لم تكن الرياح تخفّ حين بدأ زيد خطوته الأولى نحو الأفق. الصحراء، التي لطالما اعتبرها موطنه، بدت كأنها تغيرت فجأة. لم تكن الرمال الناعمة مجرد أرض، بل شعرت كأنها تحمل ذكريات معارك قديمة وهمسات أجيالٍ لم تُدفن.
عيناه مثبتتان على السماء الملبدة بالغيوم، وكأنها تنذر بعاصفة ليست ككل العواصف. في أعماقه، كان هناك صراع محتد في نفسه يحدثه..
"هل يمكن لرجلٍ واحد أن يغير القدر؟"لكن الصوت الذي استقر في ذهنه كان أكثر وضوحًا، صوت والده الذي قال يومًا:
"لا تخف من الصحراء، فإنها تعرف أهلها وتمنحهم القوة عندما يحتاجونها."في المقابل، كان نواف يراقب خطوات زيد من بعيد. قلبه مثقل بالشكوك والخوف.
"هل كان زيد يعلم حقًا ما الذي ينتظره؟"
أراد أن يصرخ باسمه ليوقفه، لكن صوت الرياح طغى على كل شيء، وكأنها تريد لزيد أن يمضي وحده.عندما اقترب زيد من تلٍ صغير، توقف للحظة. شعر بشيء غريب، كأن الهواء أصبح أكثر برودة رغم حرارة الليل. هناك، في الأفق، بدأت أضواء غامضة تظهر. لم تكن أضواء عادية، بل أشبه بنبضات قلبٍ خافتة تناديه.
بينما اقترب زيد أكثر من الأضواء، بدأت ذكريات طفولته تظهر في ذهنه كأنها شريط سينمائي. تذكر أول مرة تعلم فيها كيف يتبع أثر الرمال، وكيف أن والده كان يقول له دائمًا:
"الصحراء لا تضلّ إلا من لا يستحق البقاء فيها."توقف للحظة وركع على الرمال، أصابع يديه تغوص في الأرض كما لو كان يحاول استشعار نبضها.
"هل يمكن أن تكون هذه الأرض حليفي؟ أم أنني مجرد عابرٍ في حكمها؟"على بُعد خطوات، كان هناك صوت هامس، خافت لكنه واضح. زيد وقف فورًا ونظر حوله، لكن الصحراء كانت فارغة، إلا من الظلال.
"من هناك؟!" صرخ بصوت مرتجف لكنه قوي.
لم يجبه أحد، فقط الرياح كانت تحمل تلك الهمسات الغامضة. ورغم ذلك، كان يشعر أن الصحراء تُرشده، تُهيئه لما سيواجهه.
في هذه الأثناء، كان نواف يحاول تهدئة أفكاره. رغم وعده لزيد بالبقاء، إلا أن شيئًا ما دفعه للتحرك. "لا أستطيع الجلوس مكتوف الأيدي. إن كان زيد في خطر، فواجبي أن أكون معه."
ركب حصانه وانطلق باتجاه نفس الأفق الذي اختفى فيه زيد.
ومع أول خيوط الفجر، ظهر شيء غريب أمام زيد... هيكل حجري ضخم، كأنه معبد مدفون تحت الرمال. كان يبدو مهجورًا، لكن الأضواء التي لاحقها كانت تخرج من داخله، تدعوه للدخول.
أنت تقرأ
ظلال الرمال
Fantasi"في عالمٍ تغلفه الرمال والظلال، تلتقي أرواح رهف وزيد في لحظةٍ تَحكمها الأقدار. بين الحب الذي يراه البعض مستحيلاً والماضي الذي لا يغادر، يسيران معًا في طريق لا مفر منه، حيث لا مكان للهرب، ولا وقت للندم. فهل سيكونان معًا رغم كل شيء، أم أن الفقد هو الم...