05 | حنينٌ إلى اللاشَيء

80 13 297
                                    

أحنُ إلى زمنٍ ما كنتُ فيه..

══━━━━✥◈✥━━━━══

«عندما كنتُ طفلاً صغيرًا، كنتَ ستجدني دائمًا في الخارج، ربما أركض عبر الغابة وفي منتصف وجهي إبتسامة مشرقة في الربيع، قد أبني رجال الثلج في الشتاء أو أطارد الحشرات في الصيف، وكجرو صغير أراقص الأوراق المتساقطة في الخريف.

في تلك الأيام، لم أكن أمانع أبدًا اللعب بمفردي، لم أكن أعرف أي شيء سوى أنني كنت أستمتع برفقتي، وكأنني ولدتُ بهذه الوحدة في داخلي، أنا أعرف ذلك الآن.. أعتقد أنني تغذيتُ وسُقيتُ منها

وإنني أعلم أنه حتى في ذلك الوقت، لم أشعر أبدًا بأنه يجب علي الهروب منها.. تلك الوحدة؛ بل في كل مرة أغادرها أشعر دائمًا بالحنين إلى شيء ما، إلى وطنٍ ما، منزل، أو ربما شخص أو لا أدري
لكنني لا أعرف أبدًا ما الذي أبحث عنه وما هذا الذي أحن له..

أحنُ إلى وطنٍ لم أملكه..»
Hiraeth.. هِيـراث

أسندتُ ظهري على الجدار أستمع لنبرته المرتجفة، أحاول تنظيم أنفاسي وكتم أي صوت قد يفضح وجودي

أغمض عيناي وسمعي يتلقى تتالي حروفه وتركيب كلماته الجميل، بدى كأنه يقرأها من شيء ما

لكنه كان جالسا على الأرض، قدماه مفرودتان أمامه، هاتفه مرمي على الأرض وتنطلق منه أغنية روك صاخبة، مغمض العينين وشفتيه تنسج الكلمات وترميها بفصاحة

«أنا أعلم أنكِ هناك»

تصنمّ جسدي ألتصق بالجدار
كيف..؟ أنا لم أصدر أي صوت

صوتُ خشن وأبح

رسمتُ إبتسامة معتذرة وإقتربتُ منه أقف أمامه قائلة: «أعتذر كنتُ فقط أبحث عن مكان فارغ»

نطق يدلّك صدغيه وقد بدى أن يعاني من صداعٍ حادٍ «توقفي، أعلم أنكِ كنتِ تتبعينني»

بشرة بيضاء شاحبة، كأنّها أُفرِغت مِن الدم
آراكني..

أشحتُ بصري بإحراج، لكن لم تبدو نبرته عدائية ولا نظرته غاضبة كما كان في الصف، بل كان يبدو مريضا.. أو فقط مرهقا بشدة «ألا يزيد صداعكَ سوءًا؟ أعني الأغنية.. صاخبة»

همسَ يبتسم «لا، بل تسكتُ الأصوات في عقلي»

أسنان ناصعة البياض، إبتسامة مشرقة
آراكني..

دعوتُ نفسي إلى الجلوس، أضم ركبتاي إلى صدري أقابله، وأدقق في تفاصيل ملامحه دون خجل

عينان بنيتان حادتان، رموش قصيرة، ذئب

«توقفي..»

أشعل سيجارة، فإمتثلتُ إلى أمره أمرر عيناي إلى أصابعه الطويلة وكيف ينقل السيجارة بينها ثم يقربها إلى فمه، يضعها بين شفتيه المرتجفتين، وقبل أن يستنشقها نبس «توقفي..»

جوفٌ يتأكل!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن