كنت اتصبب عرقا، اتنفس بصعوبة، ارتجف، أشعر بالدوار. هل هذا لأنني رأيت جثة إنسان مباشرة أمامي، أم لأنها جثة سارة.
نظرت إلى جثتها الهامدة، لمست جسدها البارد، حملتها بين ذراعي و لم أبعد ناظري عنها، أخذتها إلى أقرب مستشفى لأنني لم أصدق موتها، و فحصها الطبيب فأجاب ليطمئنني لقد أنقذت حياتها بإحضارها قبل فوات الأوان. لكن كل هذا حدث في خيالي أما في الواقع فقد أكملت طريقي بدون روح، أركض بين الأزقة لأنقذ حياتي و لم أتوجه حتى إلى مخفر الشرطة،لأخبرهم عن مكان جثتها على الأقل.
بعد أن هرعت إلى بيتي كجرو خائف، وضعت ضهري على الباب أستمع ربما تبعني المجرم إلى غرفتي أو ربما سبقني و هو الآن يختبأ في الداخل، ربما هو الآن خلف الحمام ينتظر لينقض علي. أخذت نظرة من النافذة: لا أحد في الخارج ثم تسللت ببطء و انكمشت في سريري أنظر إلى يدي عندما حاولت لمسها إلى أن أخذني النعاس. لقد كانت مرتي الأولى التي أرى فيها جثة حقيقية، و قبل أن أنام كان عقلي يردد من هذا المجرم الخفي الذي لا تراه الأعين.. مجرم خفي لا تراه الأعين و بدأ النوم يسلبني ببطء شديد مغتنما تشتت أفكاري و كثرة الحوارات و السيناريوهات في عقلي
.
.
.في العاشرة من عمري قدمت إلى ذاك البيت رفقة والدتي بهدف خدمة تلك العائلة الغنية، و تركنا أبي خلفنا محشورا في بيتنا الصغير داخل احد الأزقة الضيقة في أبعد مدينة مهمشة، لسنا نحن من تركناه بل أبى مرافقتنا و اكتفى بالسماح لنا بالذهاب مقابل إرسال بعض البقشيش ليشتري علب السجائر و قوت يومه و بعض قارورات النبيذ.
سارت بنا السيارة طريقاً طويلة بين العشب، إن لم تخني ذاكرتي كانت أشعة الشمس باردة أو ربما خيلت إلي أنها أبرد من الرياح الغربية. ثم وصلنا الى بلدة ريفية جميلة، كانت البنايات تضفي رونقاً على البلدة الصغيرة ثم وصلنا الى باب بيت كبير و شاسع، مساحته ضعف مساحة بيتنا بخمس مرات، عجبت بشكله و وساعته و أنا الذي أمضيت طفولتي بين أربعة جدران في مساحة تقل عن التلاثين متر، تنهدت عندما وقفت ببابه الأبيض الضخم و شعرت ببعض الحسد يدق باب قلبي.
عندما فتحت سيدة بشعر بني قصير باب بيتها و رحبت بنا، كانت بسيطة في كلامها متواضعة في أفعالها عكس والدتها و كأنها هي الخادمة لا أمي، خرج زوجها من غرفته و انحنى على الطريقة الآسيوية ليستقبلنا ثم فتح ابنهما باب بيته و ضل واقفا أمامه ينظر إلي بصمت و وجهه لا يعبر عن أي شيء ضل صامتا لبرهة و في تلك اللحظة لم أشعر بشيء و كأننا وحدنا في المكان نتابدل النظرات دون حديث لكن أرواحنا قد فعلت، تحدثت و تحاورت و اكتشفت كل واحدة منها الأخرى. و اكتشفت فيما بعد أنه يدعى روكي
لم يأمرني روكي و لا مرة في حياته بأي شيء لم أشعر ابدا أني خادمه ربما بعض العتابات إذا بدى مني تصرفا خاطئا قد يؤذيني أو يمس بسمعة عائلته. مثل المرة الأولى التي سأدق فيها باب بيته ربما اليوم الثالث من قدومنا لخدمتهم عندما دخلت دون طرق للباب و تركت الباب خلفي مفتوحا لأضع ثيابه في خزانته و قبل أن أغادر دون حديث أغلق الباب في وجهي و اتكأ عليه يقابلني لم أدري ما أفعل فقلت له
"سيدي، اسمح لي بالمغادرة"فتحدث لأسمع صوته لأول مرة منذ مجيئي لقد كان صوته عميقا منذ طفولته
" هل طلبت اذني عند الدخول ؟"" آسف"
" لقد سألتك"
" لا لم أفعل "
" لقد دخلت بدون إذن مني و لم تغلق الباب خلفك و الآن ستخرج بعد اذني "
انتظرت قليلاً لكن لم يصدر قراره بعد فسألت
" هل تأذن لي "" كلا "
" و الآن سيدي "
صمت لوهلة و نظرت في عينيه فبدى لي بريق برئ و دهاء سابق لأوانه فابتسمت له لكن بدت لي ملامح التعجب في وجهه من ابتسامتي، غادر و جلب لي بعض الكتب ثم استدار لمكتبه
" خذها لم أعد بحاجة لها "ضلت أمي تتذمر و تردد كيف لامرأة بيضاء أن تخدم عائلة لها دماء آسيوية دنيئة. نظرت إلى صاحبة البيت باحتقار، رأتها كامرأة ذليلة تزوجت حيوان همجي مفترس يجرب طعم الحضارة بالزواج بها، و رأته كأحمق شره خدع امرأة أوروبية بيضاء و استولى عليها و كيف للمرأة الأوروبية أن تترك الأشقر و تتزوج رجلا بعيون ضيقة و ساق قصيرة كم سخرت من شكله و لكنته. و كان روكي أيضا صغيراً حينها كما كنت متأكدا أنه يسمع أغلب تراهاتها لكنه يفضل عدم الاكتراث
ثم انتقل حلمي في اليوم الثامن من ديسمبر اليوم الذي سافر فيه روكي و والدته و أمنا والدتي على منزلهم، فنادت والدي للقدوم بسرعة قبل عودتهم،
كان والدي و والدتي في غرفتهما و كنت أنا انفذ أمر السيد الصغير قبل مغادرته في غرس بعض الزهور و الشتلات التي اختارها بعناية فائقة رفقة والده و قد كان والده قد ارتحل قبيل أيام قليلة و ربما هذا سبب سفرهم لا أذكر السبب في الحقيقة. ثم شعرت بحرارة قوية و شممت رائحة الاحتراق فالتففت ببطء و وجدت بيتهم يحترق بكل شيء اقتربت منه ببطء و .......
ايقظني صوت نواح عال دخل من النافذة المفتوحة لقد سمعت صوت لطم و صفع. نظرت إلى الساعة لقد غفوت لأكثر من أربع ساعات، ثم توجهت إلى النافذة لأفتح النصف الآخر منها و لطم وجهي ذاك الريح البارد، أعرف هذه الرياح التي تحمل رطوبة المطر، سيهطل قريباً ربما.
ثم نزلت بناظري إلى الأسفل لأرى والدتها المسكينة تلطم خدها و تربت على قلبها و قد جفت الدموع من عينيها، لم أفهم ما تقول بعد أن اختلطت الكلمات الإيطالية بأخرى انجليزية و بعض الكلمات العربية.فتح أخي باب غرفتي ثم قال لي بصوت رتيب
" منذ متى و أنت هنا؟ "أغلقت النافذة و أجبت بهدوء
" منذ فترة طويلة"" هل كنت نائما ؟"
أومأت برأسي
" بلى "و كعادته أخذ ثوبي الملقى على الأرض و بدأ يرتبه ليعيده إلى الخزانة و التقط ما رمي على الأرض ليعيد كل شيء لمكانه
أطلقت سلسلة من التنهيدات و اتكأ هو على الخزانة فابتسمت له و تغيرت ملامح وجهه ثم أمسك بمقبض الباب فسألت بسرعة قبل أن يغادر
" هل تذكر كيف كانت ردة فعلي بعدما علمت أن والداي ماتا في الحريق الذي شب ببيتنا؟"
أنت تقرأ
غرفة في الجحيم / Room In The Hell
Misterio / Suspensoليتني لم أعلم من انا. ليتني لم أعلم من أنت. ليتني لم ألتقك . ليتني ... ليتني ... لقد أصبحت ضائعا بين احزان الماضي و التاسف على الحاضر و خشية المستقبل قصة قصيرة يرويها بطلنا ريتشارد حينما تحول ماضيه و حاضره إلى كذبة تجرعها حياته بأكملها