الفصل الثاني : أربعة ضد واحد ليس عادلاً !

1.9K 107 32
                                    

الأول محب المصائب..
الثانية تعشق الاجتهاد..
الرابعة لا تبالي..
أما الثالث سيأتيه بأزمة قلبية قريباً بأفعاله المصدمة.
وضع يده فوق قلبه يتمني أن لا تاتيه سكتة مفاجئة مما يراه الآن وقد انكمشت ملامحه لا يعرف تأثراً أم اشمئزازاً ام اندهاشاً او كلهم معاً وهو يستمع إلي ابنه يقول بنبرة دافئة قصيدة مشهورة والبلهاء التي أمامه تبتسم كأنها تفهم ما يقول :
" الموجُ الازرقُ في عينيكِ..يناديني نحوَ الاعمقْ
وانا ما عندي تجربةٌ في الحبِّ ولا عندي زورق
إني اتنفس تحت الماء...
إني اغرق....أغرق ...أغرق.
:_ وانا ميرضنيش يا حبيبي انك تغرق وهنقذك حالاً
نطق بتلك الجمل بدر ساخراً وهو يقتحم جلستهما ، شخصت عيني زيد بذهول من وجود أبيه وانتفض واقفاً علي قدميه مردداً بذعر :_ بابا !
كذلك شهقت الفتاة ووقفت بجانبه بل شبه خلف ظهره من نظرات هذا الدخيل المخيفة نحوهما وهو يقترب قائلاً بسخرية وهو يشير بيديه :
_ بابا ! ده انت اللي بابا وستين بابا ، ده انا طول حياتي مع امك عمري ما عرفت اقول قصيدة زي اللي لسه قايلها دي.
وما ان وقف أمامه مد يده يجذبه من مقدمة ملابسه ورفعه بيدٍ واحدة حتي جعله امام عينيه الغاضبة وزيد يهتف بذعر من غضبه:
_ اديني بس فرصة هشرحلك !
هزّه بدر من ملابسه صائحاً بتهكم :
_ تشرحلي ايه ، ما كل حاجة واضحة اهي ، البيه مزوغ من الحصص وقاعد يقول اشعار للمحبوبة ، هي دي بقا ياسمين اللي انت قارفني كلام عنها !
شهقت الفتاة بدهشة وصاحت قائلة بحدة وكأنها شابة غضبت من خطأ احدهم في اسمها:
:_ ياسمين مين يا عمو انا روميساء ، انتي مش قوليلي يا زيد ان انا البنت الوحيدة في حياتك اللي تعرفها !
فتح فمه لكي يدافع عن نفسه لكن اناب بدر عنه وقال لها بسخرية :
_ لا ياحبيبتي غلطانة هو قال كده لينات كتيير قبلك ، تقريبا ١١ ولا ١٢ غيرك.
ذمت شفتيها بغضب وقالت :
_ كده يا زيد ، ماشي.
ثم اقتربت منهما واشارت باصبعها له بغيظ :
_ عمو نزلهولي هنا لو سمحت !
تركه بدر ارضاً لها متمنياً أن تفعل ما يفكر به ، وقفت أمام زيد تحدق به بغضب صائحة:
_ انا غلطانة اني زوغت من حصصي عشانك ، مش عايزة اعرفك تاني ولو شوفتك صدفة مش هيحصلك كويس ، فاهم ، وخد ده كمان عشان كذبك.
وختمت حديثها بصفعة من يدها علي وجنته جعلت رأسه يلتف للجانب متأوهاً بألم وهو يراها ترحل تدب الارض بغضب ، عقد بدر يديه امام صدره وهو يبتسم بشماتة وقد اعجبه ما حدث الآن لأنه يستحق ،قائلاً بتشفي :
_ ادي اخرة قصايدك يا حبّيب.
ذم زيد شفتيه وبحركة معتادة منه حين يشعر بالحنق رفع يديه يبعثر خصلاته بغيظ ثم نظر إلي أبيه هاتفاً بسخط وهو يتلمس وجنته بالم:
_ انت فرحان فيا ، ده بدل ما تواسيني !
هز رأسه بخفة يجيبه باستهزاء قبل ان يقترب منه :
_ ده انا هواسيك اجمل مواساة دلوقتي.
ثم جذبه من ملابسه يرفعه لأعلي مرة اخري وصاح بغضب أجفله وهو يهزه بيده :
_ عارف يالا لو زوغت من حصصك تاني هعمل فيك ايه ، هحبسك في البيت لا مدرسة ولا شارع وابقي قابلني لو عرفت تقابل محبوباتك دول ازاي !
فـاهـم ولا اعــيـد تـانــي !
انتفض زيد بهلع واومأ بإيجاب سريعاً :
_ فاهم فاهم هدي نفسك يا وحش هدي ، انت مالك بتتعصب بسرعة كده ليه !
تركه بدر بغيظ ليقع الآخر أرضاً متأوهاً ،
وهو يجيبه متأفف :
_ ماهو منكم واللي بتعملوه فيا ، اجري يالا علي فصلك يلااااا.
وقف زيد ينفض ملابسه وقد هبطت خصلاته تغطي حافة عينيه ينظر له بشر يتمتم بما جعل بدر يشخص عينيه بذهول :
_ لولا بس انك ابويا كنت عرفتك ازاي تعاملني كده.
تأوه بألم حين جذبه بدر من اذنه إليه صارخاً :
_ انت بتقـول ايه يــاه !
أغمض زيد عينيه وهو يتأوه يجيبه سريعاً :
_ انا اسف انا اسف والله مش قصدي خلاص..
أفلته بدر وهو يصرخ به أن يذهب إلي فصله فتحرك زيد في الاتجاه الآخر رغم علمه بأنه ليس اتجاه الفصل ، زفر بدر بنفاذ صبر وجذبه من عنقه ليتحرك معه عازماً علي ان يعيده بنفسه إلي الفصل ليضمن عدم هروبه مرة أخري.
**********
استيقظ من نومه علي صوت المنبه الخاص بهاتفه فتحرك بخمول وهو يشعر بجسداً صغير فوق صدره ليفتح عينيه اللامعة ينظر لما يثقل صدره ، ابتسم ما ان رأي زين الصغير ابن أخيه يغفو بسلام وهو يعانقه ، نظر له زين بحبٍ وهو يربت علي خصلاته بلطف مستمتعاً بدفء اللحظة الذي ياتيه ما ان يراه غافياً فوق صدره ، منذ ولادته وحتي هذا اليوم تعّود علي أن ينام الصغير في غرفته كذلك الصغير ، لطالما آنس وحدته في غرفته وانساه همومه وجعل اركان الغرفة تجلجل من الضحكات السعيدة الخاصة بهما ، لم يتزوج حتي الآن وفضل ان يبقي عازباً مكتفياً بعائلته خاصةً هذا الصغير أكثر رغم محاولات أخيه معه أن يتزوج لكنه يأس من موافقته فتركه حتي يقرر هو ، وصدقاً إلي الآن لا يعرف كيف يأخذ هذا القرار بعد تعلّقه الشديد بالصغير وتعوّده علي وجوده دائماً بغرفته ، فـ كيف سيتقبل عدم وجوده إن تزوج وشاركت فتاة ما حياته بكل تفاصيلها حتي النوم ، لا يعرف كيف ولا يكترث.
تنهد زين خارجاً من شروده وقبّل رأس الصغير برفق قبل ان يحركه بحذر حتي جعله ينام علي الوسادة ثم مسح علي وجهه قبل أن يجذب هاتفه ويغلق المنبه ، قرر ان يتصل به ليري ماذا يفعل الآن ، فضغط علي رقمه واتصل به مبتسماً ، بالطبع سيجده غارقاً في إحدي مصائب فلذات أكباده الاربعة...
بعد ان أوصل زيد إلي فصله وأوصي المعلم أن ينتبه له اكثر تحرك نحو باب الخروج بخطي سريعة قبل أن يوقفه احد ما ويخبره بمصيبة جديدة فعلها أحد أبنائه ، اخرج هاتفه الذي تعالَ رنينه من جيب معطفه وفتح المكالمة علي الفور رافعاً الهاتف إلي أذنه قائلاً بسخرية :
_ يا روقانك ، طبعا لسه صاحي ولا علي بالك أي حاجة !
ضحك زين بخفة وأجابه بنفس السخرية :
_ و أشيل الهم ليه ، هو انا مثلا عندي أربعة مجانين امشي الم في مصايبهم كل شوية !
ثم سأله رغم توقعه للإجابة :_ انت فين ؟
فتح بدر باب سيارته وجلس في مقعده يغلق الباب خلفه وهو يجيبه متنهداً :
_ هكون فين يعني ، في المدرسة.
ضحك زين عالياً وردد :
_ طب والله كنت حاسس ، هما مش هيهدوا بقا !
تأفف بدر وضرب بيده المقود مغتاظاً :
_ انا مش عارف الاقيها من مين فيهم ، انا اه كنت مجنون زمان بس هما عدوني ، دول ليڤل اعلي مني ، يلا الله المعين ، رايح السنتر النهاردة ؟
اومأ زين بخفة :
_ ايوا كمان ساعة هروح هناك ، فيه كذا محاضرة النهاردة هخلص علي الساعة خمسة ، ابقي عدي عليا بالليل شوية ندردش سوا ، وهات البت اصالة معاك هعلمها رسمة جديدة.
أجابه بدر بموافقة ثم أغلق معه الهاتف قبل ان ينطلق بسيارته نحو الكافيه القريب لينتظر أولاده به.
**********
انتهت محاضراته وعاد من الجامعة عصراً ، أخذ غفوة سريعةً دون ان يغير ملابسه وعقب أن فعل جلس علي مقعد امام مكتبه ليذاكر ما اخذه اليوم كي لا يتراكم عليه وهذه عادة لديه منذ الصغر لطالما كانت السبب في تفوقه بالدراسة ، تلقي مكالمة منها جعل وجهه يشرق بسعادة حيث لم تحادثه منذ ان ذهبت إلي ذلك التدريب الغبي منذ اسبوع في محافظة الاقصر يخص كلية الآثار التي هي بها بالعام الاخير ، ترك ما بيده ويجذب الهاتف يفتح المكالمة ،
طال حديثهما قرابة ساعة حتي انتهي وعقب ان أغلق معها فتح تطبيق المعرض في هاتفه ، ضغط اصبعه علي صورة يحميها برمز سري لكي لا يكشف أحد سره وفتحها ليحدق بها طويلاً ولا يمل ابدا من النظر لها ، مال برأسه يستند فوق ذراعيه علي المكتب وعينيه تتأمل تفاصيل وجهها الحسن وهي تبتسم بسعادة ليتمتم مشدوهاً بملامحها اللطيفة متمتماً بخفوت باسمها :_ جود..
استمع إلي نداء والدته من خارج الغرفة يسجبه من شروده :_عـمـار...يا عــمار الأكل جاهز.
أغلق هاتفه سريعاً وتحرك خارجاً من الغرفة فرأي والدته سمارا قد احضرت الطعام إلي الطاولة ، رائحته الشهية وصلته وهو يقترب منها مبتسماً لها :
_ تسلم ايدك يا حبيبتي اا..
قطع كلماته حين رأي بعينيه هذا الكائن الصغير يجلس علي احد مقاعد الطاولة وقد بدأ بأكل المعكرونة الطويلة بتلذذ دون أن ينتظر الباقي ان يجلس ، رفع عمار حاجبه وأشار له يسأل والدته بتعجب:
_ الواد ده بيعمل ايه هنا !
جلست سمارا علي مقعدها وهي تجيبه ضاحكة :
_ مامته عاملة فراخ وهو مش بيحبها فعزم نفسه عندنا النهاردة.
رفع زيد عينيه من علي طبقه المفضل ينظر إلي ابن عمه ببرود قائلاً وهو يمضغ ما بفمه بتروٍ :
_ عندك اعتراض يا عموري !
أعطاه بسمة صفراء وهو يجلس علي مقعده المقابل إليه وهو يجييه بغيظ :
_ ابدا يا روح عموري ، تنور وتآنس.
خرج ساهر من غرفته يرتدي نظارة عينيه متجهاً نحو الطاولة ، ابتسم ما ان رأي زيد جالساً وقال له أثناء ترأسه للطاولة مرحباً :_ سوما العاشق بنفسه عندنا ، اهلا وسهلا.
حرك زيد رأسه بزهو وهو يقول إلي من يقابله :
_ اهلا بيك يا عمو ، شوفت ، اهو ده الترحيب ولا بلاش.
ثم نظر إلي عمه مبتسماً بإتساع :
_ بقولك ايه يا عمو يا قمر انت ، بعد ما نخلص أكل عايزك في حوار مهم لا يستدعي التأخير بتاتاً.
ضحك ساهر من طريقته الشبيهة بأبيه وبعثر خصلاته بخفة يجيبه :
_ ماشي يا لمض خلص أكلك الاول.
وبالفعل بدأ الجميع بتناول الطعام ولم يلاحظ الوالدان نظرات زيد وعمار الغامضة إلي بعضهما البعض وكان الاول يبتسم له بخبث من حين لآخر ، والثاني يحذره بعينيه بحدة من التمادي.
**********
" وانت عامل ايه...مبسوط ولا ايه..والدنيا لذيذة معاك..بتضحك ولا ايه !"
خرجت من المطبخ تدندن بانسجام وهي تحرك أذرعتها تتجه نحو باب الشقة حيث جرس الباب يعلو من الخارج ، فتحت الباب فقابلها وجه عمها دامر الذي زوي بين حاجبيه بتعجب وظن أنه اخطأ بالشقة لكنه تذكر أنها من محتلين بيته فكيف لا يراها ، ابتسمت أصالة ما ان رأته وصفقت بيديها تتابع غنائها بعد ان غيرتها :
_" حمدلله ع السلامة...هلا هلا...اشتقنا ليكم ياما هلا هلا "
أغلق الباب خلفه ما أن دخل وتابع خطاه للداخل قائلاً لها بسخرية وهو يخلع سترته :
_ هو انا راجع من الحجاز !
ثم نظر حوله فلم يجد باقية المحتلين فسألها باستغراب بعد أن وقفت بجانبه :
_ اومال باقي القبيلة فين ؟
رفعت اظافرها تنظر بها وهي تجيبه بلامبالاة بينما تجلس علي طرف الأريكة :
_ غزوة بتذاكر في المطبخ ، وسمير بياكل علي طاولة الأكل ،
وزيد معرفش في اي داهية وانا منورة لك الشقة هنا.
ثم انتفضت واقفة فوق الاريكة حتي تصل إلي طوله قائلة بحماس :
_ صحيح مقولتلكش علي اللي حصل النهاردة في المدرسة.
تحرك حتي وقف امامها يرفع حاجبه بترقب :_ استر يارب ، خير ؟
رفعت يديها تهندم له ياقة قميصه وبدأت في سرد ما حدث اليوم دون أن تغفل عن حرفاً :
_ كالعادة مصيبة جديدة ، ابن اخوك البكر اتخانق مع واحد زميله وضربه جامد في الساحة عشان كان بيعاكس مس وردة القمر بتاعت الرسم وهو بيحبها ومش بيستحمل عليها كلمة ، وكالعادة برضه اخوك بدورة جه المدرسة وحل الموضوع واعتذروا لبعض وخلصت الحكاية.
زوي بين حاجبيه بحدة وهو يستمع لها مردداً وعينيه قد لمحت سمير جالساً يأكل بغيظ وكأنه غاضب من أمر ما :
_ خناقة !..ضرب !
ذمت اصالة شفتيها وارادت إشعال غضبه أكثر وهي تسترسل بسخط :
_ مش انت اللي بتعلمه الضرب وفنون الدفاع عن النفس كل اتنين وجمعة ! اهو اتفضل بقا بيستقوي باللي بيتعلمه منك علي الناس وو...
انتفضت شاهقة وهي تقع من علي الاريكة حين صاح دامر بغتة باسم سمير الذي انتفض هو الآخر يبتلع ما بفمه بصعوبة وهو يقف عن مقعده قائلاً بتوتر :
_ عمي وعم عيالي اؤمرني حبيبي الغالي !
اشار له دامر بأصابعه بأن يأتي إليه فخفق قلبه بقلق وهو يحدق في شقيقته الواقعة أرضاً والتي راقصت له حاجبيها باستفزاز وتومأ برأسها بإيجاب بأنها اخبرته بكل ما في الأمر ، قبض علي يده بعنف يتوعدها سراً ، ثم اتجه نحو عمه قبل أن يصدع ندائه الثاني.
بعد عدة دقائق..
كبتت اصالة ضحكاتها وهي تقف بجانب عمها الجالس علي الأريكة يضع قدماً فوق الآخري ينظر في هاتفه بجدية بينما علي بعد مترين منه علي جانبه الأيمن يقف سمير أمام الحائط يرفع ذراعيه لأعلي وعلي قدم واحدة ولازال يتوعد شقيقته في كل لحظة تمر ، تأفف بحنق وقد تخدر ذراعيه قائلاً :
_ انا هفضل كده لحد امتي ؟
أجابه دامر دون أن ينظر له :
_ مش عايز اسمع صوت.
صاح سمير بغيظ شديد :
_ كله منك يا انغااام.
عقدت يديها امام صدرها وهي تحدثه مبتسمة باستفزاز :
_ عمي قال مش عايز يسمع صوت ، وبعدين اقف عدل وقفتك مش عاجباني.
اراد ان ينتقم منها الآن علي ما تفعله معه لذا صاح :
_ طب علي فكرة بقا يا عمي البت اللي واقفة جنبك دي بتطرد كل يوم من حصة شكل عشان بتبجح في وش المدرسين ومش بترد عليهم كويس كمان ها.
رفع دامر عينيه يحدق بها بنظرة أجفلتها جعلتها تتحرك دون حديث حتي وقفت بجانب أخيها تفعل مثله وهما يرسل كل منهما نظرات مغتاظة إلي الآخر ، خرجت غزوة من المطبخ بيدها كوبٌ من النسكافيه الدافئ والاخري بها كتابها المدرسي تقرأ به بتركيز ، رفعت عينيها وابتسمت ما ان رأته قد عاد من عمله فأغلقت كتابها وأسرعت لتجلس بجانبه طابعة قبلة لطيفة علي وجنته ثم حدثته بابتسامة :
_ حمدلله علي السلامة.
تبسّم دامر لها وربت علي وجنتها برفق :
_ الله يسلمك ، كنت بتعملي ايه جوا !
وضعت الكوب الذي بيدها علي الطاولة أمامه تجيبه وهي تضع رأسها علي كتفه :
_ كوباية نسكافيه معمولة بالحب عشان مادة الدراسات ، متغلاش عليك.
هتفت اصالة برجاء وهي تأن بألم من قدمها :
_ الحقينا يا غزوة .
كذلك فعل سمير بنجدة :
_ انا اخوكي الكبير يا غزوة ترضيلي الوضع ده قدامك !
تجاهلت حديثهما ونظرت إلي من بجانبها تسأله بغباء مصطنع :
_ عمي انت سامع حاجة بتتكلم !
نفي برأسه وأجابها قبل أن يجذب الكوب ليرتشف منه :
_ لا يا حبيبتي دي تهيؤات متخديش في بالك.
تنهد سمير وأنزل يديه ثم التفت يتجه نحوه جالساً علي الطاولة الزجاجية أمامه مباشرة يقول في شبه جدية :
_ ممكن بقا تركز معايا خمسة ونكمل العقاب بعدين ، انا محتاجك في موضوع مهم و..
نظر له دامر ناطقاً بجمود يقاطعه ؛_ لا.
استرسل بغيظ :
_ هو انا قولت حاجة ! اسمع بس انا ها..
قاطعه مرة أخري :_ لا..
اتخذ من التوسل قناع وهو يجثي علي ركبتيه أمامه يضع يديه علي فخذي عمه يهتف برجاء والآخر يتابعه بسخرية لكنه فضل الصمت حتي يفرغ ما بداخله :
_ ارجوك يا عمي ساعدني المرة دي بس إنه يوافق ادخل المسابقة دي ووعد مني ما هفتح سيرة مسابقة ولا سباحة ولا حتي بسين تاني في البيت ده.
تنهد دامر بخفة قبل أن يجيبه بجدية :
_ سمير ، انت عارف رأيه كويس في الموضوع ده ، كام مرة انت كلمته واتعصب منك وخاصمك كمان.
حدق سمير بشقيقتيه بتوسل خفي حتي يؤازرانه في أمره ، فجاءت أصالة لتقف بجانب أخيها وهي تحادث عمها برجاء :
_ ايوة يا عمي بس انت كمان عارف سمير بيحب السباحة ازاي.
كذلك قالت غزوة بنبرة هادئة راجية وهي تمسك ذراعه بلطف :
_ ومش معني انه تِعب في وسط اخر مسابقة يبقي نحرمه منها خالص ، ده حتي السباحة الحاجة الوحيدة اللي بيحبها وناجح فيها وانت بنفسك شوفت ده قبل كده ، عشان خاطري يا عمي اتكلم معاه !
جلست أصالة بجانبه من اليسار فأصبح محاط بهم ثلاثتهم تتمسك بذراعه برجاء شديد :
_ عشان خاطري يا عمي اتكلم معاه !
كذلك قال سمير بنفس الجملة وهو مازال ينظر لهم بصمت والتفت برأسه قليلاً للخلف حيث ظهر زيد من العدم من خلف الأريكة ومازال بيده طبق المعكرونة الطويلة فأكل بعضاً منها بالشوكة وهو يقول له أثناء أكلها بروية :
_ عشان خاطري يا عمي ، اتكلم معاه.
صمت دامر لدقيقة يتأمل وجوههم الراجية أن يُحدث والدهم في ذلك الأمر خاصة سمير الذي يكاد يستشعر خفقات قلبه الحزينة إن رفض هو أيضاً ،ورغم أنه قلق من الموافقة لربما يفقد سمير توازنه ووعيه في وسط المسابقة كما حدث في أخر مرة شارك بها وقد وصل الأمر أنهم نقلوه إلي المشفي عقب ذلك، لكنه تفائل خيراً ولم يرد أن يحرمه من أكثر شىء يحبه بالحياة بعد عائلته لذا تنهد وقال بما جعل الابتسامات السعيدة تشرق فوق وجوههم :
_ حاضر هكلمه وامري لله.
نظروا إلي بعضهم البعض بسعادة واثقين من أنه سينجح في إقناع بدر وكعادتهم منذ الصغر حين يوافق علي طلب منهم ، رفعوا أذرعتهم يحركوها يهتفوا عالياً في صوت متوازن سعيد وهو يراقبهم بضحكة يائسة:
" يعيش دامر حبيب الكل...يعيش دامر ونهاره فل...يعيش يعيش يعيش "
ثم ضحكوا جميعاً وأحاطت الفتاتان العم بسعادة ، وأثناء ذلك كان بدر ينزل الدرج يرتدي ملابسه المنزلية السوداء ويرفع قبعة السترة الخلفية فوق رأسه وقد ظهرت بعضاً من خصلاته المبتلة حيث قد عاد من العمل منذ ساعة ولم يجد أياً من قبيلته بالشقة فعرف علي الفور أين سيكونوا لذا عقب أن استحم وتناول غدائه خرج ليأتي إليهم ، اقترب من باب شقة أخيه الموارب حيث لم تغلقه أصالة جيداً آنذاك وولج إلي الداخل يضع يداً في جيب سترته والأخري بها جزرة يقضم منها من حين لآخر ، رفع حاجبيه وهو يمضع ما بفمه حين رأي تجمع الأربعة حول أخيه والذين تلاشت ابتساماتهم فور رؤيته ونظروا إلي بعضهم بوجل وقلق ، اقترب منهم وهو يقول متعجباً بسخرية وهو يشير إليه :
_ مالهم دول قاعدين حواليك زي خلية النحل كده ليه ؟
ساد الصمت الأرجاء للحظات إلا من صوت شفط المعكرونة التي أكلها زيد قبل أن يعود ليتابع الأجواء بتركيز وكانه يتابع مشهد من مسلسل مفضل، نظر دامر لأخيه ملياً وهو يستعد داخلياً لمناقشة طويلة حادة علي وشك الحدوث بينهما ثم وقف بتنهيدة قائلاً بجدسة قبل أن يتجه نحو غرفة ولديه الذان مازالا في الجامعة ولم يعودا بعد :
_ عايزك في كلمتين ، تعال.
**********
خرجت جميلة من غرفتها تفرك عينيها بخمول ولازال أثر النعاس علي وجهها ، تتساءل بداخلها عن سبب نومها الكثير في الآونة الأخيرة ، نظرت حولها تبحث عن محتلي بيتها فلم تجد احداً ولم تكد تتنفس براحة لانها ستنال بعضاً من الهدوء أخيراً فوقعت عينيها عليهم لتتنهد بيأس لم يدم حيث زوت بين حاجبيها باستغراب متسائلة عن وقوف الأربعة هكذا يلصقون آذانهم في باب غرفة ولديها الشابين يسترقون السمع بتركيز ، وقد كان زيد جاثياً أرضاً ولازال يأكل من المعكرونة ممتناً بداخله لزوجة عمه التي ملئت له الطبق عن آخره كي يسليه في هذه الاحداث الجارية ، وفوق منه تقف أصالة تستند علي كتفيه تلصق أذنها بالباب مثله ، وسمير يجثي مقابلهم وقد كان أكثرهم قلقاً وخلفه تقف غزوة التي تمسك الكتاب بيديها تقرأ به بتركيز لم ينقص رغم أنها ترمي أذنها وبعض منه بداخل الغرفة التي ولج بها عمها بصحبة أبيها منذ عدة دقائق ولم يخرج لهما صوت بعد.
اقتربت جميلة منهم حتي وقفت بجانبهم وعلي ملامحها دهشة وهي تتساءل باستنكار :
_ انتم بتعملوا ايه ؟
بخوف أشار لها الأربعة سريعاً بالصمت فانتفضت من فعلتهم وكررت سؤالها مرة أخري بهمس لتجيبها أصالة وهي تود لو تخترق أذنها الباب لتستمع جيداً لمن بالداخل :
_ جوزك اخد ابويا يفاتحه في حوار حياة او موت واحنا بنتصنت عليه.
ذمت شفتيها بعدم رضا وهي تقول لهم بصوت منخفض حاد :
_ عيب كده ده اللي اتربيتوا عليه ! المفروض تدوهم شوية خصوصية.
أكملت أصالة إجابتها :
_ هيكلمه في حوار سمير إنه يرجع للسباحة تاني ويشارك بالمسابقة الجاية.
تبدل حالها فور هذه الإجابة فهي تود ان تعلم ردة فعل أبيهم رغم انه تتوقعه فقالت وهي تقف خلفها تفعل مثلهم :
_ لا ادوهم بعدين بقا ، سمعوني معاكم.
لم يكن الصوت واضحاً لهم جيداً لوهلة لكن فجأة انتفضوا جميعاً بذعر حين ارتفع صياح بدر الغاضب من الداخل :_ مستحيييل.
أبقي دامر علي صمته حين انتهي من قول كلماته وتركه يثور ويصيح كما يريد فأكمل بدر وهو يرتمي جالساً علي طرف الفراش ينظر إلي من يقف أمامه يهتف بغضب قاصداً ان يصل صوته إلي هؤلاء المتلصصون بالخارج:
_ مستحيل يا دامر سامع ! انا مش ممكن اعيش التجربة دي تاني واشوفه قدامي وهو كان خلاص هيغرق في لحظة لولا ستر ربنا ، حتي لو علي حساب حبه للسباحة !
نظر الباقية لسمير بحزن الذي ابتلع غصة سكنت حلقه وقد كان متوقعاً لهذا الكلام لكن كان لديه أمل طفيف أن يوافق ، تنهد دامر وتحدث أخيراً بصوت جاد :
_ ممكن تهدي عشان نعرف نتكلم !
نفي بدر برأسه واتكأ بساعديه فوق ركبتيه يستطرد بحدة لمعت بعينيه :
_ مش ههدي ومش هوافق مهما تقولي ، وان كان عليه انا هعرف كويس ازاي اخليه ينسي الموضوع ده ويفكر في حاجة تانية ، لكن سباحة لا .
انفعل دامر قليلاً :
_ متقفلش دماغك ، انت اكتر واحد عارف بيحبها ازاي ده انت بنفسك اللي بتوديه وتجيبه للتدريب في النادي من صغره وانت اكتر واحد سمعت كلام كويس عنه من المدرب .
ابتسم سخرية لوهلة حين تذكر كل هذا لكنه أجابه بنبرة جادة بها حزن خفي استشعره أخيه :
_ الكلام ده قبل ما حصل اللي حصل من شهرين ، يا دامر انا لحد دلوقتي مش قادر انسي شعوري وقتها لما شوفته تعب في وسط المسبح وكان بيغرق ، انا قلبي اتخلع من مكانه وقتها ومازال كل ما بفتكر اللحظات دي واني كنت هخسره ، انت فاكر انه سهل عليا إني احرمه منها ، بالعكس انا بتعذب اكتر منه وانا شايفه مش قادر يتكلم معايا انه عايز يرجع تاني عشان عارف ردي هيكون ايه ، لو سمحت يا دامر انت ليك الحق فيهم زي ما ليا واكتر بس في الموضوع ده بالذات مش عايزك تتدخل فيه وسيبني انا هتصرف.
همهم دامر بهدوء وصمت للحظات قبل أن يتنهد قائلاً وهو يقترب منه ببطء :
_ اتكلمنا بالذوق وعرفنا ردك ، نتكلم بقا بقلة الذوق.
ثم غار عليه يحيط عنقه بيده دافعاً إياه للخلف حتي جعله يتمدد علي الفراش ليشهق بدر بتفاجئ مما فعل، مال عليه وقد انقلبت ملامحه الهادئة إلي أخري شرسة وهو يقول من بين اسنانه :
_ انت فاكر يالا إني مش قادر اوديه المسابقة وارجعه من غير ما انت تمنعني ، ابسط شىء بكلمة مني لأخوك ساهر هيجبلي اقوي مخدر في العالم ينيمك قتيل لحد ما نخلص ونرجع !
ابتسم بدر بسخرية وناطحه بكلماته المغتاظة :
_ وانت فاكر اني مش هعرف اتصرف وقتها ! طب ابقي اعمل كده وشوف انا هعمل ايه ولا انت ناسي انا عندي كام حد هنا في البيت يساعدني ، حتي ولادك مجندين عندي في العصابة من صغرهم ، وبكلمة مني هتلاقيهم قدامك في النادي بيبظوا المسابقة علي دماغ صحابها.
قبض علي شفته السفلي بسخط ورفع حاجبه متسائلاً بتحدٍ ظاهر :
_ ده اخر كلام عندك ؟
أجابه ببرود مريحاً رأسه أكثر غير مبالياً بوضعه :
_ ومش هغيره.
جذبه دامر بغتة من ملابسه ليجعله يجلس باعتدال وربت علي كتفيه بهدوء أربكه قليلاً خاصة حين نطق بنبرة خطرة مبتسماً بجانبية ساخرا :
_ كل ما بقول خلاص مش هرجع لشخصيتي القديمة معاك بس انت بتضطرني ارجعلها ، شكلك بتحبني في توب الإجرام اكتر من الاحترام.
خارج الغرفة ابتسم سمير بحماس من هذه الكلمات التي قالها عمه فقد كان يعلم بماضيه كاملاً مع أبيه ، في حين تعجب زيد مما استمع إليه ومن بسمة أخيه هذه ، لذا ابتلع ما بفمه وسأله بهمس :
_ هو قصده ايه بالظبط ، هو كان مجرم سابقاً ولا ايه ؟
أجابه سمير هامساً ولم تزول ابتسامته الحماسية :
_ اتقل بس واسمع اللي جاي دلوقتي ، هحكيلك بعدين قصده ايه.
وبالعودة إلي الشقيقين بالداخل ، توجس في نفسه خيفة من كلماته المبطنة بشرٍ خفي ، ومن أدري منه بشرور أخيه إن استيقظت ، ابتلع ريقه بتوتر حاول إخفائه قدر الإمكان وهو يقول بثبات ظاهري :
_ قصدك ايه ؟
ربت دامر علي كتفيه مجدداً ولم تزول ابتسامته عن شفتيه التي تزيد من قلق الآخر.
**********
فُتح الباب فجأة فكادوا أن يقعوا أرضاً لكن تماسكوا وهم يقفون سريعاً حين خرج بدر ووقف أمام سمير القلق ملامحه الغاضبة رغم أنه بصعوبة يوأد ابتسامة سعيدة تريد الظهور فقد استمعوا جميعاً لما حدث بالداخل وما قاله عمه ، زفر بدر بحنق وأجابه من بين اسنانه :
_ اعمل اللي انت عايزه ، بس اعرف اني مش هاحضر.
ثم ابتعد عنهم وخرج من باب الشقة يصفعه خلفه ، خرج دامر من الغرفة ينظر لحالتهم بابتسامة ساخرة حين أدرك أنهم استرقوا السمع وما أن رأي زوجته أخبرها بتهكم متعجباً :
_ حتي انتِ معاهم ؟
رغم حزنه من غضب أبيه لكن زاح تفكيره في طريقة لإرضاءه جانباً وأخرج سعادته صارخاٌ وهو ينقض علي عمه يعانقه بقوة :
_ يا عمي يا جامد ، بموت فيك والله.
ابتسم دامر وأحاطه بذراعيه بحنان ، بداخله لم يكن يود استخدام التهديد مع أخيه كي يوافق ، لكن لم يجد طريقة أخري سواها فهو لا يريد أن يسكن الحزن يوماً في قلوب الأربعة الذين أمامه يبتسمون بسعادة لأخيهم.
أبعده للخلف قليلاً وأخبره بنبرة حازمة جادة :
_ هترجع للتدريب تاني لحد معاد المسابقة ، بس توعدني إنك تخلي بالك من نفسك ولو حسيت بأي تعب إياك تخبي فاهم ؟ ، ومتقلقش من أبوك هنلاقي طريقة نراضيه بيها.
اومأ سمير بطاعة مبتسماً ثم عاد إلي أحضانه مرة أخري لينضم له الباقية وتعانق غزوة عمها من الناحية الأخري في حين يعانق أصالة وزيد ساقيه ، راقبتهم جميلة بابتسامة لطيفة فلا أحب علي قلبها من رؤية لحظاتهم الدافئة برفقته رغم أنهم يخرجوه عن شعوره في الكثير من الأوقات ألا ان هناك مثل هذه اللحظات التي يعيشوها معه تظهر مدي حبهم له وتعلقه الشديد بهم.
**********
تقف أمام الرخام تمسك بلمعقة كبيرة تُخلط مكونات الكعك اللذيذ في إناء زجاجي الذي يحبه أبنائها ، كانت هادئة البال بل شبه لا مبالية بأين هم او ماذا يفعلوا ، لقد تركت الأمر له كلياً يتولي أمورهم المجنونة بمعرفته ، لازالت تتذكر تلك الفترة الماضية التي قضاها الأربعة في فعل المشاكل والبلبلة من كل ناحية حتي انهارت أعصابها مما يفعلون ، أخبرها ساهر ك طبيب العائلة أن تهدئ أعصابها كي لا تنفلت فتفقد وعيها ، وقد أخذت بنصيحته وأصبحت تتحلي بالهدوء ولامبالاة مثالية لكي لا تمرض ، فقط تهتم بأمورهم المنزلية الخاصة ولا تعطي لهم بالا في مصائبهم ، فكما أخبرت بدر ذات مرة ، أمورهم عليّ ومصائبهم عليك.
تذوقت الخليط بطرف أصبعها لتهمهم بتلذذ لتنتفض بخفة عقب أن دخل إليها بملامح غاضبة وهو يتأفف بغيظ وكأنه يتوعد لأحدهم ، زوت بين حاجبيها باستغراب من كل هذا الغضب الذي لا يأتيه إلا من أمر واحد ، اذا لا بد أن حادثه سمير في أمر السباحة ، تأكد من ظنها حين نظر بدر إليها يقول بغيظ وهو يقف بجانبها :
_ شايفة ابنك ، وز عليا عمه عشان عارف إنه هيخليني اوافق !
ابتسمت ديما بخفة واقتربت منه تربت علي كتفه وهي تخبره بسخرية:
_ هي يعني اول مرة ، ما ياما وزوه عليك وفي الآخر بتوافق برضه ، قولي بقا هددك بأيه المرة دي ؟
استند بظهره علي الحافة الرخامية خلفه ونظر أمامه وقد كان بداخله يشتعل غيظاً كلما يتذكر تهديد أخيه له ، كان بجانبه يوجد طبق به خضروات فمد يده دون أن ينظر وجذب اول ما لامسته يده ورفعه إلي فمه يقضم قضمة كبيرة يأكلها بغيظ ، واثناذ ذلك شخصت عينيها ولم تلاحق أن توقفه فقد فعل ذلك بلحظة واحدة وهو يقول لها مجيباً وهو يلوك ما بفمه بحنق:
_ بيهددني لو موافقتش انه يرجع للسباحة تاني هيكلم رئيس الشركة اللي انا شغال فيها ويرفدني ، وابقي قابله لو نفعتني اللغة بتاعتي ولقيت شغل ترجمة في مكان تاني.
شهقت بدهشة مما قال وهتفت باستنكار يمتزج به بعض الذهول :
_ازاي يقولك الكلام ده ! هو مجنون ؟
نفي برأسه ساخراً وقضم ما بيده مرة أخري بغيظ أكبر :
_ لا واصل ، وانا عشان عارف انه قادر ويعملها بسبب علاقاته مع ناس زي دي اضطريت اني اوافق بس مش هحضر المسابقة ويحصل اللي يحصل.
ثم هم أن يتحدث مجدداً لكنه لمح بعينيه ما بيده ويأكل منه منذ قرابة دقيقة ، ما أن رأه شعر بالحرارة الرهيبة التي بداخل فمه تكوي لسانه فما كان يقضم منه هو فلفل أخضر حار رفيع ، ابتلع ريقه بصدمة ونظر إلي زوجته التي تنظر له بقلق قائلاً بصعوبة :
_ انتِ شايفاني عمالة اكل من ده وساكتة !
أجابته بيأس وهي تكبت ضحكتها من مظهره :
_ انا حاولت انبهك بس انت مش واخد بالك و..
لم تكمل جملتها فقد ركض من أمامها إلي خارج المطبخ يصرخ بألم يتجه إلي المرحاض ليغسل فمه وهي تلاحقه ضاحكة رغماً عنها وهي تخبره مراراً بانها حاولت تنبيهه .
**********
كان يقع السنتر الخاص بزين لتعليم الرسم في منطقة راقية يحيطه بعض المباني الكبيرة ، بوابته زجاجية وقد كان مدخل السنتر متوسط المساحة وأرضيته نجيلة خضراء صناعية بينما الحوائط تنتشر عليها لوحات من الرسومات الجميلة عليها توقيعات مميزة من أصحابها الذين أشرف هو بنفسه علي تعليمهم ، بينما مساحته من الداخل كبيرة وبها عدة قاعات متفرقة ، وبداخل غرفة اتخذها لنفسه لأوقات الاستراحة ، بها ادوات للرسم وبعض اللوح الناقصة التي لم يكملها بعد في ركن جانبي ، كانت اضوائها خافتة تبعث الهدوء في الأرجاء
وعلي طاولة متوسطة فوقها مصباح كانت تجلس اصالة فوق المقعد تصب تركيزها علي اللوحة أمامها وكانت رسمة لمنظر طبيعي ساحر بالألوان الزيتية وبجانبها يقف زين يُعلمها كيفية رسم الجسر ويعطيها تعليمات جادة بنبرة هادئة وهي تعطيه كامل انتباهها ، وعلي جانب منهم يجلس بدر علي الأريكة يراقبهم ببسمة هادئة وهو يري اجتهاد أصالة بما تتعلمه ، فإن كانت لديها لامبالاة تصيبه بالغيظ احياناً إلا أنها تُشعره بالفخر في حين آخر حين تريه رسمة ما تعلمتها وقد اودعت بها مهارتها وشغفها به لتكون مبهرة .
نظر إلي زين الصغير الذي ينام بسكينة بجانبه علي الأريكة ورأسه علي ركبته فمسح علي خصلاته بلطف وهو يتأمل ملامحه اللطيفة التي تُشبه زين كثيراً في طفولته ، ترك زين أصالة تتابع عملها وربت علي رأسها بخفة ثم اتجه حيث يجلس بدر فلاحظ نظراته للصغير لببتسم بتعجب وعلي يتهاوي علي مقعد بجانبه متسائلاً :
_ايه مالك بتبص للواد كده ليه ؟
نظر له بدر قائلاً بضحكة :
_ سبحان الله ياخي كأن الواد ده مورثش حاجة من اخوك ، وخدك كلك علي بعضك !
ضحك زين وألقي نظرة حنونة علي الصغير يجيبه :
_ هو انا بحبه من قليل !
رفع بدر حاجبه وتطلع إليه بنظرة ساخطة :
_ بمناسبة الحب ، مش ناوي تحب وتتحب ولا هتفضل كده دايما ؟
اراح زين ظهره للخلف متنهداً وهو يجيبه بسخرية :
_ اه ، يبقي ليث كلمك عني تاني ، او اقصد عاشر.
اعتدل بدر في جلسته قليلاً دون أن يزعج الصغير وتحدث بسخرية مثله رغم جدية كلماته :
_ لا بص بقا عشان انا جبت اخري منك قبل اخوك اصلا ، قدامك شهرين يا تلم نفسك وتتجوز وتعملك عيلة يا اما والله العظيم هسلط عليك عيالي يوقعوك في واحدة وفي خلال يومين هتكون متجوزها ، وهما قادرين ويعملوها.
انحازت أصالة لكلماته حين جاءت معلمة الرسم الجميلة وردة في مخيلتها وكم سيكونا ثنائي رائع، فقالت ببسمة عابثة دون ان تنظر لهما :
_ والواحدة موجودة يا بابا ، ادينا انت بس الاشارة.
اشار بدر نحوها واسترسل حديثه بسخرية :
_ اهو شوفت ، دي بالذات دي ثق جدا في اختيارها رغم برودها اللي وراثاه من عمها بس بس ولا مرة فشلت انه يعجبني ذوقها في كل حاجة ، ها قولت ايه هتختار بنفسك ولا تسيب نفسك عليا انا وعيالي !
ابتسم زين ببرود لا ينكر أن بداخله أعجبه ذلك التحدي لذا مال نحوه قليلاً قائلاً باستفزاز مبطن :
_ مش هتجوز ، اعلي ما في خيلك اركبه ، انت...وعيالك !
رفع بدر حاجبيه ثم ضيق عينيه مردفاً :
_ علي فكرة انا مبهزرش.
أجابه زين بتهكم يعقد ذراعيه أمام صدره :
_ ولا انا كمان بهزر ، انا مش هتجوز ، انا مرتاح كده ومش محتاج حد في حياتي ، وبعدين ما انت اديك شايف نفسك واللي حصلك بالجواز والخلفة !
رفع بدر كتفيه بخفة يتحدث ببساطة :
_ ايه اللي حصلي !
دي اجمل حاجة في الدنيا ان يبقالك عيلة خاصة بيك، علي الاقل لما ترجع بيتك تلاقي روح وحياة فيه مش كئيب وميت زي شقتك اللي فوق السنتر دي ، أي نعم هتحتاج صبر ومجهود وهتخسر كتير من طاقتك وأعصابك في اوقات ، لكن صدقني القعدة الصافية اللي بتقعدها معاهم ولو لدقيقة تستاهل انك تخسر كل حاجة عشانها.
ابتسمت أصالة أثر قوله ونظرت له بعينين لامعة وألقت له قبلة حنونة بالهواء ، عقب ان رأها رد لها الابتسامة والقبلة بمثلها ثم نظر مرة أخري إلي زين الذي همهم بخفوت وقال بنبرة هادئة :
_ كلام جميل ، أثر فيا...بس مقتنعتش !
حدق به بغيظ ليقف زين يخلع سترته ليبقي بكنزة صيفية بيضاء أظهرت ذراعيه وهو يسترسل قبل ان يتوجه إلي الصغيرة :
_ وفر كلامك ، ده قراري ومش هغيره.
تمتم بدر متوعداً بتهكم :
_ اما نشوف مش هتغيره ازاي !
**********
الجدية علي محياه وهو يميل ليمسك الطلق يرفعه من الأرضية ليضعه بداخل المسدس الأسود الذي بيده ، ثم عاد بضع خطوات للخلف ليوجه فوهة المسدس حيث الورقة الدائرية الخاصة للتصويب معلقة علي الحائط ، أغمض عيناه اليسري وهو يصب تركيزه علي الهدف أمامه ، لم ينتبه إلي والدته التي كانت تمر أمامه بيدها طبقاً من التسالي التي تسمي الفانكوش وتأكل منه بتلذذ ، ضغط علي الزناد ليخرج الطلق البلاستيكي فجأة واصطدم بالطبق متسبباً في انتفضاها بفزع وهي تتمسك جيداً بما بيديها قبل أن يقع وهي تصيح بغيظ :
_ مش تحاسب يالا ؟
انتفض زيد يرفع يديه لأعلي قائلاً بسرعة :
_ مش قصدي والله انا اسف.
زفرت ديمة بسخط وأكملت طريقها حيث الأريكة التي أمام التلفاز ، لاحقها الصغير سريعاً وقفز جالساً بجانبها مبتسماً بإتساع يقول :
_ ماما...
همهمت ديمة دون أن تنظر إليه فتابع زيد وهو يلمس وجنتها باصبعيه بخفة :
_ دودو يا حلوة.
ابتسمت أثر قوله اللطيف وأجابته وهي تمضغ ما بفمها بهدوء :
_ احكي !
ابتسم اكثر واسترسل بأمل يشوبه الرجاء في أن تساعده :
_ عايزك تكلمي لي عمو سليم عشان يخ...
قاطعته بجمود تلتفت له برأسها :
_ لا.
وضع يده فوق صدره يضيق عينيه بتوسل متابعاً:
_ عشان خاطري ، عشان خاطري يا ماما كلميه يمكن يوافق المرة دي
وياخدني يعلمني اضرب نار.
زفرت بيأس منه وتابعت بتهكم :
_ ياحبيبي ضرب نار ايه ده اللي تتعلمه في السن ده ،
ده انت لو مسكت مسدس حقيقي دلوقتي من تقله هياخدك ويقع بيك.
ثم أشارت إلي ما بيده :
_خليك انت بس في اللعبة دي قيمة ١٠ او ١٥ سنة وابقي اضرب نار براحتك وفي اي حتة حتي علينا احنا شخصياً ابقي اضرب ، لكن دلوقتي مستحيل يا بابا ، افهم بقا واعقل عشان مش هكرر كلامي تاني.
أظهر أكثر وجه لطيف برئ وطفولي لديه وهو يميل ناحيتها يحادثها بحزن بنبرة خافتة :
_ ده اخر كلام عندك !
راقبت حركة وجهه التي فعلها للتو بسخرية لا تعلم من أخبره من قبل أن تمثيله جيد ، لكن وللأسف من بين جميع ابنائها هي تكشف ألاعيبه كلها بل حفظتها كاملة ، وكيف لا تفعل وقد عاشتها سابقاً مع والده ، تحلت بالبرود وهي تجيبه :
_ اه يا سوما العاشق اخر كلام عندي ، واتفضل بقا قوم من جنبي عشان المسلسل قرب يبتدي ومش طالبة كلام جنبي.
صرخ مغتاظاً بصوت مكتوم وهو يرفع يديه ليبعثر خصلاته بقوة وهي أعطته نظرة لامبالية قبل أن تنظر إلي التلفاز أمامه حيث بدأ تتر المسلسل التركي أن يعرض ، جذب من طبقها البعض وأكله علي دفعة واحدة فانتبه علي صوت أتي من الشرفة القريبة منهم فجأة وكأنه صوت حجر اصطدم بباب الشرفة الخشبي ، انتبهت ديمة ايضاً لما حدث ولم تحتج لكثير من الوقت لتفهم من فعل ذلك ، ومن غيرها ابنة الجيران الصغيرة المعجبة بهذا الكائن بجانبها ، حيث نظرت له ترتب علي كتفه تخبره بنبرة ساخرة ويائسة:
_ قوم يا سوما ، قوم ياحبيبي محبوبتك تناديك روحلها وانسي اللي شاغلك شوية ربنا يهديك.
نظر لها بتذمر ثم وقف متنهداً قبل أن يحادثها :
_ انا نازل العب شوية في الشارع ، جايز اقدر انسي.
أجابته وهي تأكل دون أن تنظر إليه بل ولت تركيزها علي المسلسل :
_ لا ان شاء الله هتنسي يا قلبي ، هدعيلك متقلقش.
ابتسم بتهكم وتحرك من أمامها لكن خطف بيديه الطبق من يديها و فر هارباً نحو باب الشقة يتركها تصرخ للحظات بغيظ قبل أن تهدأ فجأة وتنظر إلي التلفاز وكأن شيئاً لم يكن .
**********
" واحد استعد ، اتنين مد الرجل ، تلاتة صوارييخ "
صاح خمسة من الاطفال في صوت واحد يقفون في صف وأمامهم يقف زيد بالمنتصف بين طفلين بنفس عمره وعقب أن استمعوا لتلك الجملة ركض الثلاثة سريعاً يتسابقون إلي خط النهاية المرسوم علي الأرض علي بعد أمتار منهم والمشجعون يهتفون باسمه بحماس ، ليصل زيد الأول ويصيح بسعادة يشاركه الباقية ومن بينهم ابنة الجيران اللطيفة دوللي التي تصفق له بفخر وكأنه فاز بمسابقة دولية ، ابتسم لها زيد وتوجه لها ليجدها تمد يدها بعلبة بها كعك التوت اللذيذ صنعته أمها لها لكنها احضرته له لعلمها بأن التوت هو النكهة المفضلة له ليبتسم لها ويشكرها بكلمات لم تخلو من الغزل والإعجاب ، ثم أخذها وجلسا علي الرصيف يتحدثان مبتعدين عن الباقية الذين عادوا للعب والصياح مرة أخري.
حدث هذا المشهد أمام أعين التوأم ريان وصقر الذين يجلسون علي مقدمة سيارة ويقف بجانبهم عمار يستند بذراعه علي كتف ليل ، والاربعة تابعوا ما حدث بدهشة وكان اول من تحدث هو عمار قائلاً بصدمة :
_ الواد ده ايه ، انا خايف منه لما يكبر !
أجابه ليل ساخراً وهو يراه يشير للفتاة إلي القمر المنير في السماء :
_ قصدك خاف علي الستات منه لما يكبر ، مش عارف ايه اللي عاجبهم فيه !
تحدث ريان ضاحكاً وهو يري كيف تضحك الفتاة له بخجل :
_ ياعم الواد ذكي وكلامه معسول ، علي الاقل لما يكبر هيعرف ياخد ويدي مع الجنس الناعم ، مش دبش زينا إلا ما عارفين نقول لواحدة صباح الخير حتي.
أحاط صقر عنق أخيه بذراعه يحثه علي النظر حيث يشير له باصبعه يكتم ضحكته :
_ بُص بُص علي بدر واقف بيراقبهم ازاي !
وبالفعل نظروا إلي أعلي قليلاً حيث يقف بدر في شرفة غرفته والتي لسوء حظ زيد كان تقع فوقهم حيث يجلسان بالظبط لكن لم يلاحظ ذلك ، يقبض بدر علي يديه يتابعهما بغيظ وبعض الدهشة ، يدفع ربع عمره ليعلم كيف يستطيع أن يوقعهم في حبه بمجرد عدة كلمات ، لقد استمع إلي جملة ليل وكم كان محقاً بها ، لقد بات يخشي علي الفتيات منه حين يكبر ، لكن ويل له مني إن استمر في هذا الحال.
ضيق عينيه بتوعد ثم دخل إلي الغرفة وغاب لدقيقتين ثم عاد ووقف مكانه مجدداً يتابعهم بابتسامة ساخرة حين تعالت ضحكاتهما معاً ، لا بد أنه ألقي مزحة سخيفة علي مسامعها والبلهاء أعجبتها.
ابتسم صقر حين لاحظ امراً وهمس لأخيه :
_  تفتكر هيعمل اللي بفكر فيه ؟
أجابه ريان ضاحكاً بحماس :
_  قادر ويعملها ، يلا عدوا معايا.
ببطئ بدأ الأربعة بالعد بصوت خافت متحمس :
_  واحد.....اتنين....تلاااتة..
تزامن وقت نطقهم للرقم التلاتة مع رفع بدر الدلو الاحمر الذي بيده وإلقاء الماء به مغتاظاً علي العاشقين الذان انتفضا شاهقين بفزع لتتعالي ضحكات الشباب والاطفال علي ما حدث خاصة حين وقف زيد منتفضاً وقد ابتلت ملابسه بالكامل صائحاً بذعر وكأنه علم من فعلها دون ان يراه :_ باباااا.
لينظر إلي أعلي حيث تحدث بدر ساخراً :
_  روح قلب بابا هي الماية جات عليكم ، يقطعني.
ابتلع زيد ريقه من نظرات أبيه المتوعدة وهتف بحذر :_ بابا !
رفع حاجبيه بحدة واسترسل :
_ هعد من واحد لسبعة ، لو ملقتكش قدامي هنا انت ادري بقا بجناني ، واااااحد..
لم يمهله زيد لنطقه الرقم التالي سرعان ما ركض كالأرنب في سرعته إلي مدخل البناية ولا زالت الضحكات تعلو من خلفه.
**********
بعد منتصف الليل بقليل استيقظ من نومه يشعر بالظمأ فلاحظ الغطاء غير مضبط فوق زوجته النائمة بسكينة فنظر لها بدر بسخرية فكيف تنام قريرة العين مرتاحة البال وهو يشقي وحيداً رفقة ابنائه طوال اليوم، تنهد بيأس وجذب الغطاء يدثرها به جيداً برفق ثم تحرك ليخرج من الغرفة متجهاً نحو المطبخ ، خرج منه بعد دقائق يمسك بيده قنينة الماء ، لمحت عينيه ضوء غرفة ابنتيه منيراً والباب موارباً فقطب حاجبيه متعجباً من استيقاظهن لهذا الوقت علي غير العادة فاتجه نحو الغرفة ليري بعينه ما جعله يتنهد بيأس ، أصالة تقف أمام المرآة تفرد خصلاتها وتضع المشط أمام فمها تدندن باستمتاع وهي تغمض عينيها لا تبالي بشقيقتها التي تنام علي الفراش وكتبها وأوراقها تفترش حولها تظهر مدي مجهودها الذي بذلته قبل أن تغفل عيناها :
_" قدام مرايتها عادي ، بتدلع براحتها ، بستناها وبستعجلها !
دفع الباب بيده ودخل ليستند بكفه علي الحائط يحادثها مغتاظاً :
_ انغام ايه اللي مصحيكي انا مش قولت اخرك تسعة وحفلتك تخلص !
ايه اللي مسهرك لدلوقتي !
التفتت له برأسها بحركة جعلت خصلاتها تلتف حول عنقها وهي تحادثه غامزة بعينيها بمشاكسة :
_ عيونك يا حاج.
بصعوبة حاول منع شفتيه من الابتسام علي ردها لكنه فشل ، تلك الفتاة فظيعة حقاً ، كما تمناها أن تكون قبل ولادتها بل وأكثر ، تنهد يحادثها :
_ مش عارف ايه اللي مصبرني عليكي لحد دلوقتي !
وكأنها تقتبس من كلمة من جملته لتبدأ بها أغنية اخري حيث رفعت ذراعيها تحركهما بتناغم وهي تتحرك نحوه تغني ، ويتابعها رافعاً حاجبيه وبابتسامة علي شفتيه :
" اللي مصبرني عليييك ..ان انا شايف في عنييك ..
حب العالم ده بحااله..خليك علي كده خليك."
ثم أمسكت يديه بيديها الصغيرة تتحرك بهما يميناً ويساراً بدلال وهي تتابع غنائها بابتسامة مرحة :
" حرمت عليا النووم..شيّلت القلب همووم...
وانت ولا حتي في باالك..طولت عليا اليوم "
ثم أمسكت يده ودارت حول نفسها برقة تتابع وهو جثي علي ركبتيه ليكون في مستواها :
" وادي حاالي معاك..تعبني هواك..بقالي كتير "
ثم توقفت حين مد يده يعيد خصلاتها خلف أذنها بلطف يحادثها بابتسامة لطيفة متنعماً بهذه اللحظات الدافئة رفقتها وسط هذا الهدوء حولهم :
_ عارفة ، طول عمري كنت بتمني بنتي تبقي زيك كده ، شقية ، حلوة ، مهتمة بنفسها كده ومركزة معاها ومش بتدي اهتمامها لأي حاجة تزعجها مهما كانت ايه ، أي نعم انا اتمنيت غزوة اللي تطلع كده لأنها البنت الأولي ، بس للأسف بتحب الجد والاجتهاد اكتر من اي حد يلا جينات ساهر حلوة برضه اهو علي الاقل حد يفلح فيكم.
وكمان جيتي انتِ اهو وبقيتي العوض.
ضحكت بخفة ورفعت رأسها بكبرياء تشاكسه قائلة وهي تقترب لتضع يديها حول عنقه:
_ احلي عوض ده ولا ايه !
ابتسم لها بلطف ومشاكسة مثلها وداعب أنفها بخاصته :
_ هو فعلا احلي عوض .
ثم تذكر امراً ما ليصيح فجأة وتعود للخلف بانتفاضة :
_ عوض ، فكرتني !
رمشت بعينيها وهزت رأسها بتساؤل :_ ب ايه  ؟
تحدث بجدية وجذبها لتقف أمامه  مجدداً :
_ لما كنا عند زين ، قولتي ان الواحدة دي موجودة بس انا اديكم اشارة ، هو فيه واحدة في بالك فعلا لزين ولا ده كان كلام وخلاص !
ابتسمت ما أن تذكرت وأجابته بنبرة متحمسة :
_  لا فيه فعلا وانت شوفتها قبل كده ، مس وردة بتاعت الرسم في مدرستنا ، جمال ودلال وكاريزما مفيش بعديها.
تذكرها تلك المعلمة اللطيفة التي مرت من أمامه لذا ابتسم وشاركها افكاره :
_  هي جميلة وهو وسيم !
تابعت أصالة تشير بيديها مبتسمة بإتساع  :
_ هي بتاعت رسم وهو بتاع رسم ، ثنائي رائع وش.
ابتسم بدر بحماس وضرب كفه بكفها هاتفاً :
_  انا قولت مفيش غير انغام هتحلها ، بس تفتكري هنجمعهم ازاي !
صمتت تهمهم بتفكير للحظات قبل أن تبتسم بخبث أقلقه قائلة :
_ لقيتها.
رفع حاجبه بحذر :
_  استر يارب ، احكي !
فركت يديها بحماس واسترسلت بمكر  :
_  اسمع يا معلم..
.....................

اتنسيت اكيد عارفة بس انا بحاول ارجع تاني للكتابة بكل طاقتي رغم انعدام الشغف تماماً ليها ، الفصل القادم قريب بإذن الله...

للحب سبلٌ أخريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن