هل تعلم ما الذي يجعلنا نحن المضطربين متميزين؟ هو امتلاك أدمغتنا خصائصًا يعجز كل شخصٍ طبيعيّ آخر الحصول عليها، مثل أن يُفرز عقلك موادًا تجعلك دائخًا كأنك قد تعاطيتَ جرعتكَ، كأنك تشعر بالوقت والزمن ينزلقان من بين فصوص دماغك ويتلاشيانِ كليا إلى درجة تصدق أن كل ما حولك غير واقعي، لدرجة أن كل قلقك يتلاشى وكل الأشياء المقلقة تُغدو مزحة تافهة تعجز حتى عن الضحك عليها.
لا شيء يهم، أو أنا الذي لا أهُم؟ هذا هو السؤال الأهم...
جسدي يشعر بالخمول الآن وعقلي متوقف عن العمل، أستنشق رائحة الغربة كأنها عناقٌ دافئ وأرفع يدي في الجو محاولا لمسها واستشعار دفئها.
«متأكدة من أن الأمور ستكون بخير وأنتِ وحدكِ وسط كل هذا؟»
«لطالما كنتُ وحدي وسط كل هذا العبث وسوف أُنهيها لوحدي، لذلك ليس على البجعة البيضاء أن تستمر في القلق بل الرقص فقط.»يستقيم جسدي أوتوماتيكيًا لحظة سماعي ذلك اللقب، ولوهلةٍ شعرتُ بانقطاع هلوستي تلك رغم أن الرائحة المألوفة تستمر في عصر قبضتها ضد رقبتي.
أليس من المفترض أني أنا هو البجعة البيضاء؟
أول ما أبصرتُه السماء المحترقة فوق، أشعة ناعمة تتسربُ من السماء تسقط فوقنا بينما تتحرك السيارة للأمام في طريقٍ يوقعني وسط تشويش أكبر وكأنما أحصل على ديجاڤو آخر يُربكني.
كأن عقلي لا يريد أن يعترف بحقيقة إداركي هذا المكان وأينَ نتجه رغم دوختي...
«نحن نقترب، يا بجعتي السوداء.» أدرتُ رأسي ببطء نحو صاحبة الصوت التي تخاطبني مباشرة هذه المرة وأتأكد أكثر أنها ليست الشبح الذي يعتاد مفارقتي طيلة الوقت بينما أُحاول مطاردته يائسًا.
ولكنه أيضا يظهر في أكثر الأوقات التي أتجنب وجوده بها كأنه يتعمد تعذيبي عن قصد بكل الأدوات، كل الأساليب.
مثل ذِكرها الآن أنني البجعة السوداء، أنا هي البيضاء! لطالما كُنت كذلك! لما على العالم سرقة كل شيء مني حتى أشياء بسيطة، تفاصيل قاتلة؟
«لا تسلبيه مني أيضًا، أرجوكِ.» انخفضت نبرتي خلال همسي توسلي، وأول ما وقع عيناي عليه هو بروز وجنتها بسبب توسع ابتسامتها، هو مجرد جانب صغير منها ولكن احمرار تلك البقعة وتلائمها مع بشرتها البيضاء، تلألأ المنطقة ككل ووقوع الإضاءة على طرف شفتها دفعني إلى مد يدي نحوها لامسا إياها متأكدا من أنها حقيقية وليست وهمًا.
لا يمكن لهذا الوهم أن يمتلك بشرة ساخنة...
ولكن لا يُمكن أن يتلاشى لون البشرة إلى اللون الأسود ما إن تفرِكها قليلًا!

أنت تقرأ
جوسكا
Short Story«هل هي حقيقة؟ أم أنها جزءٌ من متلازمة جوسكا اللعينة؟» بين قرارات الماضي الطائشة وبين حاضره البائس ومستقبله العاتم يجد نفسه متخبطا، حائرا، دائخا وموهوما بشدة لدرجة أنه فقد اسمه وأصبح الجميع ينادونه بذلك اللقب 'جوسكا'، إنه الشاب الموهوم الذي يجد نفسه...