الفصل الثامن عشر -١٨-

22K 729 39
                                    

[وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء]
"الفصل الثامن عشر" -١٨-

هدر يعقوب بنبرة غاضبة شرسة تسمعها منه لمرتها الأولى حتى أنها تسببت في خوفها وقال بدمٍ فائر:-
- هي كانت هنا صح ... هي جاتلك هنا وهددتك إنك تمشي .. دا كلامها مش كلامك يا رِفقة صح.!

أعماهُ غضبه من تصرفات لبيبة الهوجاء ولم يُدرك صياحه بوجهها بتلك النبرة التي يكسوها غضبه الجحيمي والتي جعلت رِفقة تجفل وترتاع..
هذا فقط لنبرته فماذا لو رأت رِفقة وسم الجحيم على ملامحه التي ضُخّ فيها الإهتياج وغضب العالم أجمع .. فملامحه التي انبجست فيها الحياة توارت وحلّت أخرى غائمة بالسواد، فكلماتها كانت كخِنجر مسمومًا قد أُوقد عليه وغُرز في قلبه...

أسرعت رِفقة تُمسك يده هامسة بغصة بكاء بنبرة نقيّة كالندى:-
- يعقوب بلاش تزعق ... متخوفنيش.

كانت كلمات أشبه بمُسكن أعاد يعقوب لبعض من طبيعته معها ورُشده لكن مازال عليه رجفان من الغضب، استقام وجلس بجانبها، كوّب وجهها بين كفيّة وراح يقوم بعتاب:-
- صدقتيها مع إن حكيتلك كل حاجة يا رِفقة.

شرقت أعينها بالدمع ووضعت كفها فوق كفه الموضوع على خدها وهمست له بنبرة مرتعشة:-
- أنا خوفت منها عليك يا يعقوب، هي قالتلي بالمعنى إن كل حاجة عندك هتدمر وهتحرمك من كل حاجة .. وإن كدا الأحسن والأفضل لك..
وإن بوجودي هيبقى لا ليك مستقبل ولا مكانة ولا أي حاجة..

هسهس يعقوب بنبرة محتدمة:-
- أنا إللي ليا حرية الإختيار .. محدش ليه الحق يتحكم في حياتي، ولا يعرفني الأحسن ليا..

لانت نبرته وأكمل بصدق وهو يضع جبينه فوق جبينها:-
- وبعدين مين قالك أنا عايز منها حاجة، بيكِ أو من غيرك يا رِفقة أنا مش هنفذ إللي لبيبة عيزاه مني، وهي بقالها كام سنة بتحاول ومنفذتش ولا هنفذ..
بس هي عندها حق في حاجة، أنا مش هيبقى ليا مستقبل..

عقدت رِفقة حاجبيها وطفى الحزن على ملامحها ليُكمل يعقوب قبل أن تستفهم:-
- مليش مستقبل في عالمها .. لأن مستقبلي كله بقى مع رِفقة..
وحتى لو مليش أي مكانة في العالم ده، يكفيني مكانة في قلب رِفقة..

احتقن وجنتيّ رِفقة بالأحمر وذاب قلبها من كلماته التي جبرت كل الكسور والعطوب التي كانت بها من الداخل، همست هي بصدق ورِقة:-
- مكانتك في قلب رِفقة عالية أوي ومش وصلها حدّ من قبلك وهي المُنتهى فأكيد مفيش بعدك..

ما هذا الضوء الذي يشعر به يكتسح ظلمات النفس، هدر قلبه بعتوّ فابتسم لها ثم لثم رأسها وأردف بلوم ممزوج بالحزن:-
- كدا يا رِفقة يهون عليكِ تسيبي يعقوب..
هان عليكِ يعقوب..!!

تمزق قلبها من فحوى تلك الجملة، هي كانت تنتوي تركه والإختفاء من حياته للأبد، وهل تظن هذا هيّن يا سيّدي بعد تعلُق الفؤاد!!
لكن يبدو أن كل مَن يتعلق به قلبها يتحتم فقدانه كالسراب...
كان ردها ثلاث كلمات فُراتَا سقطوا على قلب يعقوب كالمُعصرات:-
- علشان خاطر يعقوب..

«وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن