الفصل الثامن

82 12 3
                                    

القسم الأول
لم يتحدث احدهما الى الآخر ، بل بقيت تنام على صدره متشبتة به كأنها تخشى الغرق حتى راحت في سبات عميق ، كانت متعبة حد الانهاك من كل شيء ، محتاجة جدا للانهيار ، لفاصل بحياتها ترتاح فيه عواطفها و افكارها .
لم يدري أيهما الفترة التي مكثاها على تلك الحال بعد استيقاظها من النوم ، يجلس على ظهر السرير يضمها إليه ، تتوسد صدره في صمت ،
و حين قرر كسر الصمت و فغر فمه للتحدث ، رفعت هي رأسها و إلتقت أعينهما ، عيناها منكسرتان كم لم يرها من قبل ، يحملان الكثير من اللوم و العتب ، فهرب بعيناه المخجلتان بثقل ( الخيانة ) إلى شفتيها
بعد عشر سنوات زواج لازالت شفتاها ترتعشان ارتباكا كلما لمست شفتاه ، ترتجفان خوفا كمراهقة تجرب قبلة الحب لأول مرة بحياتها كلما أطبق عليها بجنون ، شفتاها الرفيعتين البريئتين لم تغب يوما عن ذهنه و هو يقبل شفاه عشيقته الخبيرة و التي لا تدع مجالا للشك أن الكثير من الشفاه مرت عليها حتى اكتسبت خبرة في التقبيل باحترافية
رفع يده ببطىء إلى وجهها كأنه يفك العقاب عن نفسه إلى أن لامس شفتيها السفلى بإبهامه يتفحص ملامحها المتعبة ببشرته
همس بخفوت معاتبا :
- كبف هنت عليك ياسمين ؟
أسبلت جفنيها تشيح بصرها عنه
- كنت أتأكد إن كان لحياتي قيمة لديك
زفر نفسا حارقا قطعه بمنتصفه :
- أتسأليني عن قيمة الياسمين بحياتي ، أو لا تعلمين أن عطرك يستوطن خلايا روحي ، و حبك ......
قاطعته بنبرة واهنة دون أن تنظر إليه :
- بعد هذا الجفاء منك لم أعد أرى شيئا من هذا القبيل
فأنت على دروب الخيانة نثرتني
برماد الخذلان أعميتني
الثقة بحبك أفقدتني
لقسوة رجولتك أخضعتني
و بجحيم إهمالك رميتني
لا أسألك عن حبك لي ، فقط سؤال واحد لا أجد له إجابة :
- كيف هنت عليك و نظرت لإمرأة غيري ، لامستها ، قبلتها ، و عاشرتها ؟؟؟؟؟؟
شعرت بكلماتها كالنصل تغرس بروحه ،
إنها المواجهة الذي يتحاشاها منذ أكثر من سنة ، لا جواب لديه و لا تبرير لخيانته
ابتلع ريقه و توقف ابهامه عن التجول بين شفتيها
لقد شعرت بانتفاضة جسده ، رغم انها لا تنظر إليه لكنها تكاد تجزم أنه مغمض العينين ، تحرقه أنفاسه التي يحتبسها بصدره
جمع رباطة جأشه يريح فؤادها :
- لم تهوني يوما ، أنا من هنت على نفسي و أغرقتها بالوحل ، عصيت ربي ، خسرتك و كدت أخسر أولادي لولاك.
شعرت بنار حارقة تلهب أحشاءها بسكوته قبل ان يستطرد :
- و أنا معها كنت لا تبارحين تفكيري ، أمقت نفسي و أمقتها لكني كنت ضعيفا أمام رغباتي الحقيرة ، لقد أغشت الشهوة عيني حتى أفقدتني بصيرتي
قالت بجفاء :
- هل تشعر بالندم ؟
أجاب بحسرة :
-ما أشعر به أكبر من الندم
سألت مجددا بنبرة مختنقة :
- و لماذا هجرتني بعدها ؟ لماكل هذا الصد منك و هذا الجفاء ؟؟
رد بانكسار :
- لأنني أعلم أنك لن تسامحيني ، ليس هناك امرأة قادرة عن مسامحة ما فعلته انا بك مقابل ما قدمته انت لي
استدارت إليه و قد سقط فكها و همست بصوت يكاد يكون غير مسموع :
-و من قال أني لم أسامحك ؟ لست كغيري من النساء ، أنا ياسمين ، ياسمينتك التي اقتلعتها من جذور الصبار و أزهرت ببيتك بتربة حبك
نهض من السرير و وقف يوليها ظهره :
- كنت أصدك لأن تقربك مني لم يكن إلا أ|داء لواجباتك التي لا تتوانين في أدائها بتفان .
وضعت يدها على صدرها محاولة التحكم بانفعالها و هي تعلم أنها سحبت طرف خيط و الحقيقة البشعة قادمة في الطريق :
- لقد أخطأت التقدير يا فارس ، قربي منك و المبادرة لم تكن سوى اشتياق لك
انفلتت منه ضحكة ساخرة لاذعة في غير محلها جعلتها تحدق به بعينيها على اتساعهما
خلل أصابعه الغليظة بخصلات شعره الفضية بعنف و اليد الأخرى على خصره تحدث بين اسنانه بحنق محاولا كتم انفعاله :
- كفى ياسمين كفاك كذبا على نفسك ، إذا كنت تمقتين اقترابي منك بأيام الصفاء و الرضى فكيف إذا به قربي و أنت مجروحة مني
وقفت على اقدام مرتعشة بصعوبة دون أن تشعر بذلك و قد زاد اتساع عينيها ذهولا
حدجها بنظرة قاتمة قبل أن يشخص بصره في الأرض بعد أن ثبت جسده على طاولة جانبية :
- في كل مرة أعاشرك طيلة هذه السنوات أشعر بنفورك من العلاقة ، باشمئزازك مني ، و كأني سأغرقك بمستنقع ، لا يكف جسدك عن الانتفاضة ، تتشنج عضلاتك و تغمضين عينيك كأنك تستعجلين انهاء العلاقة ، نعم أعترف أني كنت عنيفا معك لغضبي منك ، أشعر كل مرة أني أ غ ت ص ب
طفلة صغيرة و ليس معاشرة زوجة بالغة راشدة
شهقة مكلومة كتمتها بوضع أصابع يدها المرتعشة على شفاهها بعد أن رمى حقيقة شعوره بوجهها و خنجر مسموم اخترق سمعها بقوله ي غ ت ص ب طفلة صغيرة ، خارت قواها فجلست مكانها لاهثة بإعياء و كأنها تسابق عقلها و عواطفها لتجمع الحقائق و تتضح لها الرؤية جلية ، رفعت رجليها تضمها الى صدرها و قد اكتفت بذلك القدر من الحقيقة و كل ما نطقت به :

ياسمين الصبًارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن