يقول مجنون : بالحب كل لقاء يبدو كأنه أول لقاء..
كنت على متن طائرة عملاقة ذات طابقين ..
وعشقي للطائرات لا ينتهي فهي تأتي بعد حبي لك ..
فالطائرة أعظم اختراع اخترعه الإنسان وقادر أن يغادر بك من
سماء الحزن إلى سماء الفرح بسويعات..
أنت ِ.. أنتِ.. أنتِ..
ثم الطيران ..
الوقت الوحيد الذي يقف عقلك عن التفكير بكل ما يزعجه هو قبل الثوان من الإقلاع ..
فيقلع همك من أمور الدنيا التي لا تنتهي ابداً وتنشغل فقط بدعاء السفر وكل ما ارتفعت الطائرة
يقل انتماؤك للأرض وأهلها.. وتصبح كائناً وطنه الكرة الأرضية و ولعل لهذا يغرد الطير الحر بلحن مختلف عن ذلك العصفور بالقفص فلحن الحرية جميل ..
الحرية ليست بالتعبير أو بالملابس التي تكسوك شتاء وتعريك
صيفا...
بل الحرية هي عدم انتمائك لشيء..
كل همك وصول طائرتك وغرفة فندقك ومنظر الشرفة المطلة على معالم وجهتك..
ونسيانك لفرشة أسنانك أكبر همك وتسرع تطلبها من "الكونسيرج"..
جميل السفر.. يجعل كل شيء بسيطاً..
ولعل ذلك يفسر كلمة "جواز سفر" وكلمة "أجازة" فكل منهم يجيز لك ما لا تستطيع فعله بوطنك ..
وقفتي أمامي ولم ألمح ملامح وجهك ..
اكتفيت برائحة العود والبخور والطيب بخصلات شعرك ..
رغم ثيابك الغريبة إلا أن هويتك الشرقية مازالت معك ..
لا تٌرى ولكن تحس ..
أشعر بها وكانني أرى حضارة نجد بسواد خصلات شعرك ..
كنت قريب منك لدرجة أن المضيفة ظنت أننا ثنائي معا ..
كانت أول من يعلم بأن هناك قصة حب ستحملها نفاثات طائرتهم العملاقة ..
فكم مرة تجد شخصاً ماراً وتمر أمامه فتاة وانت جالس تراقب من بعيد وبخيالك تقرر أن تجعلهم ثنائياً ..
يرحل هو ..
وترحل هي ..
وعقلك الباطن يرفض ذلك ..
وبالنهاية الرب يكتب للجميع أفضل نص ممكن وانت وقدرتك على إجادة الدور ..
كان أكبر طموحي وقتها فقط النظر إلى وجهك .. ولكنك عنيدة من يومها..
اسرع خطواتي وأسبقك..
تلتفين للوراء..
ارجع خطوة..
تخطين للامام..
مراوغة منذ حين..
إشارة المضيفة بأن مقعدي بالطابق العلوي أما أنتِ
استمريت بالسير للامام..
كانني طفل لديه أخ توأم وأشترى لهما أبوهما بعد عناء الفراش الخشبي ذا السلم وسكنت أنا الفراش الاعلى إلا أنني طوال الليل أنظر للأسفل للتأكد بان أخي موجود..
عبد المجيد عبدالله بأذني يدندن " ليش مستعجل عليها "
فعلا كل شيء " بوقته حلو " ولكن لا أملك الوقت الكافي فما مضى من دونك كافٍ ..
سنين وأنا لا أعرفك أوليس ذلك من أحزن ما قرأتِ؟تركت مقعدي وتعذرت بأنني نسيت شيئاً بالأسفل وعندما
سألتني المضيفة ماهو؟
أجبت:
قلبي..وما إن أخذتني خطواتي إلا انني وجدتك واقفة..
يبدو أن هناك لَبساً وخطأ فقامت شركة الطيران بتكرار المقاعد للمسافرين..
وغريب انتماؤنا لكرسي الطائرة وكأنه خلق لنا وحدنا ولا ننشغل بالتفكير بمن جلس به من قبلنا ولعل عشرات الآلاف من الأموات شاركونا هذا الكرسي..
قبلك كنت أنانياً.. أتعمد دخول الطائرة متأخرة حتى اعلم أنني آخر الركاب..
ثمن ذلك جلوسي على كرسي وحدي وأضع حقيبتي على الكرسي الآخر حتى لا يأتي أحدهم ويأخذه
ولعل طوال هذه السنين كنت أحتفظ بمقعدك..
قدري أن يأتي اليوم الذي أفعل المستحيل حتى تجلسي
بالقرب مني..
وجدت المضيفة مجدداً..
تبتسم لي..
أجزم بأن السماء ترسل ملائكتها على هيئة بشر حتى يسهلوا لنا " قدرنا المكتوب "
عيني كانت تقول لها إنني وقعت بالحب..
ولو يعود بي الزمن لحصنتها يوم همست لي " عد لمقعدك سآتي بها بعد ثوان "
كطفل رجعت اركض لمقعدي..