اقتبااس

2.3K 104 20
                                    

كانت الأجواء كارثية في شقة العم دامر وكأن احتلها مواطنون غير عائلته الصغيرة ، وهؤلاء المواطنون هم اولاد أخيه بدر وهو برفقتهم ، فها هنا في احد زوايا الشقة علي الطاولة الخشبية يجلس سمير متربعاً فوقها وحول جبينه قماشة يلفها حولها بينما أمامه صينية عليها اوراق الملوخية الخضراء وهو يخرطها بالاداة الحادة الخاصة بها وبجانبه تجلس جميلة زوجة عمه علي مقعد الطاولة وهي تقطع بعض الخضراوات وهما يتحادثان ويتضاحكان من وقت لآخر غير مكترثان لمن حولهما ، وعلي جانب ليس ببعيد تجلس غزوة علي الاريكة في الصالون برفقة صديقها الذي لا تتركه في اي مكان وهو الكتاب المدرسي تذاكر دورسها وتكتب ملحوظاتها في دفترها بتركيز تام ، وعلي مقعد قريب منها تجلس أصالة بإهمال تضع قدماً فوق الآخري وقد كانت النقيض لشقيقتها الكبري تماماً حيث كانت تضع غطاء ذهبي فوق صفحة وجهها بما يسمي ( الماسك الذهبي للعناية بالبشرة ) وخصلاتها تندس في منشفة مبللة بمياه دافئة ،وبيدها مقلم للأظافر تعمل علي أظافرها بإنهكام ، تهتم بأنوثتها جيداً رغم انها لم تبلغ بعد ولو العاشرة حتي ، وكعادتها بشفتيها تدندن بصوت مسمع للكل بأغنية للهضبة تحبها ولا تبالي بمن حولها :
" دول مش عشرة يومين...طيب نروح من بعض فين !
مش انا اللي هفكرك....انا عايزك تبقي عااارف ..انا لسه بقدرك.
يابعيد عن عيني يا عيني...يا عيني بعيد "
كان الكل منشغل ولا يبالي بمن يركض في الأرجاء هرباً من أبيه الذي يلاحقه بغضب وهو يصرخ به أن يتوقف لكنه يصرخ بهلع ويتابع ركضه كالدجاجة وقد يأس من ان يساعده أحد إلي ان وقف فوق الأريكة التي تجلس عليها غزوة واندس خلفها وهي مازالت تقرأ في كتابها ثم نظر إلي أبيه صائحاً بتذمر ووجهه منكمش وكأنه علي وشك البكاء :
_ ياعم خلاص بقا كانت غلطة ومش هتتكرر.
وقف بدر علي بعد متر منه يقبض علي شفتيه بغضب صائحاً مثله :
_ كل مرة تقول كده وبرضه ترجع تغلط.
دافع زيد عن نفسه قائلاً بسخط :
_ وانا ايه عرفني ان ابوها هو اللي هيرد علي التلفون مش هي !
فقد أعصابه وصاح بذهول من غباء ابنه المفرط :
_ مش البت هي اللي ادتلك الرقم وقالتلك انا هرن عليك مش انت عشان ده تلفون ابوها ، انت حمار ياض ما طبيعي هو اللي يرد وو....ثانية انا بجادل معاك في ايه خد هنا يالا هي وصلت للأرقام يابن ال..
ثم خلع فردة حذائه وقذفها نحوه فمال زيد لأسفل علي شقيقته التي صرخت بألم من شده لخصلاتها دون قصد ، شعرت أصالة بالضجر من صراخهم وقالت تقاطعهم في ملل :
_ وبعدين في الدوشة دي ما تهدي انت وابنك شوية مش عارفة اركز في ضوافري !
التفت لها بدر وهم بأن يحدثها بغضب لكنه شهق بدهشة من مظهرها وتأملها للحظات قبل أن يهتف مذهولاً من هذه الفتاة التي تدهشه يوماً بعد يوم :
_ انتي بتعملي ايه حضرتك ؟
بلا مبالاة عادت لما تفعله وأجابته بلكنة انجليزية جيدة بعض الشئ :
_ I take care of myself , dad.
هز بدر برأسه بتفهم وتخطي أمرها ينظر إلي ابنه المختبئ مرة أخري :
_ ما علينا ، هتيجي لوحدك ولا اجيلك انا ؟
اعتدل زيد واقفاً وهو يجيبه بإرتباك فهو يعلم جيداً إن أتي له ماذا سيفعل به :
_ طب بص متجيليش وانا هعاقب نفسي بنفسي ، انا بوعدك دلوقتي اني مش هكلم بنات تاني لمدة يومين إلا تلات ساعات بس وهكمل اليوم الباقي تمام !
رفع حاجبيه متعجباً :
_ اشمعني المدة دي ؟
فسر له زيد متصنعاً الخجل :
_ عشان في التلات ساعات دول عندي معاد مهم مع دوللي عازمها علي الغدا بعد المدرسة انا كنت واعدها ، ودي بالذات مش هقدر اتأخر عليها يا بابا دي في نغاشيش قلبي.
حدقت به الفتاتين بنظرة متهكمة مشمئزة في حين اصطنع بدر التأثر من كلماته هاتفاً :
_ ياحبيبي كبرت يا زيد وبقيت تفهم ان مينفعش تكسر وعودك لحد.
صرخ زيد متفاجئاً حين انقض بدر عليه يجذبه من تلابيبه يضعه أسفل ذراعه ثم نظر للجميع حوله متسائلاً في رفق :
_ حد عاوز الواد ده تاني في الحياة يا جماعة ؟
نفوا برؤسهم بعدم اكتراث فتحرك بدر نحو باب المنزل وهو يقول بالاخير قبل أن يخرج وزيد يصرخ بهم بنجدة :
_ طب يلا حلال الله اكبر بقا.
وما أن اختفي عن أنظارهم عاد كل منهم إلي ما يفعله بينما يقول سمير إلي زوجة عمه بأسف :
_ الله يعينه علينا ، هيعيش ويموت بيحاول يعدل فينا ، مفيش فايدة.
خرج دامر من غرفته ينظر إلي محتلين بيته وقد تعود علي رؤيتهم هنا بالفعل واقترب من حيث يجلس سمير كابتاً ضحكته قائلاً له باستهزاء من هذه العصبة حول جبينه تماماً كما كان والده يفعل قديما :
_ يديكي العافية يا خالة فهيمة.
ذم سمير شفتيه بغيظ ولم يرد عليه في حين هتفت جميلة ضاحكة :
_ متتريقش عليه يا دامر دا قاعد معايا من الصبح هنا بيساعدني في الغدا.
هتف سمير ينظر له :
_ وعشان تريقتك دي بقا مفيش أكل ليك.
جذبه دامر إليه بغتةً من عنقه مردداً بتهكم :
_ مفيش ليا ايه يا روح امك !
ابتلع ريقه بتردد وغير قوله بجدية :
_ كل الأكل ليك يا باشا ولا تزعل نفسك.
ثم ترك ما بيده فجأة والتفت إليه متابعاً برجاء :
_ بس كان ليا عندك طلب صغير عارف إنك هتقدر عليه.
زوي بين حاجبيه بتساؤل فأكمل سمير بتردد وهو يستمع إلي خطوات غاضبة من خلف باب الشقة :_ تحميني من أخوك المرة دي بس !
وما ان انتهي صدعت صرخة بدر العالية " سميييير "
تعلق بعنق من بجانبه هاتفاً ببكاء :
_ احميني يا عمي..
........

يخرج من مصيبة ليدخل في أختها علي الفور دون تمهل وكان أبنائه قد اتفقوا علي ألا يجعلوه يهنأ او يرتاح في حياته طالما هم معه ، أليس هو من اراد يوماً أن يكون عائلة ، إذاً فليتحمل المعيشة معهم إذا كانوا بكل هذا الجنون الذي ورثوه عنه !

موعدنا يوم ١/١ مع اول فصلين من " للحب سبلٌ أخري "
حيث يحكي عن أجمل معاني الحب...حب العائلة ❤

للحب سبلٌ أخريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن