البارت العشرون

72 12 0
                                    

حاولت إخباركم بأنني لست بخير فلم تسمعوا فتأذيتم!
_. _. _. _. _

كنا نمشي في ممر طويل بُني من الطوب، كانت هناك شعلات من النيران على الجدران لتُنير لنا الطريق، و كلما تعمقنا بالمشي، كلما شعرت بألم في أذني، أحكمت يدي على يد ميرا، نظرت إليهما يمشيان أمامنا، كانت متشبثة بذراعه ، تمارا، زوجته، لا انكر انني شعرت بالصدمة، لم يخبرني، لم يتحدث عنها ولو لمرة واحدة، ولو عن طريق الخطأ حتى!  إلتفتت لتنظر إلينا ، ابتسمت و قالت
  - هل انتما بخير؟
  اماءت ميرا بهدوء بينا قُلت انا
  - أذناي تؤلمانني.
  - هذا طبيعي، ستعتادي الأمر.
  عادت للتحدث مع عمر من جديد، كانت تخبره بأنها لم تفقد الأمل يوماً في انه لازال على قيد الحياة، اخبرته بمدى حبها و أشتياقها له، لن أنسى العناق الذي عانقته إياه ما إن اتينا، بكاءها و تشبثها به ، ولكن عمر؟ كان هادئاً كالعادة، يدخل إلى ذلك الركن المظلم في عقله كثير من الأوقات، لازالت حالته الجسدية و العقلية غير مستقرة ، فعلى الرغم من خروجه من الحالة النباتية منذ فترة طويلة و تعافيه من مرحلة الادراك الادنى للوعي الا ان ذلك يؤثر على طريقة عمل العقل ربما لمدى الحياة.
.......
عالم كامل أسفل تلك البلدة، قرروا الاختباء عن أعين الحكومة.
المكان حولنا اشبه بكهف، و كأننا دخلنا إلى احدى المعابد القديمة، به ساحات واسعة، ممرات. غرف ، على ما أظن أن سكان المدينة بأكلمهم نزلوا إلى هنا، اتساءل كم استغرق الأمر لبناء شيء كهذا! .
كاد فكي يلامس الأرض وأنا انظر إلى الأعلى، إلى تلك الأضواء، إلى جدران الكهف، كان ضخماً، واسعاً ، به أكثر من طابق، ربما طابقان او ثلاثة، السلالم الخشبية المعلقة على الجدران، العيش في مكان كهذا اشبه ما يكون بمغامرة، الجميع ينظر إلينا بذهول و دهشة، يتهامسون بينهم، يلفظون إسم عمر و كأنه محارب عاد من ساحة المعركة، و هو بالفعل كذلك.
جاء شاب  يشبه تمارا كثيراً، نظر إلى عمر بصدمة، ضحك و أعاد شعره الذهبي إلى الخلف، نظر إلى تمارا ثم عاد لينظر إلى عمر و قال.
  - أيها الــ..
  عانقه عمر بقوة فقال الآخر وهو يبادله العناق.
  - هل انت كالقط يا رجل؟ كم روح تملك!
  - ما يكفي لأحضر لحظة احتضارك.
  جبر الخواطر من أجمل النعم الموجودة عند الرجال، كلماتهم الطيبة، لسانهم المعسول، نظرت إلى ميرا فوجدت حالها لا يختلف عني حالاً، صامتة، متفاجئة.
ابتعد الشاب عن عمر، مسك ذراعه الأيسر و سأله
  - أين ذهب ذراعك الآخر؟
  نكزته تمارا في كتفه بحدة فتأوه و قال
  - حسناً كان سؤالاً فحسب ما بك!
  ضحك عمر و ضحكته حقاً فاتنة ،انا مسرورة لأجله، رفع الشاب ذراع عمر الأيسر و قال بصوت مرتفع ليجذب إنتباه الجميع
  - حسناً ايها السادة، عاد القائد خاصتنا، عاد الأسد إلى عرشه.
  بدأ الجميع يصفقون بحرارة لعودته، من يُطلق صفيراً ،من يهتف باسمه، نظر الشاب إليه و قال بسعادة
  - سنحتفل بعودتك ، و بعدها سيكون هناك الكثير لنتحدث عنه.
  إلتفت عمر لينظر إلينا ، ابتسم و قال
  - لا مزيد من الهرب،. نحن بمأمن هنا.
  إنتبه الشاب إلينا أخيراً، رفع حاجبيه، نظر إلى عمر و قبلما يسأل قالت تمارا وهي تعرفه بنا
  - هذه بيان، الطبيبة التي ساعدت عمر.
  ثم أشارت إلى ميرا و قالت
  - و هذه ميرا، صديقتها.
  ثم أشارت إلى الشاب و قالت
  - و هذا أخي الأصغر، مسلم.
  ضيقت عيناي فأوضحت تمارا.
  - اسمه مسلم.
  ابتسم مسلم لنا و قال
  - سعدت بكما.
  - شكراً،. و نحن أيضاً.
  قُلتها بهدوء فصفقت تمارا و قالت
  - على كل حال، لأدلكما على غرفتكما لترتاحا ريثما نجهز الطعام.
.......
كانت الغرفة متوسطة الحجم ، بها سرير واسع و خزانة ملابس و الحمام الملحق بها، لامست الجدران الصخرية بيدي فسمعت صوت ميرا تسأل
  - ما الذي تفعلينه؟
  إلتفت إليها فكانت تجفف شعرها
  - تخيلي لو حدث تصدع في تلك الصخور، سنموت مهروسين.
  قلبت عينيها و قالت
  - توقفي ،ارجوكي توقفي.
  ضحكت و لم أعقب فجسلتْ على السرير بتعب و نظرت إلي قائلة
  - أين وضعت ملابسك؟
  نظرت إلى الثياب التي ارتديها، أعطتنا تمارا الكثير من الملابس و وضعتها في خزانة الملابس، عدت لأنظر إلى ميرا و قُلت وانا أجلس بجانبها
  - القيتها في القمامة.
القيت بجسدي على السرير، لا اصدق انني استحممت و نزعت تلك الثياب من على جسدي، أغمضت عيناي  ، بدأت الآن أشعر بالآلام المبرحة في جسدي، و كأنها كانت تنتظر الوقت المناسب لتظهر مرة واحدة، ظهري يؤلمني، قدماي، ذلك الصداع يكاد يُصيبني بالعمى، شعرت بإستلقاء ميرا بجانبي، كنا متعبتان، متعبتان على التحدث ، على مناقشة ما حدث، على التفكير ، على الاحساس، تركت نفسي، بدأت اشعر بإرتخاء عضلات جسدي، أشعر و كأنني أطفو ، أطفو فوق سائل ما، ربما اطفو فوق الماء، أشعر بالتلاشي، ليت كل شيء يتلاشى كما أفعل انا الآن، ليت كل هذا الحزن، الألم، الخوف يتلاشى، ليت ذكرياتي تتلاشى، ليتني أتوقف عن التفكير فيه.
......
استطيع سماع صوتها، اشعر بإصبعها يخترق كتفي، فتحت عيناي بتعب فوجدت ميرا تنظر إلي، طقطقت اصابعها امامي و قالت
  - بيان ، ايتها الميتة.
  همهمت بهدوء، أشعر و كأنني كنت في غيبوبة، حلقي جاف، اتضور جوعاً.
  - استيقظي ، الجميع ينتظرنا.
  - كم الساعة؟
  - لا ادري.
  ابتعدت عني و قالت
  - هيا انهضي.
  جلست في مكاني، استوعب ماذا اكون، من انا، ماذا أفعل هنا، نظرت إلى ميرا فوجدتها تلف الحجاب على رأسها، نهضت عن مكاني و اتجهت إلى الحمام لأغسل وجهي، نظرت إلى إنعكاسي في المرآة، وجهي أحمر، ذلك السواد حول عيناي أشبه بكائن منقرض، على ما أظن كان اسمه الباندا، أخذت نفساً عميقاً و خرجت من الحمام، لازال سائر جسدي يؤلمني، فتحت خزانة الملابس فوجدت تمارا قد وضعت لنا حجاب بين الملابس، التقط اول ما طالته يدي و وضعته فوق رأسي.
......
كنا نمشي في ممر صخري طويل، الإضاءات الهادئة تُنير لنا الطريق، كان هناك شعوراً في هذا المكان اعجز عن وصفه ولكنه يُصيبني بالفراغ ، صوت غريب استطيع سماعه ولكن لا أعلم ما هو، أظنه تأثير وجودنا تحت الأرض فذلك المكان أعمق بكثير من المدينة السفلى.
  - ها انتما ذا!
  قالها مُسلم الذي لا ادري من أين جاء، ابتسم و قال وهو يقترب منا
  - كنت قادماً لإحضاركما.
  ابتسمت ولم ادري بما اجيب فسأل
  - هل نمتما جيداً؟
  أجابته ميرا بهدوء
  - أجل.
  - جيد ، لم نتناول الطعام بعد، كنا في إنتظاركما.
  - كم الساعة؟
  سألته فجأة فأجاب
  - أظنها الثانية بعد منتصف الليل.
  رفعت حاجباي بدهشة ، انا لا ادري كم كانت الساعة حين اتينا ولا كم ساعة نمت ولا في أي عالم نحن، انا تائهة.
اشار لنا كي نتتبعه و قال
  - أخبرنا عمر عما قُمتما به لأجله.
  إلتفت لنا و قال وهو يبتسم
  - انتما محاربتان، ما قمتما به لم يكن سهلاً!
  لم أعلم بما اجيب فابتسمت بحرج، فالتفت مجدداً و قال
  - بعد الطعام سآخذكما في جولة حول المكان ما رأيكما؟
  نظرت إلى ميرا، كانت شاردة في شيء ما، عدت لأنظر إليه و قُلت
  - سيكون هذا رائعاً.
  نظر إلي ثم إلى ميرا و سألها
  - ماذا عنك؟
  عادت إلى الواقع و نظرت إليه ثم إلي و سألت
  - عفواً؟
  - لستي معنا،. هل انتي بخير؟
  سألها فأجابته وهي تبتسم
  - اجل، اجل انا بخير شكراً.
  - حسناً هذا جيد، سأعتبر تلك موافقة.
  قضبت حاجبيها و سألته
  - موافقة على ماذا؟
  لم يُعقب و تابع السير فالتفتت إلي و سألتني
  - موافقة على ماذا؟
  - جولة حول المكان.
.......
كانت غرفة واسعة تتوسطها مائدة طعام طويلة، الكثير من الأشخاص هنا لا ادري من هم، بحثت عن عمر بعيناي ولكني لم أجده، كان المقعد الذي يترأس الطاولة خالٍ، على الارجح هذا مقعده، جاءت تمارا لترحب بنا من جديد، عانقتني بشدة و قالت
  - لا ادري كيف أشكرك على كل شيء قمت به.
  ابتعدت عني قليلاً  و نظرت إلى ميرا قائلة
  - انا مسرورة لأنني تعرفت عليكما، حقاً سعيدة.
  ابتسمت ميرا لها فأشارت لنا على الكراسي التي جهزوها لنا، كانت تمارا على يسار كرسي عمر و مسلم على يمينه، جلست ميرا على الكرسي بجانب مسلم و جلست انا جانبها من الناحية الأخرى، عرفتنا تمارا على الأشخاص الجالسين على الطاولة، كانوا جميعهم جيران قبل بداية الحرب و هم الآن بمثابة عائلة، يبدون لي لطافاً، ولكني أعجز عن تذكر أي اسم مما قالته لي تمارا، عم الصمت فجأة و اتجهت نظرات الجميع نحو الباب و حين فعلت، لم استطع إنزال عيناي، كان عمر قد بدل ثيابه، يرتدي تي شيرت رمادي اللون و بنطالاً أسود اللون، قام بقص شعره، لقد قام بقص شعره! خففه من الجانبان قليلاً، كيف يعقل ان يُغير الشعر شكل المرء هكذا! حين جئنا كان كمحارب أسطوري ولكن الآن؟ عن أي محارب نتحدث! الرجل يشبه الملوك!
تلاقت نظراتنا فابتسمت له، بادلني الابتسامة و اقترب ليجلس على كرسيه بجانب تمارا.
  - ما هذه الوسامة! ليتني تمارا.
  قالها مسلم فنظر له عمر باشمئزاز و لم يعقب، ابتسمت على تعبيرات مسلم، يبدو في العشرينات من عمره، ربما في آخر العشرينات، اقترب و همس بشيء ما لميرا فحاولت كبت ضحكاتها، اتساءل ماذا قال لها!
بدأ الجميع يتناول الطعام، انا اتضور جوعاً، كان هناك أصناف من الطعام لم ارها حتى في المدينة الطبية، من أين جاءوا به؟
كان الجميع لديه شخص ليتحدث معه،. حتى ميرا لم يتوقف مسلم عن التحدث معها، فيما يتحدثا! الفضول يساورني حقاً ، لقد تعرف علينا الرجل تواً!
ألقيت نظرة على عمر، كانت تمارا تسأله إن كان بحاجة إلى المساعدة فأخبرها انه يستطيع تولي أمر نفسه.
عدت لأنظر إلى الطعام في صحني و بدأت اتناول، حاولت الا ابدو كرجل كهف، ولكن تباً انا جائعة!
وضع عمر قطعة من الدجاج في صحن تمارا فنظرت إليه باستغراب و قالت بصوت منخفض
  - ماذا تفعل؟
  قضب حاجبيه و أجابها
  - لم تلمسي شيء سوى الخضار منذ جلسنا.
  ضحكت ثم نظرت إليه و سألته باستنكار
  - هل انت جاد؟
  - في ماذا؟
  - عمر ، انا نباتية.
  رفع حاجبيه بدهشة وسألها
  - حقاً ! منذ متى؟
  - منذ زمن، ماذا بك!
  حاولت الا أتابع حوارهما ولكن، تباً انا هنا و أذني هناك.
  - انا لا أتذكر هذا، انا آسف.
  امسكت يده و ابتسمت قائلة
  - لا بأس، لا عليك.
  قبل كفها بشكل لطيف ثم عاد ليتناول طعامه، ذاكرته مشوشة و هذا ما ارغب في إخبارها به، بدت حزينة لأنه نسي كونها نباتية، ماذا ستفعل إن علمت بأنه لم يذكرها ولو لمرة و كأنه نسي أمرها بالكامل!
حين انتهينا من الطعام قاموا بوضع طبق فاكهة أمام كل شخص، الفاكهة تبدو شهية ولكن الموز؟ يا الهي ما هذا الموز! رائحته قوية لدرجة انني استطيع تذوق طعمه في بلعومي!
لم أستطع لمس الطبق من شدة الرائحة على الرغم من أن عيني كانت على الفراولة الموجودة، كانت تبدو شهية، لم اتناول فراولة منذ فترة طويلة.
  - ما بك لم تأكلي؟
  قالتها تمارا فنظرت إليها، حككت وجنتي و قبلما اتحدث قال عمر
  - بيان لا تحب الموز، يصيبها بالغثيان.
  نظر إلي مسلم و قال
  - حقاً؟
  امأت بهدوء فنهض عن مكانه و قال
  - لنبدل إذاً ، خذي الفراولة و اعطني الموز.
  ضحكت و ناولته الصحن، نظرت إلى عمر و كدت اسأله كيف تذكر هذا الا انني التزمت الصمت حين لمحت تلك النظرة في أعين تمارا، زوجها لا يتذكر انها نباتية ولكنه يتذكر ان الموز يصيب طبيبته بالغثيان!
حمحمت و تحاشيت النظر تجاههما.
......
حاولت الإنتهاء بسرعة لأخرج من ذلك المكان، لم أكن اشعر بالارتياح و رغبت في العودة إلى الغرفة.
نظرت إلى الممر الطويل أمامي، لا أذكر من أي طريق جاء بنا مسلم لذا بدأت اتبع حدسي، كنت اتفقد المكان بعيناي حين ركض طفل صغير تجاهي و ابتسم قائلاً
  - مرحباً
  بادلته الابتسامة و قُلت وانا أنزل إلى مستواه
  - مرحباً أيها الصغير.. كيف حالك؟
  - انا بخير، انتي الطبيبة التي احضرت عمر إلى هنا أليس كذلك؟
  امأت له فقال بسعادة وهو ينظر إلي بعيناه الواسعة
  - حين أكبر أريد ان أكون طبيباً مثلك.
  يا الهي ما هذه اللطافة! جثيت على ركبتاي، قبلت خده بقوة، ذلك الصغير يذكرني بعائشة.
  - ستكون أفضل طبيب على الإطلاق.
  - رحيم، تعالى إلى هنا.
  نظرت تجاه ذلك الصوت الأنثوى فكانت سيدة ربما في الثلاثين من عمرها و تشبهه كثيراً،. اعتدلت في وقفتي و ابتسمت لها، بادلتني الابتسامة وقالت وهي تمسك ذراع ذلك الصغير
  - اعتذر على إزعاجه لك.
  - ماذا؟! لم يزعجني نهائياً،. تشرفت مقابلته.
  نظرت له فكان لازال مبتسماً وهو ينظر لي.
  - بيان اليس كذلك؟
  امأت لها فقالت
  - سعدت بلقائك كثيراً
  أشعر بالشهرة في هذا المكان، لم أكن بتلك الأهمية في حياتي قط!
  - وانا أيضاً.
  ساد صمت للحظات قبل ان تستأذنني لترحل مصطحبة ذلك الصغير معها فعدت لأبحث عن الغرفة من جديد.
......
كنت أقف في ملتقى ممرات، انا حتى لا ادري أين كانت غرفة الطعام!  زفرت بضيق و خبأت وجهي بين كفاي
  - احسنت بيان، تدورني في المكان كالنحلة منذ ساعة!
  - لماذا لم تسألي فحسب؟
  إلتفت إلى مصدر الصوت فكان عمر ، قلبت عيناي و أجبته
  - اردت الاعتماد على حدسي.
  ابتسم و اقترب مني قائلاً
  - غرفتك ليست من هذا الإتجاه، تعالي.
  بدأ يتحرك فقُلت وانا اتبعه
  - لست معتادة عليك بهذا الشكل.
  نظر إلي و سألني
  - تقصدين شعري؟
  - اجل، تبدو لي شخصاً مختلفاً.
  - أهذا جيد ام لا؟
  - جيد.
  - عليك الاعتياد علي بهذا الشكل، لم احب الشعر الطويل يوماً.
  - لم يكن سيئاً عليك.
  ابتسم ثم تمتم
  - لازلت لا أصدق اننا خرجنا من هناك.
  - كان ذلك إنتحارياً.
  - اجل ، انتي انتحارية.
  - لاحظت هذا مؤخراً.
  غيرت مجرى الحوار و سألته
  - على كل حال.. كيف تشعر؟
  - أحاول تجاهل الألم المبرح في قدماي.
  - اجل ، بعد كل ذلك الركض لقد فاجئنا أعصابك.
  ضحك ثم حمحم و قال
  - ولكن اتعلمين؟ ليست المشكلة في جسدي.
  نظرت إليه باهتمام فتابع
  - ذاكرتي، مشاعري ،لا ادري أشعر و كأنني شخص مختلف، انا لم أكن هكذا، ادركت هذا حين أتيت.
  - هذا طبيعي، الصدمات التي تُصيب الدماغ قد يبقى أثرها لفترات طويلة.
  همهم باقتناع ثم قال
  - لحسن الحظ انك هنا.
  قضبت حاجباي فأكمل
  - لمتابعة حالتي النفسية، إن حدث خلل أو شيء ما.
  امأت له ولكن ، تباً هل ينتظر مني البقاء هنا! و حين طال صمتي سأل
  - ما الأمر؟
  - لازلت أجهل أين هي نور.
  - اختك؟
  - اجل.
  - الم تخبرك ميرا؟
  - لم نتحدث بعد، كما انني لا أظن بأننا سنبقى هنا، أي في النهاية هذا ليس مكاننا، ربما سنبحث عن نور و نذهب لها.
وقف في مكانه و نظر لي بدهشة.
  - اتمزحين؟ لن ادعك تخرجي من هنا هذا مستحيل.
  - عمر اسمعني.
  - سيعثرون عليك.
  - لا اذكر طريق قدومنا إلى هنا، لا ادري ما الذي يبحثون عنه لذا ل..
  قاطعني بحدة
  - ليس هذا ما اتحدث عنه، انا اتحدث عن حياتك، سيقتلونك.
  - ربما تكون نور قد غادرت البلاد مع رسلان، سنكون بخير معهم.
  حرك رأسه نافياً ، لم أره غاضباً من قبل، رفع سبابته أمامي و قال محذراً
  - لن تغادري، هذا ليس إحتمالاً حتى.
  قلبت عيناي بضيق.
  - اهناك خطب؟
  كان هذا صوت تمارا، نظرت لها و قبلما اتحدث قال عمر
  - لا شيء، كنت أدلها على غرفتها.
  بدت لي غير مقتنعة، ولكنها ابتسمت ،اقتربت مني و سألت
  - لماذا لم تخبريني؟
  -ظننتني أتذكر المكان.
  - لا بأس ، سأقوم بإيصالك
  ثم نظرت إلى عمر و قالت
  - مسلم كان يبحث عنك.
اماء لها بهدوء و نظر إلي لمرة أخيرة قبل ان يرحل.
  - غرفتك بالقرب من هنا.
  - حسناً.
  بدأت تمشي معي ولكن بدت ولو كأن هناك شيئاً محشوراً في حنجرتها، إلتفتت إلى الخلف و حين تأكدت من رحيل عمر سألتني
  - إذاً، كيف هو عمر؟
  قضبت حاجباي و أجبتها
  - بخير.
  - اقصد، حالته النفسية و الجسدية ، ماذا حدث؟ ما معنى الحالة النباتية؟
  تباً ، هل سأشرح لها كل هذا!
.....
شرحت لها كل شيء، كانت تستمع باهتمام، و كإمرأة مثلها، لم يكن الأمر إطمئناناً على حالة عمر فحسب، ربما كان الأمر بالنسبة لها كبرياء، غيرة؟ اجل استطعت الشعور بغيرتها، لماذا يترجم الجميع تعاملي بلطف مع مرضاي حب؟! اولاً ميرا مع اسحاق و الآن تمارا مع عمر، اقسم انني اتعامل بلطف لا اكثر، لا اقل، انا اقوم بواجبي فحسب!
كنت أقف امام باب الغرفة اخيراً،. نظرت إلى تمارا، ابتسمت و قُلت
  - صدقيني حالته هكذا تحسنت كثيراً، قد يكون هناك تغير في سلوكياته او تشوش في ذاكرته ولكنه بخير.
  بادلتني الابتسامة و قالت
  - حسناً ، شكراً لك... مجدداً.
  - لا شكر على واجب، تصبحين على خير.
  - و انتي أيضاً.
  دخلت إلى الغرفة أخيراً و أغلقت الباب، استندت عليه بتعب، أخذت نفساً عميقاً، ذلك المكان يُشعرني بالإختناق ، يجب ان أرحل من هنا.
نزعت الحجاب و ألقيت بجسدي على السرير، نظرت إلى سقيفة الغرفة الصخرية بشرود ، بدأت أتخيل لو سقطت علي وانا نائمة الآن،. ستكون نهاية سعيدة، مسحت وجهي و انتبهت إلى حقيبة ظهري الموضوعة أرضاً، نهضت عن مكاني و اتجهت إليها، لا ادري ماذا يوجد بها حقاً، لا اذكر ماذا وضعت فيها ،تربعت على الأرض و قمت بفتحها، كانت هناك أضواء النيون خاصتي، وضعتها جانباً و وجدت عصا عمر، بنطالاً و كنزة و حجابي الأسود، حقاً؟! فيما كنت أفكر وانا ارتب تلك الحقيبة؟! تحسست القاع فوجدت محفظة نقودي و المذكرة خاصتي.
فتحت المذكرة فسقطت السيجارة التي أعطاني إياها إسحاق ارضاً
                           "لا تتأخري"
                    "My beautiful bouvardia"

خارج نطاق الخدمة | Out Of Order حيث تعيش القصص. اكتشف الآن