توقفت السيارة السوداء بجانب الرصيف أمام بوابة حديدية ضخمة كما توقف قائدها عن عد المرات التي وقفت السيارة بها بنفس المكان المحدد منذ زمن ، ترجل من سيارته يغلق الباب خلفه بهدوء ظاهري مضاد للاشتعال الذي يحدث بداخله الآن وهو يتحرك بخطي جامدة نحو البوابة حتي تخطاها ، جسده المتناسق يظهر مدي حفاظه علي تدريبات بدنية جادة منذ فترة طويلة وكان رغم غضبه وحسرته التي تمتزج به متألقاً في ملابس سوداء يعلوها معطف جملي اللون وحذاء بنفس اللون ، خصلاته البنية مصففة باناقة وعينيه تحيطها نظارة شمسية تخفي حسرته وأسفه الواضحين بها وهو ينظر في أرجاء المدرسة من حوله ، لقد كان يعلم منذ البداية انه سيأتي إلي هنا لمرات لا تحصي بسبب سلالته وتحديدا ابنه البكر ، ولكنه كان يأمل أن لا يورثون منه شيئاً ،لكن بكل أسف قد ورثوا منه ملامحه وشقاوته وجنونه وحتي..مصائبه !
تنهد بدر وترك تفكيره جانباً وهو يتابع خطاه متجهاً إلي الممر الذي به مكتب مدير المدرسة والذي كان بكل أسف للمرة الثانية هو ابن سالم ، مدير مدرسته قديماً في صغره ، لا يعلم لما حظه يفعل هذا معه ودائما ما يكون المدير هو من سلالة هذا السالم اما أخيه كما في الجامعة او ابنه كما الآن، هل وُلد في عائلة كلها مدراء ام ماذا ؟...
تنهد مرة اخري وهو يبتسم بهدوء مصطنع للطلاب الواقفين وهو يمر من جانبهم الذين يرحبون به بحفاوة ، لقد بات مشهوراً الآن لكثرة المرات التي جاء بها هنا حتي أنه قد اقترح احد الطلاب عليه أن يأتي ويعيش في منزله القريب جدا من المدرسة حتي يُعفي من الذهاب والمجئ إلي هنا ، لولا أن هذا عيباً لكان فعل.
ولج إلي داخل المكتب ليري ابنه واقفاً يضع يديه خلف ظهره وملامحه الشبيهة به إلي حد كبير كأنه نسخة مصغرة منه ، متجهمة ويقطب حاجبيه بغضب وكان يلجم نفسه بصعوبة عن الانقضاض علي الشاب من يقف بجانبه يبتعد عنه بتوتر وهو يأن بألم من الكدمات الحمراء التي علي وجهه ، رأي سمير والده قد دخل فارتخت ملامحه لكن وجل قلبه قلقاً من ملامحه الغاضبة فابتلع ريقه وبقي علي ثباته ، تحرك بدر نحو المدير الذي وقف ما ان رأه وسلّم كل منهما علي الآخر بألايدي وبدأ الاول بالحديث متسائلاً بتنهيدة :
_ خير يا استاذ عالِم ايه اللي حصل المرة دي ؟
جلس الاثنان علي المقاعد وتحدث عالِم وهو يضبط نظارته فوق عينيه بجدية ونبرة صارمة حقاً قد ذكرته بأبيه المدير قديماً :
:_ زي ما حضرتك شوفت يا استاذ بدر ، ابنك ضرب زميله وعدمه العافية في الساحة قدام كل زمايلهم ، وبقالي ساعة بسألهم عن السبب محدش فيهم بيجاوب ، لو مجاوبش ابنك انا متأسف بس المرة دي هيكون الرفد نهائي مش مؤقت كام يوم.
قبض بدر علي يده واعطي ابنه نظرة يآسة ثم طلب من المدير بجدية :
_ معلش ممكن اخده خمس دقايق برا !
اومأ عالِم بإيجاب وأشار له لكي يأخذه ، فوقف بدر متجهاً نحو سمير الذي عاد للخلف ببعض الإرتباك قبل ان يغمض عينيه حين سحبه بدر من ذراعه واتجه به إلي خارج المكتب وما ان فعل وجد ابنته غزوة أمامه بزيّها المدرسي وهي تنظر لهما بقلق وعلي جانب منها أصالة تستند بظهرها علي الحائط وهي تلوي في خصلة من شعرها ببرود ثم اعتدلت واقتربت منهم حين خرجا وهي تسأل أخيها في ملل بينما تمضغ قطعة حلوي في فمها :
_ عملت ايه المرة دي ؟
كما تسائلت غزوة في قلق :
_ خير يا بابا ايه اللي حصل ؟
لم يجيبهن بدر وواجه سمير يحدق به رافعاً حاجييه بجمود فابتلع الآخر ريقه ونطق اخيراً :
_انا مغلطتش !
اشار بدر برأسه نحو الداخل ويقصد بإشارته وجه الشاب المكدوم قائلاً بسخرية :
_ كل ده ومغلطتش ، اومال لو غلطت بقا كان الواد مات !
برر سمير بغيظ :
_ انا مغلطتش غير بعده ، هو اصلا اللي كان ب...
لكن قطع كلماته ولم يكملها ثم أردف بخفوت مغتاظاّ :
_ مش هينفع اقولك.
انتفض حين صاح بدر بحدة :
_ ما تنطق يالا ايه اللي حصل انا هسحب منك الكلام !
لكنه رفض مجدداً وهو يذم شفتيه بسخط :
_ قولتلك مش هقدر اقولك.
هنا تقدمت أصالة وربتت بيدها علي ركبة اخيها ذو القامة الطويلة نسبياً حيث تصل هي أثناء قولها بتأثر :
_ خلاص يا سمرة يا حبيبي انا هعفيك من القول وهقول انا !
ثم نظرت إلي أبيها ببراءة أطفال لا تليق بها البتة وتابعها سمير بدهشة وهو ينفي برأسه برجاء:
_ كل الحكاية يابابا ان اكيد الواد اللي ابنك ضربه كان بيعاكس مس وردة بتاعت الرسم ، اللي اصلا سمرة معجب بيها وبيغير عليها موت وكان بيحاول ي..
كمم سمير فمها سريعاً بكفه لكن بعد فوات الآوان فقد قالت كلماتها بسرعة شديدة كي لا يقاطعها أحد وهو يضحك بتوتر من نظرات بدر المشتعلة :
_ بتهزر ها بتهزرر يا بدر متصدقهاش.
وضعت غزوة يدها علي فمها بدهشة وتوتر فقد كانت تعلم بهذا السر مسبقاً لكن نشرة الاخبار الصغيرة هذه قالته بكل سهولةثم نظرت إلي أصالة بيأس
وهي تردد :_ منك لله
فرغ فاهه بذهول مما قالته الصغيرة ااتي لم يكذبها يوماً في امر يخص أشقائها واقترب من سمير الذي يتراجع للخلف بقلق من غضيه الواضح ونبرته الحادة وهو يردد بذهول :
_ معجب ! بيغير !
انا جايبك هنا عشان تتربي وتتعلم ولا تحب وتغير !
تأوه سمير بأن حين عضته اصالة بيده التي تكمم فمها فتركها لتهندم هي خصلاتها تجيب أبيها بسخرية :
_ حضرتك ناسي حاجة هو لو كان أعجب بزميلته عادي بس انا كلامي كان واضح ، انا قولت مس...وردة !
قبض سمير علي شفتيه بغيظ وهي تؤكد علي فعلته اكثر يحدق بها بشر وهو يجذبها من تلابيبها صارخاً بها :
_ انتي ايه يابت عدوتي ولا اختي ، ده جزاتي اني وثقت فيكم وحكيت لكم !
ما غزوة ساكتة اهي ومفتحتش بقها بحرف واحد !
شهقت مرة أخري وتراجعت للخلف بإرتباك حين نظر لها بدر بعينيه المشتعلة مندهشاً من معرفتها بالأمر ولم تخبره ،
فابتلعت ريقها بتوتر قائلة وهي تشير للخلف :
_ انا...انا كنت مستأذنة من الاستاذ في الحصة ولازم ارجع دلوقتي ، سلام عليكم.
ثم ركضت بعيدا عنهم وهي تعلم أنه لن يمررها لها ، تخطي بدر أمرها واقترب من ابنه يجذبه من تلابيبه إليه قائلاً من بين أسنانه :
_ اتشاهد علي روحك يا سمير ، المدير المرة دي مش هيقبل بأقل من رفد وده ابن سالم وانا عارفه ، ما كنت شغال في المقالب ويومين وترجع زي الفل ، ايه اللي دخلك في سكة الاعجاب والضرب والبلطجة ! انطق !
انتفض سمير أثر صراخه وقال سريعاً :
_ هقولك هقولك اهدي بس وسيبني وهشرحلك.
تركه بدر بنفاذ صبر فعدّل سمير ملابسه وبدأ في توضيح موقفه بينما أصالة لا تبالي بهم وهي تأكل من كيس الحلوي الذي كان في جيبها :
_ انا مش معجب بمس وردة زي ما النشرة دي قالت ، انا بس معجب بطريقتها في الشرح وتعاملها معايا ومعانا كلنا ، انا بعزها جداَ وهي زي اختي الكبيرة ، ف اكيد لما ييجي واحد بارد زي اللي واقف جوا يفضل يعاكس فيها في كلامه بطريقة مش حلوة مش هقعد ساكت واقوله كمل ، عارف اني غلطت لما ضربته جامد بس هو اللي غلط الأول ، وانت عارفني لما بفقد اعصابي مبشوفش قدامي ، انا مستعد اعتذرله لو هو اعتذر الأول وحلف انه مش هيتكلم عليها كده تاني ، غير كده لا وانا راضي بالرفد.
كان بدر ينظر إليه بصمت يستمع إلي كلماته دون ان يقاطعه بل ينظر له ملياً ، رغم أنه ورث منه الكثير لكن أخذ بعضاً من صفات أخوته أيضاً مثال الاعتراف بالخطأ إن فعل دون المراوغة في الحديث ك ساهر تماماً ، تنهد طويلاً وأجابه محذراً :
_ ماشي يا سمير مصدقك ، بس دي اخر مرة تضرب حد تاني قولتلك فيه مليون حل غير الايد ، استني هنا.
ثم دخل إلي المكتب مجدداً لكي يأتي بالشاب وما أن فعل تبدل حال سمير ونظر بوعيد إلي أصالة التي تقلب كيس الحلوي حتي تأتي باللون الأحمر المفضل لها وهي تدندن كالعادة بأغنية وتهز رأسها بخفة
" يا وردة الصحبة..يالالالي ، منورين في القعدة تملّي يا صهبجية ، ايه يا لالالي "
شهقت بتفاجئ حين جذبها أخيها من عنقها وجعلها تنظر له فابتلعت ريقها بتوتر من نظرته المخيفة وهو يميل عليها قليلاً :
_ بقا انا معجب بمس وردة وبغير عليها !
اصطنعت البراءة وهي تتسائل كانها قد نسيت :
_ ايه دا هو انا مقولتش لبدورة انك بتعزها زي اختك !
نفي برأسه سخرية :
_ لا شوفتي بقا .
ذمت شفتيها ببراءة :_ يقطعني.
توعدها هامساً وهو يشدد من إمساكها :
_ استني عليا اما نروح بس ، اما قطعت لك لسانك اللي رايحة جاية تغني بيه ده وتفضحي اسراري !
ابتسمت له بتهكم فتركها سريعاً حين خرج أبيه مرة اخري وخلفه الشاب ويبدو أن بدر قد حادثه ووضح له لما فعل ابنه به ذلك ، فقد كان الندم ظاهراً علي وجهه وهو يقترب من سمير حتي وقف أمامه قائلاً بإعتذار :
_ انا اسف يا عم انا غلطت في اللي قولته ، واوعدك مش هقول كده تاني ابدا.
تنهد سمير وهدئ من روعه وقال معتذراً ايضاً :
_ وانا كمان اسف اني ضربتك بغباوة كده ، بس انا مستحملتش كلمة وحشة عليها وانت بنفسك بتشوف معاملتها معانا ازاي زي اخواتها الصغيرين فليه نقول كده !
اعتذر الشاب مرة أخري ثم دخلوا جميعاً إلي المكتب عدا أصالة بعد أن اختلقا كذبة سريعة قالاها للمدير واخبروه بأنهم اعتذر كل منهما للآخر ، وبعد عدة دقائق خرجوا من عنده ورحل الشاب إلي فصله ،كان بأن يتحدث لكن هربت منه الكلمات حين وقعت عينيه عليها فابتسم ببلاهة وهو يراها تتحرك بخفة فراشة باتجاههما متألقة في رداء أزرق محتشم وخصلاتها البنية القصيرة مصففة بأناقة جعلته يكتشف أنه يحب الشعر القصير ، ملامحها اللطيفة تبتسم لكن من يراها فتجعله يبتسم أيضاً وكأنها بالفعل زهرة تنشر رحيقها أينما حلت ، لاحظ بدر حالته التي انقلبت فجأة فاتبع نظراته حتي رأها ووقع أسيراً في ملامحها الجذابة وانتقلت حالة ابنه له وأصبح الاثنان يحدقان بها ببلاهة وابتسامة حالمة وهي تمر من أمامهما بعد أن ربتت بيدها الحنونة علي خد سمير تعطيه ابتسامة جميلة ومن ثم أكملت طريقها تلحقها انظارهما في حين أصالة تراقبهما في ملل ، تساءل بدر مشدوهاً وهو ينظر في طيفها الذي اختفي :
_ هي دي ميس وردة !
أجابه سمير بهيام وهو يتلمس خده الذي لن يغسله ابداً كي لا تزول لمستها :
_ شوفت بقا انا بعزها ليه !
أجابه بدر الذي كأنه انسحر من جمالها :
_ ده انت مش تعزها بس ، ده انت تعزها هي وابوها وامها وعيلتها كلها هو فيه جمال ودلال كده !
هنا لم تتحمل اصالة أكثر وصفقت يدها فجأة تسحبهم من شرودهما صائحةً :
_ اصحوا ، ايه اللي انتم بتعملوه ده غضوا بصركم مش كده ، وانت يا بدر انا مسمحش ابدا انك تعاكس واحدة غير امي مفهوم ولا لا ؟
زفر بدر مستغفراً ونظر إلي ابنه بغيظ الذي هتف ببراءة :_ انا مالي ما هي اللي كيوت !
ثم تساءل :
_ هتمشي ؟
عدل بدر ساعة يده وزفر قائلاً :
_ هقعد اعمل ايه !
أجابته أصالة بعد أن ابتلعت ما بفمها :
_ باقي اقل من ساعة والدوام يخلص ، فيه كافيه قريب من المدرسة استني فيه نجيلك ونروح سوا.
اومأ بدر متنهداً ووضع يديه داخل جيبي بنطاله بحركة خطفت قلب أصالة التي لاحظت أناقته للتو :
_ ماشي هروح استناكم فيه ، يلا ارجعوا فصولكم.
وهم أن يتحرك لكن وقفت أصالة أمامه وهي تبتسم بإعجاب من مظهره الوسيم وغمزت بعينيها بمشاكسة :
_ استني هنا انما ايه الشياكة والاناقة دي ، كده انا اخاف عليك من عيون النساء والله !
ابتسم بدر لها ونكزها بخفة في جبينها بحركة معتادة منه ، لطالما أبدت صغيرته إعجابها بمظهره وملابسه حتي انه مؤخراً بدأ يهتم بمظهره أكثر من اللازم في سبيل كلمة حُلوة منها ، شاكسها أيضاً وهو يهز رأسه لأسفل فنزلت نظارته الشمسية علي عينيه بالضبط وهو يقول بغرور :_ دي اقل حاجة عندي .
صفقت بيديها ضاحكة بشقاوة :
_ احبك وانت مغرور يا قمر.
ضحك بخفة لكن تبخرت ضحكته في لحظة وهو يمسكها من أذنها بغتة فجعلها تتأوه وهو يحدثها بتذكر وغيظ :
_ خدي هنا طب اختك كانت مستأذنة ورجعت لحصتها تاني ، الهانم بقا بتعمل ايه كل الوقت ده !
ابتسم سمير بشماتة وسعادة تغمره حين توبخ نشرة الاخبار هذه من ابيه ، في حين قالت أصالة بصراحة ولا مبالاة :
_ مطرودة من الحصة طبعاً ، قولت للميس عاوزة اكل انا مفطرتش تقولي لاااا ممنوع ممنوع ، قولتلها انا جعانة هيغمي عليا تقولي برضه ممنوع ممنوع ، واهو كلمة مني كلمة منها وبالاخر قالتلي اطلعي برا زهقتيني ، وانا باكل جات صاحبتي قالتلي انها شافت ابويا المز دخل المدرسة فجيت علي طول هنا.
تركها بدر وهو ينظر لها بتحسر متمتماً : حسبي الله ونعم الوكيل.
ودون إضافة كلمة اخري تحرك بعيداً عنهم فلاحظت أصالة نظرات سمير الغير مبشرة نحوها وهم بأن ينقض عليها لكن صرخت وركضت بسرعة مصاص دماء بعيداً عنه كي لا يفتك بها فتأفف هو بحنق وعاد إلي فصله من الجهة الأخري.
**********
بناية كبيرة راقية يبدو انها دُهنت منذ فترة قريبة حيث حوائطها جديدة ، رغم زيادة اعداد العائلة رفضوا جميعاً أن ينتقلوا إلي مكان آخر فهذا المكان هو آوي كل أحزانهم وصعابهم وآمنهم من كل هم وغم أعطته لهم الدنيا ، وفي الدور الأول حيث تقبع شقة سليم كان في غرفته قد انتهي من ارتداء قميصاً أبيضاً قد أظهر وسامته التي لم يلطخها كبر العمر إلا قليلاً ببعض التجاعيد وبنية جسده القوية التي يهملها يوماً حتي منذ أن ترك الشرطة ، استمع إلي رنين هاتفه الملقي علي الفراش بجانب حاسوبه المفتوح فتحرك نحوه وجذبه ليجدها مكالمة مرئية من ابنته جود علي تطبيق تواصل اجتماعي مشهور ، جلس علي حافة الفراش أمام الحاسوب ونقل المكالمة إليه قبل أن يفتحها ، فظهر وجهها بملامحه الحسنة التي ورثتها عنه وقد كانت في منتصف العشرينات التي لم يعلم كيف وصلتها بكل هذه السرعة ، تبتسم له بلطف وخصلاتها السوداء تحيط وجهها برقة وبدات بالحديث وقد كانت جالسة علي فراشها أيضاً أمام الحاسوب :
_ عامل ايه ؟
ابتسم سليم بحنو لكنه تسائل بجمود :
_ هترجعي امتي ؟
ضحكت بخفة وأجابته :
_ طب قول وانتي عاملة ايه الاول ، متقلقش كلها يومين والتدريب ينتهي وراجعة ، المهم انت عامل ايه ؟
اومأ بخفة وتراجع بظهره للخلف :
_ الحمدلله ، كله تمام عندك والتدريب ماشي كويس ؟
هزت رأسها بإيجاب مبتسمة بهدوء :
_ كله تمام متقلقش ، القبيلة عندك اخبارها ايه انا شايفة الجو هادي !
كاد ان يجيبها لكن اوقفه صراخ احدهم باسمه من الخارج بنجدة فضحكت جود لينظر لها بغيظ قائلاً :
_ قولتي فيها اهم قاموا ، هكلمك تاني سلام.
ثم اغلق معها وخرج من الغرفة ليري ماذا يحدث.
فوجد سيمو ابن صديقه وهو يركض بالأرجاء وهو يحمل بين يديه ألوان الزيت الخاصة به هرباً من صقر ابن أخيه الغاضب الذي يركض خلفه وهو يتوعده بالقتل وخلفه ريان كالعادة يحاول تهدأته ، علي جانب منهم يجلس أخيه الذي امتلك لامبالاة العالم كلها علي الأريكة يضع قدما فوق الأخري يأكل بالشوكة من قطعة كيك بطبق صغير يمسكه ولا يبالي بالمطاردة التي تحدث خلفه ، تحرك سليم نحوهم ليتوقف بغتة حين اصطدم سيمو به فجأة بعد أن توجه له بلهفة ليشهق الأخير بصدمة وهو يري قميص عمه الأبيض تلطخ بألوانه التي كان بعضها مفتوح بالفعل ،كذلك توقف الشقيقان عن الركض حين رأوا ما حدث التفت دامر برأسه ليري لما صمتوا فجأة ، فكبت ضحكته من مظهر أخيه وصاح قائلاً له مشيرا إلي ملابسه الأنيقة ساخراً :
_ عرفت بقا انا مش راضي اتدخل ليه !
رفع سليم عينيه من علي ملابسه وقد اشتعلت بحدة بلحظة وانكمشت ملامح سيمو هامساً بقلق :
_ انا اسف والله اسف ، اعمل فيا اللي انت عاوزه بس احميني من ابن اخوك المتوحش ده.
ثم وقف خلفه يحتمي بظهره من صقر الذي اقترب منهم حتي وقف قائلاً إلي ذلك المختبئ بحدة :
_ اطلع متبقاش جبان ، انا مش هضربك هعرفك غلطك بس.
أجابه بسخرية وهو يتمسك جيداً في عمه غير منتبهاً بأن الالوان قد لطخت ظهر القميص ايضاً :
_ اهو الجملة دي بالذات بيجي بعدها اصابات.
اغمض سليم عينيه بنفاذ صبر وهو يشعر بالالوان في ظهره ومد يده ليجذب من خلفه من عنقه حتي اوقفه بجانبه وحذر صقر بعينيه من الاقتراب منه متسائلاً بجدية :
_ هو عمل ايه ؟
تحدث صقر كابحاً نفسه من بين أسنانه :
_ خليه يجاوبك بنفسه.
هتف سليم بحدة :
_ انا بسألك انت !
أجابه صقر مرغماً وظهر غضبه مرة أخري :
_ طلعت عند البيه في اوضته كنت محتاج مساعدته في حاجة لقيته بيرسم رسمة لقمر ومبتسم اوي الواد !
برر سيمو بقلق سريعا :
_ هي اللي طلبت مني كده والله !
أمسك ريان أخيه حين صاح بغضب وغيرة تنهش قلبه وهو يود الانقضاض عليه :
_ وانت توافق ليه ها ليييه ؟
أجابه بتذمر :
ما هي اللي قعدت تزن عليا وانت عارف انها زي اختي الكبيرة ومقدرش ارفض يبقي ليه الغيرة والعصبية دي !
تحدث سليم قائلاً :
_ الواد عنده حق ، طالما هي اللي قالتله يبقي هو ماله !
قال صقر من بين اسنانه وهو يحاول التلفت من أخيه:
_ وهي برضو اللي قالتله يرسمها بشعرها ! هو شاف شعرها فين اصلا عشان يرسمه !!
هنا تحدث ريان بغيظ :
_ صقر عنده حق يا عمي ، هي قالتله يرسمها ماشي يتفزلك هو ليه ويرسمها بشعر قصير كمان ، بيحط التاتش بتاعه !
تلفت صقر من أخيه وقال بغضب :
_ اعذرني يا عمي بس الواد ده هيتربي النهاردة وهعرفه غلطه يعني هعرفه.
ثم ركض باتجاه سيمو الذي صرخ وهرب منه سريعاًُ حتي خرجوا من الشقة ، نظر سليم إلي اخيه الذي كان يتابع ببرود ما يحدث وقال بالامبالاة موضحاً سبب عدم تدخله:
_ انا عليا فوج ، وانت عليك فوج ، ودول مش من الفوج بتاعي عشان احجز بينهم .
انا اتأخرت علي الشغل ، سلام .
**********كان يتحرك في الممر متجهاً نحو باب الخروج لكن أوقفه نداء أحدهم من خلفه ، فالتفت ليري رجلاً يبدو من مظهره أنه معلماً ووقف امامه قائلاً بجدية :
_ حضرتك بدر المالك والد الطفل زيد ؟
اومأ برأسه بحذر وخفق قلبه من الحديث القادم الذي تابع المعلم قوله بجدية وبعص الحدة :
_ ابنك بقاله اسبوع بيزوغ من الحصص وبيرجع قبل الجرس ومحدش عارف بيروح فين وبيعمل ايه ، حضؤتك لو منبهتش عليه يبطل اللي بيعمله ده انا مضطر اعاقبه بطريقتي !
ثم رحل دون أن يمهله فرصة للحديث فتأفف بدر بغيظ شديد متوعداً لهذا الصغير وتوقع ماذا يفعل جيداً حين يهرب من الحصص ، بالطبع يغازل احدي زميلاته او حبيباته التي لم يحفظ عددهم بعد ، زير النساء الصغير هذا سيريه ااوجه الاخر منه ، اراد أن يتأكد من توقعه فتحرك في ارجاء المدرسة الخفية وتوجه نحو بضعة اشجار متداخلة بجانب السور ، تأكد من أن لا احد يراه ثم دخل بين الاشجاء بروية حتي رأي توقعه يحدث بالفعل امام عينيه وهو يري زيد وقد غير تصفيفة خصلاته الصغيرة قليلاً حتي بدا اشبه بسوما العاشق فعلا ، يجلس أمام فتاة تماثله في العمر وهي تضحك بخجل علي احدي مزحاته وهو يتغزل في تصفيفة شعرها ، وقد بدا له المشهد وكأن عنتر يغازل عبلة ولكن علي نسخة مصغرة !
فماذا هو بفاعل به !
.........الفصل حقيقي نزلته بصعوبة والواتباد عايز يتحدث عندي والفصل التاني لو منزلش علي ١٢ اعرفو انه هينزل بعد الفجر ان شاء الله وهطول فيه تاني ، توقعكم للي جاي ايه🙂❤