حسيته نجدة من السما؛ لإني كنت عاوزة أمشي من الصعيد في أسرع وقت، شنطتي كانت صغيرة فحطها في شنطة العربية وسط شُنطه، فتحت الباب إللي ورا، لقيت شنط وكراتين وفيه مكان صغير يدوب يكفِّيني وقبل ما أركب قالي "لا من فضلك اركبي قدام، عشان الحاجة إللي محطوطة ورا ماتضايقكيش"، قفلت الباب وركبت قدام، لقاني قاعدة منكمشة في الكرسي فقالي "اقعدي براحتك المكان واسع"، هزيت راسي بس فضلت زي ما أنا لسه متوترة وخايفة.
ساد الصمت دقايق بينّا بعدين حب يشغلني عن التوتر فقال "سبحان الله إنتِ أول حد اتعاملت معاه من أهل الصعيد لمّا جيتِ وإنتِ دلوقتي آخر حد" ماردتش فشاور على الحاجة إللي ورا وقال "خلاص لميت كل حاجتي، ده كان آخر يوم ليّا هنا"، ابتسمت مجاملة وهمست "ربنا يوفقك"، رجعنا تاني للصمت بعدين سأل "هو إنتِ عندك كام سنة؟"، اتوترت وهمست" ٢٠" ضحك بعدين قال"والحقيقي؟"، بصيتله وسكتت فقالي" أولاً مستحيل تكوني ٢٠ شكلك صغير جداً وبعدين أنا لحد دلوقتي مانستش أي تفصيلة حصلت في اليوم إللي قابلتك فيه، أنا فاكر كويس أوي إني سألتك يومها عن سنك وقلتِ إنك ١٣ سنة يعني دلوقتي ممكن تكوني ١٥ أو ١٦ سنة بالكتير مش كده؟ "، هزيت راسي وهمست بهدوء "١٦"، قال "كده تمام، أنا فاكر اسمك ورد مش كده؟، هزيت راسي فقال "بالمناسبة أنا علي"، رديت" أهلاً بيك"، لاحظ إني مركزة مع واحدة في صورة متعلقة في العربية، فقالي وهو مبتسم "دي علا"، سألت "مراتك؟"، رد "هتبقى مراتي إن شاء الله، احنا مخطوبين، باباها مصمم مفيش جواز غير لما تتخرج باقيلنا سنتين وتنور بيتي"، الحب كان باين أوي في نبرة صوته ولمعة عيونه وابتسامته، ابتسمت وقولتله "ربنا يكملكم على خير، هي في كلية تجارة؟"، قالي "لا، في اقتصاد وعلوم سياسية، بس اشمعنه يعني قلتِ تجارة تحديداً؟ "، لقتني ببتسم ابتسامة صافية وتلقائية وأنا بقول" أصل أزهار عاوزة تدخل تجارة"، للحظة نسيت إنها ماتت، اختفت ابتسامتي فجأة، وهمست بحروف مكسورة "قصدي كانت عاوزة تدخلها، الله يرحمها"، همس بحزن" الله يرحمها"،
بعدين حب يغير الموضوع بعد ما حس بحزني فقال" وناوية تروحي فين بقى وتعملي إيه في القاهرة؟"، جاوبت "لسه معرفش"، اتردد قبل ما يسأل" هو إنتِ هربانة من أهلك ليه؟"، قلت بدهشة "بس أنا ماقولتش إني هربانة! "، فقال" مش محتاجة ذكاء يعني يا ورد، إيه إللي هيخلي واحدة في سنك تسافر لوحدها في نص الليل! ماظنش التصرف ده بعلم أهلك "، سكتّ شوية بعدين قلت" كانوا عاوزين يجوزوني غصب عني لراجل من سن جدي"، انفعل وقالي" امته الناس هتفهم إن الجواز بالذات ماينفعش بالغصب ثم إنك صغيرة"، ابتسمت بسخرية وقلت" الصغيرة دي متطلقة! "، ماكنش لاقي حاجة يقولها فسكت بعدين قال" طيب ليه مافكرتيش تروحي القسم تبلّغي؟"، ضحكت بسخرية وبعدين قلت بغضب " وكنتوا عملتولي إيه يوم ما لجأتلكم تحموا أزهار؟؟"، ظهر الضيق على وشه ففضل ساكت ومركز في الطريق وأنا كمان فضلت ساكته براقب الطريق لحد ما نعست.