.١.

3K 192 142
                                    

مدينة ياكوتسك، شرق سيبيريا، روسيا.
حانة يوسوڤا پولينا، الثلاثين من أكتوبر، الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً.

لم أكن أعلم حتى كيف أن يكون وقع صفير مسحي الكأس الزجاجي أعلى من صوت الموسيقى الصاخبة، هل أنا مجنون؟ لا ليس هذا السؤال، بكل تأكيد أنا كذلك ولكن—! أرفع رأسي بتباطئٍ محاولا البحث عن وجوه مألوفة، وجهها.. ولكن كل ما يقابلني هو الضباب والتشوه خاصة أن خصلات شعري المُتسخة تمنعني من الرؤية ما هو أبعد عن أنفي.

تعلمُ أنك تقدرُ على فعلها، هذا هو الخيار الوحيد المُتوفر! صوتها يُخاطبني وقد تسبب في ارتعاش يدي لذلك قمتُ بتحريك رأسي هنا وهناك، أحاول التركيز مع مهمتي قبل الأخيرة وبعدها سوف آخذ إجازتي.

الأضواء وفلاش الكاميرا تعود إلى ذهني كل مرة تصفعني أضواء الديسكو وبالتالي تساعدني أكثر على الغوص وسط وهمي الحُلو وتناسي موقفي الحالي، وكأنها بالجوار، سوف أستدير وأجدها بالزاوية.

«جوسكا عزيزي، هل تريد الذهاب إلى منزلي الليلة؟» مرة على مرةٍ استمعتُ إلى الأسئلة المستهزئة التي تقذفها إحدى الأصوات النسائية المتعجرفة بلكنتها الروسية الثقيلة، ومراتٍ كثيرة أجد نفسي بين أحضانها أو وسط أسرتها الناعمة صدفة.

كلهن يعرفن قصتي، يعرفن دماري ولكنهن لا يهتممن بالأحداث والخطايا والنتائج بقدر اهتمامهُن بإيواء رجل مكسورٍ وسط بيوتهن والافتتان بالشروخ التي تترك زينةً خلابة بأعينٍ سرقت ظلمتها من السماء الليلة الداكنة.

لطالما شبهن عيناي بالثقب العاتم الذي يبتلعك، بالسماء عديمة النجوم وهذا لأنني فقدتُ النجمة الوحيدة التي أضاءت سمائي بالماضي.

أو ربما هن فقط معجبات بقصص وشومي؟ أو لربما لأنني الكوري الوحيد بهذه المنطقة؟ مقتطف سريع يمر لإحداهن وهي تُتمتم لي أنني الشيء الوحيد الناعم في عالمهم الجليدي.

أجل الشيء، أنا شيء.. أداةٌ ما فاشلة لا علاقة بالنعومة.

بجعتي البيضاء، هي تهمس مجددا ولا أزال مشتاقًا لكل تلك الملامسات.

أصفع وجهي أتذكرُ حقيقتي، اسمي الحقيقي، أصلي، ما فعلتُه و— ولكن لقد فقدتُ رفاهية الانزعاج منذ سنواتٍ، ورغم توقفي عن العد أدري أن هناك قفزة زمنية هائلة بين ما حدث ومكاني الحالي.

جوسكاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن