جهزتني الجاريات بأحسن الملابس و أرقى العطور و من الذهب و الفضة و أجود مساحيق التجميل لكن ما لفتني هي الملابس و العدة القديمة... في اي زمن انا؟
إن الامر يزداد تعقيدا...
جلست بكل هدوء بينما واحدة من الجاريات تعدل شعري و تزينه بالورود و تضع شال من حرير الذهبي على وجهي جاعلة من عينيي ظاهرتين فقط ... إبتعدت بضع خطوات و هي تمدح جمالي بينما انا فقط احاول ان استوعب ماهيتي الآن... ما هذه الملابس العربية الغريبة ؟ و من أين لي بكل هذا الذهب؟ سيدة قوم لا تعرف نفسها؟
هدّأت من نفسي و جعلت انظر لملابسي في المرآة التي جاورت مجلسي : هذا البنطلون الفضفاض... و قميص الذهب الذي جعل من نصف بطني ظاهرا للعلن... تلك الخواتم و القلادة و إسوارة القدم و التاج الذي تألق بريقهم... و هذا الشال الحريري الذي غطى وجهي و جعل من كحل عيني و طول رموشي مَنظرا للجميع انه جميل لكن ما دوره؟
هممت بنزعه متعللة بعدم أهميته الا ان الجارية منعتني بعد ما أمسكت يدي ...
- آسفة سيدتي... لكن لا يمكنك نزعه الآن.
- لا يمكنني؟ لماذا؟
- لا تعرفين؟... حسنا في تقاليد العائلة الملكية و كُبراء المستشارين ان هذا الشال الحريري هو عربون تقدير تقوم النساء بلبسه عند مقابلة شخصيات مهمة حينها يقوم الرجل بنزع ذلك الشال و الاحتفاض به كامل المقابلة دلالة على الحفظ و الصون و ارجاعه لصاحبته عند المغادرة...
- ماهذا التقليد الغريب؟
- يتفق الجميع في غرابة هذا التقليد و مرجعية أصله لكنه بند من بنود العائلة الحاكمة و المستشارين فقط وجب العمل به سيدتي....
- حسنا فهمت شكرا للتوضيح
انحنت الجارية و همّت بالخروج بينما انا فقط كنت منهمرة في التفكير و أتساءل كيف انتهى بي المطاف هنا ذات منصب عال،مملكة و قصرا و جواري و عبيدا و ملابس و فضة و ذهبا و مستشارا.... ما هذه الفوضى؟؟
حاولت أن اقنع نفسي بالواقع و انه يجب على أن اتعايش معه إلى حين ان اجد إجابة لتساؤلاتي...
توجهت لصالة العرش أينما تكرر نفس التقديس و الاحترام لي من انحناء و جمود تام...
جلست على عرشي المزعوم منتظرة دخول المستشار المجهول و لم يمر وقت ليدخل ريتز و فريتز معلنان مجيء المستشار دجين بعد ركوعهما
أحسست بتسارع غريب في دقات قلبي فرغم علو مكانتي الا انني بصدد مقابلة شاب ناجح و معروف كما انني أشعر بتوتر شديد حيال كيفية سير الأمور و خاصة انها رسمية، ملكية... أراهن انه شخص جاد لا محالة، لذلك علي ان أُبدي نفس الانطباع لكسبه إلى جانبي...
لم أصدق عيني حين دخل هذا الزائر المراقب إلى المجلس و قد أخفى وجهه بشال حريري أيضا كاشفا عينين حادتين جميلتين للرائي و انحنى لي بكل احترام
لقد صرت اعايش لحظتي المنتظر... لحظة المجد الذي لم أجد له طعما الا الآن مع هذا الشاب الأيقونة...
- كامل ولائي للمعظمة ماريا... قال بعد استقامته
وقفت من مكاني و انحنيت قليلا تقديرا له
- مرحبا بمستشاري الأول السيد دجين... تسرني رؤيتك و لي كامل الشرف للتعرف عليك...
ابتسم ابتسامة خفيفة قدرت ان اتقفى اثرها تحت ذلك الشال
- انه لكرم من ملكتنا ان تكون بهذا التواضع... و هل تسمحين لي ان اكون من المحضوضين الذين يحظون بلمس شالك سيدتي؟...
نزلت متجهة نحوه متبعة تعليمات الجارية و وقفت أمامه مبدية موافقتي و رغم انني لم أكن بهذا القرب من رجل غريب من قبل لكن لماذا هو جذاب إلى هذه الدرجة رغم قلة ما اقتفيه من ملامح وجهه؟ و أيضا ما سر هذه القامةو القوة؟
و رغم ذلك حافظت على ثبوتي أمامه فأمامي هدفي و المرمى بجواري قريب عليا ان لا اخفق ان اردت معرفة ماهيتي هنا...
قام بنزع الشال بكل سلاسة لتنكشف ملامحي جلية أمام ناظريه التي أخذت تقلب يمينا شمالا بين ثنايا وجهي و كأنها تستقي بعض الثواني للنظر إليها
- اي نوع من الملاك انت؟ رغم انني أراهن على نقائك التام... سيدتي
قال مادحا جمالي بينما انا فقط اكتفيت بالابتسامة التي رافقها احمرار وجنتي
لم تطل المجاملات طويلا لينحني لي مرة أخرى و انا التي قمت بحل وثاق وجهه لينكشف لي ملاك
انبهرت لرؤياه... ملامحه حادة تجذب الناظرين... شعره رمادي ناعم يكاد يلامس كتفيه
- انني لالتمس الآن عظمة الجمال فيك يا سيد دجين اتمنى ان تمتلك المَلَكَةَ أيضا...
- انه لشعور متبادل للمعظمة ماريا الذي انعكس ذكاؤها على جمالها فزادها هبة بين نساء العالمين...
ثم امر بخروج الجميع ماعدى فريتز و ريتز...
جلسنا جميعنا للتعرف و فهم ما يجول من مواقف و الإجابة على الاسئلة التي تدور بأذهان الحضور منا...
- سيدتي ماريا انا مستشارك الأول دجين... سوف أكون معك كامل مشوارك في الحكم و سأرافقك أينما كنت حفاظا عليك و على سلامتك... يمكنك الاعتماد على في قضاء كل الأمور و في اتخاذ القرارات المصيرية و اقسم بحياتي الا اخونك و الا أُعاديك او أُؤْذيك... و لك أيضا فريتز و ريتز التوأم لا يقلان عني في الثقة شيئا لهما من المؤهلات ما يجعلك في اطمئنان تام أثناء مرافقتهما او عند الاعتماد عليهما في قضاء بعض الأمور كما انهما يمتلكان من الحكمة و الذكاء مِما يساعدهما على حمايتك سيدتي... أيتها المعظمة ماريا كلنا في خدمتك..
كنت فقد مبهورة بهذا الملاك المسمى بدجين جماله ساحر و كلامه اشبه بغزل الحرير فلا مراب من إعجاب الجميع به...
- شكرا على هذا التوضيح السيد دجن لكن هل لي بطلب؟
-طلبات سيدتي هي أوامر تنفذ...
- اظن انه من الأفضل أن نعتمد نسق العلاقة الأفقية بين الباث و المتلقي اي ان نلغي الرسميات بين الحاكم و الحاشية و الشعب خاصة و نجعل الجميع متساويا لذلك لا داعي لمناداتي سيدتي و الانحناء او اي شيء يدل على فارق المكانة... انه حقا يزعجني و يشعرني بالغرابة...
التفت ثلاثتهم مستغربين من كلامي و قد توسعت أعينهم من الدهشة ثم توجهت نظراتهم لي و انفجروا ضحكا
- ما الأمر؟؟ هل قلت شيئا خاطئا؟
- و اخيرا نستحق بعض الراحة من التمثيل كامل اليوم... قال فريتز ضاحكا
- تمثيل؟ ماذا تقصدون؟
- من الوهلة الأولى قد تظنين اننا ثلاثة شبان لا نمتلك من الرحمة و المرح شيئا و ذلك يعود دائما لما تكتسبه ملامحنا من جدية و تصرفاتنا العقلانية السريعة لكننا في النهاية نحن شبان لازلنا نسعى خلف الحسناوات و نستمتع باحتساء النبيذ بين النساء و التمتع بشهواتنا...
- لا أصدق هذا... انني سعيدة لاكتشاف هذا الجانب الخفي فيكم يا رفاق... قلت مبتسمة اذن فنحن من هنا فصاعدا أصدقاء...
ابتسم جميعهم و اومؤوا بالموافقة
- لكن كيف للشعب ان يعلم قرار سن العلاقة الأفقية بين الحاكم و الشعب؟
- سؤال محير... أجاب دجن و قد علت ملامحه علامات الاستفهام الا انه واصل كلامه : لا عليك لعلك نسيت... صحيح اننا نمتلك قوانين و بنودا لا يتجرأ احد على خرقها و ذلك لا يشمل المخالفات المتمردة الا انها لا توجد في أوراق او كتب او حتى مجلدات إنما هي مرتبطة بأفكار الحاكم و معتقداته و ذلك لتجنب مخالفته و إِنشاب خلاف عقيم بين السلطة الحاكمة و الشعب... فعندما يتسنى للحاكم ان يعلن بندا او قانونا جديدا يجب أن يستدعي اولا ان يكون مؤمنا به و بنجاحه و موقنا لمدى نجاعته و كمّ الفائدة التي سيعود بها على الشعب و أيضا عندما بجد من موافقة مستشاريه الموثوقين يتم تلقائيا تثبيت هذه المعلومة في اذهان الشعب و تصبح متداولة و معمول بها و كأنما كانت موجودة من آلاف السنين...
بقيت متعجبة من حجم القوة التي حصلت عليها في لمح البصر و سعيت لمعرفة الكثير
- و... و هل من صلاحيات أخرى؟...
- تلك الصلاحيات تظهر بمرور الوقت قال ريتز قد تتمثل في اي قوة و تكون غير مقيدة او محدودة حدها الوحيد هو رغبة الحاكم في استخدامها... فلا تقلقي ماريا قوتك سوف تظهر آجلا ام عاجلا عليك فقط أن تكوني موقنة من ذلك...
ابتسمت ابتسامة دافئة دلالة على امتناني و جعلت اقلب ناظري بين الحظور أمامي لتقع عيني على المستشار دجن الذي كان بدوره يبادلني النظرات بكل حنية أحسست بخجل شديد و جعلت الطف هذا الجو ببعض الاقتراحات لتجنيب نفسي هذا الموقف الذي جعل يداعب أوتار مشاعري...
- اذن... اذن لماذا لا نخرج في نزهة... قصيرة لقد مللت الجلوس هنا...
- بالطبع... سوف ارافقك ماريا. اضاف دجن
- و ماذا عن فريتز و ريتز؟
- آسف لاخبارك لكنهما دائما الانشغال بأمور القصر الآن... لكن لاداعي للخوف سوف أكون معك... فقط اخبريني عن الوجهة ماريا ...
صمت لوهلة افكر اي مكان ذي صلاحية يمكنني أن ازوره هنا في هذه البلاد العجيبة و اصلا كيف لي أن اعرفها...
- أرغب بزيارة كامل البلاد...
- كامل البلاد؟ لكن ذلك سيستغرق كامل اليوم...
- لا عليك دعنا فقط نستمتع... نحن شباب كما قلت...
تبادلنا الابتسامات و هممنا بالخروج... لكن كيف لم يكلف نفسه حتى إحضار وسيلة نقل... ام انه يطبق سياية العلاقة الأفقية التي تحتم عليا ان أسير على قدمي في هذا القيض الشديد؟
قمنا بزيارة العديد من الأماكن و استمتعت برفقة دجين انه حقا عكس ما يشاع عنه... فتى رائع يجمع بين الجد و المرح... و لازال فتى الأيقونة بالنسبة لي... و رغم ذلك كنت الاحظ مدى حذره و استعداده لكل شيئ و كامل بسالته في حمايتي... و ذلك ما جعلني أشعر بالاطمئنان عند مرافقته... لكن مما يخاف؟ ألم يقل ان الجميع مُتفق معي؟
- دجين هل لي بسؤال؟
-نعم كلي آذان صاغية...
- مدى كامل مشوارنا كنت الاحظ كم انت تبالغ في حمايتي لكن لا أفهم من ماذا ألم تقل ان الجميع متفق معي و يحبني؟
- لا شك في أن عامة الشعب يحبك لكن كما اخبرتك هذا لا يشمل المتمردين... انهم منتشرون في كل مكان و حركاتهم مباغتة و غير معروفة لذلك يجب أن ابقى عيني عليك...
- و كيف تعرفهم بين هذه الجموع؟
- لهم رموز خاصة و تصرفات مشبوهة كما أن الخبرة تجعلني ماهرا في معرفة المارق عن الملتزم بالحدود...
- لكن من يكونون؟ و من قائدهم؟ هل تملكون اي معلومة عنهم؟ كيف تبقون عليهم و هو يمثلون هذا الحجم من الخطر؟
- انهم عصابة الكوبرا السوداء كما يطلقون على أنفسهم... ما نمتلكه عنهم جليٌّ و ذلك بفضل ما جمعه جواسيسونا عنهم... أُستخلِص اسمهم من صفات يتمتعون بها كإتقانهم للسحر و تعاملهم مع أخطر انواع سموم الكوبرا و التجارة بها دون اعلام الدولة من الغرض منها قائدهم معروف و للأسف فهو من اقرب الناس لي...
- أقرب الناس لك... كيف؟
- لا مراب ان الجميع حدثك عن ماضيَّ المتشرد و أيضا عن ذلك العالم الذي تبناني لفطنتي... لكن لم يحدثوكي عن "ران" اخي الأكبر في القانون... هو لقيط ذلك العالم التي رفضت امه الاحتفاظ به مخافة الفضيحة... فكفله والده آملا ان يكون عالما مثله في المستقبل و ان يأخذ مشعل التجارب عنه و يكمل مشوار ما بدأه... لكنه كان عكس المتوقع فأنتهى به المطاف كثاني خيار أينما اتجه بينما انا كنت المبجل و المخير عنه و ذلك ما اجّج نار الغيرة عنده التي جعلت منه ساحرا عظيما يأمل الانتقام مني و اخذ الحكم منك... ليس لهدف الثروة إنما ليثبت للجميع انه لا يقل عني شيئا و انه مظلوم من قبل كل من رفضوه... لذلك كوّن عصابة كبيرة و شتتها في كل مكان و أخفى هويته و مخبأه و رغم ذلك فهو كالظل لا تغيب تحركاتنا عن ناظريه و اخبارنا عن مسميعيه...
- آسفة حقا لك... ليس لك ذنب في كونك ذكيا او تبجيلك عنه لكن هناك شخص حكيم قال لي ذات يوم "لكن ليست كل الأحلام في متناول الجميع، انما هي مجرد أقدار توزع... "
- هل هو عالم ام فيلسوف؟
-انه شخص حاول بكل جهد ان يحصل على حبي لكنه لم يستطع فأعتبرني قدرا لم يُكتب من نصيبه و... انا جد آسفة لجعله يشعر بالأسف بسببي...
كانت نبرت الانكسار واضحة للغاية في صوتي و مرارة الكلمات لزالت تتراود على حلقي و تضغط على صدري و قد انتبأها دجين من خلفية عينيَّ...
- لاعليك ماريا... كل شيئ يعوّض... و كل الجروح تلتإم... و مارأيك الآن أيتها الأميرة الجميله ببعض الحلوى؟
ابتسمت لجمال الفكرة و لدفء كلماته و هززت رأسي موافقة... وقفت بجانبه بينما كان هو يتعامل مع البائع و لكن بغتت و جدتي نفسي وسط تجمع سكانيٍّ كبير :رجال و نساء و أطفال يسيرون و صوتهم يعمّ المكان الذي إختلط بدوره بصوت الباعة...
صرت أدير بنظري بحثا عن دجين بينما انادي بأعلى صوتي عليه و لم يطل طويلا حتى أحسست بدوار عقبه رائحة عطر قوى تخدرت لاثرها اطرافي و لم أرى سوى السواد بعدها...
_

VOUS LISEZ
The after Life
Fantasyأثر تعرضها لحادث سير مروع و موت حبيبها جاني تتعرض ماريا لصدمة نفسية حادة تجعلها تعيش في عالم خيالي لكن، ماهو صلته بالواقع؟