الفصل الأول -١-

5.1K 160 13
                                    

<١>
- أيه هو أنا قولت حاجة حرام، دا جواز يا باشا، بقولك عايز أتجوزها ... هي حاجة غريبة للدرجة دي!!

قالها بهدوءه الذي ينحر الأعصاب ويفتك بها، جعل الأخر يقفز واقفًا منفجرًا بعدما أفاق من صدمته، وانفجر صياح قوي حاد به استنكرًا جليًا:-
- أنتَ واعي لنفسك بتقول أيه، أنتَ إزاي تتجرأ تطلب بنتي للجواز .. أنت فين وبنتي فين ... جيتلك الجرأة تطلب بنت شريف الهواري للجواز عادي كدا بعين بجحة..
‏بنتي إللي اتقدملها ولاد وزراء وناس من أرقى الطبقات متقدرش بس تعدي من قدام بيوتهم..
‏أنتَ مين بقاا .. أنتَ اتجننت في عقلك ولا أيه، ولا تكون نسيت مين إللي عملك وخلى منك بني آدم .. أنتَ واضح إنك نسيت نفسك فعلًا علشان تتجرأ على طلب زي ده..
‏دا أنت حتة سكرتير عندي لا راح ولا جه..

بينما هذا الذي كان يغلي غضبًا ويكاد أن يجنّ، كان الأخر مازال جلسًا فوق المقعد بهدوء ويرتشف قهوته متلذذًا ببرود كأنه لم يسمع شيئًا، قال وهو يرمق الفنجان الذي انتهى بنظرات ثابته ثم أردف:-
- زيتونة عليها حتة فنجان قهوة .. دمااار دمااار يا شريف بيه..

جنّ شريف على الأخير وهجم على جبريل يقبض على تلابيب قميصه يجذبه منه بعنف فيجعله يستقيم ليتبين قامته المديدة وجسده القوي وصرخ شريف بجنون:-
- أنتَ فعلًا اتجننت يا قذر .. بس الغلط غلطي أنا..
أنا إللي عطيتك فرصة تاخد علينا وترفع عينك على أسيادك، كان لازم أعرف إن إللي زيكم مستحيل ينضف أبدًا..
أنت مجرد خدامي .. خدامي يا حقير..

لم تتغير ملامج جبريل الباردة غير أنه جعد جبينه ورفع كفيه المتتفخ عروقهما يضعهم فوق يدي شريف القابضتان على قميصه وأزالهم بهدوء مُردفًا وهو يتفرس ملامحه:-
- تؤ تؤ .. ليه بس الغلط يا شريف بيه، أنت عارف كويس أنا مين .. يا باشا أنت من غيري متقدرش تتحرك خطوة وأنت مستحيل تقدر تستغنى عن جبريل رُستم مهما حصل..
أنت ناسي مين بيرجع بناتك إللي بيتخطفوا كل أسبوع..

تنهد جبريل تنهيدة مُطولة قبل أن يضع كفيه في جيبه ويقف بكبرياء وقد تحولت ملامحه فجأة من الهدوء والبرود للشراسة واتقدت نظراته بينما يهدر بتحدٍ صارخ:-
- أنا بقولك أهو يا شريف بيه، محدش هيتجوز بنتك غيري أنا، فاختار أنت الطريقة بقا إللي تعجبك وتناسب سيادتك..
‏كفاية النفخة دي بقاا مصير بنتك معايا أنا فحاول تقبل علشان أنت عارف كويس أووي جبريل رُستم ابن الحارة والفتوة بتاعها يقدر يعمل أيه كويس..
‏وبعدين يا باشا ليه تاخد قرار عنها، ما تسألها ما يمكن تكون موافقة..

صاح شريف وهو يتعجب من وقاحته، نعم هو يعلم أنه قوي وحاد الذكاء بدرجة جنونية وإلا كيف أصبح بعامان فقط اليد اليمنى لأشهر وأهم رجل سياسي في البلاد، وأصبح جبريل بمثابة ظلّه وعكازه والرأس المفكر لحلول الكثير والكثير من عقباته .. وأصبح له محل ثقة عمياء رغم أن جبريل شابًا من الطبقة المتواضعة التي ينفر منها شريف الهواري..
رفض زواج ابنته قطوف من أشهر رجال الطبقة المخملية وأرقاهم لكونه يري أنهم لا يستحقون ابنته وأنهم لم يطابقوا معايره الفائقة والآن يأتي ليزوجها برجل من حارة شعبية مُعدمة ويرى فضله عليه .. إنه بمثابة خادمه...

مقيدة بأصفاد مخمليةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن