مشى ياغيز نحو بوابة القصر..اعترضه خادم أبيه المقرب صالح فبادره ياغيز بالقول:
_ صالح..تفقد أبي..و أعطه أدويته..لم يكن على ما يرام منذ قليل.
رد صالح:
_ أمرك سيد ياغيز.
ركض الرجل الى الداخل بينما واصل ياغيز طريقه نحو السيارة و ما ان دخلها حتى قال دون أن ينظر الى هزان:
_ فلنذهب من هنا لو سمحت.
لم تقل هزان شيئا و أدارت المحرك و انطلقت بالسيارة التي ابتعدت مسرعة عن القصر.
لم تكن هزان قد رأت جلال و هو يدخل لأنه كان قد ولج عبر البوابة الخلفية للقصر..و هذا ما جعله يسمع كل الكلام الذي قيل بين عمه و ابنه..و كانت كل كلمة سمعها قد انغرست كالسهم القاتل في قلبه و روحه..أظلمت الدنيا في عيونه و اختلطت المشاعر عليه..غادر القصر من البوابة التي دخل منهاو قد ارتسمت علامات الخيبة و الحزن و الأسى على ملامحه..لطالما كان يعتبر عمه أبا ثانيا له بعد رحيل أبيه..و ياغيز كان صديقه المقرب و أخاه الذي لم تلده أمه..و هاهو الآن يتلقى ضربات موجعة من كليهما..ضربات قصمت ظهره و أفقدته الثقة بهما و أعمت عيونه برغبة مميتة في الانتقام و في جعل كليهما يدفع ثمن ما فعلاه به و بعائلته..ركب سيارته و انطلق بها نحو مكان خال..ترجل من السيارة و التفت يمنة و يسرة و عندما تأكد بأنه لوحده أطلق صرخة زلزلت المكان من حوله..صرخة ضمنها كل المشاعر السيئة التي اكتنزها صدره و ضج بها قلبه..لربما لو كانت هذه الخيانة قد أتت من الغريب لما كان تأثر بها الى هذه الدرجة..لكن..أن يخونك أقرب الناس اليك..و من أحببتهم من كل قلبك..و وثقت بهم..و اعتبرتهم عائلتك و أحبائك..و أعطيتهم لسنوات محبة و اهتماما و آثرتهم على نفسك دون أية حسابات أو منافع شخصية فهذا ما يجعل الأمر أقسى بكثير..و يحول كل تلك المحبة و الوفاء الى كراهية و حقد و رغبة في رد الصاع صاعين..
في شقته..ارتمى ياغيز على الأريكة في صمت و قد عكست ملامح وجهه كل الضجيج الذي يعلو داخله..كان محبطا و محطما و مهزوما جراء الاعتراف الصريح الذي أخذه من أبيه..و لم يكن قادرا على النظر الى هزان و لا على مواجهتها بما اكتشفه و بما تأكد منه..كان خجلا منها..و لا يريد أن يحزنها أكثر..وضعت هي المفاتيح على المنضدة و جلست بجانبه ثم وضعت يدها على ظهره و سألت بقلق:
_ حبيبي..أخبرني..ماذا فعلت؟ و ماذا قال أبوك؟
أخفى وجهه بين يديه و غمغم بصوت مخنوق:
_ لم يقل شيئا.
كانت تعلم بأنه يخفي الحقيقة عنها..فوضعت يدها تحت ذقنه و أجبرته على النظر اليها و هي تقول:
_ ياغيز..أعلم جيدا بأنك لا تقول الحقيقة..انظر داخل عيوني..و أخبرني بما عرفته.
انتفض واقفا و صاح بعصبية:
_ ماذا تريدينني أن أقول هزان؟ هل أقول بأنه اعترف لي بكل جرائمه الفظيعة التي ارتكبها؟ هل أقول بأنه أخبرني بأنه قتل أخاه ابن أمه و أبيه؟ هل أقول بأنه حرمني من أمي بسبب حبه المرضي لي و خوفه من أن يخسرني؟ هل أقول بأنه أكد لي بأنه قاتل أبيك؟ ماذا أقول هزان؟ هل أقول بأنني أخجل من اسمه الذي أحمله في هويتي؟ هل أقول بأنني مصدوم منه و من فظائعه التي أقدم عليها؟ هل أقول بأنني أتفهم ان تراجعت الآن عن الزواج بي بسبب ما فعله أبي؟ هل..
وقفت هزان و اقتربت منه و وضعت اصبعها على فمه و هي تقول:
_ شششش..اصمت ياغيز..لا تتفوه بهذا الهراء مرة أخرى..أبوك مجرم..نعم..و سيلقى جزاءه عاجلا أم آجلا..لكن لا علاقة لك أنت بما ارتكبه هو..و لست أنا التي تتخلى عنك و عن حبك بسبب ذنوب و أخطاء غيرك..أنا أحبك ياغيز..متى ستصدق هذا؟ ..متى سترى حبي الكبير و تعترف لنفسك به؟ أعلم أنني كنت غبية و مترددة فيما سبق..و معك حق أن تشكك في مشاعري..لكن ليس بعد الآن..ياغيز..أنا و أنت لن يفرقنا إلا الموت..و أنا لن أتخلى عنك مهما حصل..هل فهمت؟
امتلأت عيون ياغيز بالدموع و جذبها نحوه ليعانقها بكل قوته و هو يردد بصوت مبحوح:
_ أنا آسف هزان..أنا آسف لأن أبي كان هو السبب وراء فقدانك لأبيك الذي كان رجلا رائعا و يستحق الحياة و ليس رجلا مقرفا كأبي..اللعنة عليه..ماذا فعل بي؟ لقد حطمني و دمر حياتي..أعدك بأنني سأجعله يدفع ثمن أفعاله..مهما كلفني الأمر..أعدك حبيبتي.
أنت تقرأ
مِن أجل أُختي
Romantikأسألتم أنفسكم يوما مالذي أنتم قادرون على فعله من أجل أحبائكم؟ هل فكرتم يوما كيف ستتصرفون إذا وجدتم أنفسكم أمام خيار لا بد منه رغم صعوبته لكي لا تخسروا عزيزا عليكم؟ أيعقل أن يجبرنا تعلقنا بمن نحب على إتخاذ قرارات مدمّرة تقضي على حياتنا مقابل انقاذ حي...