الفصل الرابع

63 15 2
                                    


الجزء الرابع
جلست بهدوء الفته شخصيتها مؤخرا ، لم تعد تلك المتمردة ، العصية ،شرسة النظرات ، بل تحولت الى كتلة من الهدوء المتناقض مع ثورة عقلها و براكين قلبها المتفجر بحمم الشوق و العتب ، رغم انها لم تكن متأكدة من مجيئه لكنها تركت مكانا شاغرا له بجانبها ، لن تغطي غيابه هذه المرة ،فقد كبرت سهام و اصبحت اكثر وعيا من تقبل ادعاءاتها الكاذبة و هي تبرر اسبابه ، أرتدت فستانا زاهية الوانه من اختيار ابنتها ، التي تذمرت من الألوان القاتمة و الترابية التي ترتديها امها في آخر فترة رغم انها لازالت تملك مقومات الجمال الشبابية ، فرضخت لها ، تجبر بخاطرها في أسعد ايامها ، اليوم ستتخرج سهام و ستختم مشوارها الدراسي تكلله بآخر نجاح مبهر ، في تخصص يُدَرسُ للمرة الأولى بالجامعة الجزائرية في مجال الاعلام الآلي و الالكترونيات ، في قاعة صغيرة ستقدم عرض أمام لجنة علمية لمناقشة مذكرتها بحضور قليل من اصدقائها و عائلتها لكن الكل المشغول و لم تحضر غير ياسمين و كرسي شاغر و بعض الصديقات ،
بحثت بعينين مرتعبتين و ذقن مرتعش عن والدها ، و أطلت خيبة من عيونها العسلية الجميلة ، رغم حنقها عليه لكنها تفتقده في اجمل ايام حياتها ، قبلات عديدة في الهواء طيًرتها ياسمين تبعثها لها ، تبثها تشجيعا و افتخارا و كثيرا من الحب خفف عنها بعض التوتر ، تلعثمت بارتباك في بادئ الامر ، لكن سرعان ما تداركت نفسها و انطلق لسانها يشرح ما عملت عليه طيلة أشهر ، و قد وجدت بنظرات ياسمين كل الدعم و المساندة .
رائحة التبغ الممزوجة بعطره ، باغتت القاعة ،تكاد تجزم انه هو ، لكنها غالبت ظنها و هي تنظر الى ساعتها ، شخص دقيق بمواعيده يستحيل أن يتأخر ربع ساعة كاملة ، لحظات فقط وقف على رأسها بكامل أناقته يتسلل بين الكراسي بضخم قامته ، نظرة شرزة آمرة بكل هيبة ، لا زالت تفهم لغة عيونه فيما اصبح هو جاهلا و أميا لكل لغاتها ، فقامت تغير مكانها الى الكرسي الشاغر و هي تخفي شبح ابتسامة يتمرد للظهور ، لا زال يغار عليها من الجلوس بجانب شاب في عمر اولادها ، جلس بوقاره الذي يزيد ببدلته الكلاسيكية الفخمة ، يضع قدما فوق الأخرى ، يصوٍب بصره الى ابنته الحبيبة ، مفتخرا بها و كأن تخرجها سيمنحه نجمة إضافية على كتفيه ، التفت إليها فجأة فلمعت عيناه حين وقعت على الوشاح انه نفس الوشاح الذي لازالت ترتديه فقط في المناسبات السعيدة الخاصة ، و لمعت عينيها في آن واحد حين لمحت ازرار القميص الذهبية . لقد حاولت خلال سنتين باحياء ذكرى لقائهما الأول ، و لم تجد غير التجاهل رد فعل منه ، ها هي الصدفة اليوم تحي ذكرى جميلة تستحق ان تدوًن في دفتر الذكريات الجميلة التي ابتاعته ، غاصت الحدقتين تسافر عبر الزمن إلى عشر سنوات خلت حين التقت به.
قلبي ، لا يكفٔ عن اخباري أنك توأم روحي ، فلا الخذلان و لا الخيانة استطاعت ان تمحي تفاصيل صورتك بكياني ، شعوري دائم بوجودك في غيابك ، و في اشتياقي لك في حضورك
حين خذلتني ، لم تبكِ عيني و لاقلبي ، خرجت دموعي من أعمق نقطة بداخلي لم يصلها احد قبلك و لا بعدك .
قلبي لا يكفٔ عن اخباري أنك توأم روحي ، حتى و إن قسوت علي ، فأرى كل ملامح البشر متشابهة ، وحدها تفاصيل وجهك فريدة كقمر يتلألأ نوره وسط النجوم
في أول لقاء جمعنا فيه القدر تآلفت أرواحنا تواجه قوة خارقة أكبر من الحب ، شيء أبلغ في تعابير ملامحنا من كل لغات العالم ، نظراتنا الصريحة تعدًت الاعجاب و الإنجذاب تخترق قلوبنا توحدها لتنصهر بكيان واحد .
رغم ما حدث و آلمتني به لا زالت الروح تصرٌ أنك توأمها ، ستعود اليها بعد ان ظللت دروبها ، و العقل يزمجر معربدا يأمر في المضي قُدُما و تركك خلفي كماض لن يعاد .
بعد ان تبادلا أرقام الهاتف ، تواصلا بضع مرات لعدة أسابيع قبل لقائهما الأول ،فقد كان فارس يقطن بالعاصمة ، من محاسن الصدف ان ياسمين تمت دعوتها الى حفل زفاف أحد قريباتها في العاصمة ، و حين وصلت مع عائلتها الى هناك تحججت بضرورة اقتناء لوازم للعروس نسيت ابتياعها فخرجت تهرول إليه ، بمشاعر متناقضة بين التردد و الخوف ، و بين راحة عجيبة و شعور دافئ يتسللان اليها مشت بخطوات متعثرة الى الطاولة حيث يجلس فاردا كتفيه بخيلاء اقرب للغطرسة ، في مطعم هادئ يطل على شاطئ البحر بعيدا عن إزدحام العيون ، اختار ركنا بعيدا ليتحدثا براحة لأنه لديه الكثير في جعبته ليقوله ، كان فارس رجلا أربعيني ، جسد رياضي يضج بالشباب ، شعر كحلي لامع و عيون صقرية حادة ، لحية مهذبة سبحان من زيًن وجوه الرجال بها ، يده الغليظة التي ابتلعت كفها الصغير حين قام لمصافحتها ، ذبت في جسدها قشعريرة جعلت الخوف يتسرب اليها أكثر ، مصدرا ذبذبات توتر شعر بها فارس و ابتسم على مضض و هو يأخذ مكانه مقابلا لها ، شردت تنظر اليه ، الى هيئته المميزة التي تفيض بالهيبة و الوقار ، ابتسمت حين تذكرت قريبتها الحسودة حين قالت ، ياسمين لا يتقدم اليها خطاب أبدا ، لكن حظها الجميل لم يجلب سوى خاطبين أحدهما أروع من الآخر لتختم بشهقة حقودة عزف بعدها الخطاب عن التقدم منذ ذلك اليوم ، ان كان لها نصيب معه ستداريه عن الكل كي لا تصل اليه عين قريبتها و عمن جعلوها مثار الحسد رغم حظها البائس في الحياة ، بادلها الابتسامة و افرج عن ملامح بشوشة بددت كل مخاوفها و قضت على ارتباكها ، تولى زمام الحديث ، و ادار النقاش بكل ديبلوماسية كان صريحا وواضحا ، أملى شروطه بكل فحولة رجولية ، و أنصت إليها بكل احتواء جعلها تتحدث بعفوية و هي تأخذ راحتها بالنقاش ، ساعتين مضت حين انتهى وقتها و حان موعد رجوعها الى البيت ، رفضت او يوصلها الى البيت و حين قامت تفحص هيأتها كماسح الكتروني يودعها و هي ترتدي بنطالا من الجينز و قميص ازرق سماوي بالكاد يغطي وركيها و شعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها ، ابتعدت عنه و قدميها تكاد لا تلامس الأرض ، خلق لها أجنحة حلقت بها تطمع ان تلامس سحب الحب ، تحلق مع طيور السعادة عاليا ، دفع الحساب و لحق بها بسرعة خطواته العريضة ، ينادي عليها بينما كانت تلوح لسيارة أجرة
وقف بزهو يحشر كفيه في جيب بنطاله قائلا بثقة : هلا تفضلت معي من فضلك !!
نبرته الآمرة بلباقة لم تترك لها خيارا للرفض فسارت معه إلى حيث أشار ، استرقت النظر اليه خلف نظاراتها الشمسية ، تتفحص ملامحه أكثر ، أغراها ذراعه العضلية المحشورة في القميص الرياضي و تمنت ان تتمسك به تجرب مدى ملاءمتهما كزوج و زوجة . انتبهت من شرودها على صوته يدعوها لدخول مركز تجاري كبير متوجها الى محل ألبسة فخم ، امرها بالجلوس على أحد الأرائك المنتشرة و غاب مطولا فقامت تناظر السلع الجميلة المعروضة بالواجهات الزجاجية ، أبتاعت اشياء للعروس و ازرار قميص ذهبية لتهديها إياه ، و عادت الى مكانها متذمرة من تأخره ، لمحت تقدمه نحوها بخطوات واثقة متبخثرا حاملا كيسا ورقيا ، جلس بجانبها يلامس ذراعيها فانتفضت واقفة ، أجفل من ردة فعلها و رفع حاجبا واحدا ، مبتسما ، لكن سرعان ما تقلصت ملامحه بجدية مفرطة قائلا بصرامة يمد اليها الغرض :
-هذه هدية مني لك ستدخلين الى حجرة التجريب
اذا كنت موافقة على عرضي فاخرجي بها و اذا لم يكن هناك نصيب فخذيها و تصدقي بها و اكون حينها قد تشرفت بمعرفتك و أتمنى لك حظا سعيدا .
وقف خلفها يديرها الى حجرة التجريب و همس بأذنها بصوت رجولي خشن لكنه مثير : لقد راهنت بحياتي عليك أتمنى الا تخذليني …ياسمين
رغبت بأن تراهن على كل ما تملكه كي تسمع مجددا صوته يردد إسمها ، قد أينعت مجددا على همسه كأن اقترابه سقاها لتزهر مجددا ، فانطلقت تسابق الريح ، تكتشف ما تحويه الأكياس
جلست بالغرفة الضيقة تحمل فستانا طويلا ساترا و وشاحا ، بعد ان فشل الكل في اجبارها على إرتداء الحجاب حتى والدها المحافظ و القاسي في صرامته لم يفلح امام عصيانها ،و اعتبرت جسدها حرية شخصية ، ترتدي عليه ما ترغب به هي فقط ، لم يكفه كل الشروط التي املاها هاهو ايضا يتدخل في ملابسها باجبار محبب يًرَغٍبُ الانثى في الخضوع له .
أصغت اللجنة العلمية لمناقشة سهام لمذكرتها و أنسحبت بعدها من القاعة للمشاورة ، تقدمت بحماس إليهما فالتقطتها أحضانهما معا ، حشرت رأسها بينهما و لأنها كانت نحيلة الجسد قصيرة القامة ، سمحت لهما ان يكونا قريبين لبعضهما كثيرا و هما يحتضنانها مفتخران بما قدمته من مستوى عالي ، نظر إليها يشكرها بعينيه ، هي من حافظت بحبها على هذه العائلة من الضياع ، و أبقت افرادها متجمعين وسط عاصفة المراهقة المتأخرة التي ضربها بهم ، هي من صبرت على عصبيته و سوء معاملته و لم تسمح ان تتعدى مشاجراتهما غرفة النوم ، هي من كذبت لتبرر غيابه و افعاله لتحافظ على صورة الاب المثالي أمام ابنائه ، شعرت بدفئ كفه الغليظة ترتاح فوق اصابعها الرقيقة خلف ظهر سهام ، شعرت بما شعرت به أول مرة صافحها ، لماذا اليوم بالذات كل التفاصيل تذكرها بالبداية ، علًها بداية جديدة تعيد المياه الى مجاريها ، لقد تعددت تلك البدايات كثيرا لترميم العلاقة لكن كلها باءت بالفشل ، لعل المساعي كانت في طريق معربد ، و ربما الطريق كان صحيحا و الأساليب لم تكن كذلك ، لماذا الآن و قد تعبت من المحاولة و رفعت راية الاستسلام و قررت مثل غالبية النساء ان تستمر من أجل الأولاد ،منهكة القوى فلا طاقة لها لانكسار جديد قد لا تقوم بعده أبدا ، ربما كان عليها التوقف قليلا و التقاط أنفاسها و منح عواطفها و تفكيرها المرهق بعض الراحة .
حصلت سهام على العلامة الكاملة بكل جدارة و استحقاق ، فقامت ياسمين من مقعدها تصفق بحرارة تهمس متباهية : انها ابنتي ، انها ابنتي …
منحت رئيسة اللجنة الفرصة لسهام لتلقي كلمة كونها الوحيدة التي حصلت على العلامة الكاملة في سابقة لم تحدث من قبل
سهام……
بعد ان شكرت الله و صلت على سيد الخلق ، رفعت رأسها تصوب بصرها نحوهما ، بزهو و افتخار
- أهدي ثمرة جهدي الى الى التي رفع الله من مقامها و جعل الجنة تحت أقدامها ، الى التي غمرتني بحنانها و كرست من أجلي حياتها ، الى بسمة الحياة و سعادتها ، الى التي من كان دعاؤها سر نجاحي ، أمي الحبيبة التي غادرتنا باكرا الى جوار ربها ، رحمها الله و أسكنها فسيح جناته .
صمتت قليلا تبتسم تمنع الدمع من الانهمار و هناك من الحضور من سقطت دمعته فعلا و اردفت …
-الى التي تناولت المشعل من بعد أمي في أصعب أيامي لاتمام مسيرة التربية و التعليم ، فأفاضت علي بحنانها و أنارت دربي بحبها ، و احتوت يُتمِي بعطفها ، الى التي غرست بداخلي قوة التحدي تشجعني على النجاح و التفوق ، أمي ياسمين
-الى من كلًله الله بالهيبة و الوقار ، الى من علمني العطاء دون انتظار ، الى من احمل اسمه بكل افتخار ، أدعو الله ان يطيل بعمره ليرى ثمارا حان قطافها ، ستبقى كلمات دعمك سراجا اهتدي به في دروب الحياة انير سبيلي الى والدي العزيز
وقفا معا يصفقان بحرارة ، مالكين العالم بسعادة مر وقت طويل على آخرها ، حين توقفت عن التصفيق لتدع سهام تنهي كلمتها ،غمرها دفؤه كفه يلف أصابعها يضغط دون أن يلتفت اليها ، حركة فطرية اثارتها الذاكرة تحي سرور الأيام حين كان لا يترك يدها حتى أثناء قيادته للسيارة ، خرجت العائلة مجتمعة لتناول العشاء كالسابق احتفاءا بنجاح ابنتهم ، لكن الأمر أثار حفيظة عماد الذي لم يحصل على احتفال مماثل كونه تخرج بأول سنة اجتاحت فيها الازمة الصحية العالم حين قتل فيروس مميت لا يرى بالعين المجردة ملايين الأشخاص حول العالم ، لكن ياسمين لم تدع الأمر يمر في صمت و حضرت له حفلا بسيطا بالبيت .
في تلك الليلة عادت الى البيت و انزوت الى السرير باكرا يساورها نفس الشعور الذي اختلجها اول مرة حين خرجت أمامه مرتدية الحجاب موافقة على شروطه ، تتساءل اذا كانت على قدر كاف من تحمل المسؤولية الثقيلة التي ستُلقى على كاهلها ، لكن الهوى لاح مناديا انها وجدت فارس أحلامها و خليل روحها ، و أنً للهوى ان يخطأ حين يبصر القلب اكثر من العين
فارس قبل عشر سنوات كان في الخامسة و الأربعين عاما أب لخمسة أطفال ،توفيت زوجته قبل سنة بعد ان ولدت سلسبيل بأشهر قليلة ، موتها فاجعة صدمت الجميع ، لقد كانت بتمام عافيتها ارضعت سلسبيل و قامت تتوضأ ، فسلمت الروح الى بارئها ، فارس رغم انشغاله بأولاده لم ينسى يوما والدته العجوز رغم انه أصغر اخوته فقد كان معيلهم المادي و المعنوي ، شخص بار بوالدته بلا حدود ، كريم بسخاء مع إخوته ، عطوفا على اولاده ، رغم شخصيته القوية و المهيبة كان شخصا رائعا ، و قد كان صريحا في لقائه الأول ، لم يكن يبحث عن ام لأطفاله فقط ، بل اخبرها بكل وضوح انه رجل له رغباته القوية التي يصعب التحكم بها ، و يبغي الزواج ليعف نفسه عن اي حرام ، فوافقت متحدية عائلتها و محيطها و كلام الناس من اجل رجل الفت روحه و عشقته منذ أول لقاء ، سحرها بفخامته بوضوحه ، بشخصيته الجذابة الناضجة و رجاحة عقله ، و من أجل خمسة أولاد كانت لهم الأم التي لم تنجبهم ، أحبتهم قبل حتى ان تعرف اسماءهم بأمومة فطرية أقوى من أي شعور تردد خالجها للحظة ، كانت لهم الأم و الصديقة و الأخت كاسرة الصورة النموذجية لزوجة الأب الشريرة فهي لم تكن يوما لهم زوجة اب بل كانت أما حقيقية دون ان تلغي مكانة الأم التي ولدت ، فقد كانت و لا تزال حاضرة في البيت بصورها و اغراضها و غرفتها و الدعاء الدائم لها و التصدق عنها .
في الغد وقفت أمام المرآة تتساءل عن الحل ، لم تعد نصائح رواد التنمية البشرية و بائعو اللغو من هراء ، البسي القصير و المثير و حضري ليلة رومانسية و انيري الشموع لم تعد تجدي نفعا ، و قد أصبح يرى الرجل من العري على ارصفة الطرقات ما لا يراه في سريره .
هدر بها انعكاسها في المرآة بعد ان نكست رأسها يائسة :
تصبغات البشرة ، التجاعيد ، البطن المتدلية ، الأرداف و الأثداء المترهلة ، سواد المناطق الحساسة …لا تقلقي عزيزتي انها أمور عادية تعاني منها كل نساء المعمورة ، لحظة فقط !! إنها ليست معاناة انما أمور بديهية جعلتها شركات التجميل هاجسا لحواء لتسويق منتجاتها التجميلية
دعي القوام الرشيق ، و البطن المسطحة لمن اختارت عرض جسدها عبر الشاشات بغية المال و الشهرة
و اذا أردت ممارسة الرياضة او اتباع نظام غذائي صحي ، فافعلي ذلك حفاظا على صحة جسد وهبك الله إيًاه ،
تزيًني يا حواء اذا كان ذلك يُسعدك ، و يحسن من صحتك النفسية ، أحبي جسدك بعيوبه ،و تيًقني أنك مهما فعلت لن يصل جمالك الطبيعي الى روعة صورتك المفلترة بأحدث تقنيات هاتفك الذكي .
أحبي جسدك كما هو ،و اذا عانيت من سمنة مفرطة او نحافة حادة ،ا تساقط شعرك ، او نموه بالمناطق الغير مرغوب بها ، تكسر أضافرك او تحول لون بشرتك فجأة ، فاهرعي لزيارة الطبيب و قومي بالتحاليل الطبية للعلاج ، ليس لأجل جمالك فقط ، بل لصحتك و عافيتك يا حواء
استغلي كل مرحلة عمرية يمر بها جسدك و أحمدي الله على عافيتك ، احمديه و اشكريه أيضا ، اذا ابتلاك به ،لأن الله أحبك ، و كفي عن التذمر حين لا تحصلين على مظهر عارضات الأزياء .
سألت بملامح واجمة : و ما الحل ؟؟
اجاب الانعكاس : تزداد حواء جمالا من قربها لربها ،و تزينها أخلاقها ، و يرفعها علمها ، لن تجدي حلا في الروايات ، اقرئي المزيد من العلوم لترتقي و حينها سترتفعين كنجمة في السماء و ستتمنى كل الايدي ان تطالك ، و لن يظفر بك الا من يستحقك .
أخذت ثاني كتيب من الباقة التي اهدتها لها سلسبيل معنون «ورد البيت السعيد». أول ما يتبادر الى اذهاننا حين نسمع مصطلح ورد ، انه الجزء الذي نحافظ على تلاوته يوميا من القران الكريم لنكسب الأجر و الثواب ، لكن معظمنا يجهل أن هناك ورد صلاة و هي النوافل من السنن و الرواتب و القيام ، ورد الصوم من اثنين و خميس و غيرها .
لكن الكاتب بشير الى نوع آخر سماه ورد الفهم ، الذي يهدف الى تحسين العلاقات بتدبر الورد و فهمه و العمل به ، و قد اختار الكاتب عشر مواضع من القرآن الكريم معتبرا إياها الدستور القرآني للبيت السعيد ، و معظم الأيات من سورة البقرة و النساء .
توقفت قليلا تخفض الكتيب الى حجرها شاردة ، سورة النساء أحب السور الى قلبها ، بفضلها استطاعت تحسين علاقاتها بالآخرين بعد زواجها ، فلم تعد تلك المراهقة المتمردة التي اعتادت على العصيان و الصراخ و تخريب أي علاقة جديدة لتصبح امرأة ناضجة متريثة في الحكم ، و اكثر هدوءا ، كيف فاتها ان تسقط معانيها على علاقتها الزوجية بفارس ، زفرت تنهيدة ثقيلة شعرت بثقلها على صدرها ثم رفعت الكتيب مجددا تقرؤه ،
الزواج ، استنبط الكاتب من الأيات التي ذكرها ان الزواج عند الله : اية ، و عُقدة ، و ميثاق غليظ
- أما الاولى فالزواج بحد ذاته آية تستحق التسبيح ، و على المرء ان يشكر الله على هذه النعمة ، فإن خلق الزوجة من نفس الزوج آية و جعلها سكنا للزوج آية ، و المودة و الرحمة بينهما رغم كل الخلافات و مشاغل الحياة و تباين الأراء آية أيضا ، فالزواج آية و معجزة يدعو الله فيها الى التفكر في خلقها و امعان البصر في مقوماتها و مخلفاتها
- اماالثانية فعقد الزواج ، ذكر في أيات الذكر الحكيم بلفظ عُقدة ليوضح مدى الرباط الشديد الذي ينشأ بين الزوجين و ما يكون عليه من مخلفات تمس جوانب الحياة المختلفة ، و نحن مقدمون على توثيق هذا العقد علينا ان نلتزم بالأمر الرباني (أؤفُوا بِالعُقُود) الوفاء
- اما الثالثة فيعتبر الزواج ميثاق غليظ و هو الحبل القوي الذي يربط بين المرء و زوجه ، و لأنه حبل يمكن حله لكن الله يبين في مواضع اخرى ان الميثاق الذي اقدمنا عليه يمكن بعون الله الوفاء به و يضرب الكاتب مثلين ، الاول الميثاق الغليظ الذي اخذه الله عهدا من انبيائه لتوصيل الرسالة و الثانية الميثاق الذي نقضه أصحاب السبت و خانو العهد
و في العلاقات الزوجية اما ان نلتزم بالميثاق و نسعى للوفاء به فنرتقي الى مكانة الانبياء و تُظلًل بيوتنا بالسكينة و يشملنا رضى الله ، و تزهر علاقاتنا بالسعادة و الطمأنينة
و اما ان نخون العهد و ننقض الميثاق فيطبع الله على قلوبنا و تهوي الجبال على بيوتنا حزنا و نكدا و شقاءا .
أعادت الكتيب الى مغلفه تتمنى لو انها قرأت هذه السلسلة قبل الزواج ، بلى !! لقد فعلت المستحيل لتنفيذ ما تم ذكره ، فتمنت ان يصل الكتيب اليه هو الذي خان العهد و نقض الميثاق بعدم وفائه .

ياسمين الصبًارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن