رفقا بانفسكم من دعوة مظلوم

37 11 0
                                    

تقول :

زارني أخي منذ ايام يعتذر باكيا طالبا عفوي ، أخي الوحيد يكبرني بعامين فقط ، نشأنا أيتاما و فقراء و عشنا على صدقات المحسنين ،لم احصل على حقيبة جديدة أبدا و لا مأزرا و لا حتى ملابس ،
و رغم ذلك كنت مجتهدة جدا بدروسي و دائما أتحصل على المرتبة الأولى ، و كان معلمي يخبرني دائما أني سأصبح محامية في المستقبل لفصاحة لساني ، و فراسة خطاباتي ، لقيت منه من الدعم ما لم احصل عليه من أسرتي ، بكيت يوما لأمي مدة أسبوع كامل حين احتجت لدفتر ادون عليه الدروس ، فاخبرتني انها تفضل شراء خبز نسد به جوعنا افضل مما احتاجه من ادوات ، و لكنها لم تكن ترفض لأخي طلبا رغم انه كان طالبا فاشلا بكل المقاييس ، الى أن جاءت قريبة تزورنا و دست بكفي الصغير قطعا نقدية اقتنيت بها ماكان يلزمني من ادوات مدرسية و لا أنسى أبدا تلك الفرحة التي شعرت بها آنذاك
نجسحت بالامتحان النهائي للمدرسة و تحصلت على أعلى معدل بمؤسستي ، و لكن فرحتي لم تكتمل بعد ان منعني أخي المتعنت  من اكمال مشواري الدراسي و ساندته أمي متحججة بالظروف المادية،
بكيت و توسلت و تذللت لكنهم أصروا على قرارهم ، كانت تزورني بعض الصديقات يروين لي أجواء الإعدادية و كنت أبكي بحرقة اشتاق للاقلام و الدفاتر و الدروس ، و في يوم قررت التمرد و ارتديت ملابسي و أردت الخروج صباحا للدراسة ، فتلقيت ضربا مبرحا طال كل جسدي و كسر فؤادي ، و لأنسى امرها أحرقت أمي جميع أغراضي ، لم أنسى بقيت مسجونة في احلامي منذ ذلك اليوم ، كبر جسدي و بقيت روحي عالقة ، اسمع صوت نحيبي و انا صغيرة ينادي علي و يصرخ بحلمي، اليوم بعد ثلاثين سنة بكل بجاحة يطلب مني العفو حين قرر ان يبعث إحدى بناته لإنهاء دراستها ببلد أجنبي  بمفردها ، كيف أنسى بكائي بغسق الليالي و دجاها ، كيف أنسى الغصة بقلبي حين تتحدث قريناتي عن الدروس و المدارس ، كيف أنسى سخرية خالة زوجي في يوم خطوبتي من مستواي الدراسي ، كيف أنسى اني سمعت ابنتي تقول لوالدها انها تريد ان تصبح متعلمة مثله و لا تريد ان تكون مثلي ، كيف أنسى نظرات الاستهزاء و التعالي على من يستخف بمستواي
رفعت يدي السماء أدعو الله ان يسامحني لأني ليست لدي القدرة للعفو و ماذا عن حلمي  المبثور و قلبي المكسور ، و علمي المهدور .
لقد قررت انهاء دراستي رغم استهجان محيطي ، و حين انجح حينها فقط سافكر في قبول اعتذار أخي
فرفقا بالقلوب ، و الاحلام و الأمال ، و رفقا بانفسكم من دعوات مظلوم .

#خربشات_نوريانا

خربشات نوريانا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن