الفصل الأول

334 37 21
                                    

الجزء الأول

شذرات خطًتها الياسمين بقلمها ، تبوح للورق حين امتلأ جوفها ، و خشيت ان يسمع أحد أنينها ، فهي لم تُخلق الا ليفوح عبيرها يعطر الجو من حولها ترطب حياة محبٍيها و تبعث البهجة في نفوس مستنشقيها ، تأبى أن تذبل فتنحني تلامس التراب تستمد منه الصلابة ثم تقوم شامخة أقوى من ذي قبل .
خاطبت أوراقها تتمنى لو بمقدورها اجبار نفسها على النسيان ، و حبس الدموع من الانهمار نحو الفؤاد تحرقه ، كما تفلح دائما في حبسها قبل أن تصل إلى مقلتيها .
تتمنى لو أبقى ميثاق الوفاء غليظا بين يديه ، كانت له أروع أنثى في سر خلوتهما ، كروعة المرأة التي تسند ظهره و تشد عضده داعمة له أمام العالمين ، تلقي اللوم أحيانا على نفسها ربما كان خطؤها
تائهة بدوامة أفكاري
حائرة في اتخاذ قراري
دست على أنوثتي و أوليت للأمومة اختياري
مجبرة على الشموخ رغم انكساري
رغم تعبي ملزمة بواجباتي
انهار أحيانا فألجأ الى الله بدعائي
ان ينتشلني من بين انقاذي
رفعت بصرها تنظر إلى أولادها الخمس و زوجها المتحلقين حولها، من ينظر من بعيد يظن انهم غارقون في سعادتهم بسهرتهم الليلية ، عائلة مثالية ، زوج الأحلام تتمناه كل امرأة في العالم ، و أبناء معافين في صحتهم ناجحين بدراستهم مترفعين بأخلاقهم ، حمدت الله و هي تنظر إلى السقف الذي يأويها ، و النعم التي تغمرها
لكن بداخلها ، لا أحد يعلم ما يخبؤه الفؤاد ،
تناولت كوب الشاي تمده إليه ، و حين لم ينتبه لها ، نادت بإسمه الذي تتعمد منذ زمن عدم التلفظ به ، ما بينهما يبدو مثاليا أمام الاولاد و الاقارب ، لكن الشرخ الذي اصاب علاقتهما اردى الحب صريعا ، يتخبط بينهما يجاهد ليعيش و يزهر بأرواحهما مجددا ،
التفت يأخذ كأس الشاي منها يتحاشى النظر إليها و يحرص على الا تلمس أصابعه بشرتها.

كيف للحب الذي خلق بينهما بمعجزة ان يموت بمعجزة اكبر منها ؟؟؟
تلك المشاعر المجنونة التي عصفت بقلبيهما يوما ، كيف تُراها خمدت؟؟
شعرت بضيق يخنق أنفاسها فانسحبت الى غرفتها ، ظنت مؤخرا ان مشاعرها اتجاهه ايضا تبلدت ، لكن منذ قراءتها لرواية المتهم الخطأ ، و هي تتخبط بعواطفها ، تتذكر تفاصيل جميلة حين كان لها فارس مثل خليل الروح ، وقفت امام المرآة تمرر اناملها على تجاعيد الزمن و كل انتناءة تروي احد المصاعب التي ألًمت بها ، اي فكرة سخيفة جعلتها تفكر في إرتداء قميص نوم حريري و تسريح شعرها و تعطير جسدها ، فالشرخ المتصدع بينهما اكبر من ان ترأبه ليلة رومانسية .
التقطت مأزرها على عجل ترتديه حين سمعت وقع أقدامه يقترب لكنه كان أسرع منها ، تفحص هيأتها المثيرة و قد حركت برجولته شيء من الرغبة فجأة ، أدار المفتاح بالقفل ، فتدثرت بذراعيها تنوي الخروج بولوجه الغرفة ، انفاسه التي كانت لا يطيب العيش الا بها اصبحت كغاز ملوث يخنق كلاهما .
حين وصلت الى الباب و امسكت المقبض ، خرج صوته الجهوري بنبرة جافة :
-لقد نام الاولاد. اطمأني
كان قد وصل الى السرير فانزوى تحت الغطاء يوليها ظهره ، اطفأت الانوار و أبقت المصباح الجانبي منارا ، استلقت على جانبها منتصفة الجلوس في وضعيتها تنظر إلى قفاه ، رغبت اصابعها في ملامسة الشيب الذي غزى آخر الخصلات خلف عنقه ، أنفاسه تنبؤ انه لا زال مستيقظا ينتظر منها المبادرة كما كانت تفعل غالبا مؤخرا .
لن تبادر ككل مرة يكفي ذلك القدر من الصد في الأشهر الأخيرة ، لقد وعدت نفسها ان تحافظ على ما تبقى من كرامتها ،
توهم نفسها انها بخير ببعده القريب ، تكافح اشتياقها اليه بتعويض غيابه الحسًي عنها بأشغال نفسها بالأولاد رغم حبها الكبير لهم ، لكن ما تحتاجه روحها لا تستمده الا منه . و لا أحد قادر على منحها إياها غيره ، تتساءل عن مآل الأنوثة المهدورة .
نيران اندلعت بصدرها توقظ وحش الشوق اليه ، رغم كل ما حدث لا زال الحب ، العشق ، الغرام ما تشعر به اتجاهه ، تتمنى ليلة نوم هنيئة بين احضانه كالماضي
استدار فجأة و كأنه شعر بسلواها ، طاف بنظره وجهها المبعثِر لتغيّر وتيرة أنفاسه وتهدّجه فجأة.
نظرت اليه تحاول اقتناص ثرثرة شاردة أو واردة، تخفّف من تلبّد الغيوم الّتي حامت حولهما، تفتح ناصية للحديث ،فلم تفلح ...
بسطت راحتيها تمرّرها على فرو رأسه، ...إنّه شبيه بالأبطال الآفلين الّذين ملأوا الروايات التي قرأتها دون أن يملؤوها ...حدجته بنظرة كسلى ...همّت بالمزيد من المحاولات...لم يمهلها ،أبعد رأسه في انسحاب ثقيل الوقع على قلبها ،انسحاب ماجن المراوغة استصاغت طعم الصدأ من فعله ...
تذْكُر إلى حدّ تلك السّاعة أنّه كان لها قلب...وهل لها قلب سواه ؟ !!
- أحبّكِ ...
نطقها بعد تردّد و تلكّؤ عنّفاها ،ولم يرحما قلبها الخافق على الدّوام ، كقطرة ماء بعد جفاء لا تروي ظما و لا تسقي حرثا مجرد قطرة ستنفذ من خلال حبات الرمل كأنها لم تكن
سرحت في ملكوت عاطفة عتيقة مثقلة بامتلاء ...كم يكون العشق له، وله فقط دون سائر الآخرين...تعرف أنّها تفعل ذلك وأكثر على أنّ الكلّ وهو نفسه لا يعرفون عمق ما تشعر به منذ اغرمت به ،لكنّها في قرارة عاطفتها تخبئ البراكين الذّائبة ...تختزن له وَلَها و هياما من أجمل وأعرق ما يكون...
من تراه يقصد ب "أحبك"
الآن هي غيرها ، امرأة من طراز آخر ، غيًرتها الخيبات و المواقف ، هي الآن قوية ، واثقة ، لكنها لا زالت تعشقه و ذلك الشيء الوحيد الذي لم يلمسه ما طرأ من تغيير على نفسها ، تعشق أنفاسه ، دبيب قبلاته الأخيرة لازال دفؤها يسري بشرايينها ، تلك اللمسة السحرية تجعلها ملاكا بأجنحة محلقة بسماء منتشية الغيًم ، تفترش السحب البيضاء و تلتحفها ، همساته تسحبها في رحلة تطوف بها تقلٔها الى نسيان لذيذ من واقع موجع .
كادت ترد عليه "احبك " ب " أحبك أكثر منك"
لكن كبرياؤها اللعين انتفض متمردا حين ارتفعت أصابعه تلامس خصلات شعرها المنسدلة على صدرها
ماذا الآن ؟؟؟؟
عاصفة حب لا دافع لها غير رغبة الجسد ، تستمر لحظات ، ثم يرميها لقحط الجفاء اياما و اسابيع و قد يطول جفاءه الى أشهر ، تعيش الانتشاء على طيف تلك الذكرى
فتحت عينيها صباحا بعد ان تسللت أشعة شمس ربيعية دافئة من بين الستائر الوردية ، رفعت ذراعها تحتضن سلسبيل ، أصغر ابنائها ذات الأثناعشر ربيعا ، لجأت اليها بعد ان سحبت نفسها من قاع الحنين إليه تتمنع عنه و هي له راغبة ، متحججة انها ستتفقد قرة العين و لكن العودة الى عربن سريره كان ثقيل الوقع على كبريائها ، فتمددت بجانب صغيرتها ، لم تنم الا بعد ان ادت صلاة الفجر .
________________________
أنه يوم العطلة الأسبوعي توقعت أن ينام الكل الا هو ، فلم يعد البيت له سوى فندقا ينزل به لياليه ، تسللت الى غرفتها لتبدل ملابسها قبل أن يلمحها احد ابنائها الذكور بثياب نوم حريرية، حيث تقع غرفتها و غرف البنتين في الطابق الأول و غرف الذكور في الطابق الثاني اما الطابق الأرضي فخصص للمطبخ و غرفتين لاستقبال الضيوف و غرفة معيشة لاجتماع أفراد العائلة ، كانت الغرفة مرتبة كالعادة فهو رجل مهووس بالتنظيم لا يحتمل ان تميل وسادة بغير محلها .
عرجت عند نزولها على غرفة سهام ، ابنتها و صديقتها التي لم تحظى بغيرها طوال حياتها تبلغ من العمر ثلاث و عشرون سنة ، فوجدتها منكبة على حاسوبها ، تعمل بجهد لتضع آخر اللمسات على مذكرة التخرج ، تكلل مسارها الدراسي الحافل بآخر نجاح .
دخلت المطبخ و فوجئت بالفطور محضر على الطاولة في سابقة من نوعها ، لقد تأخرت في النوم كثيرا على غير العادة ، لمحت من شرفة نافذة المطبخ المطلة على حديقة صغيرة خارجا عماد يتحدث عبر الهاتف ، يضرب الارض برجله يؤرجحها في الهواء كأنه يضرب حصى ، لكن لاوجود للحصى على العشب الاصطناعي ، كان مغيًب الوعي بدقات قلبه التي تنبض عشقا تطرب غزلا لمحبوبته عبر الهاتف ، عماد الابن البكر ذو الخامس و العشرون سنة تخرج منذ سنتين من كلية المحروقات و يشغل حاليا منصبا مرموقا في احد الشركات الخاصة ، دائما ما اعتبرته ياسمين والدها حين وجدت فيه عطفا ابويا و قد كان الشاهد الوحيد على الحدث الفاصل بحياتها قبل سنة ، الوحيد الذي يعلم بانكسارها و رغم ذلك اختار الحياد موقفا ، لكنه يحاول باستماتة ترميم ما حطمه والده بها دون مساندتها بشكل واضح ضد والده .
شردت تفكر حين تطير كتاكيتها الصغيرة من تحت جناحيها الى أعشاشها ، كيف ستعيش؟؟
فمن أجلهم تقاوم ،و من شدة حبها لهم آثرت البقاء بجحيمه بدل الرحيل ، كانوا غنيمتها بحرب الأنوثة التي خاضتها متعاونة مع خيانته ضدها ، أبعدت كرسيا لتجلس بغية احتساء كوب من القهوة تأمل ان يخلصها من صداع رأسها ، امالت برأسها تنظر إلى التلفاز بغرفة المعيشة المقابلة للمطبخ ،
مالت اكثر بجسدها مستغربة فليس من عادة الاولاد مشاهدة التلفاز أبدا ، كان هناك يجلس على الأربكة يضغط على جهاز التحكم يكاد يسحقه بكفه ، يرتدي حلة قطنية مريحة ، رغم التهكم الواضح على ملامحه ، لم تزده الكهولة الا وسامة ، يزداد هيبة كلما تقدم بالعمر ،تزداد اكتافه عرضا و انفرادا كلما تزينت بزته العسكرية بنجمة رتبة جديدة ، راقبته مطولا من مكانها تسترق النظر اليه و هي ترتشف قهوتها .
ظنت ان استهجان ملامحه سببه مغادرتها الفراش ليلة أمس، قد يكون وقع الصد اثقل على كيانه الرجولي المدجج بكبرياء أقرب الى العنجهية ، لم يكن ظنا بل كان تمنيا منها حتى يُسقى من نفس الكأس التي تتجرعه هي كل يوم ،
لكن الانفاس الغاضبة التي كان يزفرها ، لشعوره المستمر بالعجز ، العجز الذي ينخر فؤاد كل عربي مسلم يملك ذرة نخوة اتجاه أوطان العُرب ، يشاهد مظاهر الدماء و الاشلاء ، التفجيرات ، صراخ الأطفال ، عويل النساء ، و تكبيرات الرجال
مناظر باتت تبث على مدار سنوات عديدة خلت عبر شاشات التلفاز تنقل اخبار البلاد العربية ، تخاذل الحكومات و تطبيع الأخرى ما يكتف أيد الشعوب ، كم تمنى فارس بصفته ضابطا في الجيش أن يتلقى يوما أمرا بتجهيز جيش من خيرة جنوده ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية الأبيًة ، يجاهد بالسلاح جانب إخوانه ،فلم تعد تنديدات القياد و المسيرات السلمية تجدي نفعا في ظل الاختراقات العدوانية على حقوق انسان كل ذنبه انه ابيٌ صنديد يرفض ألتنازل عن أرضه المباركة
طالما حلم ان توكل اليه مهمة فك الحصار عن غزة ، حماية القدس من كلاب الصه،يون، قصف تل ابيب ، لا يهم ، المهم ان تطأ قدمه ارض الأنبياء، منشأ الرجال ، مصنع العزة و الكرامة ، مدعاة للفخر و العزوة لشعب يولد اطفاله رجالا أحرارا و نساء بقلوب من ذهب ، اطفال الحجارة اليوم هو رجال البنادق غدا ، شجاعة شعب أعزل محاصر سلاحه النخوة ،على الحكام العرب الذين يطالبون الكل بالتدخل و لا يحرك احدهم ساكنا ان يخجلوا من صمتهم ، من تواطئهم من خياناتهم لأرض سيسألون عليها يوم الحساب .
كجزائري لا يعتبر فلسطين بلده الثاني ، تحمل الجزائر جسده بقلب أراضيها المسقية بدماء الشهداء و هو يحمل اراضي فلسطين من شمالها الى جنوبها بقلبه ، غذي بحب الوطنين على حد سواء مع حليب أمه ، لم تكن فلسطين يوما مجرد بلد بل هي قضية وطنية ، و الأقصى عقيدة ، يقال بالشارع انه لو تم تجنيد الشعوب العربية من عامتها و فتحت الحدود اللعينة لحررت فلسطين ،
لا يملك غير أن يمنٍي النفس أن يؤدي صلاة ذات يوم في الأقصى
انسابت دمعة غائرة على وجنتيها و هي تشاهد القصف الاسرائ..لي على قطاع غزة، و أم النابلسي مبتسمة تشيع جثمان فلذة كبدها على اكتافها مع الرجال بعد ان اوصاها ابنها ألا تبكي لحظات قبل أن يرتقي الى جوار ربه مع من سبقوه من الشهداء ، ليست سعيدة بفقدان ابنها ، لقد منً الله عليها يربط على قلبها و ظنها بربها كريم فقد ترك البطل الشهيد رسالة صوتية أثناء حصاره أثناء مقاومته ، أثناء رفضه لغاشم يزعم أحقيته في ارض أغطية بالوعاتها أكبر من جده ، من بضع كلمات يشحن فيها الشباب شجاعة جبارة يوصيهم بالارض و الكفاح و البارودة ، أم اخرى فقدت وحيدها الذي وهبها الله بعد اكثر من خمسة عشر سنة من الإنتظار و العلاج ، حال تفوق قدرة الكاتب على الوصف من ألمها ، و يعجز الكلم عن خطٍها
حالها كحال كل الأمهات لا تملك الا التضرع لله ان يربط على قلوبهم و يجبر خواطرهم و يقوي عزيمتهم و يقر اعينهم بالحرية بل بالنصر لانهم هم حقا يولدون من بطون امهاتهم أحرارا
الحب كالحرب يبتر القلوب بفقد الأحباب ، غير ان ضحايا الحرب يرتقون شهداء الى الرفيق الأعلى ، يشفعون لسبعين اخرين ليكون موعدهم الجنة ، بينما ضحايا الحب يتيهون في الأرض يعيشون نفوقهم على قيد الحياة ، يعذبون أنفسهم باسوء المشاعر و قد يفترقون و لا يجتمعون أبدا .
مسحت دمعها بظاهر كفها مبتسمة لزكرياء و عمران حين لمحت دخولهما الى المطبخ ، اقتربا منها يقبلان كلتا وجنتيها معا بكل حب بينما ترفع ذراعيها تحتظن رأسيهما ، خرج صوت رجولي خلفهما هادرا : أليس لدي حق في تحية صباحية مفعمة بكل هذا الحب أم تُراني كبرت ؟؟
رفعت كلتا ذراعيها لعماد فتقدم يقبل باطن كفيها ووقف خلفها يحتضنها محاولا إبعاد اخويه عنها
زكرياء ذو الواحد و العشرون سنة في عامه الجامعي الثاني ، شخص هادئ الطباع لطيف الخُلق مسالم وديع ، اما عمران ذو الاعوام الثمانية عشر ، مراهق يأبى النضوج مشاكس بروح حلوة يضفي اجواء جميلة على المنزل ، يذاكر ليل نهار كي يحصل على البكالوريا و يلتحق بأحد الأكاديميات العسكرية بعد ان اختار سلك الأمن يقتفي أثر والده
حين التفت الى الاصوات الرجولية التي اخشوشنت
لم يجد سوى أطفالا كبارا متحلقين حول ياسمينته يحتضنونها معا يشاكسونها و الكل يريد الحصول على اكبر مساحة من حضنها ، بينما ساءت هو علاقته كثيرا بأولاده .
اصطدمت الأعين ببعضها : عينيه الشرستين تملكان قوة خارقة في اخفاء مشاعر الخزي من نفسه ، و الخجل منها ، و الكثير ، الكثير من الندم، يجيد تغليفها ببراعة بنظرة صارمة اكتسبها على مدار سنوات أداء مهامه العسكرية ، نظرات قاسية تبث الرعب في العدو ، وحدها ياسمين تمكنت من اختراقها في الماضي و اكتشاف عيون بنية عاشقة لها مولعة بحبها
نظرة تحد من عيونها الكحلية تتفاخر بأشبالها توهم نفسها أنها مستغنية عنه بهم .
وشوشت ثلاثة أفواه باذنها : ماالذي يفعله هذا هنا ؟؟
كادت تصرخ بهم : انه والدكم و هذا بيته ، لكن لا ذنب لهم هو من رفع حول نفسه اسوارا عالية يحبس نفسه داخل حصونه ، ابتسمت على مضض تقترح عليهم أن يستغلوا وجوده للجلوس معه ريثما تحضر الغذاء .
تمكنوا بصعوبة فتح الأحاديث معه بعد ان توقف في الاشهر الأخيرة مشاركتهم اهتماماتهم ، عماد الذي بلغ من العمر ما يؤهله لفهم لغة العيون ، ابتسم متفائلا باستراق والده النظر إلى المطبخ حيث كانت تتنقل بنشاط داخل أركانه ، شعور جارف بالشوق انتابه و هو ينتظر عودتها الى السرير ، بقي مكانها فارغا بجانبه. و هو الذي اعتاد دفئها رغم هجرانه ، يفوح عبيرها بثنايا روحه ، جافى النوم مضجعه ماذا لو قررت زهرة الياسمين التي تعترض صباحه كل يوم في طريقه الى عالمه و التي يتوٍج البياض افنانها كروحها ، و التي اعتاد ان يسرق من عمر ازهارها النضرة كل صباح عطرها ، ان تتحول الى صبًارة
لقد اخبره الكل حين احضرها الى بيته أنها صبارة ستخزه بأشواكها و تؤلم روحه ، لكنًه اصر بعناد انها ياسمينة بيضاء ، أنً للصبار ان يمتلك عطرا فوًاحا كعطرها ،فهو لا يرطب الجو بلطافته كما يفعل صفاء قلبها
يُسقى الياسمين بالإخلاص و يزهر بالحب ، لا لوم عليها اذا تحولت الى صبًارة بعد ان سقاها الغدر و الخيانة
سيكون لوخز أشواكها حلاوة تشبه روحها ، و هكذا ستقتص منه الايًام على يد #صبارة_جوهرها_ياسمين
_______________________
ترأس طاولة الغذاء بعد غياب طويل عنها ، بلع بعض اللقيمات يغصب نفسه ، يسترق النظر بصمت الغريب إلى الكل ، يتشاركون الأحاديث ، و الضحكات ، يتناقلون الأخبار ، و يقصون النكت .
كيف فرًط بروعة جمعتهم ، و كيف طاوعه قلبه على قسوة هجرانه لهم
قامت ترفع الصحون عن الطاولة تمنع سهام من ذلك تأمرها بحزم ان تعود لدراستها بينما هبً الأولاد الى المسجد باكرا لاداء فريضة الجمعة ، لم يبقى غيره و سلسبيل التي نظرت اليه بعيون بريئة مبتسمة ، في سعادتها بحضوره عتاب خفي عن غيابه ، فدعاها بإماءة منه ان تقترب الى حضنه يجلسها على ركبته ، يحاول التقرب منها بعد ان فرش المسافات بينهم شوكا .
آثرت الإنسحاب لمنحهما بعض الخصوصية عله يرمم ما تركه فراغه بقلب صغيرته ، فراغ مسً جميع أفراد الأسرة بعد ان وضعت الخيانة اوزارها تحت سقف البيت ،جعلها تبذل مجهودا مضاعفا لملئه دون ان تلغي حضوره ، تتحجج له بالعمل و الضغط و ضيق الوقت كي لا تشوه صورته امام أطفاله
______________________
تفحصت هاتفها تقرأ التعليقات المنهالة على صاحبة رواية المتهم الخطأ يتساءل اصحابها : هل لخليل الروح وجود ، لقد صورت الكاتبة بطل رواية كشخصية الأحلام ، شخصية اسطورية وجودها خرافة ، كتبت عدة تعليقات كان مآلها الحذف في آخر لحظة ، ارادت اخبارهم أنه يوجد ، لقد كان فارس خليل روحها ، و لأنها لا تستطيع وضع عدة اسطر حمراء أسفل الفعل "كان " الغت التعليق
لم تعلٍق تخشى ان تلفظ أوجاعها ، فيغرق العشق في لون آخر من الأشواق ، مرير الوقع هذا الإشتياق كلما تعمدنا إغفاله يتعمد جرفنا في طوفان من الحنين
رمقت دخوله بنظرة قاسية ترميه بشظايا فؤادها المكسور راقبت في صمت تجهژًه لصلاة الجمعة ، في تعطرٍه شكت بأول الخيانات ، لن يمحو ثوب صلاته ناصع البياض توجساتها في كل رشة عطر بعد ان تيقنت ظنونها ،
لمح امتعاض ملامحها في انعكاس المرآة ، نظر إليهما معا بعد ان اصبح لا شيء يجمعهما غير الأولاد.
يغرقه الندم في قعر خطاياه ، تخجله المرايا من صورة الخاذل لياسمينته ، يقبض على روحه من بين الشظايا ليتكتم عن جرائمه بحق قلبها بكل غرور رجولي ، تحتبس أنفاسه بصدره ، يؤلمه الندم المتكالب مع اليأس ضده ، تجحظ عيناه لمرأى ياسمينة تأبى الذبول .
اعتذار لن يصلح الخراب بروحها لكنه يزيل الركام عن قلبها ، اعتذار يأباه الكبرياء الرجولي و تشتهيه العاطفة الأنثوية بقي معلقا بانعكاس المرايا
-ساصطحب سلسبيل الى المسبح بعد الجمعة : حدثها بنبرة باردة يوليها ظهره متقدما إلى الباب
- لكني وعدتها بزيارة معرض الكتاب بعد حصة السباحة : اجابته محتجة
-هي من طلبت مني توصيلها ، اصطحبيها عند العودة : أغلق الباب بكل هدوء و غادر
__________________________________
وقفت تستند على باب سيارتها لحظات فقط لمعت عيناها سرورا و فتحت ذراعيها محلقة تهرول نحو سلسبيل ، تعلقت الصغيرة بعنقها ، ابتعدت عن حضنها متلعثمة بهاجس طفولي بريء ، زرعت فيها خُلق الصدق ، حتى اغفال ذكر أبسط الأمور عن والدتها تعتبره سلسبيل مناف للصدق، فتلعثمت تنقل لها خبرا جعلها تسحبها من يدها ، تهرع الى الداخل ، تضرب سطح مكتب المديرة صارخة : لقد اخترنا تسجيل ابنتي بمركزكم لأن طاقمه نسوي ، و متأكدة ان جميع المنتسبات إليه لذات السبب
- افهميني سيدة ياسمين طرء ضرف مستعجل للمدربة ، انه حصة اسثنائية أعدك الا يتكرر الأمر
صرخت بجنون : لا لن أمرر الأمر بسلام ، على الأقل لو أعلموني لمنعتها من الحضور
- نظرت إليها المديرة ببلاهة : لم افهم مشكلتك سيدتي هلا وضحت من فضلك
لم تشفع توسلات سلسبيل و لا محاولة سحبها من ملابسها الى الخارج بل ازدادت استهجانا : مشكلتي اني وثقت بكم و خذلتم الثقة لقد امنتكم على ابنتي و خنتم الأمانة ،
زادت عيون المديرة اتساعا غير مستوعبة بعد ، ثم نقلت بصرها الى سلسبيل تومئ برأسها مستفهمة عما حدث ، فهمست الصغيرة بصوت خفيض تترجاها أن تتوقف .
أخذت كفها الصغير بين اصابعها تقول بحزم : لن تعودي الى هذا المسبح ثانية
التزمتا الصمت طوال الطريق ، و حين ركنت السيارة بمرآب المعرض الدولي للكتاب (سيلا ) الذي تنظمه الجزائر سنويا ، تحدثت ياسمين بصرامة : ما الذي يثير استياءك بالتحديد ؟؟
انفجرت الصغيرة باكية : لقد اخبرتك اننا تدربنا مع رجل كي اضطلعك على الامر كالعادة و ليس لتحرجيني بهذا الشكل ، لقد كبرت يا ماما و حفظت كل القواعد للمحافظة على سلامتي ، لا اغير ملابسي امام احد ، لا اسمح لأحد بالكشف عن اي جزء من جسدي ، لا اسمح لأحد بلمسي، لا اجلس على حجر أحد ، اخبرك عن كل من ينظر إلى مناطقي الخاصة ، اهرب من كل من يرمقني بنظرة غريبة ، و أصرخ طالبة النجدة اذا لم أستطع منعه ، ارأيت اني احفظها جميعا .
- و مع ذلك انا ملزمة بحمايتكم يا ابنتي لا أثق بأحد
مسحت سلسبيل دمعها بكف يدها قائلة : لكنك تفعلين افضل ما بوسعك انت رائعة يا ماما توقفي عن المبالغة في الخوف علينا
رفعت احد حاجبيها مستفهمة : ماذا يعني هذا ، ان اتوقف عن حمايتكم ؟؟
- بل توقفي عن الخوف بدون سبب و إثارة المشاكل مع من تشكين فقط انه يؤذينا : قالتها و هي ترتمي بحضن والدتها و بعد عناق دام لدقائق سحبت نفسها ممازحة : لقد أخطأ اهلك حين اطلقو عليك اسم ياسمين كان يجب ان تحملي اسم نبتة الصبًار لأنك لا تتوانين لحظة في لسع من تسول له نفسه الاقتراب منا بشوكك
ارتفعا حاجبيها الى ناصيتها و هي تصغي لقرة عينها ، فاندفعت الأخرى مبتسمة تقول ياسمين_جوهر_الصبًار
فهدرت بوجهها تدًعي الزعل : انزلي قبل أن اغير رأيك و أعيدك للبيت
لحقت خطواتها المتحمسة نحو المعرض مخصصة لها مبلغا كبيرا لاقتناء الكتب و لكل ابنائها ، تحرص على غذاء عقولهم اكثر من حرصها على ملئ بطونهم ، شاردة بذكريات طفولتها تنتفض في سرها : لن تسمح أبدا ان يمس ابنتاها ذرة ما عايشته في صغرها و ترك ندباته على شخصيتها .



ياسمين الصبًارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن