الفصل الثامن

73 4 5
                                    

مع ارتفاع أذان المغرب فُتح باب الشقة الأولى في الطابق الثالث لتطير منة بعكازيها مسرعة إلى الداخل..

اقتحمت غرفتها متمتة بشتى الأدعية في قلق شديد، وخلعت المفتاح المعلق بطرف خيط على رقبتها لتفتح قفل درج مكتبها والخوف يكاد يلتهم ملامحها، لكن خوفها ذاك ما لبث أن تبدد وعلت أمارات البهجة والراحة وجهها حين شرعت بإخراج قطعتي الشوكولاه قائلة بغبطة طفولية لا تليق بتاتًا بطالبة جامعية:

- الحمد والشكر ليك يا رب، حبايبي في أمان بفضلك.. متقلقوش يا حبايبي عمري ما هموت وأسيبكوا لخالكوا المتوحش.

ونعم الأم أنتِ يا منة! لكن قد تنكثين بوعدك هذا في الثواني القليلة التالية..

كانت والدتها تقف عند باب الغرفة متسمرة مصدومة؛ فهل كان كل هذا الفزع والقلق من أجل شيء سخيف كهذا فقط!

وكما ستتصرف أي أم مصرية في مثل هذه اللحظة رفعت أم محمود ساقها اليمنى بزاوية مائة وثمانين درجة ليطير منها خُفُّها ويستقر بين يديها، وفي أقل من ثانية كان قد انطلق ليصيب هدفه في منتصف رأس منة بمنتهى الدقة والاحترافية.

رن الجرس وقتها في أنحاء البيت معلنًا قدوم زائرين، فاتجهت والدة منة إلى باب الشقة لترى من قد أتى، وإذ برحاب تندفع نحوها ما إن فتحته متشبثة بيدها متسائلة في ذعر وقد أغرقت شلالات أدمعها نقابها على وجهها:

- منة جرالها إيه يا طنط؟ هي فينها؟ هي كويسة؟

ربتت والدة منة على ظهرها، قائلة والدهشة تملأها من حال هذه الفتاة:

- اهدي يا بنتي اهدي، جرالها حاجة مين؟ بالله عليكِ دي واحدة تعملي في نفسك كده عشانها؟

سألتها وما زالت على حالها:

- أومال إيه الي محمود بيقوله ده؟

خرجت منة من غرفتها وهي تمسح على رأسها وتتأوه قائلة بألم:

- على فكرة الضربة وجعتني يا ماما، وأنا لسه مخَفِّتش.

فاندفعت رحاب نحوها تتفحصها بنظراتها الفزعة متسائلة:

- منة، حبيبتي إيه الي حصل؟

سايرتها منة متقمصة دور الضحية، وقالت بدرامية مبالغ فيها:

- حصل كتير والله يا رحاب، شوفتي الجزم عملوا فيَّا إيه؟

تساءلت رحاب قلقة:

- هم مين؟

ردت ضامة منكبيها:

- البيه الي عايزة تتجوزيه والقرد أخوه.

شهقت رحاب ظانة أن أخوَي منة هما السبب في إصاباتها، وتساءلت مصدومة وهي تشير إلى الجبيرة التي تحيط ساقها اليمنى:

وردة وقطمها جحشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن