الفصل الخامس عشر
مر شهر على تلك الأحداث، وبعدما غربت الشمس وأنار القمر السماء، وسكنت الطيور إلى أعشاشها، أوت أمل إلى مسكنها ككل ليلة تنام وهو يجلس جوارها وهي تنظر له بابتسامة طفل متعلق بأمه، وهو يراها طفلته وحبيبته، امسكت بيده فاردف أسامة قائلا:
_ عايزة قصة؟
حركت رأسها بموافقة، فرفع أسامة حاجبه واردف قائلا:
_ لا يا ماما مش قبل ما تحكي شوية زي كل يوم
زمت أمل شفتيها ونهضت تجلس أمامه واردفت قائلة وهي تشهر إصبعاها امام وجهه:
_ ع.. علفكرة أنت وحش
عقد أسامة يده أمام صدره واردف وهو يرفع حاجبه:
_ وحش ليه بقى
عقدت يدها أمام صدرها مثلما فعل هو واردفت وهي تقلده:
_ م.. مش قبل ما تحكي زي كل يوم
واردفت بزهق:
_ا.. أنا زهقت
_ زهقتي؟ طب تعالي بقى
وبدأ يدغدغها فتعالت ضحكتها في المكان بأكمله وضحكاته هو الآخر، اردفت أمل من بين ضحكاتها:
_ا.. آسفة خلاص
ابتعد أسامة عنها واردف بثقة:
_ مسمعكيش تتكلمي تاني
_ا.. احسن مش هكلمك
واستلقت على الفراش تعطيه ظهرها، نظر أسامة لها وعلى شفتيه ابتسامة، تقدم ملحوظ نجح هو به حتى وإن كانت لا تزال لا تستطيع الحديث جيدا، إلا انه أفضل من ذي قبل، على الأقل تلقى صعوبة في بداية الجمل وليس في كل جملة، وجدها تحاول اختلاس النظر له ثم تغمض عينيها مجددًا، فوضع أسامة هاتفه على أذنه واردف قائلًا:
_ الو.. أيوه.. يا نور.. عيوني حاضر... دقايق وابقى عندك.. لالا أمل أي بس دي نامت من بدري هجيلك بقى ونسهر سوا و..
لم يكد يكمل حتى جذبت أمل الهاتف من يده بغضب وهي تضعه على أذنها لم تجد أحدًا يتحدث فنظرت له بغضب، خر أسامة على ركبتيه وقد ادمعت عينيه من كثرة الضحك، اردفت أمل بغيظ:
_ ب.. بارد
_ بس بحبك
قالها أسامة وهو يغمز لها، فاستلقت على الفراش مرة أخرى دون أن تعيره انتباه، ظل واقفًا يعد من واحد إلى خمسة ثم..
_ ط.. طب عايزة أنام
اردفت بها امل وهي تنظر له، فاردف بخبث:
_ نامي هو أنا ماسكك
ادمعت عينيها ونظرت له بخوف واردفت قائلة:
_ل.. لا مش هينفع خليك جنبي
وامسكت يده بيدها التي ترتجف، ضم اسامة رأسها لصدره وهو يمسك يدها واردف قائلا:
_ حبيبتي متخافيش أنا جنبك يلا ننام
فاستلقت أمل على الفراش مرة اخرى تمسك يده بقوة كأنها تخشى رحيله، وكان هو يحتويها بعينيها كأنه يريد أن يدخلها بها، ظلت تنظر له حتى غطت بالنوم ككل ليلة ويكون هو آخر ما رأته عينيها..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصمت هو الذي أصبح يسود المنزل منذ أن غادرته هي، لا ضحك، ولا صراخ والدتها عليها، فقط الصمت وبكاء والدتها المستمر، دلف والد نهى إلى المنزل وقد كَبُر على العمر عمر، جلس على الاريكة بتعب، فأردفت والدة نهى بأمل:
_ ها لقيتها
_ لا
_ يعني أي بنتي ضاعت ازاي
نظر لها وقد هربت من عينيه دمعة خائنة واردف قائلًا:
_ منعني من دخول المستشفى روحت الڤيلا اللي معايا عنوانها قالولي مفيش حد بالاسم ده
صرخت والدتها في وجهه:
_ يعني أي ها مش هشوف بنتي تاني
بكت بعنف وهو أيضًا هبطت دموعه بعجز ولا يدري ماذا يفعل...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على بعدٍ آخر، في غرفة واسعة، شكلها راقي، بها أريكة وتلفاز ومنضدة، جلست هي على الأريكة وتضع أمامها الفشار وبعض الأطعمة التي تحبها وتشاهد فلما تعشقه أو لنقل أحبته عندما علمت بحب من ملك القلب له، على بعدٍ منها كانت تقف سماح ترتجف بخوف ترى أن ما تفعله تلك الفتاة يلحق بها الآذى لا محالة، اقتربت منها بخوف واردفت قائلة:
_ نهى يا بنتي اطلعي الأوضة بالله عليكِ
نظرت لها نهى واردفت باللامبالاة:
_ بصي يا ست الكل أنا مش هطلع
_ يا بنتي مدحت بيه مش هعديها على خير
وضعت نهى إحدى قطع الفشار في فمها واردفت قائلة:
_ اعلى ما في خيله يركبه
_ القطة بقت ليها لسان
اردف بها مدحت باستهزاء وهو يدلف إلى الغرفة، لم تجيبه نهى واكملت متابعة الفيلم كأن شيء لم يكن، أشار لسماح فخرجت من الغرفة سريعا، اقترب هو من نهى حتى صار أمامها واردف قائلا:
_ غوري على الأوضة
نظرت له ببرود وتناولت الفشار دون أن تعيره انتباهه، تملكه الغضب فضرب المنضدة بقدمة وجذبها من شعرها بقوة يكاد يخلعه بين يديه، لم تتأوه ولم تصدر صوتا، بل وقفت بصمت، استشاط غضبا من برودها فضربها بركبتيه في معدتها فصرخت بقوة وسقطت أرضا تتلوى من الألم، ضحك مدحت بمتعة واردف قائلًا:
_ أي يا قطة ما كنتِ مبتتوجعيش
كانت نهى تتلوى بألم بثقت عليه وهمست وهي تنظر له بكره:
_ بكرهك
ضربها بقدمه في ظهرها فضرخت بقوة صرخة ارتجت لها الوجدان، وبكت الجدران ألمًا لها، ونزفت قلوب الخدم شفقة عليها، اما هو فتعالت ضحكته وهو يرحل كأن شيء لم يكن، ظلت تتلوى على الأرض بألم وهي تضغط على شفتيها بقوة تمنع صرخاتها من الخروج ، تأن بألم وهي متكورة حول نفسها وقد تألمت كثيرًا تلك المرة ، كان الخدم يتابعون من بعيد وهم عاجزون عن الاقتراب منها ، بدأت الرؤية تصبح مشوشة أمامها ثم همست نهى بألم بالغ قبل أن تغيب عن الوعي والدماء تملأ الارض :
_ أنا محتاجة لك
ثم غرقت في بئر الظلام ودمائها تملأ الأرض من حولها ، هرعت إليها سماح وهي تصرخ بالخدم والجميع في حالة فزع لا يعرفون ما يتوجب عليهم فعله...
أنت تقرأ
ضحية مرض"مكتملة"
Romanceأُرهقت ونفذت روحها ممن هو من المفترض أن يكون عونها، فأصبحت ككقطٍ خائف يرتجف بين براثين الأسد، تترقب الأمان في صوتٍ يراودها في أحلامها وقد عجزت عن التميز بين الواقع والحُلم، فماذا عن نجاتها؟ ماذا عن تحريرها من سجنها الملعون؟ نعتت بالمريضة فماذا إن كا...