عودة وإقتباس.

840 60 8
                                    

#عودة_وإقتباس.

وسط غرفة مُظلمة إلّا من هذا الشُعاع الشحيح من الضوء يأتي على استحياء من نافذة ضيقة بالقُرب من سقف الغرفة..
تجلس متكومة فوق نفسها في جوّ أسود مُقفر مُظلم، تحتضن قدميها وتستند بذقنها على ركبتيها، ترتفع أعينها المكتظة بالكثير نحو الضوء الذي يتسلل من هذا المستطيل الضيق..

أسندت رأسها للخلف والآن هي وحــــــــدها..
تستطيع أن تُحرر بعض الدموع من محاجر صامتة، وسقط خطان من دموعها العزيزة مُثقلان بالخيبات..

يكفي هذا، يكفيكِ هاتان الدمعتان، أنتِ لستِ أهلًا لتلك المدامع، أنتِ لستِ أهلًا للبكاء.
أطبقت أهدابها المبتلة تُخفي جفنيها المحمرييّنِ وتذكرت تلك الكلمات التي كانت تستمع إليها دومًا، كلمات عبرت عنها، كلمات شرحت داخلها وتحتفظ بها بأعماقها..

"غاب الإحساسُ العميقُ بداخلي تجاه أشياءٍ كثيرة..
أصبحتُ أكثرُ هدوءً، وأطول صمتًا، وأعمقُ نومًا، ورُبما أبخلُ حرفًا..
غبتُ عن نفسي حتى عدتُ غير الذي كُنت..
لا يُرضيني ما صرتُ إليه، ولا مُعجزةٌ تكفي لأعودُ هُناك.!
سنواتٌ مرت من عُمري ولم أزهر..
سنواتٌ مضت وأنا لستُ أنا..
مَا عِدتُ أعرِفني.!
سنواتٌ تمر على روحي القاحلة ولا أُمطر..
ضياعُ روحي ليس بالضرورة أن يكون علامة للحُزن العميق..
بل حُزنًا على أحلام أصبحت في المرتبة الثانية بعد أن كانت تحتل الأولوية في قاموسي المُفعم بالحياة.
أعلمُ أنها فترة تحوّل مُره.
أعلمُ أن الأشياء التي آمنتُ بمصداقيتها طويلًا تخون، وأن الأشياء التي لا ينبغي أن تتركني .. تركتني..
أرغبُ في الإبتعاد عن الكُل بمسافاتٍ طويلة..
أُحرّض نفسي على البُعد كثيرًا..!
لطالما تمنيتُ أن أعود طفلة في هذه الليلة فقط!
لأطْرُق الباب على أُمي وأخبرها بأنّي خائفةٌ جدًا وأُريدُ الإختباء في حُضنِها..
خائفةٌ أنا من الحياة..
هذا العالم بات مُخيفًا.!
بِتْنا نعيشُ في أوطانٍ تُخبئ عنَّا سلامنا في جيوب الشوارع، وخلف جُدران الأحلام.

ماذا لو أنني لم أكبُر.؟!
كنتُ صغيرة أواجه الحياة وأنا مُختبئةً خلف جِدارٍ آمن..
لكنّ الآن ... جاء دوري.!
وأصبحتُ ذاتي الجِدار..
لم أكُن أريدُ لهذا أن يحدث، لكنه حدث..
لم أكُن أريدُ أن تصفعني هذه الحياة وأنا أُقابلها بسذاجة الأطفال.!
الآن استطعتُ أن آراها كما يجب..
الحياةُ ليست كما نرسمها في مُخيلتنا..
ليست لطيفة دائمًا.!
الحياةُ لا تُهدينا حلوى ولحظاتٍ جميلة، ولا تهبُ لنا أُناسًا طيبين دون أن تسرقهم منّا في أي وقت.!
لابُد أن نفقد ونتألم..
لابُد أن نتعثر ونسقط..
خلف هذا الألم قوة، وخلف هذا السقوط بداياتٌ جديدة..

أظنُ أنني كبرتُ والكِبار لا يبكُون ولا يطرقون أبواب أمهاتهم في منتصف الليل..
الكِبار لا يخافون من الحياة ويجب أن يكونوا متماسكين ويُظهروا قوتهم أمام الجميع.

أنا كبيرة ... لكنني لا أُريد أن أكون كذلك الآن.
أنا كبيرةٌ ... وأخافُ من الحياة ومن الشبح الذي يختبئ تحت السرير.
أنا كبيرة .. أبكي دون أن يراني أحد..
كبيرةٌ .. وأُريدُ أن يقصّ عليّ أحد ما حكاية قبل أن أنام..
أنا كبيرة يا أمي..
ولهذا لم أطرُق بابك في منتصف الليل.....
وطرقتُ بــــــــــــــاب الله..."

تشكر من نزف قلمها تلك الكلمات فقد تكبدت عناء التعبير عن قلبها وما يعبقه.

تتهدت تنهيدة ثقيلة مُحملة بأثقالٍ انحنى لها قلبها وأعادت فتح أعينها التي يشعّ منها قوة دفينة رغم تلك الإنكسارات العديدة...
تشع هي ضوءٌ ساطع، وإن كانت قوانين الفيزياء تُعلن إنكسار الضوء في بعض حالاته، تُعلن هي تمردها على لعنة تلك القوانين، فأنا ضوءٌ ساطع لا انكسر وإن تعرضتُ لأسوء حالاتي..

استقامت قطوف بتلك الغرفة الضيقة بقوة داخلية وأخذت تسير ببطئ وأعينها مثبتة على تلك القطعة الظاهرة لها من السماء من تلك النافذة العلوية..
وقبل أن تصل للجدار المقابل وأسفلها، أعلن قيد قدمها أن ليس باستطاعتها التقدم أكثر، فهذا فقط طول القيد المُثبت بالجدار الأخر..

التفتت ترمق هذا القيد بنظراتٍ غريبة، ثم انتقلت أنظارها نحو الأثار التي انطبعت فوق رسغيها نتيجة ضيق الأصفاد الثقيلة..

إبتسامة مُظلمة نمت فوق شفتيها، وأوقدت تلك الذكري نارها على الدم..
ذكرى من وضع تلك القيود..!!

نار تلتعج في الأحشاء حين تذكُر أن من بدّل أصفادها المخملية الناعمة بأصفاد مثقولة خشِنة هو ذاته جـــبــــريـل رُستم..
هو مَن قيدها بأصفادٍ حديدية مثقولة وألقاها في ظُلماتٍ بعضها فوق بعض وقد عَتى عتوًا كبيرًا...

والآن ....لا سلام ولا أمان فلتندلع حربًا شعواء من نوعٍ أخر...

>>الفصل غدًا في موعده إن شاء الله<<
ولنا عودة بفضل الله مع لقاءات متعددة مع الأحداث.

دُمتم بودّ.♡

#مُقيدة_بأصفادٍ_مخملية.
#سارة_نيل.



مقيدة بأصفاد مخمليةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن