البارت الرابع

43 7 0
                                    

تجلس رهف فى مكتبها فى مستشفى الأمراض العقلية حتى دخل عليها المدير ، رجل متوسط القامة شعره ابيض وفى متوسط الخمسينات
المدير: كنت اتسأل لما ازداد نورنا هنا ، علمت أن الطبيبة رهف تجلس معنا
وقفت رهف والقت التحية على المدير وصافحته
رهف: شكراً لك أيها الطبيب محمد
جلس الطبيب على مقعد أمام مكتبها وهى جلست على مقعد مكتبها الاساسى
محمد : أخبريني عن تلك الحالة التى تتابعيها
رهف: لقد تحسن كثيراً ، يمكننا أن نقول بدأ فى تخطى الصدمة النفسية التى حدثت له
محمد: هذا الخبر الذى انتظر سماعه منذ وقت يا رهف ، انا اعلم انك أمهر طبيبة هنا ، لذلك قُمت بتسليمك هذة الحالة
اثناء حديثهم يطرق شخصاً على باب مكتب رهف ثم يدخل ، وكان ذلك الشخص احمد صديق مراد
احمد: صباح الخير
المدير: صباح النور يا سيادة النقيب
رهف: تفضل يا سيادة النقيب
جلس احمد على الكرسى الذى أمام كرسى المدير
المدير: كنا نتناقش عن حالة فارس ، كنت أود الحديث معك لكن متأسف لدي بعض الأعمال ، استأذنك ، نورتنا يا سيادة النقيب
احمد: شكراً لك
محمد: استأذنكم
خرج المدير من المكتب وترك احمد مع رهف
رهف: فارس يتحسن كثيراً عن البداية
احمد: هل يمكننى مقابلته
رهف: نعم يمكنك
وقفت رهف وتوجهت نحو باب مكتبها وخرجت وخلفها احمد ، وتوجهوا نحو غرفة 308 وهى غرفة فارس ، دخلت رهف ثم وجدت فارس يجلس على السرير ممسكاً بمصحف يقرأه
رهف مبتسمة: صباح الخير
فارس: صباح النور  أيتها الطبيبة
رهف: سيادة النقيب هنا حتى يطمئن عليك يا فارس
نظر فارس إلى احمد وابتسم وتحدث قائلا: شكراً لك
نظر احمد الى رهف وتحدث قائلا: هل من الممكن أن اجالسه فى انفراد؟
رهف: حسناً ، لكن ممنوع اى اسئلة تؤثر عليه
احمد: لا تقلقى أيتها الطبيبة
خرجت رهف من الغرفة ، أما احمد نظر إلى فارس واقترب منه وجلس أمامه على السرير
احمد: حمداً لله على سلامتك أيها البطل ، أريدك أن تستعد إلى ما سيأتيك
فارس: لا أفهم ماذا تقصد؟
احمد: ألا تريد ان تأخذ بثأر والدتك وشقيقتك؟
فارس: نعم ، وأريد أن أزور قبرهم
احمد: لا تقلق سوف تقوم بزيارتهم ، أكمل قراءة قرآن حتى يشفع لك
ثم وقف احمد و خرج من الغرفة وتوجه إلى خارج المستشفى ثم غادرها ، صعد سيارته وأخرج هاتفه ليتصل بأحد الأشخاص غير معروف
احمد: مساء اليوم ستُنفذ
الشخص: حسناً سيدى
انهى احمد المكالمة ، ثم تحدث إلى مراد
احمد: مراد ، رهف بداخل المستشفى ، هى المسئولة عن حالة فارس ، يجب أن تخرج من المستشفى
مراد: لا تقلق ، قُمت بترتيب كل شئ
..............
عجيب امرك أيها الإنسان ، تتذكر الله بعد أن تفعل شيئاً لم يكن فى الحسبان!
..................
على الجانب الآخر فى مكتب رهف ، كانت تقوم بمراجعة بعض الأوراق ، حتى سمعت صوت رنين هاتفها وجدته رقم غير معروف ، اجيبت على الاتصال
مراد: صباح الخير
رهف: من انت؟
مراد:  الشخص الذى اخبرتيه أنه يُحارب الدنيا
رهف: سيف!
مراد: كيف حالك أيتها الطبيبة؟
رهف: ماذا تريد؟
مراد: أريد أن نتناول العشاء سوياً
رهف: للاسف لن يحدث لأن لدي عمل فى العيادة
مراد: اعلم انكِ ستنهين عملك الساعة التاسعة ، سأنتظرك أمام المبنى السكنى ، إلى اللقاء يا طبيبتى
اغلق مراد الهاتف قبل أن تجيب رهف بأى كلمة و نظرت إلى هاتفها فى حيرة وتحدثت قائلة: أريد فهمك يا سيد سيف ومعرفة سرك
.................
الطبيبة ليست صبورة أيها القارئ ، مثلك تماماً ، لا تعلم ان فضولها يقودها إلى جحيم
...............
فى مساء اليوم تحديداً على الساعة العاشرة هبطت رهف من عيادتها ، عندما خرجت من المبنى السكنى وجدت مراد يقف أمام المبنى متكئ على سيارته
مراد: لقد تأخرتي ساعة
نظرت له رهف باندهاش ولم تجيب عليه ، اما هو أشار لها إلى سيارته وتحدث قائلا: هيا حتى لا نتأخر اكثر من ذلك
صعد مراد الى السيارة وصعدت رهف ايضا وتوجهوا نحو احد المطاعم ، فى خلال دقايق وصلوا إلى مطعم فاخر ، له تصميم تراثي مميز ، نزل مراد من السيارة ونزلت ايضا رهف
مراد: هيا ، تفضلى
دخلوا إلى المطعم وجلسوا على إحدى الطاولات ، وضعت رهف حقيبتها على المقعد الذى بجانبها
مراد: هل ستظلي تنظرين إلي صامتة؟
رهف: لما تفعل كل ذلك؟
مراد: لديكِ فضول لتعرفين عنى كل شئ ، انا أيضًا لدي فضول لأعرف عنكِ ، هل الفضول ملكاً للأطباء فقط؟
رهف: ماذا تريد أن تعرف عنى؟
مراد: من رهف؟
تنهدت رهف ونظرت إليه بتفحص ثم بدأت الحديث
رهف: إنسانة بسيطة جداً ، وجودها فى حياة أى شخص سبب لمساعدته أن يتحسن نفسياً ويعيش حياته فى سلام وراحة ، بدلاً من إضاعة عمره وحياته فى الحزن والتفكير المُفرط
مراد: هل كان اختيارك أن تكونِ سبب لمساعدة البشر؟
رهف: بالطبع ، ولكن الله أيضًا يجعلنا اسباب لبعضنا البعض ، ولكن سأخبرك شيئاً ، ليس الأشخاص الذين يأتوا الى عيادتي من يعانوا من شئ مؤلم ، بطبيعة الأمر انا كذالك كنت اعانى من شئ مؤلم
مراد: هل تسمحين لي اقوم بدورك وأسألك ماهو اكثر شئ كنتِ تُعانين منه؟
ابتسمت رهف واعتدلت فى جلستها وتحدثت: لا يُصح أن الطبيب يشارك أسراره الشخصية للمريض
مراد: حسناً ، هل تسمحين لي أكون صديق متطفل كى أعرف سرك
رهف: حسناً ، موت أبى و أُمى ، اكثر شئ مؤلم ، عندما بلغت أثنى عشر عاماً ،  أخبروني أنهم قد ماتوا ، كانت صدمة بالنسبة لي لأن دائماً يخبرونى بأن والداي خارج البلاد ،  فى ذلك الوقت فقدتُ النطق ، لذلك قُمت بزيارة طبيب نفسى
مراد: لذلك وددتِ ان تصبحين مثل الطبيب!
رهف: لا ، السبب ان الإنسان بمفرده ليس بكفاية أن يتخطى حزنه ، يجب مساعدته ، لذلك فكرتُ لما لم أقم بمساعدة البشر مثلما وجدت المساعدة من طبيبي ، كُنت افكر هكذا وانا بعمر الرابعة عشر عاماً ، هل كنت تتخيل أن هذا تفكير مراهقة من المفترض أن تلعب بعرائسها المدللة
مراد مبتسم: لا ، لم أكن اتخيل
رهف: وانت ، ما هو الشئ المؤلم الذى يؤثر عليك؟
صمت مراد لدقائق ، وهو يتذكر ضحكات همس ووجها البرئ وهى تبتسم وشعرها المرفرف فى الهواء وهى تجرى أمام مراد وتنظر له وتبتسم ، أستعاد مراد وعيه وأستيقظ من غفلة ذكرياته على صوت رهف
رهف: سيف ، لماذا انت شارد الذهن؟
مراد: لا ابداً ، استأذن منكِ لبضع ثوانٍ
وقف مراد وتوجه إلى مرحاض المطعم ، اما رهف ظلت مكانها فى حيرة من أمر هذا الشخص
...............
كانت ملامح زوجتى حقاً جميلة ، ضحكاتها البريئة مثل الأطفال ، شعرها البنى القصير ، يا الله كيف حُرمت من هذه الابتسامة الخلابة!

العقل مقبرة الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن