part 9

10 6 1
                                    


    
       عاد الجميع إلى ديارهم  في وقت متأخر من الليل ، حيث جلست جوسكا و إريان على صخرة على ضفة بحيرة داسينيا يتبادلان أطراف الحديث :
_ أنت يا إريان ، لم تخبريني بعد لما أنت هنا !
_ القدر ...
_..ألن تعودي ؟
_ليس الآن ، أنا هنا مجددا في داسين بعد سبعة عشر سنة ، لن أخرج منها إلا و رؤوس  قتلة عائلتي معي ، حتى لو كلفني ذلك حياتي .
_ حسنا ! تفضلي فلتفعلي ذلك ،أنا لن أمنعك
_ تمنعينني ؟
_(تنهدت ثم قالت ) لقد دخل في جسدي أرثيوس الحجر ذو القوة العظيمة الذي يحمي داسين من الشر ، لذا كلفت بمهمته ريتما نجد طريقة لإخراجه.. حتى و أنني أطن أن الأمر مستحيل !
_هذا هو سبب مجيئك المفاجئ إلى هنا إذا !
_(أومأت برأسهل ببطإ) نعم.. أتمنى أن ينتهي الأمر قريبا ، لست مستعدة للتعايش مع هذا الشيء..
_بالمناسبة ! لما لا أعلم أنه لديك أب ؟ لما لم تخبرينني مسبقا ؟
_لم تتح لي الفرصة ، إضافة إلى أنه ليس والدي الحقيقي لذا لا تقلقي كثيرا بشأن هذا الموضوع... لقد تأخر الوقت عودي إلى غرفتك سأبقى هنا قليلا لوحدي !
_ حسنا طابت ليلتك .
_تصبحين على خير
غادرت إريان متجهة إلى غرفتها لتجد أكيسل مستلقيا أمام غرفته في حديقته الصغيرة يتأمل السماء .
_أنت .. ديهيا !
_أوه ، ماذا ؟ لقد أخفتني !
_ آسف ..، أين كنت ذاهبة في هذا الوقت المتأخر ؟
إقتربت منه ثم قالت بصوت منخفظ :
_ كنت هاربة من داسينيا ، لكنك كشفت أمري !
_أنت جادة ؟
_طبعا لا ! كنت أتجول فقط .
_ ألا تشعرين بشيء غريب ؟
_مثل ماذا ؟
_ أصوات غريبة ، تشبه همهمات بكلمات غير مفهومة ، أسمعها مند ساعات تقريبا
_ كلا .. لا أسمع شيئا...على اي سأغادر
_ انتظري لحظة !! هل كان ماسينسا هنا قبل قليل ؟
_لا . لم يكن هنا ، هم من ذهبوا إليه ، جوسكا ، السيد يوبا و السيد أوراس تمت دعوتهم جميعا إلى القصر .. سأذهب الآن ، إلى اللقاء .
_انتظري لحظة !!
_ماذا الآن ؟
_ حسنا أنا .. جائع .. و .. الكل نائم
_ و.. ؟
_أعدي لي الطعام أرجوك !
_ ماذاا ؟؟ هل أنت جااد ؟؟
_ أريد بعض كعك الأرز و الذرة المسلوقة و البطاطس الحلوة . من فضلك ديهيا !!
_لدي شرط .
_نعم تفضلي
_لا تتدرب أمام غرفتي بعد منتصف الليل أو قبل الفجر مجددا .
_ حسنا ، موافق !
_هيا إلى المطبخ إذا...  تتصرف و كأنك طفل ذو الأربع سنوات .. هل تذهب إلى المرحاض لوحدك حتى.. ؟(وهي تهمس)
دخلت إريان إلى المطبخ و أكسيل خلفها :
_توقف عن الإرتطام بالصحون ، ستوقظ النائمين
_لست أنا من أصدر الصوت !
_هههه ، ماذا تعني (بنبرة مرتعشة) ، أصوات قبل قليل و الآن الأواني .
تراجعا هما الإثنان واحدا وراء الآخر حتى إشتعل فانوس ليظهر نوره وجه جوسكا .
جوسكا : أخيرا وجدته... مهلا ماذا تفعلان هنا ؟
أجابا الإثنان معا : لا شيء !
جوسكا : حسنا ، جيد أنك هنا يا إري..
إريان : نعم سيدتي ، أنا الخادمة ديهيا ، كيف أساعدك ؟ (بنبرة مرتفعة و متوترة)
جوسكا : ما بك ؟ .. كنت أقول جيد أنك هنا أنا جائعة !
إريان : حسنا إجلسا ، سأعد لكما الطعام
أكسيل : شكرا ديهيا !

***

مضت الأيام ، و لزلت جوسكا غير قادرة على  النوم ، حيث إنضم إليها الآن أكسيل بعدما بدأ يسيطر على قوة روحه .
كانا كل ليلة يذهبان إلى الغابة بعيدا عن السكان ، حيث تدربه جوسكا و تعلمه من فنونها ، ليتقن التفسر و يتمكن من طاقته و يصبح قادرا على حماية المملكة معها .
كان وضع سيفها اتجاهه أصعب من أن تنام وحدها في الليل و الشيء ذاته بالنسبة لأكسيل ، كانت قواهما متناغمة و تسير في ترابط لدرجة أن أصطدام سيوفهما يصدر موجة تهتز بموجبها كل حيوانات المملكة .

  أما إريان فكانت تحاول جاهدة معرفة قاتل عائلتها . لكن نسيانها لأحداث ذلك اليوم ، صعب عليها العثور على رأس الخيط .
كان والدها نجارا محترفا ، معظم أثاث القصر صنعت على يده .
لزلت تتذكر جيدا ذلك المنظر الجميل الذي تراه من أعلى ظهر أمها التي كانت تحمل بيدها سلة متوسطة مليئة بالأعشاب و الحبوب ، كانت تزرعها في حديقة بيتهم الصغيرة و تبيعها في السوق الأسبوعي .
قضت أربع سنوات في حياة هادئة و لطيفة مع عائلتها ، لكنها لم تكن مدة كافية لتترسخ ملامحهم في ذاكرتها .

  كانت ليلة مظلمة و باردة . حينما كان الجميع غارقا في نومه كانت والدتها  تصب الماء البارد عليها لتخفف من حمة إريان ، حتى سمعا صوت الرعد و رأيا البرق يضرب في السماء حينها أسرعت والدتها لتدخل الغسيل من الخارج ، عندها سمعت إريان صرخة أمها العالية ، كانت تكابر للنهوض إلى الشباك و معرفة ما سبب ذلك الصراخ ، كان من المألم رأيت والدها واقعا أرضا و سيف يشق صدره ، كان يحاول بكل قواه أن يدفع زوجته و يشير إليها للهرب هي و طفلتهما .
كانت الطفلة تتحرك بصعوبة بسبب آلامها محاولة الذهاب إلى أمها التي تصرخ طالبة النجدة ، لكن الجميع في عالم الأحلام .. ، بعدها بدقائق  دخل شخص مجهول الهوية يغطي وجهه بثوب أسود ، لا يحمل معه شيئا نزع السيف بقوة من صدر والدها و أدخله مرة أخرى بقوة  ، كانت إريان في حالة دهشة من رؤية ذلك المشهد المروع في ذلك العمر الصغير ، بدأت والدتها بصراخ من هول المنظر و قسوته حينها تلطخت ملابسها بدم زوجها ، وقفت محاولة مهاجمة ذلك المجهول ليصفعها  بقوة بمرفق يده لتقع فاقدة وعيها ، قرب جثة زوجها .
كانت إريان ، الطفلة البريئة تحدق في أجساد والديها الغارقين في بحيرة حمراء بوجه حزين و نظرات يملأهما القلق و الضياع الأبدي .
هذا كلّما كان بذاكرتها تجاههم ، لا ملامح ، لا أسماء لا أشكال و لا أصوات ، حتى إسمها لم تتذكره إلا بصعوبة ، لقد ضاعت ذاكرتها بين أحزانها و كأن روح والدها قد أخدت معها كل ما كان منهم معها و غادرت نحو السماء .
كانت تعيش في دوامة مليئة بالأحزان ، ذكريات سوداء تلحق بها تحملها إلى الماضي و تلعب بمشاعرها ثم ترجعها إلى الحاضر  .

مملـكة داسـين : حكمة أرثـيوس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن