الفصل التاسع -٩-

21.4K 660 27
                                    

[وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء]
"الفصل التاسع" -٩-

- يعقوب مين البنت دي..؟!

التفت يعقوب مُسرعًا وهو يُغلق الشاشة بحِدة وقال بملامح جامدة وهو يرمق والدته المُبتسمة:-
- ميخصش حدّ ... ومفيش مخلوق يتدخل في حياتي..

رددت بابتسامة واسعة وهي تقترب منه:-
- بس شكلها بنوتة رقيقة ولطيفة أووي، غير إنها جميلة جدًا يا بوب..

أشاح بوجهه وقال يُنهي هذا الحوار وهو يتجه نحو الفراش:-
- أنا هنام...

هرعت نحوه ومدت يدها بكوب دافئ قائلة:-
- دي كوباية سحلب سخن، إنت جاي من برا والجو برد اشربها علشان تدفى..

لم يُحرك ساكن وهو يرمق الكوب بيدها بملامح مُبهمة، وعندما طال صمته وضعته على وحدة الأدراج بابتسامة حانية، وجاءت تقترب تتلمس شعره لكن عاد للخلف برفض بينما داخله يحترق وقلبه مكلوم، يقف بقلب وادٍ مُفعم بالأحزان والذكريات السيئة الموجعة لا يستيطع تجاوزها بتلك السهولة..

طفق الحزن والحسرة على وجه والدة يعقوب لتغمغم بنبرة مرتعشة حزينة:-
- يعقوب ... سامحني.. صدقني يا يعقوب مكونتش أعرف بإللي بيحصل هنا، أنا كنت مفكرة إنك مرتاح وإن ده إختيارك لما مكونتش بتتكلم وتشتكي ... أنا....

صمتت بحزن ليبتسم يعقوب بسخرية ويقول بعذابٍ واصب:-
- مش عارفة تتكلمي تقولي أيه ولا تبرري بأيه...
ولا يهمك يا هانم محصلش أي حاجة، مجرد يعقوب بس هو كان ضحية طموحك إنتِ وحسين باشا .. طول عمرك وإنتِ النجاح والطموح بيجروا في دمك...
وحققتي كل أمنياتك ومكانش ناقصك حاجة، جوزك معاكِ وابنك.... وأنا...

صمت برهة ليواصل بحرقة واختلج قلبه بالألم:-
- أنا مكونتش في حساباتكم، ماله يعقوب يعني...
عايش في قصر طويل عريض مع واحدة عارفة كويس هتربي يعقوب إزاي وتطلعه وريث يستحق لقلب بدران..
عادي يعني أيه إللي حصل .. ولا حاجة..
ولا حاجة ... أنا كنت ولا حاجة يا أم يامن...

انتصب يستدير وهو يكبح دموع تتلألئ خلف سجن جفونه، يطمر حشرجة مريرة بصدره، فيكفيه مستعمرات الحزن التي تتشعب بداخله..
هتف بصلابة:-
- لو سمحتي متفتحيش السيرة دي معايا تاني، أظن ملهاش لازمه بعد العمر ده كله...
وبعد إذنك هنام...

أخذ دمعها يفور من مقلتيها ويلطمها الندم وليتها لم تتركه والإكثار من "ليت" لا يكون إلا بعد فوات الأوان...
خرجت تجرّ ساقيها لكنها كانت تجرّ ما هو أثقل من ذلك ...همّ .. حزن .. حسرة ...وندم..

وفور خروجها تهادى يعقوب فوق الفراش بخوار وقد سقط قناع البرود عنه لتسقط دمعة حارة تحمل كُل معاني الألم لتتشربها لحيته سريعًا...
لكن لا ضير .. فالحزن .. الوجع .. الوحدة، كل هذا ألِفه حدّ الإدمان..
وكل هذا لم يعد بالأمر الهام ... فقد أصبحت له رِفقة حطمت كل معاني الوِحدة بحياته...
يكفيه رِفقة .. وهذا جزاءه وجائزته بل هي خير جزاء على كل ما مرّ به...

«وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن