الفصل 2

526 35 5
                                    

لمّا وصلتُ للثانوية أول ما شعرت به كان مزيجًا من القلق و الحماس، فمن جهة كنتُ خائفا من التعرّض للتنمر بسبب جسدي هذا، و من جهة أخرى شعرتُ و كأنني بطل أنمي مدرسي، دخلتُ لصفّي و توجّهت نحو الطاولة الأخيرة و كأنني حقًّا أعيش في عالم خيالي، جلستُ على الكرسيّ و شعرت بنوع من السعادة السخيفة، لكن لم ألبث طويلاً حتى اقتربت فتاة بوسعها اِلتهام ثلاثة أشخاص مثلي، و بالكاد تفتح عينيها من خدّيها المنتفخين، و لما تحدّثت كان صوتها أغلظ من صوتي:
"قُم، هذا مكاني."
لم أتناقش طويلا معها و غيرتُ المكان من باب الاحترام، فمن يزن أربعين كيلو لا يحقُ له مجاراة من يزن قنطارا.

كنتُ أتمنى رؤية وجهٍ مألوف، و بعد ترقب طويل أخيرا كان لي ذلك فقد لمحتُ "ريك"، فتى في مثل عمري كنتُ أتسكّع معه أيام المدرسة الاعدادية، و لما رآني اعتلت البهجة وجهه و اقترب مني و صافحني قائلا:
"أهلا آرثر، هل مازلت تحبّ المجلاّت الخليعة؟"

ساد الصمت لوهلة، ثم بدأ حوالي ثلاثون تلميذًا يرمقونني بنظرات حادة و كأنني مجرم، و ما هي إلا بضع ثوانٍ حتى عاد الجميع لما كانوا يقومون به قبل أن يرمي ريك تلك القنبلة.

احمرّ وجه صديقي و قال:
"آسف يا آرثر، لقد زلّ لساني."
تجاهلت اعتذاره و قلت له:
"لقد أنقذت حياتي يا رجل، كدتُ أموت من الوحدة هنا."

و رُحنا نتبادل أطراف الحديث عن القصص و الروايات و الأنمي و نسيتُ أنني في الخامسة عشر من العمر، و معظم الأولاد في مثل عمري يعملون خلال عطلة الصيف و يساعدون آبائهم في بعض المهمات و يجنون القليل من المال، ليُخفّفوا أعباء عائلاتهم.

مرت نصف ساعة و عندها دخل واحد من أساتذتنا، و طلب منا أن نعرف عن أنفسنا، لقد كان ذلك بمثابة عقاب لي، شعرت بدقات قلبي تتسارع بل شعرت بالموت في تلك اللحظة. كان ريك جالسا أمامي، و التفت و كان متحمّسا بشدة و قال:
"أخيرا سيعرف الجميع الفارس ريك العظيم، للأسف نسيتُ حصاني اليوم..."
و قبل أن ينهي كلامه عن حصانه الذي اخترعته مخيلته في تلك اللحظة نظر إليّ مستغربا وقال:
"هل أنت بخير آرثر؟! تبدو شاحبًا."

ذلك ما كان ينقُصني تماما، و للأسف حدث ما كنتُ أخشاه، فقدتُ وعيي بعد خمس دقائق من بداية حياتي في الثانوية. لم أتذكر كثيرا تلك القيلولة التي شعرت و كأنها نوم أبديّ، و فتحتُ عيناي على ثلاثين وجهًا، البعض يبتسم و البعض الآخر يضحك، كان ريك الوحيد الذي يتصرّف بطريقة طبيعية، فقد كان متوترًا، و اطمأن قلبه بعد استعادتي لوعيي، أما الآخرون فقد خاب ظنّهم و كأنهم كانوا ينتظرون موتي.

من حسن حظي أنني أمضيت تلك الساعة في عيادة المدرسة، و أخبرتني الطبيبة أنني أصبت بانخفاض السكر في الدم، فقد تخطّيت وجبة الفطور.

بقيتُ مستلقيًا هناك لفترة طويلة ثم نظرت للأرض و أبصرتُ ورقة، مددت يدّي و التقطتها بشقّ الأنفس، لقد كانت مجرّد دعوة لحفل، دقّ قلبي بشدة و قلت في نفسي:
"أتمنى أن لا يحدُث ذلك، بل لا يجب أن يحدث ذلك."
و للأسف حدث ما كنتُ أخشاه، إنها نفس الدعوة التي أعطتني إياها تلك المرأة التي التقيتُها في الصباح.



حفلة الدّماءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن