توقف الاثنان بعد لحظة طويلة من الصمت المشوب بشيء غير واضح، حيث استقرت عيناه على شفتيها، يميل نحوها ببطء وكأنه مغيب في عالم لا يعرف الحدود نبضات قلبها ازدادت تسارعًا، وكأن كل ذرة في جسدها كانت تدق ناقوس الخطر، محاولة أن توقظها من تلك الغيمة الوردية التي أحاطتها، وتكاد تُسقطها في شِراك محظور لا مجال للعودة منه
وفي لحظة خاطفة، قبل أن يتمكن من الاقتراب أكثر، شعرت بدفعة مفاجئة من الوعي تتسلل إليها وبدون تفكير أو تردد، صفعته بقوة على وجنته، ثم ركضت بعيدًا، كما لو أن أرواحها كانت تحثها على الهروب من المكان بأكمله ومن تلك اللحظة التي كادت أن تلتهمها
دخلت الحفل بسرعة، وبدون أن تنظر خلفها، أمسكت بيد جوان ابنة عمها، تسحبها نحو الخارج، مصرة على مغادرة المكان بأسرع ما يمكن تجاهلت كل الأسئلة التي طرحتها عليها، وكأن الكلمات نفسها أصبحت أعداءً تحاول الهروب منها
أما هو، فقد خرج من تلك اللحظة الساحرة بنفس الذهول الذي رافق دخوله إليها جلس في بهو القصر بعد الحفل، شارد الذهن، يعيد تلك اللحظات في مخيلته مرارًا وتكرارًا لماذا صفعته؟
فكل من في ذلك المكان، وبشهادة ابن عمه هشام، لم يعرفوا للعفة أو الاحترام سبيلًابدأت الأسئلة تتزايد في ذهنه هل هي حقًا مختلفة ؟ هل رفضت حقًا لأن قيمها تعلو فوق كل شيء ؟
أم أنها تتمنع فقط وتلعب دور العفيفة ؟
وإن كانت حقًا عفيفة وذات أخلاق، فما الذي دفعها للمجيء إلى هذا المكان ؟لم يسبق له أن اهتم لأحد بهذا القدر من الحيرة والارتباك ولا يعرف لماذا باتت هي الاستثناء، تلك التي تشغل عقله إلى هذا الحد
لم يلتفت إياد لوجود والده جلال الذي جلس بجواره صامتًا للحظات قبل أن يكسر الصمت بصوت هادئ :
اتمنى تكون عقلت يا ابني وقررت تستقر هنا بقى، و تمسك الشغل معايا بدل ما تفضل مقضيها سفر من بلد لبلد !!رد إياد بنفس الهدوء :
أنا مرتاح كده يا بابانظر إليه جلال بضيق، وكأن كلماته لم تجد طريقها لفهمه :
يعني إيه مرتاح كده !!!تنهد إياد ببطء، وكأن الرد جاهز منذ زمن :
يعني يا بابا أنا مرتاح كده، خلي الشغل لعمي فاروق وهشامفجأة، انقلبت ملامح جلال، وارتفعت نبرته بحزم و غضب :
بس هشام مش ابني! عشان يمسك الشركة والشغل من بعديأخذ جلال نفسًا عميقًا، ثم مرر يده على وجهه بتعب وحزن، وعيناه تحملان ثقل سنوات :
يا بني، عمك فاروق وهشام طماعين مهما أخدوا فلوس، عمرهم ما بيشبعوا أنا عارف كل اللي بيعملوه وسايبهم بمزاجي....عيني عليهم، بس أنا مش هفضل كده طول عمري أنا تعبت، ونفسي أرتاح واتسند عليك، وألاقيك دايمًا جنبيوضع جلال يده على كتف ابنه برجاء، وكأن كل أمله معقود عليه :
ريح بالي يا بني، انزل اشتغل في ملك أبوك وراعي مصالحه.....أنا ماليش في الدنيا دي غيرك
أنت تقرأ
رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية ضحايا الماضي بقلم شهد الشورى
Romansaما ذنب الحب إذا استوطن القلوب وأشعلها بلهيبه؟ ما ذنبه إن كان يتسلل خفيةً في ظلام الليل ليغزو أرواحنا بلا استئذان؟ أتراه يختار ضحاياه بعناية، أم أنه يسقط علينا كالمطر، بلا حساب؟ الحب ليس إلا حكاية تسردها الأرواح في صمت، لغة تفهمها القلوب دون الحاجة...