ظلال الضياع

42 18 5
                                    


الخوف طغى على خطاها المترنحة وهي تتجه بلا وجهة محددة، في هذا الطريق الموحش الذي لا نهاية له. تعطلت سيارتها في اللحظة الأقل توقعاً، وسط عدم يقين غلف كل شيء. ذاكرتها تخونها، فكل ما تذكره كانت طرقات تغص بالحياة والأضواء، لا هذا الصمت المطبق الذي يبتلع حتى صدى أنفاسها.

ربما قد صرفها النعاس عن مسارها، لتجد نفسها ضائعة في هذا المكان المجهول، تسأل نفسها كيف وصلت إلى هنا، ولكن دون جواب.

تتلفت حولها بقلق، مدفوعةً بشعور غريب بأن عيونًا تخترق الظلمة لتراقبها في صمت. صدى خطوات مرتعشة يقترب منها، وفي كل مرة تلتفت إلى الوراء، لم تجد سوى الفراغ.

ضربات قلبها أصبحت في أذنيها عندما التقت نظراتها بتلك العينين المضطربتين، الرمادية والزرقاء، الباردتين كالجليد، المنبعثتين من تحت العباءة السوداء التي تلفّ رجلًا قوامه يبعث الرهبة في النفوس.

يقترب منها الرجل المهيمن بخطوات متئدة، بينما هي تقف هامدة، عاجزة عن التحرك أو الهرب.

تتضح لها ملامحه ببطء، وجه خال من الملامح، بلا تعابير، بلا حياة، إلا من تلك العيون المتباينة التي تبدو الآن كنوافذ على قلب الجحيم.

ورغم غياب الشفاه، كانت تشعر به يبتسم ابتسامة ماكرة، تبتلع الأمل في داخلها. ثم فجأة، يحيط بهما الدخان الأسود ويبتلع كل شيء، يتلاشيان من على الطريق المقفر.

---

مرت لحظات أو ربما أزمنة، قبل أن تفتح عينيها مجددًا. الارتباك يغمرها وهي تحاول تحديد مكانها، في غير العالم الذي عرفت. تتطلع حولها في الغرفة الغارقة في الظلام، الأسود يحتوي كل شيء، بينما هي ترقد على سرير يبدو أنه منتزع من صفحات التاريخ المتربة.

تشرد ببصرها في أرجاء الغرفة حتى وجدت تلك العين المتوهجة، الصامتة في زاوية الغرفة، الظل الذي يشع من قسوة القمر الأحمر. تحاول تمالك شجاعتها، فهل الخوف من الظل أم من القمر الذي يسرق من بين شقوق النافذة الرؤية الواضحة للعالم؟

يستقيم الجالس في هدوء. وهذه المرة، ليس الرجل المهيب الذي رآته سابقًا، بل ظهر بمظهر رجل وسيم بملامح حادة، شعر أسود مجعد، لكن مع العينين المختلفتين نفسهما. رغم الرعب الذي يتسرب إلى قلبها، تتمكن من همس سؤال متردد، "من أنت؟"

ابتسامته الساخرة تشق طريقها إلى وجهه، وهذه المرة لا خطأ في رؤيتها، "جحيمك" كانت كلمته الواضحة. ثم كما السراب، يذوب في الفراغ.

بعد تردد، تنهض من فراش الظلام، تسير نحو النافذة لترى بشعور لا يتزعزع السماء المستعرة بالحمم والقمر الدامي يُخيم فوق المنزل. ترتعش من جديد، صوت صرختها يتوه في صمت الغيوم الحمر، عندما تقف وراءها دفئة قاتمة، ويهمس صاحب الأعين المختلفتين، "ليس هناك مفر، نحن بمفردنا في عالم آخر، لا يوجد بشر، لا توجد أرض، لا يوجد سوانا."

عالقة برفقة شبح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن