الفصل التاسع عشر
لكل طريق نهاية، ولكل شر نقطة ينتهي عندها وكذلك لكل خير نقطة تجعله ينطلق، قد يكون الفساد طبع في بني آدم وقد يكون خلق اكتسبه لكن الأهم هل ينساق وراء رغباته أم يظل على ثباته؟
أقل ما يقال هنا أنه بيت للفواحش فقط، خمر ملقى أرضًا وكذلك المخدرات والعديد من المحرمات بينما هو ينام على الأريكة بجانبه زجاجة خمر وعلى صدرة بقايا السجائر والمخدرات بينما هو غارق في أحلامه بها فلم يكن يرى سواها منذ أن رأتها عينيه وهو لا يريد سوى أن تكون معه يفعل بها ما يشاء سواء كان ضرب وتعذيب وأي شيء آخر فقط يكفي إرضاء نفسه المريضة تململ بانزعاج مع رنين هاتفه فأجاب هيثم المتصل بغضب:
_ الو ايوة يا مدحت عايز أي
_ أنت فين؟
_ وأنت مالك
على الطرف الآخر كان مدحت يغلي من الغضب بلع جملة هذا الوغد كما يراه واردف قائلًا:
_ أنت مش قولت هتجبها ليا النهارده
احمرت عيني هيثم غضبا واردف قائلًا:
_ بقولك أي أمل دي بتاعتي أطلع من دماغي بقى
واغلق الهاتف في وجهه وعاد يستلقي ونظر لسقف الغرفة بشرود قبل أن يردف قائلًا:
_ هانت أوي وتبقي معايا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان قد مر يومان على أسامة يحاول لملمت شتات نفسه رغم تعلق أمل الزائد به، كان يزهق ما تبقى من عزيمته بكاءها ليلًا ومقاومة كوابيسها ثم استيقاظها نهارًا بمرح وقد نست كل شيء، دلف غرفته بهدوء بعدما لم يجد والدته كعادتها منذ يومين تترك المنزل وتذهب لأخته، جلس على الفراش وهو يشعر برأسه تدور أرهقه سهره معها ليلًا وعمله صباحًا لم يعد يقوى على التحمل أكثر، ركضت أمل تلقي بنفسها بين أحضانه بعدما كانت تجلس في شرفة غرفته، فالتقطها أسامة واستندت على صدره كما اعتادت لم يكن في حالة تسمح له فاغمض عينيه بوهن وهو يشعر بالإعياء الشديد، اردفت أمل وهي تدفن وجهها داخله:
_ كنت فين كل ده
لم تتلقى منه ردًّا فلفت يدها حول عنقه وهي تظنه لم ينتبه لها فقط وعادت تردف قائلة:
_ ماما راحت عند سهى وقالت لما أنت تيجي تاكل
وللمرة الثانية لم تتلقى ردًّا، شعرت بسخونة أنفاسه على شعرها فرفعت رأسها تنظر له وجدته مغمض العينين تركته فسقط على الفراش، صرخت أمل في هلع واقتربت منه تحاول إفاقته، لم تكن تسمع منه سوى هلوسات فقط، فتح أسامة عينيه بصعوبة وهمس ويده تمسك يدها:
_ متخافيش أنا معاكِ
وغط في ظلمته من جديد وأمل لا تعي ما يحدث فقط تصيح باسمه هاتفت والدته، والتي لم تمر سوى دقائق ودلفت هي وحازم والطبيب الذي اردف قائلًا:
_ درجة حرارته أربعين وتعب شديد هو بس يبعد عن أي ضغوطات وهيكون كويس
شكره حازم وخرج معه من الغرفة، بينما أمل تجلس على ركبتيها بجوار أسامة تمسك بيده الساخنة تتمنى لو ينهض فيشدد عليها، بينما كان هو يرى نفسه واقفًا على ذلك الشط من جديد باختلاف أنه تلك المرة يعرف من تلك التي أمامه، اقترب أسامة منها بشغف وامسك يدها فابتسمت هي وسرعان ما تحولت ابتسامتها لفزع وقد بدأ يجذبها أحدهم لم يتبين أسامة هويته؛ ولكنه صاح بصوت متألم رغم قوته:
_ أمل مش هتسبينيي
انتفضت أمل بفزع عندما صاح باسمها وقد كانت على وشك النوم، بينما أسامة مغلق العينين وهو يشعر كأنه مغلغل بسلاسل غير قادر على حمايتها من ذلك الذي جذبها من بين يديه وهو لا يملك سوى الصراخ هبطت دمعة من عينيه وهو يحرك رأسه بالنفي فاقتربت أمل تزيلها، وحاولت إيقاظه عدت مرات وهي ترى تشنج جسده مصحوبًا بدموعه؛ ولكنها فشلت وبكت هي الأخرى، هدأ جسد أسامة رويدًا وغاب كل شيء عن رؤيته فلم يعد يرى سوى الظلام فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضعت يدها على بطنها وهبطت دموعها بصمت وهي تنظر أمامها بعيون ثابتة، ربما هو الحنين ما يقتل فؤادها الآن، فقط حنينها لأن تكون أم، أمنية تتمناها كل فتاة فسلبها هو إياها بدم بارد، دلف والدها وجلس إلى جوارها وهي لا تنظر له، تحدث على قائلًا:
_ أنا عارف إنك زعلانة وموجوعة أوي بس يا بنتي ده مش نهاية العالم يعني على الأقل فهمينا عشان نعدي ده سوى
ضحكت نهى بسخرية ضحكة صغيرة من وسط شلال الدموع ولم تردف بشيء، فخرج والدها من الغرفة بيأس بينما هي ربطت على بطنها
وهمست بقهر:
_ ياريت كان كل حزن يتقال
ثم غطت في النوم ومع شروق شمس يوم جديد سجدت بين يدي ربها بكت، وبكت، وهي تحكي له ما حدث معها وما تشعر به بكت وهي تروي لربها ما تشعر به من ألم رغم أنه خير من يعلم ما يكنه قلبها وما تتألم به روحها، ظلت بين يديه حتى شعرت بعقلها يصفو وروحها تطوف دون ان يعكرها شيء، فرفعت رأسها وأنهت صلاتها وقد جفت دموعها كأنها استكفت بالشكوى لخالقها، جلست تقرأ بالمصحف الخاص بها فترة من الزمن ثم نهضت وهي تلوم نفسها على تلك الغفلة التي كانت بها، وقفت أمام خزانتها وانتقت ثوب واسع، ثم لفت خمارًا كانت صديقتها أهدته لها، ووقفت أمام المرآة تطالع وجهها الذي آنار الآن فقط ورغم شحوبه إلا أنه كان هناك نور يضيئه، خرجت من غرفتها واتجهت صوب المطبخ وبدأت في إعداد الطعام كما كانت تفعل دوما، بينما في غرفة والدتها نهضت على آثر الأصوات بالخارج وكذلك والدها الذي اردف بتعجب:
_ أي الصوت ده
_ مش عارفه يا علي والله
_ طب قومي نشوف نهى مش بتقوم من الأوضة تعالي نشوف في أي
خرجا من الغرفة واتجها للمطبخ متتبعين الصوت بدهشة، التفت نهى عندما شعرت بهم واردفت بابتسامة:
_ صباح الخير
عقدت الصدمة لسان والدتها بينما اردف والدها بفرحة:
_ صباح الجمال كله
اقتربت نهى وقبلت وجنته ثم اردفت بمرح:
_ أنت قبل ست ماما أهو
ضمتها والدتها بقوة واردفت قائلة:
_ حمدلله على سلامتك يا عيوني
شددت نهى من عناقها وهي تأبى البكاء فأغمضت عينيها بقوة، ثم ابتعدت عنها واردفت قائلة بابتسامة:
_ طيب الأكل جهزته هنزل أعدي على شهد ونروح الكلية بقى
_ ماشي يا قلبي
_ سلام
قالتها وخرجت من المنزل تنفست بعمق ثم هبطت أسفل بنيتها تنظر للحي باشتياق، اشتاقت لكل ركن به، شعرت بشيء اصطدم بقدمها فنظرت أرضًا وجدتها كورة واردف طفل صغير لم يتعدى ركبتيها بصياح فرح:
_ نوني
هبطت نهى لمستواه واردفت بابتسامة:
_ قلب نوني وحشتني أوي
احتضنها ذلك الطفل الذي عمره 5 أعوام بسعادة فقد كانت دومًا صديقته ووالدته الثانية ادمعت عين نهى فمسحتها سريعًا قبل أن يراه أحد ولم تكد تفعل حتى سمعت صوت تحفظه عن ظهر قلب يردف قائلًا:
_ كده يا عم يوسف ادام طنط نهى جت شريف خلاص بقى مش هتكلمه
تواثبت دقات قلبها حتى شعرت بقدميها لم تعد تقوى على حملها، سمعت صوته، نبرته الهادئة التي شابها المرح الآن، وصوت أنفاسه الذي يشعرها بالأمان، ابتعد يوسف عنها يلقي بنفسه على شريف الذي احتضنه وصوته ضحكاته يعلو، نهضت نهى عن الأرض وهي تحاول تهدئة دقات قلبها ولكن كيف؟ وإن هدأ فماذا عن أنفاسها المتلاحقة، أو وجهها الذي كسته حمرا لطيفة، كادت ترحل لولا أنه همس باسمها بصوت لا تعرف لما أحست وكأنه يجاهد لإخراجه، لم تكن تعلم أنه يجاهد دقات قلبه، لم تكن تعلم أنها هي تلك التي كانت تلتمس حبه في كلماته التي يخطها ويلقي بها كأنه لم يكتبها، كلاهما لا يعي أن الآخر دقات قلبه تهوى بقربه، هو يصفها في كلماته فتظنه يعشق أخرى، التفت له فاردف شريف بهدوء:
_ عاملة أي
ابتسمت نهى وهي تتمنى لو تخبره كم مرة نادته بها ولكنها اردفت قائلة:
_ الحمدلله يا استاذ شريف
ساد الصمت قليلا حتى اردف يوسف الصغير
وهو ينظر لنهى ببراءة:
_ نوني شريف كان بيسألني أنتِ روحتي فين قوليله بقى كنتِ فين
نظرت نهى لشريف فتلاقت أعينهم للحظة تخبر الآخر عن ما حدث لهما، أبعدت نهى عينيه سريعا واردفت قائلة:
_ كنت مسافرة يا يويو يلا سلام
ونظرت لشريف واردفت قائلة:
_ عن إذنك
وغادرت بينما هو ظل ينظر في أثرها وهو يتذكر دموعها المحبوسة داخل عينيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلفت والدته فوجدت أسامة نائم كما هو بينما أمل نائمة وهي جالسة فقط تستند برأسها على يده، ابتسمت والدته عليها واقتربت منها ولم تكد تسحب يده من يدها وتيقظها حتى انتفضت أمل واردفت بخوف:
_ لا
_ أهدي يا قلبي ده أنا
نظرت لها أمل بدموع واردفت:
_ ماما خليه يصحى عشان خاطري
احتضنتها والدته بحزن وشفقة فقد كانت تبدو لها كالطفلة التي تشعر بالضياع واردفت قائلة:
_ مهو الدكتور قال لازم ينام عشان يكون كويس
بكت أمل بخوف وحزن، واردفت قائلة بصوت متحشرج:
_ بب.. بس هو قالي هيفضل معايا علطول.. اا.. امبارح مش نمت في حضنه.. وو.. وشفت كان عايز ياخدني من أسامة
ربتت والدته على ظهرها واردفت قائلة:
_ محدش هياخدك منه متخافيش
_لل.. لا هو هياخدني والله هو قالي كده.. وو..
واسامة تعبان مش هيعرف يبعده عني
_ مين قال كده يا قلب أسامة
اردف بها أسامة بوهن وضعف وهو يحاول النهوض فابتعدت أمل عن والدته سريعًا وساعدته والدته على النهوض وأسناد ظهره على الفراش ولم يكد يتحدث حتى ارتمت أمل عليه تتعلق في رقبته، تأوه أسامة بألم وهو يشعر بجسده بأكمله يألمه، ولكنه لم يبالي بل همس:
_ لو على موتي مش هسيبك
كان يشعر بألم في قلبه ومازال ذلك الحلم يعاد أمام عينيه، فشدد من يده التي تضمها، بينما والدته انصرفت بهدوء..
أنت تقرأ
ضحية مرض"مكتملة"
Romanceأُرهقت ونفذت روحها ممن هو من المفترض أن يكون عونها، فأصبحت ككقطٍ خائف يرتجف بين براثين الأسد، تترقب الأمان في صوتٍ يراودها في أحلامها وقد عجزت عن التميز بين الواقع والحُلم، فماذا عن نجاتها؟ ماذا عن تحريرها من سجنها الملعون؟ نعتت بالمريضة فماذا إن كا...