CH4
يوما كاملا على السرير حتى تخدرت أعضائي، مفاصلي تؤلم ، سلاماتي كأنها اقتلعت من مكانها ، رأسي يتدفق منه الدم ، أصابعي لا توفر القوة لخدمتي ، الا يمكن أن استيقض و أجدني في أرض أخرى... أرض أكثر اشراقا. وضعت يدي على عنقي ، أعلم أنني عندما سأضغط على رقبتي ستخذلني قبضتي و قد يغمى علي . اختفت الغرفة ، اختفى جسدي ببطئ .هذا عالم غريب لايريد منا تعريته ، هذا عالم لا يوجد به كاتولوج ، انتظر ما يخططه لك الاخرون و سوف لن تحصل على الكثير ، وفوق هذا تلك الساعة التي تلتهم الوقت ، وقتك المحدود جدا ، مع ان لديك كل الوقت لتعطيها بسخاء . ماذا لدي لأقول ،يال الهدوء و السكينة، يال الوقار، يال النقاء ، يال الجمال . . كنت بعد عودتي كل يوم من المدرسة ، أجد وقتا للقراءة ، وقتا للاسترخاء ، وقتا لمشروع كبير -و إن لم أكن أقصد الأمر حقا_ ،لست قارئا متقدما ، حتى انا انزعج من هذا كثيرا ، ما الذي قرأته حتى الآن؟ لماذا اصنع الجلبة ؟ الحقيقة أنه لم يكن لدي وقت. قبل زمن كانت أول رواية ، لا أريد التشهير بعنوانها ، كنت في الاعدادية أصفر و عضلاتي ضامرة ، لم يكن لديك مخطط واضح ، لكن الشيء الأكيد أنني ازددت حيرة ، إنه الوقت المناسب لمن حولي للرفاق ، للرحلات الشاطئية و الخرجات ، للنوادي .. للفتيات..للدراسة.. وقد كان الوقت المناسب لي لفعل شيء أهم ، شيئا فشيئا تقدمت في علاقتي الجديدة ببطئ ، شيئا فشيئا بدأت أصنع اهتماما خاصا ، عالما صغيرا من الكتب ، كنت أسعد بتمضية الساعات و انا اقرأ. التفكير في هذه المرحلة يثير اشمئزازي ، لم أكن أمارس الرياضة تماما ، لقد كنت ضعيفا ، لم أكن أفهم كل شيء ،كنت منغمسا في خطط الآخرين لي ، و لم يكن من نصيبي في خططهم الا القليل . انتظر ما يخطط لك الآخرون و لن تحصل على الكثير ، لا ، انتظرهم و سينكسون رأسك ، بأيديهم الألف ، بأفواههم القذرة و بنات افكارهم ، بملابسهم المؤذية للعين و بارتباطاتهم . ملامحهم التي لا تعرف التسامح ، علاقاتهم المعقدة اللتي لن تفهمها ، لكن أكثر شيء ندمت عليه حقا هو النوم ، كنت تنام كثيرا ، و كان يمكن أن تفعل شيئا حينها ، ان تكون عيناك تغلقان بسرعة ، قد يكون هذا من اكثر الاشياء جلبا للمشكلات . ومع دلك كانت مرحلة ﻻ بد منها.
يعود ظلام الغرفة ببطئ ، تعود الغرفة بملامحها المبهمة .تكون مربع صغير ، لقد حفر احدهم الاطار المربع ، اسمع صوت الازميل ، و اﻻن رقعه بخشب ، انها نافذة . قد تسمح لك بالهرب في حالات الطوارئ -لا قدر الله حريق أو ما شابه- ، وفي حالتي اريد الهرب من كل شيء. كيف اصبحت هكدا فقط كيف .. استحضرت شيئا خاصا في نفسي .. تحفظا او ماشابه . ثم انني ساموت من سلسلة النوم هده . وضعت رأسي على الوسادة ، وضعت الوسادة على رأسي ، قفزت لانقذ رأتاي من الاختناق ، قلبي كاد ينفجر هاجمت النافدة جعلت اضربها عدة مرات و لم يكن هدا ليفتحها .. امتعضت وفعلت اﻻمر بطريقة سلمية و بهده الطريقة السحرية.فتحتها و انا اصرخ بدون صوت، تدفق الضوء القليل كموجة كاسحة لا يمكن التراجع عنها ، أمسكت رسغي ، ستعود الطاقة ببطئ ، أتراني أجلس بانتظارها ، لم أجد بدا من ذلك فارخيت رأسي على حافة النافذة . أسمع نحيبا من هناك ، صوتا مشؤوما و غريبا و بعيدا جدا ومندرا بالشؤم .. صوتا ﻻافهمه لكن عقلي يتفاعل معه. هناك عيادة صغيرة للأسنان ، في الأفق طيور صنعت رقم ثمانية هنديا (٨) لا بد انها في رحلة بعيدة جدا ، هدير محرك قادم من بعيد . بدأت الصورة تتضح ، و قد أضفت عليها الشمس التي غادرت في صمت هالة غريبة ، لا يوجد في الفندق حديقة خاصة لا يوجد مساحة لربض السيارات ، النزلاء كالموتى . في هدا الطرف من العالم يقوم المبنى و فيه ايضا يفتقر لكل شيء .تابعت الشروق في صمت. ان شعبا جائعا هو الاخطر على الدولة. اخدت محفظتي و كنزتي الصوفية ارتديت الحداء الجلدي ودون أن أخطط للامر قادتني قدماي للخارج.دفعت باب المطعم ... شعرت بثقله على قلبي قبل قبضتي .
.اطلقت صرخة مدوية مع خسارة يدي..انطلق منها حمام دم ..
دلك السراب امامي الدي يتشحط في الدم انه مجرد امتدادا اخر لي قد اغتيل امام الحشد و بسرعة تخلصوا من جثثه .. هم بارعون في دلك.. تماما كما توري الغربان بعضها ... اللدين سيعيشون و اولئك اللدين سيخضعون كالفريسة ... هناك المختارون و هناك اﻻشخاص اللدين يجوبون الشوراع بدون هدف .. هناك دائما هده المفارقة . لم اتوقع ان يلفح طقس حار وجهي كانني سلكت باب الجحيم. كان جو المطعم حارا يحاكي في حرارته موقدا .. وقفت محتارا و هي حيرة لم اتمالك نفسي معها ولم تنجح دعواتي في محاولة عدم اظهارها ... لقد فقدت حينها جميع اسلحتي. تقدمت النادلة و دلتني على آخر مقعد .. كانت تعقد ظفيرة و ترتدي بلوزة زرقاء عليها صورة اخطبوط شفاهه ثخينة .. اصوات تطن في أدني .. سلكت الدرب في حدر . كانت فكرة ان عيناي هادئتان تحثني على المشي الصحيح و كنت احيانا ارفع صدري قليلا و انظر الى المقعد الدي ساستقر عليه احيانا اخرى . وقفت عند الطاولة اﻻخيرة سحبت مقعدي .ربعت قدمي و نظرت الى اﻻرضية عدة مرات و الى السقيفة بالمثل .كنت احاول ان اجد العﻻقة بين هدا المقعد و داك اللدي يزودوننا به في المدرسة و الحافلة. في مطاعم كبيرة كهده تقطن الحشرات . هدا معروف .من دخل حديثا يطلب و من طلب يتناول وجبته في صمت .. سحبت قائمة الطلبات و مررت يدي عليها . حين وقع نظري على اللحم المشوي علمت انه ما يجب ان اطلبه . ثقب قد نمى عميقا في احشائي .. ثقب يدعوني لاغلاقه و كان اللحم مناسبا كحشوة . حين وضعت النادلة كوب الماء على الطاولة كانت بدت كمخلوق من كوكب آخر .. شعرت بانفاسها على الكوب رغم انها كانت تبعد رقبتها كما يفعلون في اي مطعم لدواعي صحية . تبادلنا النظرات . ابتسمت لي و وقفت تنتظر الطلبية . "اريد لحما مشويا" قلت بصوت جهور .. "لحم مشوي" رددت كلماتي ، و ربما طلبت عددا من المقبلات و سلطة . كتبت طلبي بعجل على مدكرة.. كانت يداها رقيقتان و كانهما على وشك ان يتقطعا و مساحيق التجميل بادية عليها لهذا احمرت خدودي . لكنني اعرف ان خلف هدا الطحين وجها يتعرق ... اعرف ان بشرتها لم تتنفس مند زمن ، جمال المرأة حلم ابليس بالجنة .