_5_

9 0 0
                                    

الظلام... الظلام يغشى عينيّ... تهاويت في الهوّة و الظلمة تبدّد جسدي... كل مارأيته هو ران ينظر بتفاجأ و ببكاء بينما صدى اسمي يتردد في أنحاء ذاك الكهف... أغلقت عيني و تركت جسدي للقدر حينها فانا روح و الروح تستحق ان تُحَب أيضا...
لوهلة تجمعت الأفكار في راسي : هل ما قمت به صحيح؟ هل اندفعت بقرار التضحية بجسدي في سبيل روحي؟ هل فعلت ذلك لإنقاذ نفسي من قبضته ام لأنني احسست بالعار؟ هل... هل سأموت؟...
صوت نفسي لم ينقطع.... نفس تلاه نفس... شهيق....زفير... قلبي يدق... لم احس بفراغ الموت او بظلمته حتى... احسست بدفئ جميل... و ملمس ناعم احاط بي.
فتحت عينيّ بتؤدة انظر لماهيّتي الآن... هل انا روح بين يدي الرّحمان؟ هل فزت بنعيم الراحة لأنني تملّصة من رذيلة؟
- هل انت بخير ماريا؟
شق ذاك الصوت مسمعي جعلني افتح عينيّ على مصرعيها و انظر لصاحب هذا التساؤل الذي اعارني نظراته القلقة...
لقد كان ملاكا آخرا ظهر امامي شعره أبيض، ناعم و طول تجاوز عرض كتفيه عيناه تشعّان في هذا الظلام بوهيج أخضر مبهر للعينين... لم تتزحزح عيني عن مرآه بينما توسّعت قرنيّتي...
- أنا؟... أنا بخير قلت بصوت مرتعش من انت؟
- لا داعي للتعريف عن نفسي... حينما نخرج من هذا المكان سوف تعرفينني....لكن لا تقلقي انا مبعوث من عند دجين...
صمت لبرهة انظر حولي بعدما وضعني على الأرض و تأكّد من سلامتي
-اذن انت هو من حاورني هذا الصباح عندما اختطفني ران؟

قلت بينما كنت انظر إلى عينيه تلك التي حبست انفاسي بوهيجها.
- نعم، انا ارسلان ماريا... انا مبعوث دجن الموثوق لقد خدمتك انت و والدك الراحل بكامل ولائي.
لم انبس ببنت شفة لهالة هذا الشخص انه قوي البنية كاما اطل له وجه وسيم و قامة طويلة لا عجب ان يكون موثوقا.
نظرت من حولي باحثة عن مخرج بعيني.
- أتدرك لنا مخرجا يا ارسلان؟
سألت حيث لمحت فجأة جسما ملقى على الأرض.
- اعرف المخرج من هنا و يجب أن...
لاحظ ارسلان انتباهي لذلك الجسم الملقى و امسك فورا بيدي.
- لا تقربي تلك الجثة
نظرت للجثة ثم التفت.
- لكنها ليست بجثة... انظر لدمائها لا عجب انها فتاة لازالت تنتظر الأمل في الحياة!
صرخت و جذبت يدي بقوة و ركضت نحو الجثة.
جلست على ركبتي و يدي ترتعش و احسست ان قلبي يدق بسرعة يكاد يخرج من صدري و احسست بصوت داخلي يمنعني من كشف الحجاب عن هذه الجثة، لكن الفضول يقتلني.
بتأدة وضعت يدي على كتف الجثة و حركتها لارى وجهها و حينها تسمرت في مكاني و جمد الدم في عروقي و توسعت حدقتي لهول الصدمة.
ارتعش يدي و فورا ابتعدت عن الجثة بخوف و ملأت الدموع عيني.
-جثة من تلك؟...
سألت ارسلان و أشرت لذلك الجسم الهائم في دمائه و قد ثبت موته ببرودته.
كنت ارتعش و ابكي محاولة تكذيب عيني لكن ما رايته كان حقيقة و العين لا تزيف ما تراه فهل جننت انا؟...
اقترب ارسلان مني و وضع وشاحا اسود طويلا فوقي ليخفي هويتي.
- سوف تفهمين كل شيئ عندما نخرج من هنا... تماسكي ماريا و الا سيمسكنا ران ارجوك!...
قال و هو يحاول تخفيف أثر الصدمة التي اعترتني و جعلتني ارتعش بلا توقف.
ساعدني على الوقوف و امسك يدي و بدا يقودني داخل ممرات لم اهتدي لها او لوجودها داخل ذلك الكهف الذي لم اعد اهتدي له شيئا.
كنت امشي و مشهد ذلك الوجه لم يغادر ناظري او خيالي و التصق بي كاللعنة الملقات.
كنت امشي بسرعة خلف ارسلان و قد ممرنا بالكثير من الجان و الانس قد اختلوا ببعضهم و سمع صوت رذيلتهم داخل تلك الممرات الصخرية.
لم اعي شيئا الي ان خرجنا و حينها انطلق ارسلان يجري بي في مكان قد عرفت انه كان الصحراء التي استيقظت فيها عند وصولي لهذا العالم المجهول.
كانت الرمال باردة و القمر بارزا في السماء مع بعض النسمات اللاذعة... قادني خلالها ارسلان في طريق اعرج.
- الي اين نحن ذاهبان اجبني!
صرخت و فورا توقفت عن الجري معه و قد كنا حينها في قلب الصحراء
- ماريا ارجوك ثقي بي... انها خطة مدبرة لذلك استمعي لي... ان رجال ران قد علموا بهروبك و انك على قيد الحياة و هم ورائنا الآن!
توسعت عيني من هول الصدمة و نظرت حولي.
- كيف؟ كيف عرفت ذلك؟
قلت بخوف و كدت ان اجن في تلك اللحظة.
- اعلم ان رؤيتك لجثتك قد جعلتك تفقدين وعيك و احساسك بما حولك وهو الذي جعلك لا تدركين ان رجال ران قد لمحونا و سارعوا لاخبار ران و قد كنا في خضم مطاردة و على الآن ان اوصلك لدجين قبل أن يمسكوننا... حينها ستكونين في خطر...
كان عقلي مشوشا للغاية كيف لي أن لا اعي شيئا من كل هذه الأحداث نظرت للقمر و ثم له.
- تلك الجثة كانت لي ... لكن كيف اجبني، و سأذهب معك و لو كنت متجها للجحيم!
نظر الي ارسلان ثم اخذ نفسا عميقا فهمت من خلاله انني سأسمع أغرب تفسير على الإطلاق و قد كنت صائبة في تخميني.
-انا ارسلان اتمتع بقوى إعادة الوقت و منح الناس فرصة ثانية لتغيير مسار حيواتهم لكن سيبقى أثر ما حدث لهم في وقتهم السابق موجودا...
صمت لبرهة و نظر حوله ثم لي ليدرس ملامح وجهي التي تجمدت لهول ما مررت به و ما شق مسمعي من كلماته...
- و أما تلك الجثة هي انت... لقد اتفقنا ان تلقى نفسك لي عندما اعطيك الإشارة لكنك دفعت نفسك قبل وصولي ببضع دقائق، لم أدرك سبب تصرفك لكنني فورا منحتك فرصة ثانية و حينها كنت مستعدا لانقاذك و الامساك بك و تلك الجثة ستبقى هناك لا محالة...
نظرت لأعلى و اسفلا ثم ليدي
- اذن انا... كنت ميتة؟
سألت بحيرة و صدمة لكن حينها باغتني ارسلان بحركة سريعة دفعني بها بعيدها عن مسار سهم قد القي علينا.
- سهامهم المسمومة ستصيبنا... علي مواجهتهم.
-من؟
صرخت و نظرت حولي بخوف
- رجال ران.
قال بصوت عميق و سحب سيفه الذهبي و نظر لي بنظرة حادة.
- احتمي في ذلك الكهف...
قال مشيرا لاحد الكهوف البعيدة قليلا
- ساعود لك...
نظرت له و ثم إلى أفق الصحراء حيث لاح رجال ران قادمين على احصنة و قد علت وجوههم نظرة من البرود المخيف.
اومأت برأسي و فورا احتميت في أول كهف رأيته.
غشت الظلمات عيني حينها داخل احد الكهوف العميقة و رغم ذلك كان يمكن سماع صوت المعركة خارج الكهف... صوت السيوف و الاسهم و صيحات الرجال و قد عقدت آمالي بارسلان حينها و رجوت له الفوز...رجوت الفوز لاملي...
اغلقت عيني و قد تسارعت الأفكار لعقلي كنبض قلبي الذي كاد يشق صدري و يكسر اضلعي.
ما كل هذه الفوضى؟ انني حقا ساجن!
امسكت برأسي أشعر بالتعب و الوهن لكن على ان اتماسك... على ان اعرف ماهيتي في هذا العالم الغريب...
مرت بضع لحظات احسست انها كانت اشبه بسنون بينما كنت أبكي في صمت...
خمد صوت المعركة بالخارج و لم أكن لاجرء على الخروج خوفا من ان يصيبني مكروه لكن حينها سمعت صوت خطوات ثقيلة و ظل كبير... وضعت يدي على فمي و انفي لاكتم صوت نفسي و اقمع أصوات خوفي بينما كنت ارتعش من الخوف و الهول الذي اعتراني.
اغلقت عيني لوهلة لكن حينها سمعت صوتا مألوفا
-ماريا... افتحي عينيك... ارسلان... هذا انا!

The after LifeOù les histoires vivent. Découvrez maintenant