناس دي بتستخدم كل حاجة عشان مصلحتها ، إذا كانوا بيستخدموا الدين على مزاجهم مش هيستخدموا بيت الله ، ظهر الاستياء على وجه علاء ليكمل أمير سائلًا بجدية : المهم عندي انكم اتأكدتم إن مافيش حد كان بيساعده تاني متقبضش عليه .
أجاب علاء بجدية : لا يا باشا مفيش حد تاني ، الحمد لله رغم إن حسن مضربش نار عليهم عشان مينفعش برضه نقصف المسجد ، فمهما حصل ومهما هما محترومش حرمة بيت الله إحنا نحترمها ، إلا إن الحمد لله الفرقة ب عرفت تقبض عليهم كلهم واللي هرب راحوا وراه وقبضوا عليه .
تمتما أمير ومهيب سويًا : الحمد لله .
ابتسم علاء ليهتف بجدية : أما التحقيقات بقى يا باشا فحسن بيه يقولكم عليها .
أومأ حسن برأسه لينهض واقفًا يتحدث بجدية عما توصل إليه برزانة ويشرح لأمير ومهيب الجالسان يستمعان إليه بإنصات واهتمام شديد .

***

بعد اسبوعين ...

يقف بشرفة مكتبه يولي ظهره إلى الباب ينظر للخارج من خلال الشرفة يراقبها بعينيه وهي تتحدث مع أحدهم لا يذكر اسمه ولا يريد أن يتذكره ، فقط يترقب أن يخطأ الرجل ولو قيد أنمله ليعلقه من قفاه لأجلها ، هي من اكتشف أنها صلبه أكثر مما كان يظن وقوية كما لم يتوقع قط .
هي من عادت إلى العمل قبل انتهاء فترة مرضها ولا أجازتها الممنوحة لتعافيها لتسأل وتستقصى عن أخبار التحقيقات مع الرجل الذي وقع في قبضتهم تلك الليلة ورغم كونها لم تقابله نهائيًا إلا أن أخبارها كانت تصله على الدوام طوال الأسبوعين الماضيين وهي التي تجنبته تمامًا وكأنها تخاف مقابلته بشكلها الطبيعي دون خصلاتها التي عادت تومض بوهج بني محمر وعيناها البنية بلون الشيكولاته.
انتبه من أفكاره على صوت علاء الذي هتف بمرح مكتوم : هي جنينة الجهاز غيروها ولا بقى فيها ورد وأنا مش شايف .
أجابه بتهكم : بقى فيها خفة يا خفة.
قهقه علاء ضاحكًا ليهتف بهدوء : طيب اجهز عشان أمير باشا عايزنا عنده .
تمتم بجدية : أنا جاهز ، صمت قليلًا ليهتف بهدوء وهو يتحاشى النظر إلى علاء – هي لسه كتفها واجعها يا علاء ولا ايه لازمة تعليقة الكتف دي .
تمتم علاء بمكر : هي مين دي يا قلب علاء ؟!
أغمض حسن عينيه ليتمتم بضجر : أنا مش عارف ثقالة أهلك دي دارين مستحملاها إزاي .
هتف علاء ببراءة : أنا ؟! ليتبع متعمدًا إغاظته – ده أنا سكر.
هتف بضجر : طيب بس عشان نفسي جزعت من كتر السكر .
ضحك علاء ليهتف به : طيب بم إنك يعني مهتم أوي كدة وملهوف تطمن ما تروح تقولها حمد لله على سلامتك وكل إصابة وانتي طيبة وأي كلمتين حلوين كدة.
ردد باستنكار : كل إصابة وانتي طيبة ، ده ع أساس إنها هتتصاب تاني وكدة .
هز علاء كتفيه : يعني محدش يعرف .
تمتم بضيق : اتلهي يا علاء ونقطني بسكاتك .
لوى علاء شفتيه : انت حر أنا قلت اللي عندي بس الحقها بقى قبل ما تمشي ، عشان اللي سمعته إنها هتتنقل.
انتفض واقفًا : هتتنقل فين وإزاي من غير ما أعرف ؟! هو انتم شغالين بمزاجكم ولا ايه ؟!
ارتفاع طفيف في حاجبي علاء ليهتف بحيرة : لا طبعًا بمزاجنا ايه ، بس اللي عرفته إنها قدمت طلب نقل من الفريق وأعتقد إن أمير باشا وافق عليه ،عبس حسن بضيق لينظر إلى ساعته قبل أن يرمق وجودها من الشرفة فيتحرك خارجًا وهو يهتف : فاضل شوية على معاد الباشا استناني هنروح سوا .
هتف علاء بتوتر : رايح فين بس يا حسن استهدى بالله كدة .
تمتم وهو يغادر فعليًا : مش هتأخر

***

توقف على مقربة من السيارة التي تضع بها أشيائها إلى أن انتبهت له فتركت ما تفعله لتهتف بفزع : حسن بيه ، إزي حضرتك ؟!
تمتم بجدية وهو ينظر إليها من بين رموشه : حمد لله على سلامتك يا حضرة الملازم ، أخبارك ايه دلوقتي ؟!
ابتسمت بتوتر : أنا بخير يا افندم الحمد لله ، رمقها بطرف عينه ليسألها بجدية : سمعت إنك ماشية ، الكلام ده بجد ؟
توترت وقفتها لتهمهم بتلعثم : أنا بنفذ أوامر حضرتك ، حضرتك اللي قلت لي إني اقدم طلب نقل و...
قاطعها بصوت جاد غاضب : مين وافق على طلب النقل ، أنا مش فاكر إني وافقت على حاجة زي كدة.
شحب وجهها تدريجيًا لتغمغم : أنا عرضته على علاء بيه وقلت له إنه بناءً على طلب سعادتك . هدر بغضب : يعني أموت علاء بيه ده واستريح منه ، انتِ يا حضرة الملازم مش عارف إن أوامرك بتاخديها مني أنا .
تمتمت سريعًا وهي تشد جسدها : طبعًا عارفه يا فندم .
هدر بجدية : انسي موضوع النقل ده واخلصي من موضوع كتفك ده كمان ، أومأت برأسها ليزعق بها وهو يستدير مبتعدًا عنها : وانجزي وحصليني ورانا شغل .
رفت بعينيها كثيرًا لتسأل باهتمام : شغل ايه ؟!
توقف ليلتفت إليها : ورانا عملية جديدة يالا اخلص يا سيادة الملازم وبطل مرقعة وحصلنا عقبال ما الباشا يقولنا الأوامر الجديدة عايزك تاخد مكانك وسط الفريق.
ابتسمت رغمًا عنها لترفع رأسها بشموخ وتشد جسدها بعنفوان قبل أن تودي التحية العسكرية : تمام يا افندم.
هم بالابتعاد ليتوقف أخيرًا هاتفا بها في توعد : أتمنى تكوني عند حسن ظني ومتندمنيش إني وافقت على وجودك معانا في يوم من الأيام .
أجابت بثقة أنارت ملامحها : مش هتندم أبدًا يا حسن بيه .
أمرها بجدية : انصراف يا سيادة الملازم .
منحته التحية العسكرية لتتحرك بالفعل عائدة لسيارتها تعاود حمل أشيائها وهي تبتسم بفخر مزج بسعادتها فهي الآن تحقق أحد أهم أحلامها ، الانضمام الرسمي لفريق حسن الوكيل .
بينما هو عاد أدراجه ليقابل علاء الذي ينتظره ليهتف به في ضيق : أقسم بالله لو عملت حاجة تانية من ورايا لأكون طخك طلقة مموتك ومحزن عليك دارين .
كتم علاء ضحكته ليهمس إليه بمرح : الله وأنا ايش عرفني إنك هترجع في كلامك وترضى عن البُنية .
هدر حسن بسخط : ليه مفيكش مخ بيفكر ، دي أجدع من مجموعة الملازمين اللي جم الدفعة اللي فاتت ، بلاش مفيش عنين ، مشفتهاش وهي بتنشن يا بني آدم ، دي قناص بريمو يا علاء.
كتم علاء ضحكته ليهمس بابتسامته المستفزة : لا طبعًا بشوف وبفهم وقلنا كدة أول ما رشحها أمير باشا اتزرزرت عليا وقلت لي اسكت يا علاء ، وأديني سكت وبسمع الكلام .
رمقه حسن بغيظ : يعني أناولك بونية أنزلك طقم سنانك بطل استفزاز يا بني آدم .
قهقه علاء مرغمًا : طيب خلاص متزعلش بس هي ضحكتي كدة أعمل فيها ايه .
هدر فيه بعصبية : بطل ضحك .
لم يستطع علاء التحكم في ضحكته فخطى حسن مبتعدًا عنه ليتبعه علاء بسرعة وهو يتمالك زمام أمره ليهتف بهدوء : استني يا حسن  بس معرفش انت على طول متضايق كدة اهدى بس عشان أنا مش فاهم دلوقتي يعني انت وافقت على ندى ؟!!
أجاب حسن بجدية : أيوة الفريق محتاجها .
رمقه علاء بذهول ليدلف من خلفه إلى مكتبهما : بجد يا حسن عشان الفريق بس يعني أسبابك لقبول ندى أسباب مهنية بحته ؟!!
عبس حسن بعدم فهم وهو يقف خلف مكتبه يعد أشياءه : أومال عشان ايه ؟!
رفع علاء حاجبه بتعجب ليتمتم : يعني توقعت ..
صمت ليرفع حسن رأسه إليه يرمقه بتفحص قبل أن يهتف بتعجب : بجد يا علاء ؟! انت يا بني اتجننت ولا من كتر ما مراتك بتدور لي على عروسة مخك لسع ؟!! أتبع مستنكرًا – وأنا لما هعجب بحد هيبقى أد بنتي ، ولا انت مش شايف إنها صغيرة شوية عليا ؟! طيب سيبك من موضوع السن ، معجب بواحدة هدخلها فريقي عشان تتقتل ولا تصاب قصادي ، هو أنا ناقص مش كفاية اللي ماتت قبل كدة ؟!!
تغضن جبين علاء بحزن فتنهد حسن بقوة متبعًا : أنا يا علاء لو في أي شعور ناحيتي لندى دلوقتي ، هو شعور أستاذ وتلميذه ، البنت خامتها نضيفة وتستحق العلام ، وأنا قررت أعلمها .
ألقاها بجدية وهو يتحرك للخروج من باب المكتب ليردد علاء من خلفه : نويت تعلمها ، طيب نقرأ الفاتحة على روح المرحومة ندى بقى عشان هتوحشنا كلنا .
ألقاها ضاحكًا ليتبع حسن الذي هدر باسمه من الخارج هاتفا بعصبية : يالا يا علاء .
فيهمهم بداخله : أهو جاي أهو يا سي حسن بيه

نوفيلا .. حسن إلا ربع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن