عاد الجميع إلى ديارهم في وقت متأخر من الليل ، حيث جلست جوسكا و إريان على صخرة على ضفة بحيرة داسينيا يتبادلان أطراف الحديث :
_ أنت يا إريان ، لم تخبريني بعد لما أنت هنا !
_ القدر ...
_..ألن تعودي ؟
_ليس الآن ، أنا هنا مجددا في داسين بعد سبعة عشر سنة ، لن أخرج منها إلا و رؤوس قتلة عائلتي معي ، حتى لو كلفني ذلك حياتي .
_ حسنا ! تفضلي فلتفعلي ذلك ،أنا لن أمنعك
_ تمنعينني ؟
_(تنهدت ثم قالت ) لقد دخل في جسدي أرثيوس الحجر ذو القوة العظيمة الذي يحمي داسين من الشر ، لذا كلفت بمهمته ريتما نجد طريقة لإخراجه.. حتى و أنني أطن أن الأمر مستحيل !
_هذا هو سبب مجيئك المفاجئ إلى هنا إذا !
_(أومأت برأسهل ببطإ) نعم.. أتمنى أن ينتهي الأمر قريبا ، لست مستعدة للتعايش مع هذا الشيء..
_بالمناسبة ! لما لا أعلم أنه لديك أب ؟ لما لم تخبرينني مسبقا ؟
_لم تتح لي الفرصة ، إضافة إلى أنه ليس والدي الحقيقي لذا لا تقلقي كثيرا بشأن هذا الموضوع... لقد تأخر الوقت عودي إلى غرفتك سأبقى هنا قليلا لوحدي !
_ حسنا طابت ليلتك .
_تصبحين على خير
غادرت إريان متجهة إلى غرفتها لتجد أكيسل مستلقيا أمام غرفته في حديقته الصغيرة يتأمل السماء .
_أنت .. ديهيا !
_أوه ، ماذا ؟ لقد أخفتني !
_ آسف ..، أين كنت ذاهبة في هذا الوقت المتأخر ؟
إقتربت منه ثم قالت بصوت منخفظ :
_ كنت هاربة من داسينيا ، لكنك كشفت أمري !
_أنت جادة ؟
_طبعا لا ! كنت أتجول فقط .
_ ألا تشعرين بشيء غريب ؟
_مثل ماذا ؟
_ أصوات غريبة ، تشبه همهمات بكلمات غير مفهومة ، أسمعها مند ساعات تقريبا
_ كلا .. لا أسمع شيئا...على اي سأغادر
_ انتظري لحظة !! هل كان ماسينسا هنا قبل قليل ؟
_لا . لم يكن هنا ، هم من ذهبوا إليه ، جوسكا ، السيد يوبا و السيد أوراس تمت دعوتهم جميعا إلى القصر .. سأذهب الآن ، إلى اللقاء .
_انتظري لحظة !!
_ماذا الآن ؟
_ حسنا أنا .. جائع .. و .. الكل نائم
_ و.. ؟
_أعدي لي الطعام أرجوك !
_ ماذاا ؟؟ هل أنت جااد ؟؟
_ أريد بعض كعك الأرز و الذرة المسلوقة و البطاطس الحلوة . من فضلك ديهيا !!
_لدي شرط .
_نعم تفضلي
_لا تتدرب أمام غرفتي بعد منتصف الليل أو قبل الفجر مجددا .
_ حسنا ، موافق !
_هيا إلى المطبخ إذا... تتصرف و كأنك طفل ذو الأربع سنوات .. هل تذهب إلى المرحاض لوحدك حتى.. ؟(وهي تهمس)
دخلت إريان إلى المطبخ و أكسيل خلفها :
_توقف عن الإرتطام بالصحون ، ستوقظ النائمين
_لست أنا من أصدر الصوت !
_هههه ، ماذا تعني (بنبرة مرتعشة) ، أصوات قبل قليل و الآن الأواني .
تراجعا هما الإثنان واحدا وراء الآخر حتى إشتعل فانوس ليظهر نوره وجه جوسكا .
جوسكا : أخيرا وجدته... مهلا ماذا تفعلان هنا ؟
أجابا الإثنان معا : لا شيء !
جوسكا : حسنا ، جيد أنك هنا يا إري..
إريان : نعم سيدتي ، أنا الخادمة ديهيا ، كيف أساعدك ؟ (بنبرة مرتفعة و متوترة)
جوسكا : ما بك ؟ .. كنت أقول جيد أنك هنا أنا جائعة !
إريان : حسنا إجلسا ، سأعد لكما الطعام
أكسيل : شكرا ديهيا !***
مضت الأيام ، و لزلت جوسكا غير قادرة على النوم ، حيث إنضم إليها الآن أكسيل بعدما بدأ يسيطر على قوة روحه .
كانا كل ليلة يذهبان إلى الغابة بعيدا عن السكان ، حيث تدربه جوسكا و تعلمه من فنونها ، ليتقن التفسر و يتمكن من طاقته و يصبح قادرا على حماية المملكة معها .
كان وضع سيفها اتجاهه أصعب من أن تنام وحدها في الليل و الشيء ذاته بالنسبة لأكسيل ، كانت قواهما متناغمة و تسير في ترابط لدرجة أن أصطدام سيوفهما يصدر موجة تهتز بموجبها كل حيوانات المملكة .أما إريان فكانت تحاول جاهدة معرفة قاتل عائلتها . لكن نسيانها لأحداث ذلك اليوم ، صعب عليها العثور على رأس الخيط .
كان والدها نجارا محترفا ، معظم أثاث القصر صنعت على يده .
لزلت تتذكر جيدا ذلك المنظر الجميل الذي تراه من أعلى ظهر أمها التي كانت تحمل بيدها سلة متوسطة مليئة بالأعشاب و الحبوب ، كانت تزرعها في حديقة بيتهم الصغيرة و تبيعها في السوق الأسبوعي .
قضت أربع سنوات في حياة هادئة و لطيفة مع عائلتها ، لكنها لم تكن مدة كافية لتترسخ ملامحهم في ذاكرتها .كانت ليلة مظلمة و باردة . حينما كان الجميع غارقا في نومه كانت والدتها تصب الماء البارد عليها لتخفف من حمة إريان ، حتى سمعا صوت الرعد و رأيا البرق يضرب في السماء حينها أسرعت والدتها لتدخل الغسيل من الخارج ، عندها سمعت إريان صرخة أمها العالية ، كانت تكابر للنهوض إلى الشباك و معرفة ما سبب ذلك الصراخ ، كان من المألم رأيت والدها واقعا أرضا و سيف يشق صدره ، كان يحاول بكل قواه أن يدفع زوجته و يشير إليها للهرب هي و طفلتهما .
كانت الطفلة تتحرك بصعوبة بسبب آلامها محاولة الذهاب إلى أمها التي تصرخ طالبة النجدة ، لكن الجميع في عالم الأحلام .. ، بعدها بدقائق دخل شخص مجهول الهوية يغطي وجهه بثوب أسود ، لا يحمل معه شيئا نزع السيف بقوة من صدر والدها و أدخله مرة أخرى بقوة ، كانت إريان في حالة دهشة من رؤية ذلك المشهد المروع في ذلك العمر الصغير ، بدأت والدتها بصراخ من هول المنظر و قسوته حينها تلطخت ملابسها بدم زوجها ، وقفت محاولة مهاجمة ذلك المجهول ليصفعها بقوة بمرفق يده لتقع فاقدة وعيها ، قرب جثة زوجها .
كانت إريان ، الطفلة البريئة تحدق في أجساد والديها الغارقين في بحيرة حمراء بوجه حزين و نظرات يملأهما القلق و الضياع الأبدي .
هذا كلّما كان بذاكرتها تجاههم ، لا ملامح ، لا أسماء لا أشكال و لا أصوات ، حتى إسمها لم تتذكره إلا بصعوبة ، لقد ضاعت ذاكرتها بين أحزانها و كأن روح والدها قد أخدت معها كل ما كان منهم معها و غادرت نحو السماء .
كانت تعيش في دوامة مليئة بالأحزان ، ذكريات سوداء تلحق بها تحملها إلى الماضي و تلعب بمشاعرها ثم ترجعها إلى الحاضر .
أنت تقرأ
مملـكة داسـين : حكمة أرثـيوس
Fantasyفي عالم فوق الطبيعة الذي يعج بقوى الخير والشر ،يتداخل فيه الواقع بأبعاد لا تنتهي، تنطلق القصة في رحلة فريدة من نوعها. يمتزج الخيال بالقوة ليخلقوا أحداثا مثيرة. يعتبر أرثيوس حجرا كريما يحمى 'داسين' . بل يعد درعًا يخفيه الرمل الناعم، حيث يشكل حماية ضد...