part 3

2 0 0
                                    

إن اثر مكالمة جيني على سوني لم يقتصر على الدهشة و الصدمة و لكنها أعادته إلى ذكريات بعيدة و باهتة كان قد طوى صفحتها و تمنى لو ينساها إلى الأبد : "أبي كان سبب جميع المصائب التي حلت بنا" هكذا اخبر سوني سوتون احد الصحفيين الذي كان يجري مقابلة معه بعد عام على الاتصال الأول مع جيني , ثم صمت لبرهة و قد ارتسمت على وجهه ملامح حزينة و هو يسترجع في مخيلته شريط الماضي البعيد , ثم أردف بصوت متهدج : "كان أبي بناءا و كان يكسب مبلغا جيدا من المال لكنه كان ينفقه على احتساء الخمر , كنا نظل لأسابيع كاملة بدون مصروف للبيت , لم يكن لدينا شيء لنأكله , كان أبي يعود ليلا و هو مخمور و يطلب أن يوضع العشاء أمامه , و إذا لم تجد والدتي شيئا لتضعه على الطاولة كان ينهال عليها بالضرب بقسوة , أحيانا كنت أحاول باستماتة منعه من ضربها فكان يضربني أنا أيضا" , لم تكن العائلة في الغالب تملك شيئا لتأكله , كان سوني و أشقائه يحاولون في النهار صيد الأرانب و السمك أو أي شيء يمكن ان يؤكل و في الليل كانوا يسرقون بعض الخضار من الحقول المحيطة بالبلدة , كانت طفولة بائسة و تعيسة , لكن على العكس من الأب جون السكير و القاسي , كانت الأم ماري غاية في الرقة و الحنان في تعاملها مع أطفالها.
سوني كان في الثالثة عشر عندما ماتت أمه عام 1932 , و هو يلوم والده على وفاتها أيضا : "لقد كانت مريضة و منهكة , أنجبت 10 أطفال خلال 13 عام (مات اثنان منهم في الطفولة) و بعد وفاة أخر أطفالها اخبرها الطبيب بأن إنجاب طفل أخر سيعني موتها المؤكد" , و بالفعل تحققت نبوءة الطبيب إذ ماتت ماري سوتون في المستشفى بعد أن وضعت أخر أطفالها : "لقد كانت ضربة مؤلمة لنا" قال سوني بحزن ثم أردف و هو يغالب دموعه "لقد انقلب كل شيء في حياتي رأسا على عقب".
و لم تمضي سوى عدة أيام على وفاة ماري سوتون حتى حضرت راهبة إلى الكوخ و اصطحبت معها شقيقات سوني إلى احد الملاجئ و بعد ذلك بأسابيع قليلة اخذوا أشقائه أيضا إلى احد دور الأيتام , و لم يبقى في المنزل سوى سوني الذي أصبح خادما لأبيه و حاضنة لأخته الرضيعة التي توفت والدته و هي تضعها , "لقد أحببت تلك الطفلة من كل قلبي" قال سوني "لقد رعيتها مثل أمي , كنت أغير ملابسها و اغسلها و أطعمها تماما كما كانت أمي تفعل مع بقية أشقائي , لكن في احد الأيام حضر احد أعمامي و اخذ الطفلة , لم أرها أبدا بعد ذلك اليوم" , لقد كانت طفولة سوني عبارة عن مأساة , إذ تفرقت عائلته و لم يعلم شيئا عن أشقائه و شقيقاته لسنوات طويلة و أصبح يعمل في الحقول من الصباح حتى المساء من اجل أن يعيل والده السكير , لكن بعد أربع سنوات على وفاة والدته لم يعد سوني يطيق حياته فهرب في إحدى الليالي من كوخ والده و التحق بالجيش و لم يعد بعدها إلى مالهد إذ لم تكن البلدة تعني له سوى مجموعة من الذكريات الأليمة التي كان يود أن ينساها إلى الأبد.

قصة الحياه السابقه - الأم الايرلندية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن