الفصل الخامس والعشرون -٢٥-

24K 761 46
                                    

[ وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء]
"الفصل الخامس والعشرون" -٢٥-

ران على قلبه الرُعب عندما وقعت أعينه فوقها فور أن دلف الغرفة ووجد وجهها غارق بدموعها الصامته..
قطع الخطوات التي تفصله عنها بلهفة وجلس على أعقابه أمامها وهو يهتف بلهفة وأصابعه تعمل على محق دموعها البلورية بحنان:-
- رِفقة ... حبيبتي مالكِ، في حاجة وجعاكِ، ليه الدموع، مين زعلك..

كان شعرها متوسط الطول يُكلل وجهها وينبسط فوق ظهرها، رفعت أصابعها تُرجع خصلاتها للخلف، وابتسمت من بين دمعها تقول بشوق:-
- بابا وماما وحشوني أوي يا يعقوب، وحشني وجود ماما ولمساتها على حياتي ويومي، ودلال بابا ليا ... لما كان بيقعد ويسرحلي شعري ويعملي تسريحات مختلفة..
قلبي واجعني عليهم والوجع مخفش بعد مرور السنين دي كلها..
حرقة قلبي لسه زي ما هي..

حزنها ودموعها شواظٌ من نار تسقط على قلبه، لا يطيق حزن قلبها، يوّد أن لو يستطيع إعادة عجلة الزمان ويمنع حدوث ما حدث، أو لو أنه بقى بجانبها منذ هذا الحين ولم يتركها...
أستتذكره عندما يعود نور أعينها، أستذكر ذاك الوجه الذي طلّ عليها من وسط الظلام بينما هي راقدة بحالة اللاوعي، أستذكر تشبثها بقمصيه ونظرات الرجاء التي ملأت جفونها وكلمتها المتقطعة حينها(متسبناش)..
وقتها كانت مازلت صغيرة، وقد تبدلت وتغيرت ملامحها لذلك لم يتعرف عليها، لكن ملامحه مازالت كما هي فقد كان في أخر سنوات جامعته، لم يتغير سوى مسحة البرود التي نُقشت فوقها، وبعض الجفاء والبؤس الحزين، أستذكر ملامحه من وسط الضباب في يوم الحادث؟!!

انحنى يضع قُبلة حنون بباطن كفها ثم اعتدل وانحنى يحملها برِفق بين ذراعيه وخرج بها من الغرفة..
أجلسها أرضًا وتحرك يجذب بعض الأشياء ثم جلس خلفها..
قبل رأسها من الخلف وقال بوعد:-
- هبدأ أدور على أهلك يا رِفقة، ووعد مني مش هسيبهم أبدًا..

وأكمل بمرح وهو يتحسس خصلاتها العسلية برِفق يُخلل أصابعه بينهم بنهم:-
- أما نبدأ نعمل إللي عمي يحيى كان بيعمله أما نشوف رأيك فيا وهعرف ولا لأ..

ضحكت بسعادة وهي تستعد بحماس بينما ترفع رأسها وقالت بخوف:-
- بس إنت تعبان يا أوب، متجهدش نفسك علشان مش تدوخ..

قال بلامبالاة وهو يضع الفرشاة ذات الأسنان الناعمة لتجري بشلال العسل المموج برأسها:-
- أنا مش متعود إن أنام عالطول كدا، وبعدين أنا زهقت وإنتِ حاكمه عليا أفضل في السرير وأنا مش بحب كدا، وأنا الحمد لله بخير جدًا وفي أفضل الأحوال، من ساعة ما رجعنا البيت وأنا نايم ... المهم قوليلي إنتِ عايزه تسريحة أيه، أعملك ضفيرة..

حركت رأسها بنفي وقالت بسعادة:-
- لأ مش ضفيرة عادية.. اعملي ضفيرة السُنبلة..
بتعرف تعملها..!

توتر يعقوب وقال متنحنحًا:-
- ااه ااه طبعًا بعرف، دا مفيش أسهل منها..

ابتسمت باتساع ورفعت رأسها بحماس مُردفة:-
- يلا وريني إبداعك بقاا يا أوب..

«وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن