حيِّزي

سيارتي السوداء

في غياهب البرّ تسابق سيارتي شرور الحياة
حيث تندثر مكابح الخوف وتترامى من النوافذ زجاجات الكحول الفارغة التي يخبرك صدى انكسارها أن لا مخدر في هذ العالم قادر إخماد حريقك.
ولا حتى الماء أو الهواء!
النّار تحرق كبدي العليل.
نسمات عمّان تسقمني.
فضلات عصافير الصّباح تكسو مدينتي
وفي الليل يكسوها أنين السكارى
والانزلاقات الفاحشة من فرج إحداهن يتلوها ذلك السائل الأبيض المليء بالحياة.
سيارتي السوداء تسابق كل هذا وأكثر.
أصوات الوحوش تصيبني بالطرش
أصوات العشاق تعيد إلى قلبي الحنين
القبلات العابرة تقرفني
ليالي عمّان كلها لي أنا
شوارعها لي أنا
أنين السكارى لي
الشتائم العابرة لي
مُلكُ هذه المدينة لي ولسيارتي السوداء تحت هذا الغيهب الكهرماني
في ليال المدينة لا يوجد سلطة لأحدهم عليك
لا طاغية ولا قديس سواك
فتيات عمّان كلهن لي وحدي
أموالها لي
دماؤها لي
أصنامها لي
سيارتي السوداء تدهس العابرين
ساقاي تمدد فوق المدينة من غربها لجنوبها
من شرقها لشمالها
شياطينها تتودد عند أقدامي
ملائكتها تلعنني
كؤوس الكحول تفيض من سواد القهوة
رزم النقود على الطاولة
سيجار مشتعل يبّخر جدران غرفتي
عبق العطر الفاخر الممتزج مع العرق ينام فوق قميصي الأسود
أفنان تلعق أصابع قدمي
ودانا تلتهم شفتاي
القهوة والتبغ الكوبي وحريق الفودكا يجعل من لعابنا كاللافا المشتعلة
شيطان عارٍ يتبول في رأسي
نوافذ تطل على مملكتي
الدماء تسيل من ما هو لي
والدموع تتسرب من بين سيقاني
خذني بعيدًا عن هذا الجحيم
خذ جذوري وارزعها في منتصف العالم
خذني إلى الأرض المحرمة
انتشلني من بين الملائكة
اسحب روحي من هذه الغربة
أزرعني في باحة مسجد
دع شجرتي مستظلًا للمنهكين
أجعل من ثماري طعامًا للمساكين
لتبني طيور السلام أعشاشها فوق غصوني
فلتمتد جذوري في تربة الوطن
في طين الجحيم
أسقني دماء الشهداء
خذ عني ماء الحياة الكاذب
خذ عني هذه الشوارع المشققة
خذ عني سيارتي السوداء
خذ عني هذه المملكة المتنكرة
أفتح شقًا في قلبي واستخرج السواد
أفتح جرحًا في عروقي وخذ هذا الذهب الفاسد
حررني من هذه الأرض وخذني إلى السماء
حيث يتمدد المسيح بسلام
حيث تطفو الملائكة كأطفال تعلمت السباحة
خذني حيث تُرجم الشياطين
ومزّق ظهري بالسوط
خذ عني هذا الحمل
وابلدنيه طمأنينة
اقتلع عيناي وابلنديها ظلامًا سرمديا
خذ عني السيجار ولا تبلدنيه شيئًا مكانه
انتشلني من غربتي فقط
أغرقني بماء السماء
طهرني من نجاستي
اصنع لي سيفًا ودرعا
انقعني بدماء الشياطين
وليس دماء الثوار والمساكين
انقعني بدمائي أنا
فسيارتي السوداء لم تعد قادرة على المواصلة
والوحوش تقترب
وأفنان تنام كالقحبات
ودانا غادرت
ويشرق علي صباح ديستوبي عديم اللون
وحدي...
دون قبس واحد من نور
وتعاد الكرَّة كل ليلة

ميخائيل