10

174 18 28
                                    

مضَتْ فترةُ الظّهرِ على خيرِ ما يُرام ، صحيحٌ أنَّ أُمّي أهلكتنا في أعمالِ التّنظيفِ و الطّبخِ في خلالِها و حرمتنا تناولَ الفطور ، لكنَّها كانَتْ ظريفةً جدّاً ، خاصّةً و نحنُ نجهّزُ لتناولِ الغداءِ قربَ البحر.
استأجرَ أبي من المجمّعِ طاولةً خشبيّةً كبيرةً و مظلّاتٍ واقية ، و طلبَ طعاماً من المطعم ، أقدمَ على كلِّ هذا دون أن يخبرَ أُمّي طبعاً ، فلو فعلَ لن تقبلَ بحجّةِ الإسراف ، و ستقلبُ رحلتَنا التّرفيهيّةَ إلى رحلةِ مشاحناتٍ و مصالحاتٍ قَدْ لا نعودُ منها عائلةً طبيعيّة ، نحنُ لم نكن كذلك يوماً على أيّةِ حال ، حسنٌ إذاً ، سأقولُ لن نعودَ سالمين ، هذه أُمّي لا تتغيّر.
أمّا السّيّدُ جايك ، فلم أرَه أبداً من بعدِ ما كانَ إلى قربِ الشّاطئ ؛ أشعرُ برغبةٍ في العودةِ إلى ذلك الوقتِ لتصحيحِ الأمر.. و أشعرُ بالذّنبِ لاستحالةِ إحقاقِ هذه الرّغبةِ و انعدامِ فائدتِها.. أشعرُ أنَّني عاجزةٌ أمامَ إيجادِ الحلّ.. كما أنا إزاءَ هذا الحُبِّ العجيبِ شديدِ الثّبات.. أين أنتَ يا جايك؟ لماذا أراكَ في كلِّ مكانٍ لستَ فيه؟
تنهّدتُ مستاءةً ما إن لاحَ لي ظلُّ شابٍّ طولُه قريبٌ من طولِه ، كنتُ قَدْ وقفتُ لأرتاحَ قليلاً قبلما يصلُ الطّعامُ و تنهالُ أوامرُ أُمّي على رؤوسِنا مجدّداً ، بَيدَ أنَّني لم أصل من الصّفاءِ ربعَه ، فقَدِ احتلَّ جايك كاملَ الفراغِ المتروكِ في خيالي ، إلى حدِّ حسبتُ الشّابَّ هو بادئ الأمرِ و على الرَّغمِ من أنَّه لا يشبِهُه في شيء ، أظنُّني بتُّ مهووسة ، أو لا ، فيونا لم تأكل بعدُ فقط ، هي بخير..

_"فيونا"

ظهرَ بيب قربي على حينِ غرّة ،  فاستدرتُ نحوه مُحمَّلةً بابتسامةٍ كذوب ، و رحتُ أنظرُ في جهةٍ أُخرى ، أليسَ الحُبُّ جميلاً؟ ألا يقولون هذا؟ فلماذا إذاً يسلبُني طاقتي و اتّزاني و هو لا يزالُ في بدايتِه؟

_"تبدين جدّيّةً جدّاً يا هذه ، ما القصّة؟"

_"لا قصّة ، أشعرُ ببعض التّعب ، أظنُّني أحتاجُ للحلويّاتِ مجدّداً"

_"الحلويّاتُ ذهبَ إلى الطّبيبِ بأمرٍ من حضرتك ، سيعودُ مساءً"

قطبتُ حاجبيّ و رمقتُه ببلاهةٍ أحاولُ أن أدّعي أمامه أنَّني لا أفهمُ قصدَه ، بَيدَ أنَّني و ما إن رأيتُ وجهَه فقدتُ السّيطرةَ على بواطني و ظواهري ، و بدأتُ أفلتُ قهقهاتٍ محرجةٍ كشفَتْ أمري

_"غوارديولا!"

شرعتُ ألكمُه برفقٍ و سرعةٍ لئلّا يُحِسَّ بضحكاتي ، و لم أنجح طبعاً ، فصوتُ ضحكاتِه الشّبيهُ بصوتِ بوقٍ مسدودٍ كانَ قَدْ وصلَ إلى القمرِ فأرعبَ سكّانه ، و أكّدَ من ثمَّ على فشلي في التّستّرِ على مشاعري.
تعبتُ بعدَ عشرين لكمةٍ استطاعَتْ أن أوقعَتْ بيب أرضاً و أخفضَتْ من حسِّه الفكاهيِّ العظيم ، فقرّرتُ أن أفعلَ كمثله ، ارتميتُ فوقَ الرّملِ غيرَ آبهةٍ بشعري و بياضِ فستاني و ما تبقّى من.. يا إلهي.. نسيتُ أنَّه قَدْ أعجبَ جايك من قبل.. يجبُ توجيبُه إذاً..

صدف ~ شيم جايكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن