الفصل التاسع

183 17 9
                                    

الجزء  التاسع  و  الأخير
القسم الأول

إلتزمت الصمت في السيارة و لم تحاول فتح أي نقاش معه و بقيت ملامح فارس متهكمة حول ما ترتديه و لم يكن موقفه يسعفه في الاعتراض عن الفستان الذي احضره لها عماد و كان قد أهداها إياه في عيد مولدها ، فستان سهرة أزرق ليلي قصته ضيقة يبرز قوام خصرها جليا و بطانته قصيرة و قد ظهرت قدماها تحت شفافيته ، و رغم ذلك حرصت على وضع الوشاح

كانت تشيح بصرها عنه تنظر الى زجاج النافذة بجانبها ، فشعرت فجأة بدفىء أصابعه الغليظة يحاوط أصابعها الرقيقة يأخذها اليه كما كان يفعل سابقا ، لم تلتفت بل أغمضت عينيها تستشعر الوجع ، أصبح كل ما يصدر عنه موجعا حد الألم لأنه متأخر جدا ، كل ما يتأخر أوانه اذهب لذته و لم يعد ل لفعله قيمة كالسابق ،  شعرت بكفها يرتفع فانتفض جسدها على رطوبة شفتيه و دغدغة شاربه و لحيته بباطنه يبثها قبلة رقيقة على بشرتها عنيفة على روحها

تحشرجت أنفاسه فخرج صوته باهتا متقطعا :

هل كنت جادة في رغبتك في الذهاب إلى بيت أهلك ؟

إلتفتت إليه ببطىء تسبل جفنيها تكشف عن بريق لامع مختلف عن لمعان الحب له الذي اعتاده ، نظرة عميقة طويلة إخترقت أسواره إلى أعمق نقطة بكيانه ، إنتفظت أطرافه و حواسه و جعلته يهرب بعينيه الى الطريق أمامه ، و أعادت هي بصرها حيث كان ، تسحب يديها ببطئ دون أن تهمس بنت شفة

حين وصلوا إلى الفيلا الفخمة لشقيقه ، حاصر كفها بين كفيه ، حاولت التملص لكن الغلبة كانت لقوته البدنية ، رحب بهم السي سعيد و زوجته بحفاوة و كانوا أكثر الأشخاص اللذين أحبتهم ياسمين من بين العائلة التي رفضتها لمجرد أنها لا تنتمي إلى نفس عرشهم ، و بينما كانوا يتحدثون عمدا أمامها بلكنتهم القبلية التي لا تفقه منها كلمة كانت زوجة السي سعيد تبادر دائما و تترجم لها و في مرات كثيرة حين يدور الحديث حولها ، تلهيها بمواضيع أخرى ، لذلك كانت علاقتها طيبة معها ,

كان الحفل مقاما على مسبح الفيلا ، تتناثر الطاولات المرتفعة على حوافه ، أخذت أقرب طاولة وصلت إليها وقف معها يسأل : هل أنت بخير ؟ هل تشعرين بالتعب ؟ أتريدين المغادرة ؟

همست بخفوت من بين شفتيها : أنا بخير

أدارت وجهها فإبتسمت بسرور حين لمحت كاميليا من بعيد تقترب منها فاتحة ذراعيها و حين بدأت ثرثرة النساء انسحب ليسلم على المدعوين من معارفه ، وقف من بعيد يراقبها ، لقد جرب شعور فقدها لأول مرة  حين رآها تغرق، لم يفكر قبلها في امكانية رحيلها أبدا ، قد يكون شعور بالتملك ، لقد امتلك قلبها و روحها و لا تستطيع  يوما هجرانه بدونهما مادامت لم تفعل ذلك أثناء الخيانة ، شعر بوخز في قلبه و صدره يضيق نفسه و كأنه يحتضر لمجرد التفكير في ذلك ، فقرر الخروج ليلتقط انفاسه بعيدا عن الانظار و قد بدى التوتر على تقاسيم وجهه ، و لكنه أثناء خروجه سمع احدهم يتحدث سائلاً عن المرأة الجميلة التي تجلس هناك مبديا اعجابه بها و رغبته في البحث عن عروس ، التفت فجأة رأى الشاب الثلاثيني يبتسم موجها بصره الى ياسمين ، كانت تبدو جميلة رغم بساطة ملامحها ، بها شيء غريب يجذب اليها انظار الرجال و بحرك رغبتهم بها ، شيء عجيب بعينيها الجميلتين يجعلها تبدو سهلة المنال و تلك الملامح الخادعة ما جعلها عرضة للتحرشات على مدار سنوات عمرها الثلاثين الماضية ، و تسبب في تركها لعدة مناصب عمل بسبب تحرشات المدراء و الزملاء ، شرد الشاب يتأمل جمالها و قد كانت تبدو أصغر من عمرها و هي تبتسم مع النساء رغم الحزن القابع بحدقتها ، و رغم التعب تحت عبنيها ، زفر الشاب بمرح قائلا : أظن اني وجدت زوجة لي يا شباب أخير……
و قبل أن ينهي كلامه هوت عليه لكمة قوية من السماء ، صرخ على إثرها الشاب غير مستوعب ما يحدث قبل أن يسقط بالمسبح ، و تعالت صرخات النساء  و همهمات الرجال ، جلس فارس القرفصاء امام المسبح يحدق بعيون صقرية حادة بالشاب المذهول :
-أحمد الله اني لم أفقأ عينك التي تجرأت على النظر إلى زوجتي
استقام بعدها يشق الارض بخطوات واسعة نحوها و هي لم تستوعب بعد ماذا حدث ، شعرت بنفسها تجر بأصابعه الغليظة نحو الخارج متعثرة في فستانها و كعبها و لكن قبل أن يخرجا ، صده وقوف شقيقه السعيد هادرا بوجهه :
- فارس !!! منذ متى نعامل نساءنا بهذه الطريقة ؟؟
لم يجب بل أفلت ذراعها بغضب يزفر انفاسا محمومة ، بينما فركت ذراعيها تخفف الألم عنهما شاغرة بالخجل من الاعين التي تكاد تخترق ظهرها بفضولية ، بعد لحظات تقريع من السعيد لفارس كأنه طفل في العاشرة من عمره ، فرقع السعيد بأصابعه لمنظم الموسيقى فانبعثتت موسيقى اجنبية هادئة رقصا عليها في كل مناسبة عائلية طيلة السنوات الماضية حتى لقبت بأغنية فارس و ياسمين ، تبادلا نظرات ذهول غائرة حتى شعرا بيد غليضة تدفع كلاهما إلى منصة الرقص ، لم يكن الموقف المخجل يسعف للرفض او الاحتجاج فانصاعا كلاهما ممتنين لتلك الفرصة عساهما يحظيان بهدنة مؤقتة من صخب هذا اليوم الطويل ، فجأة اختفي العالم من حولهما بدفئ اصابعه على خصرها و حرارة صدره التي تلقفت جسدها ، اراحت كفيها على كتفيه و خبأت رأسها مغمضة العينين بين أضلعه تحيي ذكريات جميلة على الحان هذه الأغنية ، على امسيات لطيفة يتسللان بعد الرقص عليها يتواريان عن العيون ليعيشا الحب بعيدا عن الأنظار ، يجلسان معظم الأحيان بالشاطئ الذي اعترف فيه بحبه لها يحتسيان قهوة و قطعة من حلوى قلب اللوز التي تعشقها ، كان يضغط اكثر على خصرها يكاد يفتك بعظامها  كلما مضى الوقت دون ان يشعر ، مشتاقا لارتعاشة اطرافها بين ذراعيها لعنف دقات قلبها التي سلمته مفاتحه و أضاعها ، لروحها تملأ ذلك الفراغ الذي خلفه بذنب ما اقترفه من خيانة في حقها ، تتمايل أجسادهما ، و الأرواح تهفو لذلك التألف الذي جمع بينهما في رابطة عشقية قوية يمني النفس بعزم ان يسترد ماكان يوما له و أضاعه ،
خفق قلب ياسمين بقوة كادت ان تدمع عيناها حسرة على حبها البريء مرت لحظات انتهت الموسيقى معلنة عن انتهاء الحفل بدا المدعوون في المغادرة أمسك فارس بيدها تنهد بعمق وهو يفتح لها باب سيارته محافظا على هدوء مشاعره المتاججة بداخله بفعل الغيرة .. فاي شيء يتعلق بمعذبته ياسمينته يدفعه للجنون .. ولكنه يجاهد الثبات حتى تمن عليه بغفرانها لخيانته الشنيعة لها ..  اسنتدت ياسمين بظهرها على المقعد اغمضت عيناها قهرا على حظها السيء معه تكررت في مخيلتها كل ماعانته بسببه لم تكن تتصور يوما أن تأتي الطعنة منه .. ياليت الزمان يعود للوراء يوما فتمحو ذكرياتها المؤلمة قبل ان تبدأ لم تعرف كم مر عليها من الوقت من  حالة الجمود المسيطرة عليها .. كان يختلس اليها النظر بين الفينة وأخرى ... نظراتها البريئة الجذابة ووجهها المورد المؤطر بحجاب الذي زادها جمالا ورقة .. لا يريد لأحد ان ينظر لجمالها البهي الا هو .. هو فقط من يحتكر الحق في التمتع بالنظر لكل تفصيلة من تفاصيلها .
وجدته يتوقف عند مقهاها المفضل الذي يصنع اجود انواع القهوة العربية و يبيع اشهى قلب اللوز ، المحل المقابل الشاطئ الخاص بهما ، عاد بعد لحظات يحمل القهوة و عند استلامها دفعه اليها بشيء من الغضب  فوقع بحجرها ، انتفضت توحوح من الألم ، لم يكن الشراب الساخن المتسرب من القماش الى بشرة فخذيها ما سبب الألم ، بل الوجع المتسرب الى روحها و الذي استوطن بكيانها موجعا حد القهر ، لقد اكتفت صمتا و امتلأ جوفها خذلانا ، و لم يعد قلبها الواسع يحتمل وجعا آخر ، فصرخت هادرة بوجهه : ألم يكفك احراجي بالحفل ، الم يشفي ايلامي النفسي غرورك المريض ، لتلحق بي الأذى الجسدي ، تبا لي يا فارس على كل الحب الذي اكنه لك ،

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 08, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ياسمين الصبًارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن