مقدمة

5.8K 206 54
                                    

ماذا سيكون شعورك حين تحاول جاهدًا الهرب من قدرك ومصيرك، ثم تدرك في النهاية أنك كنت تهرب إليه؟

_____________________

صوت خطوات أقدامٍ سريعة تركض في كل اتجاه وفي كل مكان حول الشقة، رائحة المعدن تملأ المكان، وصوت شهقات أنثوية مكتومة متتالية مع وتيرة تنفس سريعة وعالية.
أسرعت تلملم ثيابها وكل أشيائها حول غرفتها، لم تترك شيئا إلا وأخذته. فساتين، سراويل، أحذية، قمصان، معاطف، مجوهرات، مساحيق تجميل، مستحضرات النظافة الشخصية، شاحن، سماعات سلكية ولا سلكية، جواز السفر، بطاقة التعريف... كل ما خطر على ذهنها المشوش في تلك اللحظة.

ارتجفت يدها وهي تحمل حاسوبها لتضعه في حقيبته مع الشاحن الخاص به، يجب أن تهرب من المكان قبل أن يلاحظ أحد.
وضبت أكثر من خمسة حقائب سفر كبيرة ولا تزال لائحة الأشياء التي يجب أخذها طويلة... لقد قررت الذهاب دون عودة.
ارتبكت وتشابكت أرجلها ببعضها ومع الكثير من الأشياء أيضا، كادت تسقط أكثر من مرة ولم تهتم، فقط تمنع نفسها من السقوط لتكمل ما تفعله بأقصى سرعة ممكنة تركز على العمل الأهم الآن... حتى سقطت في النهاية متعثرة برجل أريكة...
بقيت جالسة عند رجل الأريكة تلك تتدلى أيديها على جانبيها بإهمال وسكنت للحظة... للحظة صغيرة فقط، ثم أطلقت العنان لدموعها وبكت بهستيرية، ارتجف كل إنش من جسدها أثناء ذلك وزادت شهقاتها أكثر، احمرت وجنتيها وأنفها وعينيها السوداء إثر ذلك. فتح فمها دون إرادة منها بسبب حاجة رئتيها للأكسجين الذي منعت دخوله من أنفها، وذلك فقط جعل شهقاتها تعلو أكثر فكتمتها بيدها المرتجفة بينما صدرها يصعد ويهبط بوتيرة سريعة، حررت كل مشاعر الألم والرعب التي كانت تكتمها.
هدأت بعد دقائق ولملمت شتات نفسها بعدما تذكرت ما فعلته وما يجب فعله الآن... الهروب. تغيرت ملامحها من الخوف للجدية وحملت نفسها تتكئ على يد واحدة في الأرض لتساعدها على الوقوف بينما مال شعرها الأسود اللامع تزامنا مع ميلان رأسها حين وقفت، شغّلت عقلها من جديد قبل أن تعود للركض حول المكان.
حملت حقائبها خارج شقتها بصعوبة، ليس لأنها كانت ثقيلة عليها فهي تملك عجلات بل لأنها أحسّت أن العظام تختفي من أرجلها، أحست أنها ستخونها وتتوقف عن العمل في أي لحظة. ما إن نجحت في إخراج كل أمتعتها ووضعت مفتاح الشقة في المكان المخصص له لغلقه حتى تذكرت هاتفها... اللعنة على ذاكرتها اللعينة.
حسنا، كل ما عليها فعله هو تصفية عقلها اللعين ومحاولة تذكر اين وضعته، لذا أغمضت عينيها وتنفست بعمق وهدوء كما اعتادت أن تفعل في حصص اليوغا، شهيق... زفير... شهيق... زفير... رفعت رموشها الكثيفة وفتحت عينيها على أوسعهما... طاولة المطبخ، طبعا... آخر مكان لعين في شقتها تود العودة إليه. لكن هل هناك حل آخر؟ ... طبعا لا.

أسرعت للمطبخ وما إن خطت عتبة الباب حتى رأت هاتفها فوق الطاولة كما تذكرت، أنزلت عينيها للأرضية فأنّت وتغرغرت عينيها بالدموع من جديد، انكمشت ملامحها بقرف دون أن تنقل بصرها لشيء آخر... عقدت حاجبيها وقد نزلت دمعة يتيمة من إحدى عينيها بالفعل وهي تخطو للأمام، ثم أغمضت عينيها بقوة تتسبب في تشابك رموشها السوداء مع بعضها، فنزلت دمعة من العين الأخرى لما رأته وازداد رعبها ووتيرة تنفسها أكثر... تكاد تسمع دقات قلبها وهي بالفعل تشعر به يتخبّط داخل صدرها يهددها بالخروج من مكانه والتبرّؤ منها ومن أفعالها.

الرجوع لزمن البرابرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن