استحداث : الفصل الخامس : (سؤال الإدارة)

50 1 0
                                    

إستيقظت الساعة الواحدا ظهرا بعد ان استلقيت على السرير فور وصولي، نمت سريعا من شدة التعب. عدلت وضعيتي فجلست على طرف السرير قبل أن أقف. بدأت اتذكر كل ما حصل في طريق السفر، شعرت بإحساس يقنعني ان شيئا لم يحصل ولازلت في المنزل، لكن وجودي في المملكة يمنعني من إيهام نفسي، ولا يمكنني فعل شيء حيال هذا. وقفت على قدمي، سرعان ما أصابتني رعشة شديدة حينما استوعبت كليًا ما حصل! بتت أسمع كل الأصوات المزعجة في اذني، لم اعد ارى شيئا، نقاط سوداء تغطي بصري بالكامل! لا يمكنني أن اصرخ، لا يمكنني فعل شيء، لا استطيع ان أعرف في اي اتجاه بتّ امشي، كل ما أدركه أنني أمشي.. ذهبت الأصوات تدريجيا واستعدت بصري، وجدت نفسي في المكان الذي قمت به من على السرير، موضعًا يداي على رأسي دون ان أدرك، نظرت لمرآة الخزانة المقابلة لي فوجدت تعابير وجهي مرتبكة بالكامل..
قررت إخراج أمتعتي وكتبي من حقيبة سفري لأخفف عن نفسي، فأخرجت عددا من الأغراض وقمت بتوزيعهم وترتيبهم على الطاولة. أخرجت حقيبتي المدرسية ووضعتها بجانب الخزانة. أنهيت الأمر خلال دقيقتين. بقيت واقفا. لم أشعر بتغيير كبير في نفسيتي، تنهدت ثم قلت في نفسي : " اوه! المفكرة!"
غمرتني السعادة فَور ما تذكرت مفكرتي التي كنت اخبئها في جيبٍ صغير في حقيبتي المدرسية،
فـ توجهت نحو حقيبتي لأفتحها وأخرج المفكرة..

قبل ثمان أعوام، أي حين كنت بالصف الرابع، طلبت من غوشين أن يشتري لي دفترًا بعدد صفحات كبير لأدون به اي شيء اريده، وبالتحديد لأدون ما اسميه "النقاشات"، نقاشات مع طلاب آخرين. بدأت تلك النقاشات حين كنت في الصف الرابع أي حين كنت في التاسعة من عمري. كانت تحدث النقاشات بالصف أحيانا وأحيانا اخرى في ساحة المدرسة. كانت المدرسة الابتدائية والمتوسطة غريبة، فهي مدرسة واحدة تجمع من المراحل الاولى الى التاسعة، وهي مجددًا أشبه بمكان يعج بالمدللين، لم أكن أجد أي أحد أستطيع أن أشاركه أفكاري، لذلك كان أول نقاش لي مع زميل كنت اعدّه من المدللين، لذلك، بالطبع لم يكن نقاشنا حول كيفية القضاء على الفساد، كان مجرد نقاش طفولي حول لعبة ما.

لكن أول نقاش او اقرب الى.. مسألة ، حدثت في الصف الثامن، حيث اعطتنا إدارة المدرسة سؤالا تنتظر وجود حل منطقي له. كانت معطيات السؤال أنه في حال حدث حريق وصل لكل أنحاء المدرسة فـ ماهي أفضل طريقة للبقاء في أمان؟
كانت المدة المحددة لحل السؤال هي ثلاثة أيام.
فـ يجب على كل مرحلة ان تطرح فكرتها في اليوم الثالث وتقوم الإدارة بإختيار أكثر فكرة مناسبة.
وكانت جائزة المرحلة الفائزة هي شارات زرقاء للمشاركين من المرحلة.
كانت الإدارة تسأل كل طالب من المراحل التاسعة والثامنة والسابعة عن ما إذا كان يود المشاركة، لذلك، ومن بين ما يقارب المئتان طالب من المراحل الثلاثة، شارك سبعة وثلاثون طالبا فقط. انشأت كل مرحلة - وكل تجزئة للمرحلة - هيئة توحد كلام المرحلة بشكل كامل مع تعيين قائد يتكلم بالنيابة عنهم.
فـ المرحلة التاسعة شارك منها خمسة عشر طالبا، والثامنة شارك منها تسعة طلاب فقط، اما السابعة شارك منها ثلاثة عشر طالب. كنت محبوبا من قِبل طلاب شعبتي، لذلك رجحت وصولي للقيادة، ولكنني كنت املك منافسا، منافسا شرسا من شعبة اخرى، كان يدعى "راسموس"، كان شائعا انه الاذكى في شعبته، لكني كنت اظنه مدللا فحسب.
حصل خلاف بين شعبتي وشعبته فكانت شعبتي بأكملها تدعم كوني قائدا كما كانت شعبته بأكملها تدعمه، حين رأيت مدى شعبيته في شعبته صرت مهتما بمعرفة المزيد عنه فـ بدأت نظرتي حوله بالتغير..
بينما كان طلاب الشعبتين يدعمون بطلهم، كنت أنا وراسموس قد اجتمعنا في الساحة حين رن الجرس. يبدو أن التفكير نفسه قد راودنا، فـ حينما رن الجرس توجهت لشعبته وكان متجها نحو شعبتي هو الآخر فـ لذلك تلاقينا ثم ذهبنا الى الساحة، وتكلمنا عن عدة أمور.
الأمر الأول كان حين قال لي سائلا : "أتعرف ماهو اللغز بالتحديد؟" فأجبته بـ "لست متأكدا" فـ قال : "احتمالية ضئيلة لحدوث الحريق.. تعيين قائد.. كلها أمور مريبة.. فكرت بالأمر، فـ توصّلت الى استنتاج أن اللغز يكمن في دواخلنا.. نحن!"
- "تقصد الدوافع؟"
- "نعم، لعلّهم اختاروا المراحل الثلاثة التي يبدء فيها النمو الفعلي للطفل... ربما يريدون... إختبار وتنمية مستوى قدراتنا الإجتماعية والإستراتيجية!"
- فـ قلت له : "وبالتالي، نجاحنا اجتماعيًا يشكل نصف النجاح الكامل!"
فـ بدا كل شيء منطقيًا، واقتنعت حينها أنه ليس مجرد مدلل كما ظننت..
ثم قلت له : "معرفة دوافع الطلاب يزيد من نسبة نجاحنا اجتماعيًا، قد يكون البعض أنانيًا يفكر بطريقة هروب فردية لكنها آمنة بالمقابل، كما قد يفكر آخر بطريقة هروب تشمل الجميع ولكنها صعبة وخطرة.."
حينها، استوعبت أنني أكلم شخصا لا أعرف دوافعه أساسًا فـ لا اعرف كيفية هروبه. توقفت عن الكلام والمشي للحظات، توقف هو أيضا، "أكمل.. ما بك؟" قال لي.
- " لا شيء، هذا كل مافي الأمر.."
أخفض جفنيه وابتسم بشكل مريب وقال : "أدركت الأمر مسبقًا، نحن مختلفان يا أمير.."
"الأولوية للخطة الأفضل، لا للدوافع الشخصية" قلت له.. لم نتحدث بالأمر مجددا وأكملنا مشينا.
ثم انتقلنا إلى صلب الموضوع، وهو تعيين القائد.

بلورات الدماء | Crystals of Bloodحيث تعيش القصص. اكتشف الآن