١٣..توضيح

1.4K 86 21
                                    

قادت هزان سيارتها و هي تلتفت بين الفينة و الأخرى الى أختها لكي تطمئن عليها..كانت تفتح عيونها تارة و تغمضهما تارة أخرى..و كانت تردد إسم ياغيز و تهذي به..ذلك الإسم الذي تحبّذ هزان ألا تسمعه لكي لا تستيقظ في عقلها كل تلك اللحظات المرهقة و المتعبة..لحظات كانت مرتبطة بليلة واحدة اختصرت كل الألم و المعاناة و التعذيب..و كان من الممكن أن تنساها و تتجاوزها لو أنها ابتعدت و هربت الى الجانب المعاكس..لكن..ببقاءها هنا..بقربه..و معه في نفس المكان..فاللحظة ستصبح لحظات..و الذكرى ستتحول الى ذكريات..و الألم سيصبح أعمق و أعمق..و لن تنسى..أبدا..مهما حاولت أن تفعل ذلك..الليلة..كانت ستمرّ بسلام..و ستنتهي على خير ما يرام..لولا اصرار ياغيز على تأليب المواجع عليها..وجدت نفسها تتذكر تلك اللحظة العابرة..اللحظة التي اقترب فيها منها..و مال برأسه الى الأمام..و أطبق فيها شفتيه على شفتيها..ارتبكت..اضطربت..تسارعت أنفاسها..جحظت عيونها..و ارتعشت يداها..و داست قدمها على الفرامل دون أن تدرك ذلك..توقفت السيارة بطريقة مفاجئة ففتحت زينب عيونها و التفتت اليها و سألت بقلق:
_ مالأمر أختاه؟ هل أنت بخير؟
انتبهت لنفسها فرسمت ابتسامة على شفتيها و ردت تطمئن أختها:
_ آسفة..شردت للحظة..حاولي أن تتماسكي..كدنا نصل الى المنزل..لا تدعي أمك تراك هكذا.
أعادت زينب رأسها الى الخلف و همهمت بالإيجاب..عادت هزان تقود السيارة و هي تحاول ألا تشرد مرة أخرى..دقائق و كانت تتوقف أمام منزل فضيلة..ساعدت أختها في النزول ثم أدخلتها الى غرفتها قبل أن تغادر و تعود الى سيارتها..جلست خلف المقود و انطلقت نحو شقتها..عادت صورة ياغيز تحاصرها و تزعجها..راحت تسأل نفسها أسئلة متتابعة..لماذا فعل هو هذا؟ لماذا قبّلها؟ مالذي يقصده بذلك؟ هل يتعمّد ازعاجها؟ أو ربّما كان يريدها أن تتذكّر و ألاّ تنسى ما كان بينهما؟ يريدها أن تبقى مرتبطة به بشكل أو بآخر؟ يريد أن يسيطر عليها؟ يريدها أن تبقى أسيرة الذكرى الى الأبد؟ لا يريد لها أن تمضي قُدُما في حياتها؟ لماذا يصرّ أن يؤذيها؟ لماذا؟ لماذا يتصرّف بطريقة متناقضة فساعة يحميها من الحرق و يرضاه لنفسه و ساعة أخرى يعجز عن حمايتها من نفسه و من نزواته؟ و إذا لم يكن تقبيله لها نزوة جديدة من نزواته فماذا يكون إذا؟ ..أثقلت الأسئلة عقلها و تفكيرها و أزعجها كثيرا ألا تجد لها أجوبة شافية..أدخلت سيارتها الى المرآب المخصص لها ثم صعدت الى شقتها..كانت تمشي في الردهة و هي تضع يدها في حقيبتها و تبحث على مفاتيحها..وجدتها و اقتربت من الباب لكي تفتحه فهالها ما رأت و جمدت في مكانها و هي تشعر بأن الصدمة قد شلّت حركتها..كان باب شقّتها مفتوحا و كانت تسمع حركة مريبة في الداخل..تراجعت الى الخلف و هي تحاول ألا تصدر أي صوت..أخذت هاتفها من الحقيبة بيد مرتعشة و همّت بالإتصال بالشرطة عندما خرج رجلان ملثّمين من شقّتها أحدهما افتك الهاتف من يدها و رماه على الحائط فتحطّم و الآخر دفعها بقوة فأسقطها أرضا و انطلقا يجريان في السلالم..نهضت هزان و هي تدلّك ذراعها التي ارتطمت بالحائط عندما دفعها أحد الرجال الملثّمين..نزلت الى الطابق السفلي فوجدت الشاب المسؤول عن المجمع السكني..طلبت منه أن يتصل بالشرطة ففعل..دقائق و كان عناصر الشرطة يعاينون الأضرار داخل الشقة..كانت الثياب و الاوراق متناثرة على الأرض..و الشقة مقلوبة رأسا على عقب..الباب لم يكن مخلوعا و لم تكن هناك آثار لاستعمال العنف للدخول..و الأغرب أن هزان لم تجد شيئا مسروقا..رغم أن مبلغا ماليا و بعض المجوهرات كانوا مخبئين في الخزانة و يمكن سرقتهم بسهولة..أنهى عناصر الشرطة معاينتهم ثم طرحوا عليها و على عملة المجمع السكني بعض الأسئلة ثم طلبوا أن يراجعوا تسجيلات كاميرات المراقبة..
على الأريكة..جلست هزان و علامات الصدمة مازالت تغلب عليها..كانت صامتة و تحدّق في الفراغ و عقلها لا يكاد يستوعب ما يحدث معها..من هؤلاء الذين دخلوا الى شقتها؟ كيف دخلوا؟ لماذا لم يسرقوا شيئا؟ عمّ يبحثون؟ ماذا يقصدون من هذا؟ هل يقصدون تخويفها فقط؟ أم أن الأمر به سرّ هي لا تدري عنه شيئا؟ وضعت رأسها بين يديها و عقلها يكاد ينفجر من كثرة الأسئلة التي تتوالى عليه..و زاد من وحشتها صوت الرعد الذي لمع بشدة ثم صوت الأمطار الغزيرة التي أخذت تهطل فجأة..سمعت طرقات ملحّة على الباب..نهضت و سألت بصوت مرتعش:
_ من ؟
أجابها ياغيز بنبرة قلق واضحة:
_ هذا أنا هزان..افتحي..هل أنت بخير؟
قطبت هزان جبينها استغرابا و سألت و هي تفتح الباب:
_ما هذا؟ مالذي أتى بك؟ من أخبرك بما جرى؟
تجاوزها ياغيز الى الداخل و راح يجول ببصره في المكان و هو يقول:
_ كمال عامل الاستقبال في المجمع السكني هو الذي اتصل بي ليخبرني..كنت قد أعطيته رقم هاتفي في المرة الماضية لكي يتصل بي اذا حدث أي طارئ.
ثم التفت اليها و وضع يديه على ذراعيه و سأل بلهفة:
_ هل أنت بخير؟ هل آذوك؟ كيف تشعرين؟
أبعدت هزان يديه عنها و جلست و هي تقول:
_ أنا بخير..لكن..لا أكاد أستوعب ما جرى..كل ما يحدث هذه الأيام يثير الريبة و الشك و القلق في نفسي..منذ أن قررت أن أبقى هنا في تركيا و أنا أشعر بأنني وضعت نفسي في مأزق لا خلاص لي منه..كنت بعيدة هناك في باريس..و كنت مرتاحة و حياتي هادئة..أما الآن..فكل شيء تغير الى الأسوأ..و كأن هذا المكان ملعون..و كأنني أتيت الى الجحيم بقدميّ..مالذي قد يجده هؤلاء عندي؟ مالذي يبحثون عنه أساسا؟ و لماذا أنا دونًا عن بقية الناس؟ ان كانوا قد أتوا للسرقة فلماذا لم يأخذوا المجوهرات و المال؟ و كيف دخلوا الى المنزل دون أن يكسروا الباب؟ أرأيت كم أنا بخير سيد ياغيز..و كأنه لا يكفيني وجودك أنت لكي أُبتلى بكل هذه المصائب.
قطب ياغيز جبينه و قد آلمه كلامها القاسي

مِن أجل أُختيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن