قبل آلاف السنين، في عالم ينسجم مع نغمات الطاقة ويتلاعب بقوانينه الغامضة، توجد مملكة مطمورة بين جبال شاهقة. كل ساكن في هذه المملكة يعيش في سلام تحت حكم ملك كريم يُلقب بسيرافيم الثالث.لم ينطق اسم المملكة "داسين" قط بل كان ينعثها بالعينان، حيث تغمرها إطلالة جمال و سكون، يعيش الناس في هذه المملكة بسعادة ورغمة. يحمل سيرافيم قلبًا كبيرًا ينعكس في عيونه، حيث يتغنى بحبه العميق لمملكته وأهلها.
المتميزة بقصورها وحقولها الخضراء، يمتزج ماء داسين بالهواء النقي، و كل ذلك يبث رائحة الجنة في كل زاوية. في هذا المكان الساحر، تتناغم الأرواح مع الطبيعة، ويسكن السلام قلوب الناس تحت حكم العاطفة و الحنان الذي يمتلكه سيرافيم.
كلّما اجتاحت عظمته العرش، انتابت سيرافيم الثالث موجة من الفرح والسرور تغمر قلبه، وعلى رغم بهجة كل هذه اللحظات، سُطِّرت أروع الأحداث بحمل زوجته 'دليليا' .
تحت سماء تمطر بالأمل و التوقعات ، كانت اللخظة الفارقة تنتظر قدوم يوم جديد ، إفتتحت مملكة داسين صفحة جديدة في سجل الزمان و ذلك بولادة الوريثة الأولى ‘صوفينيا‘ التي حملت في جناحيها البراءة و الوعي . مثل قصيدة من الخيال.
كانت لحظات تاريخية في المملكة خاصة أنها البنت الوحيدة التي ولدت في العائلة الملكية على مر تاريخها ، هكذا إنتهجت الوريثة الأولى خطواتها الأولى في رحلة الحياة وسط حفاوة الشعب و ترحيب الطبيعة.ولد 'يوبا'، الابن الثاني لملك داسين، في يوم تاريخي محمل بالفخر والترقب. انعكست فرحة القلعة بقدومه بترتيبات احتفالية، حيث تجمع الناس للمشاركة في هذه اللحظة المهمة. وفي هذا الجو المليء بالتوقعات، قدّم ملك داسين ابنه الجديد للمملكة بابتسامة تعبق بالفخر، وسط تهاني وتبريكات النبلاء والمواطنين. كانت لحظة الولادة ليست مجرد بداية لحياة يوبا، وإنما كانت بداية لفصل جديد من تاريخ المملكة، محمل بالأمل والتطلعات نحو مستقبل مشرق .
فبات سيرافيم يتربع على عرش الفخر، محاطًا بأبنائه الأمثال، وسط حب متبادل ورابطة لا تُفَرَّق
كانت مملكة داسين عرضة للتهديد، حيث كان يحرسها حجر كريم يعرف بـ "أرثيوس". هذا الحجر القديم مفعم بقوة السماء و الأرض ، ففي كل مرة يتولى ملك "داسين" الحكم، ينقل جزءًا من طاقته وسلطته إلى هذا الحجر، متأملاً في حماية مملكته. يُدعى هذا النظام الفريد بتقديم نصف طاقته للحجر والاحتفاظ بالنصف الآخر، ليكون بإمكان الحجر حماية المملكة من الأرواح الشريرة، والدخلاء من العوالم الأخرى، وأعمال المشعودين. وهكذا، يتم تكامل العلاقة بين الحكومة وهذا الحجر السحري، حيث يكمن في تضحيات الملك للحفاظ على أمان مملكته من تهديدات متعددة.
وجاء وقت الفراق الذي لا بد منه.
حيث أصيب الملك 'سيرافيم' بمرض شديد لم يستطع الأطباء الشرقيين والغربيين علاجه، فأفنى جسده تدريجياً حتى أسفر عن رحيله. صوفينيا ويوبا، اللذان فقدا والدتهما في سن صغير و الآن والدهما ، انغمسا في حزنهما، كانا يشعران بالضعف أمام فقدان عامود حياتهما.
الشعب أيضاً لم يكن قادرًا على تحمل هذا الخبر، إذ كانوا يحبون ويقدرون الملك، وكانت علاقته بهم لا تقتصر على رئيس، بل كان يشبه إلى حد كبير والدًا لهم جميعاً. كانت هذه الفاجعة تمثل خسارة كبيرة للمملكة، وعليها أن تواجه تحولًا جديدًا بدون قائدها العزيز.بعد أيام قليلة، صدموا بخبر اختفاء الأميرة صوفينيا، حيث طال غيابها لسنين.
بات الجميع يبحث عنها بهمجية، وسط ذهول الشعب الذي اعتاد على وجود الأميرة كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية. تفاقمت التساؤلات والقلق حيال مصيرها، وسط الأمل المتسارع واليأس المتنامي في قلوب الناس. انتظرها أخاها طوال تلك المدة و الذي كان قد بلغ العشرين عاماً من عمره ، يأمل في فتح وصية الملك، لكنه يئس وقرر أخذ زمام الحكم في داسين دون قراءة الوصية، خاصةً أن المملكة بقيت بلا حاكم لمدة ست سنوات.في تلك الليلة خلال الاحتفالات ، الجميع سعيد ، أصوات الموسيقى في كل مكان ، عادت صوفينيا .
دخلت القصر حاملة في دراعيها رضيعا ، وقف يوبا و الابتسامة تشق وجهه ، أسرع إليها يتفقد حالها ، رحب بها و عيناه تلمعان من شدة الفرح إلا أنها أنهت ذلك بقولها بنبرة حادة :
_أنا أنفيك من مملكتي
وقف مندهشا أمامها و الصمت يسود المكان فقال :
_ ما الذي تتفوهين به يا أختي ؟
ردت عليه و هي متجهة نحو العرش .
_كما سمعت ، أنا أطردك من المملكة ... كما غدرتني الآن ستغدرني فيما بعد .
لم يجبها يوبا و بقي متسمرا في مكانه مغرورق العينان ، فأضافت :
_أبي ، أخبرني أنه سيهبني "داسين" قبل موته ، و الآن أنا صوفينيا ملكة داسين .
_نحن لم نقرأ الوصية بعد !
_لا داعي لقراءتها !
_ و لنفترض أنك أنت من ستحكمين المملكة هذا لا يعطيك أي صلاح لنفي .
_ أنت اليوم جلست على هذا العرش ، مع أنك لم تعلم إلى من ينتمي و هذا أشعرني بالإهانة .
أنزل رأسه و تنهد ثم قال :
_أهذا هو السبب إذا ؟ أنا لن أسألك أين كنت طوال هذا الوقت و من هذا الرضيع الذي معك لكنني لن أخرج من "داسين" و لن أؤديك لكنك خيبتي أملي فيك يا بنت والدي ، أنا أعتذر حقا لأني إكثرت لأمر داسين أثناء غيابك .
و هو في طريقة للمغادرة ، فتحت أبواب القصر ليدخل رجل يرتدي ملابس من حرير . يحاط به الحراس من كل جهة و يسير بجانبه 'ماسينسا' الطبيب الروحي للعائلة الملكية ، فتضح بعدها أنه هو والد ذلك الرضيع /دالان' و زوج صوفينيا .تلك الليلة كانت من بين أصعب الليالي التي مرت على يوبا، إذ اجتمعت فيها مشاعر الحزن، والحنين، والاشتياق، والغدر. كانت نقطة تحول أيضا ، حيث لم يكن يرغب في أن تكون نهايته على يد أخته و بهذه الطريقة . فكر طويلاً وقرر أن يضع بصمته الخاصة. بالتالي، قرر أن يبدأ من جديد، وأسس بلدة صغيرة سماها "داسينيا" في الضفة الأخرى من الواد الذي يشق داسين ، حيث كان هو رئيسها وملكها. نجح في تنظيمها وتسييرها بكفاءة.
لكن هذا القرار لم يرضي صوفينيا، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الأخوين. خاضوا معارك كثيرة ، وانخرطوا في عداوة طائلة لفترة ، مما زاد من تعقيد الأوضاع وقوّض السلام الذي حاول يوبا إعادة بنائه في داسينيا الجديدة .
أنت تقرأ
مملـكة داسـين : حكمة أرثـيوس
Fantasyفي عالم فوق الطبيعة الذي يعج بقوى الخير والشر ،يتداخل فيه الواقع بأبعاد لا تنتهي، تنطلق القصة في رحلة فريدة من نوعها. يمتزج الخيال بالقوة ليخلقوا أحداثا مثيرة. يعتبر أرثيوس حجرا كريما يحمى 'داسين' . بل يعد درعًا يخفيه الرمل الناعم، حيث يشكل حماية ضد...