part 2

37 11 4
                                    


كان ذلك في الماضي ، قبل خمسة و عشرون سنة .
أما الآن ، فتغيرت "داسين" جذريًا بعد أن أصبحت مملوءة بالأرواح الشريرة، لم يعد نسيمها منعشًا بل أصبحت مكانًا خاليًا من حياة.
سبب هذا التحول كان ماسينسا -الطبيب الروحي- ، الذي قام بالتلاعب في "أرثيوس". نواياه كانت تحقيق القوة من خلال استخدام قوى الحجر لإشباع روحه، إلا أن الحجر جُذب نحو الأرض مما أدى إلى إنكساره إلى حجرين: حجر الأرض وحجر السماء.
هذا التقسيم أحدث تغييرات جذرية في المناخ، حيث جفت الأراضي وفاضت الوديان في رمشة عين ، واندلعت الفوضى ببرق يصل إلى القصر حمل معه الحجرين لينهي معه الفوضى العارمة .

خرج ماسينسا مسرعا من قاعة الآثار و الخوف يسيطر على ملامح وجهه ، متجها إلى الملكة .
_سيدتي... لقد إختفى الحجر
وقفت بدهشة و صرخت في وجهه :
_أيها الأبله! أخبرتك أن تكون حذرا .
_لقد حاولت لكنه كان عنيدا هذه المرة !
_يا لها من مصيبة..إن لم نجده فسنفقد السيطرة على...
_على ماذا ؟ الظِلال الملعونة؟ هذا ما أريده أساسا ، في كل مرة يتغدى أحد من أتباعي على روح ما ، تنقص قوة الحجر ، عندها سيصبح حجرا عاديا كباقي الأحجار .
_ هذا الحجر ينتمي إلى داسين ، إنه أكبر مما تظن .
_أعلم ذلك قبلك يا سيدتي
_ إذا ؟
_سأخد دوره ريتما تجدونه !
_ أنت تثير أعصابي يا ماسينسا ، تصرف في أقرب وقت و لا تدع أحدا يعلم بهذا .
_حسنا جلالتك
عندها فُتح باب الجناح بقوة و دخل ولي الأمير دالان و هو ينهج أنفاسه بسرعة بسبب الخوف :
_أمي... كنت في ساحة القصر و رأيت البرق يضرب ، أنتم بخير ؟؟
_ نعم لا تقلق نحن بخير
في حين علّق ماسينسا قائلا و هو ينحني ليظهر احترامه لهم :
_سأذهب لأتحقق ما إن كان جميع أهل القصر بخير .
أما عن دالان بقي مع والدته يتفقدها ثم غادر ، فقد حمل سيفة و إمتطى حصانه و ذهب ليطمئن على أهل المملكة .

كان متسلقا على ظهر حصانه ، يركض بين أزقة أحياء المملكة ، بينما تعكس عيناه الشفقة والحزن عند رؤية الحالة و بكاء أهلها ، فهو يشعر بالاضطراب والتأثر تجاه الواقع الصعب الذي واجهوه .

كانوا جميعا في حالة هلع ، حالة يرتى لها . وقف بعيدا فوق ثلة يحدق مستغربا مما حصل قبل دقائق ، خاصة أنا أغلب الخراب حدث فقط على البساتين و الأنهار و الأشجار و لم يقرب المنازل قط.
لم يكن ذلك يشغل باله بمقدار إنشغاله بما إسترق السمع سابقا عن الحجر.
بعد ذلك نادى بصوت عال مخاطبا الناس :
_ يا أهل "داسين" كفو عن البكاء و الحسرة على أراضيكم و بساتينكم ، عدوا إلى بيوتكم و اجمعوا عائلاتكم و ناموا بسلام ، سأحرص على سلامتكم الليلة .

في اليوم آلتالي ، عاد دالان إلى القصر ، يظهر على وجهه علامات التعب ، وعينيه تكاد تنغلق من الإرهاق، يتوق إلى السرير ليجد لحظات هدوء وراحة . لكنه سرعان ما تذكر أمر الحجر و ذهب إلى الملكة للحصول على تفسير.
كانت جالسة في حديقة القصر تطعم طيورها المسجونة . لم يضع مقدمة لكلامه دخل في صلب الموضوع مباشرة دون إستئذان :
_هل سيستغرق إسترجاعه وقتاً طويلا ؟
_ماذا تقصد ؟
_الميراث !
تجاهلت صوفينيا كلامه و إستمرت بمداعبة عصافيرها و التحدث معهم .
_أنتٍ تعرفين ما أقصد ..جلالتك ، الحجر مفقود أليس كذلك ؟
_لست مستعدة لخوض نقاش ، رأسي يؤلمني ... عيناك منتفختان من شدة التعب ، إذهب و خد قسطا من الراحة ، و لا تتذخل في شؤون الكبار .
_الكبار ؟ سأذهب لزيارة خالي ، المكان هناك أريَح .
لم تجبه و واصلت ما كانت تفعله بهدوء و كأن كل شيء على ما يرام .

***

مع مرور الشهور، استمر غموض الحجرين المفقودين، وتفاقم تدهور "داسين" و"داسينيا". أصبحت البلدتين خاليتين من الحياة، حيث غابت الروح واندثرت الحياة منهما ، مما زاد من الجو الكئيب والمتوتر الذي يلف الشعب .

مملـكة داسـين : حكمة أرثـيوس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن