٢٨..يوم أسود

938 63 27
                                    

مشى ياغيز نحو بوابة القصر..اعترضه خادم أبيه المقرب صالح فبادره ياغيز بالقول:
_ صالح..تفقد أبي..و أعطه أدويته..لم يكن على ما يرام منذ قليل.
رد صالح:
_ أمرك سيد ياغيز.
ركض الرجل الى الداخل بينما واصل ياغيز طريقه نحو السيارة و ما ان دخلها حتى قال دون أن ينظر الى هزان:
_ فلنذهب من هنا لو سمحت.
لم تقل هزان شيئا و أدارت المحرك و انطلقت بالسيارة التي ابتعدت مسرعة عن القصر.
لم تكن هزان قد رأت جلال و هو يدخل لأنه كان قد ولج عبر البوابة الخلفية للقصر..و هذا ما جعله يسمع كل الكلام الذي قيل بين عمه و ابنه..و كانت كل كلمة سمعها قد انغرست كالسهم القاتل في قلبه و روحه..أظلمت الدنيا في عيونه و اختلطت المشاعر عليه..غادر القصر من البوابة التي دخل منها

و قد ارتسمت علامات الخيبة و الحزن و الأسى على ملامحه

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

و قد ارتسمت علامات الخيبة و الحزن و الأسى على ملامحه..لطالما كان يعتبر عمه أبا ثانيا له بعد رحيل أبيه..و ياغيز كان صديقه المقرب و أخاه الذي لم تلده أمه..و هاهو الآن يتلقى ضربات موجعة من كليهما..ضربات قصمت ظهره و أفقدته الثقة بهما و أعمت عيونه برغبة مميتة في الانتقام و في جعل كليهما يدفع ثمن ما فعلاه به و بعائلته..ركب سيارته و انطلق بها نحو مكان خال..ترجل من السيارة و التفت يمنة و يسرة و عندما تأكد بأنه لوحده أطلق صرخة زلزلت المكان من حوله..صرخة ضمنها كل المشاعر السيئة التي اكتنزها صدره و ضج بها قلبه..لربما لو كانت هذه الخيانة قد أتت من الغريب لما كان تأثر بها الى هذه الدرجة..لكن..أن يخونك أقرب الناس اليك..و من أحببتهم من كل قلبك..و وثقت بهم..و اعتبرتهم عائلتك و أحبائك..و أعطيتهم لسنوات محبة و اهتماما و آثرتهم على نفسك دون أية حسابات أو منافع شخصية فهذا ما يجعل الأمر أقسى بكثير..و يحول كل تلك المحبة و الوفاء الى كراهية و حقد و رغبة في رد الصاع صاعين..

في شقته..ارتمى ياغيز على الأريكة في صمت و قد عكست ملامح وجهه كل الضجيج الذي يعلو داخله..كان محبطا و محطما و مهزوما جراء الاعتراف الصريح الذي أخذه من أبيه..و لم يكن قادرا على النظر الى هزان و لا على مواجهتها بما اكتشفه و بما تأكد منه..كان خجلا منها..و لا يريد أن يحزنها أكثر..وضعت هي المفاتيح على المنضدة و جلست بجانبه ثم وضعت يدها على ظهره و سألت بقلق:
_ حبيبي..أخبرني..ماذا فعلت؟ و ماذا قال أبوك؟
أخفى وجهه بين يديه و غمغم بصوت مخنوق:
_ لم يقل شيئا.
كانت تعلم بأنه يخفي الحقيقة عنها..فوضعت يدها تحت ذقنه و أجبرته على النظر اليها و هي تقول:
_ ياغيز..أعلم جيدا بأنك لا تقول الحقيقة..انظر داخل عيوني..و أخبرني بما عرفته.
انتفض واقفا و صاح بعصبية:
_ ماذا تريدينني أن أقول هزان؟ هل أقول بأنه اعترف لي بكل جرائمه الفظيعة التي ارتكبها؟ هل أقول بأنه أخبرني بأنه قتل أخاه ابن أمه و أبيه؟ هل أقول  بأنه حرمني من أمي بسبب حبه المرضي لي و خوفه من أن يخسرني؟ هل أقول بأنه أكد لي بأنه قاتل أبيك؟ ماذا أقول هزان؟ هل أقول بأنني أخجل من اسمه الذي أحمله في هويتي؟ هل أقول بأنني مصدوم منه و من فظائعه التي أقدم عليها؟ هل أقول بأنني أتفهم ان تراجعت الآن عن الزواج بي بسبب ما فعله أبي؟ هل..
وقفت هزان و اقتربت منه و وضعت اصبعها على فمه و هي تقول:
_ شششش..اصمت ياغيز..لا تتفوه بهذا الهراء مرة أخرى..أبوك مجرم..نعم..و سيلقى جزاءه عاجلا أم آجلا..لكن لا علاقة لك أنت بما ارتكبه هو..و لست أنا التي تتخلى عنك و عن حبك بسبب ذنوب و أخطاء غيرك..أنا أحبك ياغيز..متى ستصدق هذا؟ ..متى سترى حبي الكبير و تعترف لنفسك به؟ أعلم أنني كنت غبية و مترددة فيما سبق..و معك حق أن تشكك في مشاعري..لكن ليس بعد الآن..ياغيز..أنا و أنت لن يفرقنا إلا الموت..و أنا لن أتخلى عنك مهما حصل..هل فهمت؟
امتلأت عيون ياغيز بالدموع و جذبها نحوه ليعانقها بكل قوته و هو يردد بصوت مبحوح:
_ أنا آسف هزان..أنا آسف لأن أبي كان هو السبب وراء فقدانك لأبيك الذي كان رجلا رائعا و يستحق الحياة و ليس رجلا مقرفا كأبي..اللعنة عليه..ماذا فعل بي؟ لقد حطمني و دمر حياتي..أعدك بأنني سأجعله يدفع ثمن أفعاله..مهما كلفني الأمر..أعدك حبيبتي.

مِن أجل أُختيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن