الفصل الثالث

78 15 4
                                    


عاد فارس إلى بيته الدافئ ،حيث تجتمع عاىلته كل أمسية ، الاولاد يعبثون بهواتفهم الذكية ،و ياسمينته تتوسط البنتين يحتضنانها يشاهدون الرسوم المتحركة ، القى السلام و مرً على الاولاد يركل أقدامهم ممازحا بشيء من العنف ، انحنى على البنتين يقبلهما ، خصًها بنظرة مميزة ،ثم انحنى اكثر يثبت جسده بكلتا كفيه على الأريكة خلف ظهرها ليقبل وجنتيها ، تبث شفتيه على بشرتها دفئها ، تشكوها الشوق اليها ، يهمس ان البُعد عنها تلك السويعات مرهق لقلبه ،
انسحب واقفا يتعمد التباطئ ليضيق عينيه يغمز لها آمرا أن تلحق به ،
يسبقها بضع خطوات نحو السلالم
،فتقف متنحنحة تستميح الاولاد عذرا لتتفقد والدهم مخجلة ،
تهرول إليه ، ينبض قلبها بعنف دقاته كمراهقة تخبر الحب العذري ،
خلف الباب ، يباغتها اختباؤه ،
يحاصر جسدها بين احضانه ،
يطبق على شفتيها يبثها أشواقه ،
يشكو الحرمان بسبب أطفاله ، و هكذا يجب ان يكون استقباله  ،
تتسلل اصابعها الى جيوبه تبحث عن جميل سلاحه ،
الذي يتعمد في كل مرة تغيير مكانه ،
يرفع يديه يدًعي استسلامه ،
و في تحركها السريع يتلاعب ابتغاؤه ،
طفلته الكبيرة الواقعة في غرامه ،
يغريها بما تعوًد لها احضاره ،
مصاصة حلوى ، و لوحة شكلاطة داكنة ، يخبؤها لها بجيب بنطاله ،
لا تحصل عليها إلا إذا حصل على مراده ،
تتعلق متشبتة بعنقه ، تبادل بشراهة القُبل افتنانه ،
و بعد تناول وجبة العشاء و تفقد فلذات الأكباد ، يغلق الباب عليهما ، يتشاركان السرير و اسراره ، يرويان تفاصيل النهار في غيابه ، لا يغمض لها جفن إلا إذا داعبت غلظة أنامله ، خصلات شعرها بين أحضانه
ذلك كان دخوله الى مملكته قبل سنتين ، أما الآن لا تتعدى تلك المراسم إلقاء تحية مقتضبة او الاكتفاء بتلويحة الكف و كأنه متعب من حمل العالم على كتفيه ، لكنها لازالت تقوم بخدمته كزوج بمنتهى التفان ، تلحق به تحضر الحمام و تخرج ملابسه ، تسأله عن العشاء ، فيخبرها مرارا انه تناوله خارجا ،
فتحت الباب فكان يقف امام السرير يعبث بهدية سلسبيل في عيد ميلادها ، مغلف ورقي يحوي باقة كتيبات صغيرة بعنوان «سلسلة من الحياة» لم تكن اضطلعت عليها بعد ، لقد سقطت منه بالخطأ و حين انحنى ليجمعها ، شدًته العناوين و كان بعضها موجها للرجال فقط ، يعلم انها شغوفة بقراءة الروايات لكن الذي بين يديه يبدو كنصائح لانجاح علاقات الزواج ، ارتبكت مندفعة تجمعهم قائلة : لقد اهدتني إياها سلسبيل .
قريبة للحد الذي شعرت بانفاسه البطيئة تحرق بشرتها ، بعد ان حشرها في زاوية بينه و بين السرير حين تقدم منها خطوة ، عيناه رغم شراستهما تخفي الاشتياق و كثيرا من التردد بعد أن اسره قرب جسدها ليلة البارحة بين أحضانه ،لقد كان بتمام وعيه رغم انه ادًعى النوم ، عبيرها الفواح انعشه طوال اليوم بعمله ، و عبث بالذكريات يوقظ الحنين لها ، ينتظر منها اشارة بالمزيد من قربه ، لكنها مرتبكة اكثر منه ، أتثأر لكرامتها بصدًه ؟؟ ، أم ترتمي بشوق لأحضانه ؟؟؟، تسمرت بمكانها ، توجس كثيرا من ردة فعلها ، لكنه تجرأ ينظر إلى ثغرها يسترجيه ان يرطب شفتيها المتيبستين لعابه ، شعرت بتسارع انفاسه مع اقترابه فأغمضت عينيها تهيم بلحظة طالت اللهفة عليها ، تأوهت بلوعة بمجرد ان لامس شاربيه بشرتها ، رفعت ذراعها تتمسك بصدره ، بعد ان اجتاحها بعاصفة قُبل ، يجلس الكبرياء بالركن يلطم خده على ما وصى به ، يترجاه القلب بالسكوت عسى ما كسرهُ يرمم ، سمح لها بالتنفس بعد ان كاد قلبها يتوقف ، رنة هاتف نسفت معالم ألأمل ، شيدتها من بوادهر الوهم ، حمل هاتفه و خرج يتحدث ، كورقة شجر في خريف ملبد تركها ، طيرها بعاصفة و رماها على رصيف الألم ، هذا ما يفعله بها منذ سنتين ، يؤرجحها يتلذذ بضياعها ، عسى أن تلحق به في عالم تاه فيه بمفرده ، عالم رمى بنفسه في غيابيه ظالما لعائلته ، في بعده تنشد بعض الراحة او يمكن الاستقرار فأصبح قربه على فترات متباعدة يبعثرها و ما يلبث ذلك الشعور يتخطاهما بفتور
انزوت بفراشها تحمل كتيبا تكتم بها إرتباك انفاسها ، تضغط بأصابعها صغر حجم الكتيب تخفي ارتعاشها ، احتارت بأي واحد تقرأ أولا ، لكن الكتيبات مرقمة حسب مواضيعها و أولها "بقايا الماضي ".
لقد أصاب المؤلف يتحدث عن مخلفات ما سبق من حياتنا ، و تأثيراتها على حاضرنا يوصي القارئ الا يدعها تخرب المستقبل ، براثين ماضيها ، حين تنظر خلفها ترى الركام و الحطام قبل دخول فارس احلامها حياتها ، فارس من ازال ذلك الخراب ، فأغشى بصرها عن الماضي و ذكرياته ، هو من أزاح اشواك الصبار المزيف الذي حمت به نفسها ، و اخرج الياسمين التي تفتحت على عجل قبل الأوان بروعته الى نور الحياة ، ذلك الماضي الذي ظنت انها نسيته ما لبث يهاجمها بخذلانه ، يتكالب عليها هو و الماضي القريب يكسر قلبها و يدمي فؤادها ،فلا تعرف اي ماض تنسى و اي جروح تعالج ، ماض يضنينا و يرهق اعصابنا و لا نملك شيءا بأيدينا لتغييره لكننا قادرون على تغيير الحاضر اذا نجحنا في تجاوزه
كان الكتيب صغيرا لكن شرودها بالصفحات طال يتعدى الساعة ، و هو بسريره يراقبها ينتظر ان تفرغ من القراءة حتى غلبه النعاس ، تغرورق حدقتاها مرة بالدموع ، و تتحول نظراتها شزرة قاتمة كأنها ترى العدو امامها ، تلمع العينين الكبيرتين يغشاهما الحنين حين ترى شريط الذكريات ، فتبتسم تارة ، و تعبس او تكشر تارة اخرى .
اكثر جملة شدتها في قراءتها ان المرء كالسهم عليه ان يعود للخلف لينطلق قوي يصيب أهدافه بدقة ، لم تنم و هي تستحضر الماضي البعيد بذكرياته السيئة و الجميلة لكن السيئة طغت على الجميلة ، طفولتها المنتهكة ، لم تنتهي معاناة ياسمين عند اغت،،صاب انوثتها للتي لم تكن قد أينعت بعد ، ركزت بعدها على دراستها و حصدت افضل النتائج بكل مستوياتها ، لكن علاقتها بالأشخاص سيئة جدا ، رغم ما تلاقيه من عقاب من كل أفراد العائلة ،لا شيء يثنيها عن التمرد ، و العناد ، لم يكن لها صديقات سوى جدتها لأمها و خالتها ، الوحيدتان التان عرفت الإحتواء في بيتهما ، نجحت بجدارة في شهادة البكالوريا رغم الظروف الأمنية الصعبة التي كانت تعيشها البلاد ، يستيقظون يوميا على اخبار الموت ،، الق،،تل ،، لا تستطيع أن تنسى في أحد الصباحات و هي متوجهة الى الثانوية ، منظر أطراف جسد مقطعة تغرق بدمائها لعائلة بأكملها ،كل ذنبها ان احد أفرادها يعمل بسلك الأمن ، لا زال يرعبها مشهد مكرر لقوات خاصة ترتدي السواد تضع اقنعة تغطي وجهها تمشط المنطقة تمنع الأفراد من مغادرة بيوتهم ، لا تستطيع أن تتجاوز دوًي الرصاص الطائش مجهول الوجهة ، و قد كانت عائلتها احد المهددين بسبب منصب والدها ، كيف ستنسى السبب في إصابة والدتها بمرض السكري لارتعابها لمشهد الكمين الكاذب الذي اوقفهم حين كانوا عائدين من زفاف أقيم بمدينة مجاورة ، صراخهم حين اكتشفوا انهم ليسوا رجال أمن بل جماعة ا،،،رها...بية من أحذيتهم و الخناجر المعلقة بخصرهم ، رأوا حتفهم نصب عينيهم ، و مآل أجسادهم جثث مفصولة الرأس منًكل بها بأبشع الطرق ، لكن لطف الله بهم و كتب لهم عمرا جديدا بهروب أولئك الأشخاص حين داهمت سيارات الشرطة المكان .
، في سنتها الأولى في الجامعة ، تقدم إليها شخص لخطبتها ، مهاجر الى فرنسا ، تم القبول بينهما ، لم تحبه لكنها وجدت ما تتمناه اي فتاة في الزوج ، متعلم ، خلوق ، وسيم لدرجة لا توصف و غني ، كلها مغريات تمنع من الرفض ، و ما إن بدأت اجراءات الجوازات و التأشيرة حتى شعرت بشيء ثقيل يجثم على صدرها ، استيقظت صباحا فجأة تصرخ أنها لا تريد الزواج ، اثارت المزيد من الحنق عليها ، بعدها تعرفت على زميلة بالدراسة "حياة " و لم تتعدى علاقتهما ذلك ، فياسمين قد فقدت الثقة في جنس البشر ، لكن العلاقة أصبحت قرابة حين أعجب شقيقها الأكبر بها و تقدم لخطبتها ، بعد أشهر قليلة ساءت العلاقة بينهما يوما بعد يوم . فاعتزلت ياسمين مجددا أهلها و زاد تعنتها ، فلم تكن علاقتها بشقيقها جيدة أبدا حتى قبل زواجه ، قد كانت رافضة بشكل مطلق تدخله بتفاصيل حياتها ، و هي ترى ذلك ظلما و جورا لها و تسلطا على كيانها الأنثوي ، لكن بعد أن كوًنت أسرة ، اكتشفت ان ذلك لم يكن الا حرصا على سلامتها و ان فعله بشكل خاطئ فقد كان بعض الأحيان يتعدى الأمر الصراخ عليها حين يفشل في منعها من امر ما الى الضرب فينهال عليها السوط من كل الجهات ، و كانت تلك تصرفاتها مع باقي الاشقاء ، لكنه الوحيد الذي وقف بوجه والده ، كي يسمح لهن بالدراسة و الخروج للعمل آنذاك ، اقنع والده بممارستهم الرياضة و الهوايات التي يفضلن .
ابتسمت حين تذكرت الاستاذ الذي ضربته و كادت تفقأ عينه بسنتها الجامعية الثانية ، لكن سرعان ما عبست ملامحها حين تذكرت السبب ، فبعد ان تم اعلان النتائج و رغم عملها الدؤوب حصلت على ادنى علامة ، لم تحتمل فهرعت الى مكتبه محتجة ، استغل منصبه كما يفعل مع العاهرات من الطالبات و تقدم نحوها يقترب منها ، رفع يده يلامس خصلات شعرها يطلب منها الالتقاء به خارجا ليمنحها علامتها الحقيقية و قد يضخم نتائجها اذا نال رضاه منها ، في تلك اللحظة بالذات تذكرت باشمئزاز قريبها المغتصب ،فانهالت عليه ضربا صارخة تجمع الناس حوله لتكشف ستره ، و غادرت الجامعة تنوي التوقف عن الدراسة ، محتارة في السبب الذي ستقدمه عذرا لأهلها ، انقطعت عن الدراسة لأيام ، و حين تراجعت عن الفكرة و قررت مزاولة الدراسة مجددا ، لكنها فوجئت بقرار الإدارة يقضي بطردها ، لاهانتها موظفا ، لم تكتف بذلك بل عادت لمكتبه ظنها جاءت له تعتذر و تمنحه مبتغاه لكنها عادت لتفضح ما تبقى تصرخ برواق مكتبه تعيٍره بأقبح صفاته الخَلقية و الخُلقية عسى أن تشفي غليلها و تنتقم ، ذلك كان اسلوبها برد فعل عكسي على الأمور ،عصبية اكتسبت بعضها من الجينات الوراثية و البعض الآخر من رحم معاناتها .
بكل بساطة دخلت البيت و رمت حقيبتها هادرة : لقد توقفت عن الدراسة و بصدر رحب انتظرت ، اشد العقوبات و أقسى التقعيرات ، لكنها تفاجأت ببرودة ردة فعلهم كأن انتظارهم طال ذلك ، على الأقل سيتجنبون المشاكل التي تثيرها بالخارج طوال سنوات دراستها ، علً مكوثها في البيت يريح رأسهم قليلا .
انشغلت تلك الأشهر بالتحضير لزفاف ليندة ، لاتنسى التعليقات الجارحة و حملات التنمر التي شنًت عليها آنذاك ، فقط لأن شقيقتها الأصغر تزوجت قبلها ، من سيتزوج فتاة مثلها ؟؟ ذلك كان الرد الساخر تليه ضحكات صفراء على تلك التعليقات ، لم يكن الزواج لها هما و لا حلما ، كل ماكانت تحلم به طمأنينة فقدتها منذ نعومة أضافرها ، و سلامة قلب تمسح على حزنها . علاقات دافئة تؤنس وحشتها .
توظفت في منصب عمل بشركة خاصة ، و تفاقمت مشاكل تعاني منها ربع نساء الوطن العربي ممن تأخر زواجهن ، خاصة بزواج كل أشقائها الذكور و مكوثهم مع زوجاتهم بنفس البيت . مشاداة كلامية على الدوام بينها و بين زوجات الإخوة ، يحتجون على الحرية الممنوحة لها دون سواها من نساء العائلة ، تلك الحرية التي نالتها بالعصيان ، و التمرد حتى والدها بهيبته ووقاره فشل في التحكم بها .
خاطب آخر تقدم لها من طرف زوج أختها ، لا تقل خصلاته عن سابقه ، طيًار ، وسامته مثالية ترقى الى وسامة فناني هوليود ، قبلت به على مضض بعد الضغط عليها ، ايام فقط بعد الخطوبة شعرت بنفس الضيق يجثم على صدرها ، لترفض مجددا دون أي سبب ، لتثير مزيدا من الغضب ضدها .
خسرت عملها بعد اتهام طال شرفها خرجت من البيت على إثره ، لتعيش ببيت جدتها ، في يوم آخر لن تنساه ، غير قادرة هي الذاكرة على محوِه ، حين دخلت البيت مساءا وجدت والدتها مرمية بالفراش و قد ارتفع مستوى السكري بدمها ، جو مكهرب شعرت بذبذبات التوتر عبر الهواء ، جلس الكل ينتظرها و ملامحهم غير قابلة للتفسير ، شعرت بكف غليظ ، يهوي على وجنتها ، ثم توالت الضربات المبرحة حتى سقطت أرضا من طرف اثنين من إخوتها ، صرخ احدهم ، يسحبها من شعرها صارخا ، ساخذها للكشف بنفسي لأتأكد و أقسم اني سأنحر عنقها اذا تأكد الأمر ، تعدى شعورها بالدهشة الى صدمة و فكرها لم يستوعب بعد ما حدث ، صرخت الوالدة ان يتركاها و هددت بأخذها و الرحيل بعيدا ، نظرت الى. شقيقها الأكبر تستجديه ان يوضح لها تتأمل فيه السند ، قبل أن يهدر والدها ، بتوعد بأغلظ القسم انه لن تنفق روحها الا على يديه ، لم تصمت بل صرخت و شتمت حين استوعبت الموضوع فاستل شقيقها سكينا لولا تدخل الأكبر و منعه ، بعد مشاداة كلامية صراخ و عويل ، أكدت الا أحد سيذهب معها للفحص غير والدها.
عشر شهادات طبية تؤكد عذريتها ، و مئات من الطعنات مزقت روحها ، الف رصاصة من الخذلان ، الإنكسار الذي هشم بها ما بقي من طفولتها ، عادت بعدها الى البيت المتجمعة أفراده حتى أفراد العائلة الكبيرة في انتظارهما ، حضن أبوي متأخر ليته لم يكن ، مفتخرا بعشر اوراق من عشر أطباء تثبت عفة شرفها ،
هدرت الجدة محتجة : لقد اخبرتكم ان هذه الأفعى ستفضحنا و تحط رأسنا بالوحل يوما لن اعترف بقطع الورق تلك ، ساكشف عليها بنفسي .
باغتتها كف والدها الغليظة لتطاولها على جدتها بعد ان كشفت المستور و اخبرتها انها تعلم بحمل عمتها في الحرام قبل تزويجها لشخص سفيه بغية التستر على فضيحتها ، ثم هدر يحذرهم ان يخرج الكلام من البيت ، يهددهم انه سينزل أشد العقاب على من سيتحدث مجددا بعرض ابنته ، انتابتها رغبة هستيرية بالضحك و هي ترى والدها الذي يحمل شهادات عذريتها يضرب صدره بافتخار و يقول ابنتي طالبا منها النسيان ، كيف تنسى و كيف ستعاود النظر إلى وجهه ، كيف تتجاوز ذلك الخذلان ، حتى و إن تلاشت الكدمات الزرقاء من جسدها ، ماذا فاعلة هي بفؤادها ، كيف ستنهي المسير ، و الروح تنزف ، تخسر الكثير من نفسها .
اخرجت مصحفا من حقيبتها تترجى والدها ان يخبرها بهوية من افترى على عرضها ، صوبت كل الأنظار الى. طفلين لم يتجاوز عمرهم التسع سنوات ، أبناء شقيقهاا بتحريض من والدتهم اخبروا الجد ان عمتهم تصطحبهم دائما معها الى بيوت تلتقي فيها بالرجال و قد رأوها بوضع مخل بالحياء . لقد كان شرفها معلق على لسان أطفال لم يستوعبوا حتى ما طلب منهم قوله ، لم تحتمل الوضع المخز فسحبت خالتها و غادرت البيت الى. منزل جدتها تاركة كل شيء خلفها ، لقد كانت الزهرة اليانعة وسط أشواكهم ، تكالبت عليها شياطين الانس تنهشها ، بقيت لأيام تحبس نفسها بغرفةخالتها تزورها والدتها يوميا تتوسل اليها الرجوع ، لكن قابليتها للاج..رام تلك الايام كانت كفيلة بنحر اعناقهم بدم بارد ، لم تعد الى البيت الا بعد ان هدأت نفسيتها قليلا و استطاعت ان تتخطى الحدث دون ان تتجاوزه و لا ان تنساه،
سجلت بعدها بعدة دورات تكوينية إلى أن حصلت على شهادة تمريض طبية و كان التربص بثكنة عسكرية ، امضت ثلاثة اشهر بها كي تتمكن من العمل ، و في آخر يوما لها ، وقفت بارتباك تخفيه بملامح ضاحكة تسأل أحد المسؤولين الذي لمست طيبة خلقه ، و لين معاملته : كم رجلا يعمل بهذه الثكنة ؟؟؟
اندهشت الملامح مستغربة فسأل : و لماذا السؤال ؟؟؟
ردت بكل عفوية : الا اجد عندكم رجلا خلوقا يخشى الله و بارا بوالديه و لا يدخن زوجوني له ؟؟؟
اتسمت ملامحه بالوجوم حين لمح جديتها في الموضوع ، اومأ برأسه قائلا : امنحيني بعض الوقت يا ابنتي .
حين تجاوزت سن الثلاثين ، لم تخشى يوما العنوسة ،لكنها تمنت ان تجد مرفأ سلام ترمي بحمل ثقلها إليه تريح الفؤاد من ضجيج حرب شنتها الظروف ضدها ، تنشد حبا يعيد الى روحها السكينة ، تتوسد صدر الحنان تعوض عما ألًم بها في سنوات العمر التي خلت ، شخصا تركن اليه آخر اليوم تبثه حبها و يبادلها باحتوائه ، كان العرض مؤذ لكرامتها لكن ليس كأذية الوحدة التي تشعر بها وسط أهلها ، كانت دائما تحلم بشخص يحمل اليها خمسة أولاد ، و كانت متأكدة أنه هو توأم روحها و فارس أحلامها ، حين عادت تلك العشية الى بيتها ، انزوت بغرفتها معتزلة اهلها كحال سائر الأيام بعد عودتها من حادثة شرفها ، لكن في ذلك اليوم شيء من الراحة تسرب الى دواخلها ينبؤها ان قدوم الفارس بات قريبا ، تشعر بدفئه يقترب ، و نوره يسطع ، تكاد تسمع صهيل فرسه الأبيض .
بعد ايام استلمت عملها في مشفى حكومي و في نفس اليوم ، أصيبت والدتها بوعكة صحية ادخلتها الإنعاش في غيبوبة ، كانت تتوقع طردها ، لكن المدير كان شخصا متفهما و منحها اسبوعين قبل البدء في العمل ، بقيت خلالها بالمشفى مع والدتها .
استلمت العمل بعد شفائها و خروجها الى البيت و مضت شهرين كاملين نسيت تماما امر عرضها في البحث عن عريس لنفسها ، الى أن تلقت اتصالا من ادارة الثكنة العسكرية تعلمها بضرورة التقدم لاستلام شهادتها بأسرع وقت ، طلبت اذنا لساعتين من الزمن و استقلت اول سيارة أجرة الى مكانها المنشود ، بعد اجراءات بديهية سلمتها السكرتيرة شهادتها ،و قبل أن تخرج من المكتب باغتها صوت المسؤول بملامح بشوشة تعلوها ابتسامة متحفظة : انسة ياسمين هلا تفضلت لمكتبي لنتحدث بأمر بقي معلقا .
تلك الابتسامة فسرتها سخرية و كل ما كانت تفكر به أن تقسم رأسه نصفين اذا تجرأ على ما لا يسرٔها ٫ لكنه اومأ لها ان تتقدم قبله الى المكتب بملامح اكثر جدية
جلست تفرك يديها مرتبكة و هتفت : هلا وضحت بسرعة من فضلك فليس لدي وقت كاف
دون مقدمات تحدث بجدية : هناك صديقين مقربين كلاهما يبحث عن زوجة
رفعت أحد حاجبيها مستفهمة : الأول مهاجر يعيش ببلجيكا ، لكنه يريد زوجة تبقى هنا بالجزائر ل…
قاطعته قاىلة بسخرية : تسليه بعطله !!!
هز رأسه مخجلا بالايجاب ، انفلتت ضحكة ساخرة تقول : زواج متعة مقابل أمواله و الثاني ؟؟؟
اجاب الرجل : أعرفه منذ طفولته ، ابن عائلة محترمة يتكفل بوالدته منذ وفاة والده رغم انه أصغر إخوته .
سألت بحزم : يشرب خمر
- يدخن ؟؟
-له علاقات بالنساء ؟؟؟
اومأ الرجل نافيا
فتهللت اساريرها و قرعت طبول قلبها مبتهجة ، تهمس لها انه هو توأم الروح و فارس الأحلام الذي طال انتظاره ، انه الكيان الذي سيسد تلك الهوًة بداخلك .
هتفت دون تفكير : انا موافقة !!!!
اتسعت عينا الرجل في دهشة : لكن …
قاطعته : أريد رؤيته في أقرب وقت
تلعثم يهز قلمه بتوتر : لكن هناك أمر يجب ان تعلميه قبل رؤيته
__________________
ذلك ما خطته في دفتر أسود اقتنته صباح اليوم الموالي من القرطاسية خصته للذكريات السيئة في خطوة لتفريغ الماضي بشكل ما ، آخذة بنصيحة تلك الكتيب ، كان عليها ان تلفظ اوجاعا سببتها احداث ظلت حبيسة بصدرها ، تخفي أسرارا لا يعلمها الا الله و هناك انتهت من كتابة آخر صفحة ، توالت بعدها ذكريات سيئة اخرى ، لكن وقعها كان اخف حين احتواها فارس بين أحضانه لتصبح مجرد ذكريات تبتسم لذكراها .
خصت دفترا ورديا مزهرا ، لتعدد فيه ذكرياتها الجميلة ، تحصي نعم الله عليها .
لكن لفظ سيء الذكريات اخذ منها اسبوعا كاملا في الكتابة و حين انتهت منه ركبت سيارتها نحو شاطئ صخري ترميه بين أمواجه علها تبتلع معه اوجاعها .
الماضي. إنه قرارنا و بأيدينا حاضرنا ، اما نتجاوزه لنستطيع الاستمرار بعافيتنا ، نستغل نعم الله التي وهبنا بين أحبابنا ، نجدد العهد مع دنيانا ، لن ننسى أبدا مرحلة مرت بحياتنا لكننا سنتجاوز
و اما ان نحبس أنفسنا بعنق زجاجة الماضي ، نجلس نلطم حزننا الأبدي ، نضيع عمرنا ملتفتين للخلف غاضين الطرف عما بين أيدينا نعوي و نولول على أمور حدثت دون ارادتنا و لا نملك من تغييرها شيئا ، بينما المستقبل كله أمامنا
ذلك الخراب نحن المسؤولين عن التعافي منه ، منتهى الغباء ان نقبع على أعتابه ، ننتظر ممن تسببوا لنا في تلك الجراح أن يعالجوها ، لقد مضوا قدما بحياتهم و بقينا نحن معلقين باساءتهم ، لذلك التعافي قرارنا حتى لا نحبس أنفسنا بماض نتقاسمه مع من الحق بنا الأذى ، و نترك أحبابا أبوا الا أن يشاركونا أجمل لحظاتهم

ياسمين الصبًارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن